- إنضم
- 1 نوفمبر 2005
- المشاركات
- 540
- مستوى التفاعل
- 12
- النقاط
- 0
الصراط المستقيم (أحد قادة الأحزاب الإسلام
بسم الله القوى
الصراط المستقيم
(أثناسيوس) خالد عبد الرحمن
أحد قادة الأحزاب الإسلامية المعاصرة
مقدمة:
أنتمي إلى عائلة دينية صوفية في العراق ينتهي نسلها إلى الحسن بن علي بن أبي طالب حفيد نبي الإسلام محمد.
جدي لأبي كان ملا فخليفة لشيخ طريقة. وظيفة الملا هي أن يقوم بتدريس العلوم الدينية للطلبة الصغار السن وهذه العلوم هي القرآن والشريعة. ومن وظيفته أيضا أن يقوم مقام القاضي في القضايا الشرعية، وفي إمامة الصلاة والخطابة والوعظ يوم الجمعة.
ارتقى جدي مراتب روحية عديدة جعلته أهلا لأن يصبح خليفة لشيخ الطريقة في منطقته وكان الشيخ يمت له بصلة قرابة.
ابتعد والدي عن الجو الديني للعائلة وخالف رغبة والده في أن يصبح ملا هو الآخر.
حيث أن أغلب أجدادنا كانوا يعملون إما ملالي أو شيوخ طرق. التحق أبي بالكلية العسكرية وصار ضابطا في الجيش العراقي.
طفولتي وشبابي:
لم يكن أبى من المحافظين على الصلاة أو الصيام . وبالذات بعد أن توفى جدي. ولكن ما كان يقصه عليّ عن ورع جدي وتقواه جعلني متشبث بصورة هذا الجد الشيخ ذو اللحية والعمامة البيضاء. كنت على اتصال وأنا صغير بباقي أقربائنا الذين مازالوا ينهجون في الطريق الصوفي الذي اختطه لنا أجدادنا. ووجدتني متأثر وأنا في سني الصغيرة بهذا الجو الروحي.
ابتدأت في ممارسة فرائض الإسلام وأنا ما زلت صغير قبل سن البلوغ الشرعي. وكان والدي يسخر من هذا الطفل الصغير الذي ابتدأ يلتزم بفرائض الإسلام وهو مازال تحت سن الرخصة. ولكن هذا لم يفت في عضدي فظللت على نهجي. كان أول دعوة قمت بها هي إقناعي لوالدتي بضرورة الانتظام في الواجبات الدينية وارتداء الحجاب.
تعلمت على يد أقاربي الشيوخ القرآن والسنة والفقه والتصوف. بعد فترة من وجودي معهم ابتدأ عقلي يرفض ما يفعلون مثل غرز سيخ حديد في الخد وإخراجه من الجانب الآخر والتواجد (وهو تمثيل حالة الوجد التي يصل فيها المريد إلى مكاشفات ربانية).
وجدت أن كل هذا لم يكن معروف على أيام النبي ولم يُسجل في السنة النبوية. ألح على الحديث النبوي (كل بدعة في النار). فوجدتني ارفض قيم هذا المجتمع لاعتبارات فقهية وهى أنهم مبتدعين في الدين. شكّل فكري السني الجديد شيخ الإسلام ابن تيميه وابن القيم الجوزية. سعيت بكل إخلاص أن أسير على النهج السني الخالص بمعنى آخر صرت سلفي. اجتذبتني التيارات الوهابية الحديثة التي بدأت تظهر في العراق على حياء. حيث أن الدين أو التحدث فيه أمر غير مرغوب فيه في بلدنا.
وغالبا ما تجد المسجد فارغا في الصلوات الخمسة إلا من الإمام وبضعة مصلين لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين. أغلبهم من المسنين والمتقاعدين. لم يكن هناك فتية وشباب كثيرون لذا وجدت كل تشجيع من شيخ الجامع السني. واجتذبني علم هذا الشيخ الذي يحمل لقب دكتور في الشريعة. وابتدأت أتعلم على يده في حلقة دراسية يومية بعد صلاة المغرب حتى صلاة العشاء.
كانت مكتبة الجامع تحتوي على كتب قيمة للغاية أثرت فكري وتعطشي في البحث عن أقوم الطرق لله.
في ذلك الوقت اكتشفت بعض المؤلفات الهامة في علم الكلام مثل الفرق بين الفرق، وعدد من المؤلفات في علم الكلام للأشعري والغزالي والخياط وابن تيميه وغيرهم.
وابتدأت أقرأ بشغف متعرفا على باقي الفرق الإسلامية الكبرى: أهل السنة والجماعة، والشيعة، الخوارج، المرجئة، والمعتزلة. كما بدأت في دراسة باقي الأديان الكبرى مثل المسيحية واليهودية.
الجدال مع المسيحيين:
وابتدأت في هذه السن في مناقشة باقي الفرق والأديان التي أرى فيها البطلان مثل الشيعة، الصوفية والمسيحيين. لم يكن من الصعب علىّ أن أكيل الاتهامات للصوفية والشيعة، حيث أن هناك شئ مشترك بيننا وهو الإيمان بأن لا إله إلا الله وبنبوة محمد وبقدسية القرآن. ولكني حقا فشلت في إقناع المسيحيين لأنهم يرفضون نبوة محمد وقدسية القرآن.
في تلك الأثناء بدأ عقلي الباحث عن الحقيقة ينضم إلى جانب المعتزلة. وأول ما آمنت به هو مقولتهم الشهيرة بأن القرآن مخلوق (أي أن الله خلق القرآن مثل ما خلق أي شئ آخر) ورفضهم أن يكون لله أي شبيه (ليس كمثله شئ) (فاطر 11). لم يستطع شيخ الجامع أن يجيب على أسئلتي العديدة إلا بابتسامة. لا أدري حتى الآن لماذا؟ فقط قال لي: ستدخل قسم الفلسفة يا بني. وتحققت نبوءته بعد هذا.
أصبحت أصول المعتزلة الخمسة هي مبادئ إيماني وهي:
1. العدل (بأن الله أعطى الإنسان إرادة حرة في الاختيار)
2. التوحيد (تنزيه الخالق من كل صفة جسدانية أو تشبيهية مثل أن يكون له يد "يد الله فوق أيديهم").
3. المنزلة بين المنزلتين (فاعل الكبيرة هو فاسق وليس بكافر أو مؤمن، وهو أول أصل أدى إلى انشقاقه عن وحدة الصف وتلقيبهم بالمعتزلة).
4. الوعد والوعيد (الوعد بالجنة والوعيد بالنار)
5. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الخروج على طاعة الحاكم الجائر وهو أمر يرفضه أهل السنة "وأطيعوا الله ورسوله وأولوا الأمر منكم").
لم يكن هذا فقط ما آمنت به، فقد وجدت عدد كبير من الأفكار المعقولة لديهم مثل: انتهاء معجزة التحدي القرآني "فأتوا بسورة من مثله" البقرة 23، هذه المعجزة كما يقول النظام قد انتهت بموت النبي، حيث أن الله صنع معجزة بأن منع العرب من أن يأتوا بمثله وهم قادرون عليه، لا لأن القرآن أبلغ ما كُتب في العربية. وجدت هذه الفكرة مقبولة أكثر لديّ، لأني أنا نفسي شككت في هذا، إذ أنه من السهل على أي شخص ذو علم أن يأتي بمثل القرآن كما قال د. طه حسين.
في خضم هذه التحولات الفكرية الكبيرة لدىّ، ابتدأت بدعوة المسيحيين إلى الإسلام وحيث أني فشلت لجهلي بالمسيحية، بدأت في دراسة ما يقع تحت يديّ من كتب مناوئة لهم. أذكر أني تأثرت للغاية بكتاب د. مصطفى محمود "التوراة". وجدتني أسعى بشتى الطرق كي أحصل على الكتاب المقدس، كي يكون لديّ كتاب المسيحيين فأستطيع أن أبارزهم بكتابهم. وحصلت على نسخة، وبدأت أقرأ كتابهم بنهم شديد وسخرية. بدأت بالجدال مع بعض الأصحاب المسيحيين الجهلاء بدينهم، فأصبت منهم ما أريد. إذ أوقعتهم في حيرة أرضت غروري، ولكن هذا لم يمر مرور السحاب، إذ أني كنت مصمما على جرهم إلى حظيرة الإسلام.
حواري مع القسيس:
ابتدأ هؤلاء الفتية يسألون أهلهم، أسئلة حادة أزعجت الأهل، فاضطروا إلى أن يرجعوا إلى قسيسهم. طلب هذا القسيس من أهل هؤلاء الفتية إحضاري وإحضار أبنائهم، وهو كان يهدف إلى إحراجي وإفحامي أمام هؤلاء الفتية كي يرجع لهم ثقتهم في دينهم. وابتدأت ألقي بما ظننت أنه كافي لتدمير المسيحية من جذورها. كما كانت دهشتي عندما وجدت هذا القسيس يرد علىّ بكل ثقة وهدوء، ويجيب أسئلة ظننت أن لا رد عليها. وعندما وجدت أنه سيفحمني بدأت أكيل الاتهامات الغير عاقلة التي يلقيها المسلمون مثل: أنتم المسيحيون غيّرتم كتابكم! أنتم تعرفون بأن محمد مذكور لديكم! أنتم تعلمون أن القرآن من عند الله! كيف تؤمنون بأن الله له ابن، وهكذا...
أجاب هذا الشيخ الجليل بكل محبة وصدر رحب على أسئلتي العجيبة. وطلب مني أن أعود إليه إن شئت الاستئناف. خرجت من عنده وأنا في قمة الإحراج، وضحكات التهكم على شفاه الشبان الذين أتعبتهم لفترة بسهامي.
عدت إلى بيتي وأغلقت غرفتي علىّ، وبقيت بين كتبي ومراجعي وابتدأت أقرا كل الكتاب المقدس. أنهيته في بضعة أسابيع، وعدت إلى القسيس حاملا أسئلتي وجلسنا نتناقش بهدوء. أجابني على كل ما رأيت أنه ينقص المسيحية وينزل بها إلى مستوى أدنى من الإسلام. وأعطاني بعض الكتب التي توضح لاهوت المسيح. شرح لي فكرة الثالوث ممثلا إياها مثل قرص الشمس ونورها وحرارتها. وأنها مظاهر نابعة من الشمس ولكنها أيضا صفات واجبة الوجود فيها. وعندما أدرك إلمامي بالفلسفة ابتدأ يحدثني عن صفات الله كما يراها المسيحيون.
قال لي: ما هي في نظرك صفات الله الأصيلة؟
فقلت له: الوجود، العلم، الحياة، القدرة.
قال لي: أوافقك على الثلاثة الأولى، ولا أوافقك على القدرة.
قلت له : لماذا؟
أجابني: بأن القدرة هي قدرة الله على الخلق وهي ليست بصفة واجبة الوجود في الله.
حيث انه من الممكن أن يكون موجودا من غيرها.
هززت له رأسي بالموافقة. فأكمل قائلا: قلت بأن الله موجود وهو ما نطلق عليه اسم الآب. وقلت بأنه ذو علم ودعني أصوغها في كلمة أخرى وهى العقل، أن الله عاقل ، وهذا العقل نسميه بالابن اللوغوس الكلمة يسوع المسيح. فيسوع هو عقل الله الناطق أو نطق الله العاقل.
تذكرت وقتها مشكله خلق القرآن وقول أئمة السنة بأن القرآن كلام الله وكفى. وكيف أن المعتزلة أجابوهم بأن الله لا يتكلم بلسان.
قال لي: أما صفة الحياة فنسميها بروح الله القدوس، والروح في الإنسان هو سبب حياته، كذلك الحال في الإنسان. وهكذا لا نستطيع أن نقول بأن الله موجود وعاقل ولكن بلا حياة. ولا بأن الله موجود وحي ولكن بلا عقل، ولا عاقل و حي ولكن بلا وجود.
ألست أنت نفسك مركب من جسد ونفس (عقل ) وروح؟! لو فقدت واحد منهم لانتفى سبب وجودك وفقدت خاصية الوجود.
أذهلني ما قاله لي القسيس. فأجبته بحدة: ولكنكم تقولون بأن عيسى ابن الله؟ كيف هذا هل ولده الله، وهل الله يلد؟
أجابني: نعم الله ولده (فابتسمت لإحساسي بالظفر به ) كما أن العراق ولدك؟ ألست ابنا للعراق؟! هل يعنى هذا أنك ابن جسدي للعراق ؟!
قلت له محتدا: حسنا ولكنكم تقولون بأن الله صُلب؟! كيف تصلبون الله؟! هل الله يموت؟! ولو مات لانتفى وجوده.
قال لي: الذي صُلب هو الأقنوم الثاني لله. الله الابن أو الكلمة هو الذي مات. مات الجسد الذي اتحد به وانطلقت الروح الإلهية إلى الهاوية صارعت وصرعت الموت، لأنها ذات إلهية فهي قادرة على الانتصار أما ذوات الأبرار الآخرين فلم تقدر على أن تقوم من الأموات لأنها لا تملك قوة الله.
الذي صُلب على الصليب هو يسوع. الإنسان والإله. والموت هو انفصال الروح عن الجسد. الجسد إلى العدم والروح. إلى مكان الانتظار. فالروح هي هبة إلهية.ألم ينفخ الله في آدم من روحه بحسب القرآن؟ إذن يسكن فيك روح من الله. هذه الروح لا تذهب إلى العدم بل إلى الهاوية، حيث تنتظر على رجاء القيامة. والذي حدث أنه كان يجب أن ينزل الله إلى الهاوية لأنه هو خالقه وهو الوحيد القادر على الخروج منه مرة أخرى. فبهذا يُخرج أرواح الأبرار منه ويعلن فتح باب الفردوس الذي ارتجته أرواح الأنبياء والأبرار. وبعد انتصار الله عاد إلى دنيانا وقام كي يبشر أيضا الأحياء. فهو قد بشر الأموات والأحياء على السواء برجاء القيامة.
بسم الله القوى
الصراط المستقيم
(أثناسيوس) خالد عبد الرحمن
أحد قادة الأحزاب الإسلامية المعاصرة
مقدمة:
أنتمي إلى عائلة دينية صوفية في العراق ينتهي نسلها إلى الحسن بن علي بن أبي طالب حفيد نبي الإسلام محمد.
جدي لأبي كان ملا فخليفة لشيخ طريقة. وظيفة الملا هي أن يقوم بتدريس العلوم الدينية للطلبة الصغار السن وهذه العلوم هي القرآن والشريعة. ومن وظيفته أيضا أن يقوم مقام القاضي في القضايا الشرعية، وفي إمامة الصلاة والخطابة والوعظ يوم الجمعة.
ارتقى جدي مراتب روحية عديدة جعلته أهلا لأن يصبح خليفة لشيخ الطريقة في منطقته وكان الشيخ يمت له بصلة قرابة.
ابتعد والدي عن الجو الديني للعائلة وخالف رغبة والده في أن يصبح ملا هو الآخر.
حيث أن أغلب أجدادنا كانوا يعملون إما ملالي أو شيوخ طرق. التحق أبي بالكلية العسكرية وصار ضابطا في الجيش العراقي.
طفولتي وشبابي:
لم يكن أبى من المحافظين على الصلاة أو الصيام . وبالذات بعد أن توفى جدي. ولكن ما كان يقصه عليّ عن ورع جدي وتقواه جعلني متشبث بصورة هذا الجد الشيخ ذو اللحية والعمامة البيضاء. كنت على اتصال وأنا صغير بباقي أقربائنا الذين مازالوا ينهجون في الطريق الصوفي الذي اختطه لنا أجدادنا. ووجدتني متأثر وأنا في سني الصغيرة بهذا الجو الروحي.
ابتدأت في ممارسة فرائض الإسلام وأنا ما زلت صغير قبل سن البلوغ الشرعي. وكان والدي يسخر من هذا الطفل الصغير الذي ابتدأ يلتزم بفرائض الإسلام وهو مازال تحت سن الرخصة. ولكن هذا لم يفت في عضدي فظللت على نهجي. كان أول دعوة قمت بها هي إقناعي لوالدتي بضرورة الانتظام في الواجبات الدينية وارتداء الحجاب.
تعلمت على يد أقاربي الشيوخ القرآن والسنة والفقه والتصوف. بعد فترة من وجودي معهم ابتدأ عقلي يرفض ما يفعلون مثل غرز سيخ حديد في الخد وإخراجه من الجانب الآخر والتواجد (وهو تمثيل حالة الوجد التي يصل فيها المريد إلى مكاشفات ربانية).
وجدت أن كل هذا لم يكن معروف على أيام النبي ولم يُسجل في السنة النبوية. ألح على الحديث النبوي (كل بدعة في النار). فوجدتني ارفض قيم هذا المجتمع لاعتبارات فقهية وهى أنهم مبتدعين في الدين. شكّل فكري السني الجديد شيخ الإسلام ابن تيميه وابن القيم الجوزية. سعيت بكل إخلاص أن أسير على النهج السني الخالص بمعنى آخر صرت سلفي. اجتذبتني التيارات الوهابية الحديثة التي بدأت تظهر في العراق على حياء. حيث أن الدين أو التحدث فيه أمر غير مرغوب فيه في بلدنا.
وغالبا ما تجد المسجد فارغا في الصلوات الخمسة إلا من الإمام وبضعة مصلين لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين. أغلبهم من المسنين والمتقاعدين. لم يكن هناك فتية وشباب كثيرون لذا وجدت كل تشجيع من شيخ الجامع السني. واجتذبني علم هذا الشيخ الذي يحمل لقب دكتور في الشريعة. وابتدأت أتعلم على يده في حلقة دراسية يومية بعد صلاة المغرب حتى صلاة العشاء.
كانت مكتبة الجامع تحتوي على كتب قيمة للغاية أثرت فكري وتعطشي في البحث عن أقوم الطرق لله.
في ذلك الوقت اكتشفت بعض المؤلفات الهامة في علم الكلام مثل الفرق بين الفرق، وعدد من المؤلفات في علم الكلام للأشعري والغزالي والخياط وابن تيميه وغيرهم.
وابتدأت أقرأ بشغف متعرفا على باقي الفرق الإسلامية الكبرى: أهل السنة والجماعة، والشيعة، الخوارج، المرجئة، والمعتزلة. كما بدأت في دراسة باقي الأديان الكبرى مثل المسيحية واليهودية.
الجدال مع المسيحيين:
وابتدأت في هذه السن في مناقشة باقي الفرق والأديان التي أرى فيها البطلان مثل الشيعة، الصوفية والمسيحيين. لم يكن من الصعب علىّ أن أكيل الاتهامات للصوفية والشيعة، حيث أن هناك شئ مشترك بيننا وهو الإيمان بأن لا إله إلا الله وبنبوة محمد وبقدسية القرآن. ولكني حقا فشلت في إقناع المسيحيين لأنهم يرفضون نبوة محمد وقدسية القرآن.
في تلك الأثناء بدأ عقلي الباحث عن الحقيقة ينضم إلى جانب المعتزلة. وأول ما آمنت به هو مقولتهم الشهيرة بأن القرآن مخلوق (أي أن الله خلق القرآن مثل ما خلق أي شئ آخر) ورفضهم أن يكون لله أي شبيه (ليس كمثله شئ) (فاطر 11). لم يستطع شيخ الجامع أن يجيب على أسئلتي العديدة إلا بابتسامة. لا أدري حتى الآن لماذا؟ فقط قال لي: ستدخل قسم الفلسفة يا بني. وتحققت نبوءته بعد هذا.
أصبحت أصول المعتزلة الخمسة هي مبادئ إيماني وهي:
1. العدل (بأن الله أعطى الإنسان إرادة حرة في الاختيار)
2. التوحيد (تنزيه الخالق من كل صفة جسدانية أو تشبيهية مثل أن يكون له يد "يد الله فوق أيديهم").
3. المنزلة بين المنزلتين (فاعل الكبيرة هو فاسق وليس بكافر أو مؤمن، وهو أول أصل أدى إلى انشقاقه عن وحدة الصف وتلقيبهم بالمعتزلة).
4. الوعد والوعيد (الوعد بالجنة والوعيد بالنار)
5. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الخروج على طاعة الحاكم الجائر وهو أمر يرفضه أهل السنة "وأطيعوا الله ورسوله وأولوا الأمر منكم").
لم يكن هذا فقط ما آمنت به، فقد وجدت عدد كبير من الأفكار المعقولة لديهم مثل: انتهاء معجزة التحدي القرآني "فأتوا بسورة من مثله" البقرة 23، هذه المعجزة كما يقول النظام قد انتهت بموت النبي، حيث أن الله صنع معجزة بأن منع العرب من أن يأتوا بمثله وهم قادرون عليه، لا لأن القرآن أبلغ ما كُتب في العربية. وجدت هذه الفكرة مقبولة أكثر لديّ، لأني أنا نفسي شككت في هذا، إذ أنه من السهل على أي شخص ذو علم أن يأتي بمثل القرآن كما قال د. طه حسين.
في خضم هذه التحولات الفكرية الكبيرة لدىّ، ابتدأت بدعوة المسيحيين إلى الإسلام وحيث أني فشلت لجهلي بالمسيحية، بدأت في دراسة ما يقع تحت يديّ من كتب مناوئة لهم. أذكر أني تأثرت للغاية بكتاب د. مصطفى محمود "التوراة". وجدتني أسعى بشتى الطرق كي أحصل على الكتاب المقدس، كي يكون لديّ كتاب المسيحيين فأستطيع أن أبارزهم بكتابهم. وحصلت على نسخة، وبدأت أقرأ كتابهم بنهم شديد وسخرية. بدأت بالجدال مع بعض الأصحاب المسيحيين الجهلاء بدينهم، فأصبت منهم ما أريد. إذ أوقعتهم في حيرة أرضت غروري، ولكن هذا لم يمر مرور السحاب، إذ أني كنت مصمما على جرهم إلى حظيرة الإسلام.
حواري مع القسيس:
ابتدأ هؤلاء الفتية يسألون أهلهم، أسئلة حادة أزعجت الأهل، فاضطروا إلى أن يرجعوا إلى قسيسهم. طلب هذا القسيس من أهل هؤلاء الفتية إحضاري وإحضار أبنائهم، وهو كان يهدف إلى إحراجي وإفحامي أمام هؤلاء الفتية كي يرجع لهم ثقتهم في دينهم. وابتدأت ألقي بما ظننت أنه كافي لتدمير المسيحية من جذورها. كما كانت دهشتي عندما وجدت هذا القسيس يرد علىّ بكل ثقة وهدوء، ويجيب أسئلة ظننت أن لا رد عليها. وعندما وجدت أنه سيفحمني بدأت أكيل الاتهامات الغير عاقلة التي يلقيها المسلمون مثل: أنتم المسيحيون غيّرتم كتابكم! أنتم تعرفون بأن محمد مذكور لديكم! أنتم تعلمون أن القرآن من عند الله! كيف تؤمنون بأن الله له ابن، وهكذا...
أجاب هذا الشيخ الجليل بكل محبة وصدر رحب على أسئلتي العجيبة. وطلب مني أن أعود إليه إن شئت الاستئناف. خرجت من عنده وأنا في قمة الإحراج، وضحكات التهكم على شفاه الشبان الذين أتعبتهم لفترة بسهامي.
عدت إلى بيتي وأغلقت غرفتي علىّ، وبقيت بين كتبي ومراجعي وابتدأت أقرا كل الكتاب المقدس. أنهيته في بضعة أسابيع، وعدت إلى القسيس حاملا أسئلتي وجلسنا نتناقش بهدوء. أجابني على كل ما رأيت أنه ينقص المسيحية وينزل بها إلى مستوى أدنى من الإسلام. وأعطاني بعض الكتب التي توضح لاهوت المسيح. شرح لي فكرة الثالوث ممثلا إياها مثل قرص الشمس ونورها وحرارتها. وأنها مظاهر نابعة من الشمس ولكنها أيضا صفات واجبة الوجود فيها. وعندما أدرك إلمامي بالفلسفة ابتدأ يحدثني عن صفات الله كما يراها المسيحيون.
قال لي: ما هي في نظرك صفات الله الأصيلة؟
فقلت له: الوجود، العلم، الحياة، القدرة.
قال لي: أوافقك على الثلاثة الأولى، ولا أوافقك على القدرة.
قلت له : لماذا؟
أجابني: بأن القدرة هي قدرة الله على الخلق وهي ليست بصفة واجبة الوجود في الله.
حيث انه من الممكن أن يكون موجودا من غيرها.
هززت له رأسي بالموافقة. فأكمل قائلا: قلت بأن الله موجود وهو ما نطلق عليه اسم الآب. وقلت بأنه ذو علم ودعني أصوغها في كلمة أخرى وهى العقل، أن الله عاقل ، وهذا العقل نسميه بالابن اللوغوس الكلمة يسوع المسيح. فيسوع هو عقل الله الناطق أو نطق الله العاقل.
تذكرت وقتها مشكله خلق القرآن وقول أئمة السنة بأن القرآن كلام الله وكفى. وكيف أن المعتزلة أجابوهم بأن الله لا يتكلم بلسان.
قال لي: أما صفة الحياة فنسميها بروح الله القدوس، والروح في الإنسان هو سبب حياته، كذلك الحال في الإنسان. وهكذا لا نستطيع أن نقول بأن الله موجود وعاقل ولكن بلا حياة. ولا بأن الله موجود وحي ولكن بلا عقل، ولا عاقل و حي ولكن بلا وجود.
ألست أنت نفسك مركب من جسد ونفس (عقل ) وروح؟! لو فقدت واحد منهم لانتفى سبب وجودك وفقدت خاصية الوجود.
أذهلني ما قاله لي القسيس. فأجبته بحدة: ولكنكم تقولون بأن عيسى ابن الله؟ كيف هذا هل ولده الله، وهل الله يلد؟
أجابني: نعم الله ولده (فابتسمت لإحساسي بالظفر به ) كما أن العراق ولدك؟ ألست ابنا للعراق؟! هل يعنى هذا أنك ابن جسدي للعراق ؟!
قلت له محتدا: حسنا ولكنكم تقولون بأن الله صُلب؟! كيف تصلبون الله؟! هل الله يموت؟! ولو مات لانتفى وجوده.
قال لي: الذي صُلب هو الأقنوم الثاني لله. الله الابن أو الكلمة هو الذي مات. مات الجسد الذي اتحد به وانطلقت الروح الإلهية إلى الهاوية صارعت وصرعت الموت، لأنها ذات إلهية فهي قادرة على الانتصار أما ذوات الأبرار الآخرين فلم تقدر على أن تقوم من الأموات لأنها لا تملك قوة الله.
الذي صُلب على الصليب هو يسوع. الإنسان والإله. والموت هو انفصال الروح عن الجسد. الجسد إلى العدم والروح. إلى مكان الانتظار. فالروح هي هبة إلهية.ألم ينفخ الله في آدم من روحه بحسب القرآن؟ إذن يسكن فيك روح من الله. هذه الروح لا تذهب إلى العدم بل إلى الهاوية، حيث تنتظر على رجاء القيامة. والذي حدث أنه كان يجب أن ينزل الله إلى الهاوية لأنه هو خالقه وهو الوحيد القادر على الخروج منه مرة أخرى. فبهذا يُخرج أرواح الأبرار منه ويعلن فتح باب الفردوس الذي ارتجته أرواح الأنبياء والأبرار. وبعد انتصار الله عاد إلى دنيانا وقام كي يبشر أيضا الأحياء. فهو قد بشر الأموات والأحياء على السواء برجاء القيامة.