أم الغلابة (أم عبد السيد)

sunny man

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
8 يونيو 2007
المشاركات
4,039
مستوى التفاعل
24
النقاط
0
الإقامة
قلب يسوع
أم الغلابة (أم عبد السيد)

سيرة وأعمال هذه البارة هي امتداد لأنبياء الله القديسين ... وقد كانت قديستنا بستان مغروس وسط صراعات العالم المملوء بالشر، لكنها روت شجرتها بالدموع والجهاد والاحتمال ، فآوت إليها طيور كثيرة.

كانت المرحلة الأولى من حياتها في بلاد الصعيد، فكرزت وبشرت في القرى والنجوع بين نفوس كادت أن تهلك في ظلام الخطية وعبودية الشر.

ثم دبرت عناية الله أن تنتقل مع أسرتها إلى حي شبرا، وكان ذلك في أواخر الخمسينات ، فاشتهرت آنذاك بمحبتها وخدمتها للفقراء، حتى لقبت "بأم الغلابة".

وكان كثيرون يأتون لزيارتها في بيتها البسيط، منتفعين من خبراتها الروحية العميقة واختباراتها المعاشة مع الرب وقديسيه، منهم رجال إكليروس من مختلف الأديرة والكنائس: وقد جملت بمواهب الروح القدس .. فحدثت بصلواتها بركات ومعجزات عديدة..

إن حياة هذه السيدة توبخ جيلنا المعاصر، فقد صرنا نقترب إلى الرب بالفم ونكرمه بالشفاه، وأما قلوبنا فمبتعده عنه بعيداً (مت 15: 8 ) .... فجاءت هذه السيرة كصوت صارخ، وبالأخص للمتهمين بالعمل الاجتماعي في الكنائس، ليتعلموا جيداً ، إن أعمال الرحمة، هي مدخل هام للأبدية، والتقصير في خدمة الفقراء يدفع البعض إلى الإنحراف أو الإرتداد أمام الضغوط الإقتصادية الواسعة.

ولدت أردينا مليكة يوسف (أم الغلابة) في عام 1910 بقرية الشيخ علام (مركز الكوامل/سوهاج)، من أسرة ثرية جداً تمتلك العديد من الأطيان والسواقي. وقد ماتت أمها بعد ولادتها بأربعين يوماً .. فاحتوتها أحضان شقيقتها دندية (هي أكبر شقيقاتها من جهة الأب).

أما والدها فقد كان رجلاً ذو سطوة ومهابة في بلدته. وكلمته نافذة كالسيف على الجميع .. كما كانت له هواية رديئة في إستحضار الجان والتعامل معه، فزاد هذا الأمر من سطوته وجبروته. حتى تحجر قلبه وتجمدت مشاعره تجاه وصايا الرب، فحاد عن طريقه المستقيم.

فحرمت هذه الطفلة الصغيرة ذبائحه لأنها ناتجة من مال حرام، وفضلت الأطعمة البسيطة القليلة عوض الأطعمة الفاخرة الدنسة.

وقد تمتعت في صغرها بنضوج روحي مبكر ، رغم التيتم وقسوة الأب، حتى كانت تهرب من البيت في سن السابعة من عمرها. وتسير على قدميها لمسافات بعيدة، لتصلي بأحدى الكنائس التي تبعد عن قريتها كثيراً .. كما تدربت منذ حداثة عهدها على أصوام الكنيسة، رغم معاندة ومعارضة والدها، والذي كان كحد تعبيرها .. يفتح فمها بالقوة ويضع بداخله شوربة اللحم، حتى يكسر صومها فتفطر.

فكانت تعود للصوم مرة أخرى في قوة وإصرار على التنسك والزهد. وهكذا شقت هذه البارة طريقاً يجمعها بالرب منذ الصبا، رغم العراقيل والعقبات التي اعترضتها، والتي ظلت تتكبدها حتى لحظة نياحتها..

في عدة أحاديث روحية لأم عبد السيد، أكدت بأنها مرت في طفولتها باختبارات عميقة (من سن الثالثة حتى السابعة) ، فقد كان الشيطان يأتيها علناً ليزعجها ويخيفها، فكان الرب يسوع بنفسه يظهر بمجده النوراني الفائق ويحتضنها بين ذراعيه الحانيتين .. وعندما يقترب الشيطان منها بمنظره الأسود القبيح ويحاول أن ينتزعها ، كان الرب ينتهره ويدفعه عنها ... ويحوطها بقوة بين ذراعيه، ثم يربض بيده الحانية عليها ليبعث في نفسها السلام والطمأنينة.

وكانت دائماً تصف وجهه الجميل النوراني وكيف كانت تداعبه في ذقنه الصفراء المتوهجة كأشعة الشمس. في براءة طفولية، ثم تتحدث بإنبهار عن حنوه فتقول "أد أيه كان الحنان اللي فيه عجيب" .. وقد فسر أحد أحبائها الرهبان هذا الاختبار الروحي فقال: إن تعرضها لهذه الحروب الشرسة من الشيطان ، وفي هذا السن بالذات ، أكد لي بلا شك إنها مختارة ونذيرة للرب منذ صباها...

وها نحن نسرد هذا الحدث الروحاني ، بلهجتها الصعيدية الحلوة .. في حديثها للأباء الرهبان .. قالت: أمي فاتتني يتيمة .. وبعدين أنا كنت بنترعبوا ونخاف .. وأنا طفلة كان يمسكني على إيديه حبيبي يسوع، ويجول لي ما تخافيس
( = يقول لي ما تخافيش) كان يعني لاهيني. كان لما يديني( = يجيني) ، ويدي العدو ويضرب الباب في الأوضة اللي جاعدة فيها (= قاعدة فيها ). كنت أخاف أنا ... نمسك في ردلين مين ( = رجلين مين) ردلين حبيبي يسوع.
يدبدب علي (يخبط علي) ويجول لي ما تخافيس .. أنا معاكي ... إتخافي من إيه لما أنا معاكي. ما تخافيس. وكنت نفرح بيه لما يجعد (= يقعد) معايا الليل كله ، ويدبدب علي ويجول لي متخافيس.
دمال .. دمال .. دمال (= جمال) .. مافيس دمال زييه ( = ما فيش جمال زيه) ولماكون خايفة أنا ، يجول لي ما تخافيس .. أنا معاكي .. ولما كان يديلي (= يجيلي) كون نفرح بيه (= كنت أفرح بيه).

لما كبرت شوية 12 – 14 سنة ، سمعت على إن فيه أديرة وراهبات، وطبعاً فهمت أن الراهبات دول عندهم فرصة إنهم يعيشوا مع ربنا أكثر من أي إنسانة ثانية مشغولة ببيت وزوج وأولاد وكده .. فاشتاقت إنها تكون راهبة.
فقالت لهم: أنا أترهبن، وهي يتيمة من الأم، فقالوا لها: رهبنة إيه ؟! (وضحكوا عليها) دي الرهبنة دي والأديرة بتاعة الراهبات .. ما يخدوش إلا إن كانت واحدة مكسحة ، واحدة عميا.. هما دول إللي يخدوهم في الدير، لكن أنتي مفتحة .. ما يرضوش يقبلوكي في الدير.
فراحت من وراهم، وجابت تراب وكبست عينيها علشان تعمي .. وبعد كده تروح الدير. بالبساطة بتاعتها دي. لكن طبعاً ربنا شفى عينيها وماكنشى إرادة ربنا إنها تعيش حياة الرهبنة.

هنا وتستطرد أم عبد السيد حديثها الممتع مع أباؤنا الرهبان، فتقول عن هذه الفترة من حياتها:
كان الرهاب (= الرهبان) زمان يخدوهم عمى ، جولت أيوه (= قولت أيوه)، أنا مرة راح نكبس إعني ملال من الفرن (= تراب من الفرن)، وإعني يتفجعوا (= عيني تتفقع) ونروح الدير. .. جبت شوية ملال وكبست إعني .. نضفوا إعني وما روحتس الدير
( = وما روحتش الدير) .. ليه .. ما نستحجس الدير (= ما نستحقش الدير) .. مسكينة أنا .. ما نستحجس الدير.

وبعدما باءت كل محاولاتها بالفشل تجاه رغبتها في الرهبنة، قام والدها بتزويجها رغم أنفها ... حتى يقطع عنها كل أفكار الرباطات الديرية، ويضمن عدم سيرها نحو هذا الطريق الروحاني.
فتزوجت في سن الرابعة عشر من إنسان شرير وقاس القلب، تجرعت كأس مرارته وأتون عذاباته لسنين طويلة.
ولأنها تيقنت "إنه بضيقات كثيرة، ينبغي أن ندخل ملكوت الله" (أع 14 : 22).

فقد احتملت في سبيل ذلك إنها ظلت لمدة أربعين سنة تضرب منه بجريد نخل يكتظ بالأشواك المسننة .. فكانت مع كل ضربة يتدفق منها الدم بغزارة كجريان الماء، فترجع إليه الجريدة مرة أخرى ليواصل تعذيبه لها مستهينة في ذلك بآلامها الجسدية والنفسية ... وبينما جراحاتها تدمى ، تقول له : مش مهم عندي آلامي وجراحي، فكل إللي يهمني خلاص نفسك، حتى إنها في أحد المرات، صعدت إلى سطح البيت والدم يتساقط منها ، وصارعت حبيبها يسوع (رجل الأوجاع ومختبر الأحزان) (أش 53: 3)

وطلبت من أجل زوجها فقالت : سوف يا حبيبي ( = شوف يا حبيبي) ، أنا النهارده مانسيبكس (= ما أسيبكش) ده سريك حياتي (= ده شريك حياتي)، إتخليه عايس في الخطية (= تخليه عايش في الخطية) يعني أنا نروح السماء وهو يروح دهنم (=يعني أنا أروح السماء وهو يروح جهنم)، ده حرام، أوعى تكتب عليه خطية .. أنا عنجولك (= أنا بقول لك).. أوعى يا رب تكتب على دوزي (= جوزي) خطية ، وإنت إتألمت جبلنا (= قبلنا) وكل ده ما يديس سكة ( ما يجيش شكة) من الآلام بتاعتك ...
فيا للعجب من عمق الفهم ده. إنها بتطلب المغفرة .. لواحد بيعذبها كما لو كانت مش إنسانة، تطلب له المغفرة، وكمان عندها فهم لروح الصليب ، وتقول له : إنت أتألمت قبلي .. يعني إيه آلامي دي جنب آلامك.

سألها الأسقف ... ومين علمك كده؟ .. جاوبت برضه باللغة البسيطة بتاعتها ... فقالت : الروح وحدها تعلم كل حاجة .. الروح وحدها..(يعني عايزه تقول : روح الله وحده .. هو إللي بيفهمني).

أما بالنسبة لزوجها سار في طريق الخطية وحياة الزنى ، فترك زوجته وأولاده .. في بيت أهله، فأذلوها وأهانوها وعايروها، بدلاً من أن يكونوا سبباً في تعزيتها وراحتها.

فضحت بشبابها وحياتها من أجل مسئولية تربية أطفالها، فعملت وكدت حتى تربيهم ، فيسكنوا آمنين غير معوزين لشيء.

ودارت عجلة الزمن .. مرض الرجل وانهكت قواه، ولما سمعت زوجته الوفية بذلك، لم تفكر فيما صنعه معها ، بل أتت به وخدمته بكل تفاني وحب .. وصارت تداويه. حتى استجاب الرب لطلبتها من أجل هدايته ، كما صنع بالقديس أغسطينوس ، استجابه لطلبة والدته .. فرجع عن آثامه وتاب، معترفاً بجهالاته وخطاياه.

ولقد كشف لها الرب في رؤية عن قرب رحيله ، فأشترت أكفان وقامت بحياكتها .. وأثناء ذلك شكتها الإبرة ، فرسمت صليب بالدم على الأكفان، ثم قالت لزوجها: "بالك يا أبو عبد السيد .. إنت راح تموت جبليه (قبليه)، ودمي راح يروح معاك، وراح تتكفن بالأكفان دى ودمي راح يروح معاك " .... وقد تمت نبوتها بالفعل .. فمات زوجها ، ولفته في تلك الأكفان التي أعدتها خصيصاً من أجله. وختمت بعبارة جميلة كخلاصة روحية لخبرة السنين .. "سوف (= شوف) العمل إللي عمله معايا ده ، وكنت بنصليله مرجده ( = مكانه ) يكون السماء".

وكان من التجارب الأولية التي صمدت أمامها دون أن تنسب لله جهالة، موت أربعة من أولادها، كانوا باكورة إنجابها وهم : نظير ، حكمت ، سعيد ، أمل. فقدتهم جميعاً على التوالي..

وقد وجدنا تعزية كبيرة في قصة وفاة إبنها سعيد الذي انتقل للأمجاد السمائية وهو في مقتبل شبابه، بعدما أصيب بمرض في الرئة لم ينفع معه دواء..
وصارت مناحة عظيمة حسب طبيعة أهل الصعيد، لكن الله سكب سلاماً خاص في قلب (أم عبد السيد)، فبينما تقوم بتغسيل جسده.. وجدت حمامة إخترقت الحجرة رغم إن الشبابيك والأبواب مغلقة، وظلت تحوم حول الجسد ثم تستقر على رأس أم عبد السيد ... تحوم حول الجسد وتستقر على رأس أم عبد السيد ... فأدركت قديستنا مشاركة السماء لها بالتعزية والفرح، عند إنتقال ولدها.

فقامت وطبخت للجميع بعد دفن الجثة بل ووعظت موكب الحاضرين، فقالت:
"يا دماعة (= يا جماعة) إبني ده راح السما، وبعدين جال لي (= قال لي) يا ماما .. ما تبكيس علي (= ما تبكيش علي) .. وإحنا غسلناه وودناه لعروسته، وجولت له (= قولت له) يا بنى روح..إنت رايح الدنة (= الجنة) وإحنا رايحين وراك يا سعيد ، فيا بخته ويا هانياه ... فخلاص يا دماعة. حزن ما فيس (= ما فيش) ، والعريس ودناه لعروسته .. فلو ما عايزينيس تآتلوا (فلو ما عايزينش تاكلوا) تبجوا حزانى ، ولو عايزين تآتلوا، يبجي ده فرح (= يبقى ده فرح).." وللوقت قامت ووزعت شربات وبسكويت على الحاضرين ، لتعلن إنه لا يوجد معنى للموت في المسيحية بل هو إنتقال.

ارسالية الرب يسوع

أحدثت أم عبد السيد نهضة روحية قوية في بلاد الوجه القبلي. وكانت البداية عندما ظهر لها الرب يسوع بنفسه ودعاها للخدمة، ثم أشار لها بأحد البيوت القبطية في إحدى النجوع لتكون منبع للكرازة بأسم المسيح..
فسارت القديسة في مقتبل حياتها بناءاً على دعوة الرب ، وطرقت الباب في المكان المشار إليه ولما سألتها صاحبة البيت "مين بيخبط؟" قالت لها أم عبد السيد .."افتحي.. أنا مشيعني ليكي يسوع" . وكان أن بشرتها بصنيع الرب الخلاصي في جنس البشرية، حتى قبلت الكلمة بكل نشاط (أ ع 17 : 11) كما فعل القديس مرقس الرسول في بيت إينيانوس الأسكافي، وسريعاً ما انتشرت كلمة الرب في كل الكورة (أع 13 : 49).
وأنارت هذه التقية طريق الحياة الأبدية للشعب الجالس في الظلمة ، الذي إكتسى في ذلك الزمان بثوب العتام الروحي ، رغم أن التاريخ ينقل لنا قوة الروح التي اشتعلت فيه وقت عصور الاستشهاد حتى قدمت أرض الصعيد للكنيسة ، أعداداً لا حصر لها من القديسين والشهداء والمتعبدين .. ونطقت كلمات الوحي الإلهي في حياة أم عبد السيد.
"روح الرب علي، لأنه مسحني لأبشر المساكين ، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب لأنادي للمأسورين بالأطلاق وللعمي بالبصر ، وأرسل المنسحقين في الحرية وأكرز بسنة الرب المقبولة (لو 4: 18 ، 19)
فكانت تسير أميالاً كثيرة على أقدامها ، من بلد لبلد وسط الجبال المخيفة .. والطرق غير الممهدة كيما تكرز بأسم المسيح ، وترسي مبادئ الإنجيل الحية في القلوب ، فتجد الرب بنفسه يخطو أمامها ويشير بيده للأماكن المحتاجة للكرازة ، والمتعطشة لعمل النعمة .. فصار هو المرشد والدليل في كل تحركاتها وتنقلاتها.
وتذكر إحدى خادمات أخوة الرب هذا الموقف الجميل ، في ذكرياتها مع أم الغلابة: في إحدى أيام الخدمة، وبينما كنا في افتقادات كثيرة بأحدى المناطق وجدتها قالت فجأة " يا حبيبي أنت ماشي قدامي" سألتها "مين ده يا خالتي أم عبد السيد" .. أجابتني "يسوع حبيبي ماشي قدامي، هو قال لي إخدمي وأنا همشي معاكي"..

إنتقلت أم عبد السيد إلى حي شبرا مصر بأواخر الخمسينات، وسكنت بأرض الطويل (الترعة البولاقية)، بعد أن ظلت تخدم بين الجمعيات القبطية بالمنطقة لبضع سنوات .. ومع بداية السبعينات .. إلتقى بركتان عظيمتان في جيلنا المعاصر .. أبونا أخنوخ وأم عبد السيد .. (وكانا كلاهما بارين أمام الله، سالكين في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم) (لو 1: 6) فاستطاعا أن يحرر كلمة الله المكتومة في منطقة كانت أشبه بحال أهل سدوم وعمورة، وكان محور خدمتهم الرب يسوع الذي لم يأت ليخدم بل ليخدم (مت 2: 2).
وكانت بركة الرب غير العادية إذ قد إمتلء بيت أم عبد السيد بأقباط المنطقة بطريقة معجزية غير مرتبة ، فكيف كان هذا ، وكيف علموا بميعاد الاجتماع ومكانه .. لا ندرى؟
لكننا إختبرنا إن كلمة الله كانت تنمو وتزداد (أ ع 12 : 24) ، وكان الرب يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون (أ ع 2: 47 ).
فامتلئت شبكة الرب بصيد وفير ، بعد أن كان شعب المنطقة يعيش في ضلال شديد وعرف الناس طريق الكنيسة بعدما كانوا يدخلونها فقط في تناصير أولادهم.
وأنضمت إليهم بعض السيدات للإشتراك في خدمة الفقراء والمعوزين ...

لكل قديس في بستان الكنيسة وردة برائحة خاصة تميزه بين الورود ... وأما هذه فقد فاح منها عبق البساطة والتلقائية الشديدة ... والتي جذبت بهم الكثيرين إلى حضن الملكوت.

أم عبد السيد البسيطة في معيشتها .. فقد كانت تسكن في حجرة بسيطة خاوية من الأثاث، ومرقدها فوق حصيرة متهالكة تأويها من حر الصيف أو برد الشتاء غير عابئة بأمراض الجسد أو شيخوخة العمر.

لا يوجد مقياس للحب ... إلا .. الحب بلا مقياس ، والذي سلك بهذا المفهوم يكون قد وصل لقمة الكمال المسيحي "ألبسوا المحبة التي هي رباط الكمال" (كو 3 : 14).

وتضرم نيران الحب في قلب كل مؤمن حقيقي بسكنى الروح القدس ، "لأن محبة الله قد إنسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا" (رؤ 5: 5).

فالذي يريد الدخول إلى "حرية مجد أولاد الله" (رؤ 8 : 21) عليه أن يسلك كما سلك الرب يسوع، الذي أحب حتى الموت. والقديس يوحنا الحبيب يوصينا " يا أولادي لا نحب بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق" (1 يو 3 : 18) لكي نصل بذلك إلى معنى الحب الحقيقي.

والحب بالنسبة لأناس الله القديسين، ليس هو مجرد كلمات رنانة تلقى في الهواء ولا آيات محفوظة تخرج من المنابر في العظات، لكنه عمل وفعل .. تتسع دائرته ، لتشمل الجميع دون حدود لديانة أو جنيسة أو طائفة.
جمعت أم عبد السيد في شخصيتها بين روح القديس الأنبا إبرآم في محبته للفقراء وبين روح القديس البابا كيرلس في محبته للصلاة، فرغم إنها كانت مهتمة جداً بالعمل المرتوي في كرم الرب .. برعت أيضاً في العمل المريمي المتمثل في الإختلاء الروحي بالرب والتعبد الإنفرادي في الصلاة .

فبعد عناء اليوم الطويل من مشقة الخدمة ، يأتي الليل لتنطلق روحها وترتاح في حضن الحبيب يسوع – فتستمر في صلوات وتسابيح ارتجالية دون توقف ، وتظل تردد في بساطة عبارة (كيريي ليسون = يا رب ارحم) بين كل طلبة وأخرى . وكانت لهذه العبارة مذاقة خاصة عندها وعند كل المجاهدين عموماً، لأن شعبنا القبطي عرف مقدار فاعلية هذه الطلبة في معجزة نقل جبل المقطم..

كما كان للمرض مفهوم آخر عندها ودافع قوي للسهر الروحي .. فقد قالت ذات مرة "أنا فرحانة بالمرض ده.. المرض بيخليني سهرانة مع حبيبي يسوع ، فمش المهم – الجسد – سبنا من الجسد، لكن كفاية حبيبي يسوع .. إللي نطرة واحدة منه تكفيني... فآل ذاك إلى عشرة قوية بالرب، سمت فيها إلى درجة الإختطاف العقلي الذي اختبره القديس بولس الرسول ".. فإني آتي إلى مناظر الرب وإعلاناته" أعرف إنساناً في المسيح قبل أربع عشرة سنة أفي الجسد؟ لست أعلم. أم خارج الجسد؟ لست أعلم. الله يعلم. إختطف هذا إلى السماء الثالثة" (2 كو 12 : 12: 1 ،2).

ولأن الصلاة ترتبط إرتباطاً وثيقاً بالصوم، إذ إنهما سلاح الروح الغالب بالنسبة لميدان الجهاد الروحي، فقد صارت أم عبد السيد "عابدة بأصوام وطلبات ليلاً ونهاراً" (لو 2 : 37).
فكانت تركن إلى الأصوام الكنسية ، ولفترات إنقاطاعية طويلة.. بعدها تأكل البسيط القليل من البقوليات، أو تغمس الخبز في السائل المحيط بالخضروات المطبوخة وتأكله دون أن تأكل الخضروات نفسها.. حتى في شدة أمراضها، كانت تمارس الصوم وتقمع
الجسد ، ومن الأشياء الجميلة إنها انتقلت من هذا العالم في أيام صوم الميلاد.

ومن بعض الصلوات والطلبات والأقوال الروحية النافعة لنعرف إلى أي مقدار من البساطة والدالة – وصلت هذه الروح النارية: يا رب مالي غيرك .. أصبح وأبات في خيرك. لا تنسيني رحمتك .. ولا تحوجني لواحد غيرك. أحط جنبي اليمين .. إتكلت على الملاك ميخائيل. أحط جنبي الشمال .. إتكلت على الملاك غبريال. أحط راسي .. إتكلت على حراسي. أحط ظهري .. إتكلت على ربي. المناولة تشفيني ويسوع شابعني. ربي رب العطية ، إغفرلي ذنبي والخطية . من خطف غنيمة من يد الجبار. دي مخازنه واسعة جداً .. حبيبي قرب يجي وياخد إللي ليه.

كانت دالتها عجيبة "بحبيبها يسوع"... تفوق كل المعاني وترتفع فوق كل العبارات ... وهي لم تكن تتكلم عن أي شيء في الدنيا سوى حبيبها يسوع وعمله معها .. وعند وقوعها في ضيقة، أو عندما تقابلها مشكلة .. تسرع إليه وتطلب نجدته .. فيأتيها من سمواته بالمعونة والتعزية ليمهد الطريق ويصير المعوجات مستقيمة .. ثم تقول لمن حولها "جلت لحبيبي يسوع ، تعالى إتصرف .. سوف (= شوف) المصيبة إللي أنا فيها دي ، فيدي (= فيجي) حبيبي ويخلص الموضوع"...
وكأنها تؤكد للجميع إنه الملجأ والمعين الوحيد في كل ظروف حياتها... وقد عبرت في ذات مرة عن هذا الحب الغامر الذي ملك كل كيانها ، فقالت لآباء رهبان أبو مقار:
ده فرحه هو ما يتجدرس (= ما يتقدرش) يا حبيبي أبداً
فرح يسوع ما يتجدرس بالأمم كلها ، أنا سوف (= شوف) معايا
ولاد ومعايا الدنيا كلها ، حرف من محبة يسوع – لا. لا .لا .

هذا وقد نقلها الحبيب يسوع ، وهي بعد في الجسد لتعاين أمجاد الدهر الآتي ، وقد أظهر لها ذاته مراراً وتكراراً مند صباها ... مما يؤكد وعده..

يسوع يريها أمه في رؤية:

قصت أم عبد السيد للآباء الرهبان هذه الرؤية التي أتاها فيها الرب يسوع وأخذها ليريها أمه القديسة مريم ... وقد سار معها على البحر .. كحد تعبيرها .. حتى وصلا لمكان جميل وتجلس به كلية الطهر والقداسة ، ففرحت كثيراً برؤياه.. وقامت من نومها متهللة بالروح وهي ترنم قائلة "يسوع من البحر عداني عداني – وعلى أمه وداني وداني " ، فسألها الآباء الرهبان عن منظرها : فقالت عنجولك لابسة خلج صافي وطارحة صافية (=هقول لكم إنها لابسة هدوم سماوية وطرحة سماوية)، حادات حلوه (= حاجات حلوه).. لكن دمال ونعمة (= لكن جمال ونعم) .. ووداني يسوع ليها وجال لي دي أمي (= وقال لي دي أمي).."

يسوع يمنحها موهبة الوعظ : يقول أبي الراهب .. لاحظت إنها متمكنة جداً من الكتاب المقدس، رغم إنها كانت غير متعلمة وبالأخص عندما تقوم بذكر آيات نصية كاملة من سفر إشعياء أو سفر حزقيال ..
فتعجبت من ذلك وسألتها في ذات مرة ، مين عرفك كل ده ، وإنتي ما بتعرفيش تقري وتكتكبى؟* وهنا كشفت هذا السر الروحاني .. فقالت : بأن حبيبها يسوع آتاها في ذات اللية وبيده الكتاب المقدس، وقلب لها صفحاته ، ثم سحبه من بين ناظريها .. وقال لها "أنا هتكلم على فمك ولسانك"..
وتؤكد هي ذلك الحدث أيضاً للآباء الرهبان فتقول "جابه لي يسوع بالليل ، جريته (= قريته)، هو إللي دايه لي حبيبي (= هو إللي جابه لي حبيبي) ، وخده مني تاني .. زعلت أنا ، جال (= فقال) .. أنا نجرأ (أنا هقرا) على فمك ولسانك...

يسوع يكشف لها جراحاته. يسوع يحمل لها جسده ودمه. ....

ومن بعض معجزات أم عبد السيد :

طلبتها في امتناع الإمطار. "وقال إيليا التشبي من مستوطني جلعاد لآخاب ، حي هو الرب إله إسرائيل الذي وقفت أمامه إنه لا يكون مطر في هذه السنين .. إلا عند قولي " (1 ملو 17: 1) . ومن هذه العبارة السابقة نربط بين العهد القديم والعهد الجديد لنعرف قوة سلطان القديسين على الطبيعة حيث وقفت أم عبد السيد بنفس دالة إيليا النبي – ورفعت صوتها إلى الرب بنفس الطلبة .. ولكن كيف حدث هذا وماذا جرى؟
يقول أبونا المحبوب القس أرميا بولس (الواعظ الناري) في إحدى عظاته الروحية: مرة وأنا شماس مكرس في كنيسة مار مينا في شبرا، وكنت رايح مع أبونا أخنوخ بتاع مارمينا نناول شوية مرضى فقراء، وكانت معانا واحدة ست قديسة (يقصد أم عبد السيد) ، والست دي كرست حياتها كلها لخدمة الفقراء، وكان شتا والمطر شديد، دخلنا أول واحد – وبعد المناولة وجينا خارجين والمطره قالت خد عندك.
أبونا قال: طيب نستريح شوية لغاية ما تهدا، وبصيت لقيتلك الست قالت له "يا أبونا هي المطر هتتحكم فينا ، هو إيليا مش زيه زيينا – ده أنت حامل جسد الرب ودمه أكثر من إيليا . قول لربنا وقف المطره أنا خارج بيك" ... أبونا بص لها وضحك وقال لها " طيب يا خالتي أم فلان .. صلي أنت وقولي .. قالت له : لأ .. بس أوم صلي أنت وقول أبانا الذي.. فقام فعلاً وقلنا أبانا الذي .. وقالت له : يلا المطره هتقف، وفعلاً قال لها .. خلاص على إيمانك نمشي ...

وبعد عمر يناهز الثمانين عاماً في ملء البركة، وحياة قداسة تفوح منها رائحة المسيح الذكية، أتي ذلك اليوم الذي أحدث هزة في قلوب كل محبيك يا سيدتي وأمي.
لتنضمي إلى أباؤك وأجدادك من أبطال الإيمان .. وترتاحي بعد عناء الخدمة ومشقة الحياة فناجيت حبيبك يسوع "أنا مجدتك على الأرض العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته ، والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان عندك قبل كون العالم " (يو 17 : 4 ، 5 ) – لتسمعي صوته الحنون" أنا عارف أعمالك وتعبك وصبرك ، وقد احتملت ، ولك صبر وتعبت من أجل إسمي ولم تكل" (رؤ 2 :3)
.. ولما حان تسليم الوديعة كشف لك الرب عن موعد إنتقالك إليه ، فكنت تخبرين الناس في فرح بأن أيامك قد أوشكت على الإنتهاء وستلتقي بحبيك يسوع.

ولربنا المجد الدائم إلى الأبد أمين .


 

the servant

بدور +علي+ نفسي
عضو مبارك
إنضم
20 ديسمبر 2006
المشاركات
1,566
مستوى التفاعل
12
النقاط
0
الإقامة
متكئ علي صدرة
رد على: أم الغلابة (أم عبد السيد)

سلام ونعمة سني,,,

جميلة جدا انا اول مرة اعرف قصة القديسة دي رب المجد قادر يزيد
قديسية حتي في الوقت الحاضر
 

sunny man

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
8 يونيو 2007
المشاركات
4,039
مستوى التفاعل
24
النقاط
0
الإقامة
قلب يسوع
رد على: أم الغلابة (أم عبد السيد)

شكرا على مرورك
 

fullaty

طالبه معونه
عضو مبارك
إنضم
27 نوفمبر 2006
المشاركات
2,382
مستوى التفاعل
79
النقاط
48
رد على: أم الغلابة (أم عبد السيد)

جميل جدا يا صنى مان انا عرفها قصتها وشفتها بس انت كتبها حلو ربنا يباركك ويعوض تعب محبتك
 

totty

USE ME
مشرف سابق
إنضم
12 أبريل 2007
المشاركات
10,446
مستوى التفاعل
60
النقاط
0
الإقامة
فى الدنيا
رد على: أم الغلابة (أم عبد السيد)

بركتها وشفاعتها وصلاتها تكون معنا جميعا امين

بشفاعه القديسه طلب خاص جدا اصحابى يفرحوا بنتيجتهم يارب

أمــــــــــــــــــــيـــــــــــــــن

ميرسى ليك يا صنى

ربنا يباركك ويعوضك
 

sunny man

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
8 يونيو 2007
المشاركات
4,039
مستوى التفاعل
24
النقاط
0
الإقامة
قلب يسوع
رد على: أم الغلابة (أم عبد السيد)

شكرا على مرورك
 

nonaa

بنت يسوع
عضو مبارك
إنضم
22 يونيو 2007
المشاركات
1,958
مستوى التفاعل
16
النقاط
0
الإقامة
مصر الغاليه
رد على: أم الغلابة (أم عبد السيد)

شكرا على موضوعك
وقصه ام الغلابه قصه رائعه فى الاحتمال ربنا يعطينا ونكون زيها
 

sunny man

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
8 يونيو 2007
المشاركات
4,039
مستوى التفاعل
24
النقاط
0
الإقامة
قلب يسوع
رد على: أم الغلابة (أم عبد السيد)

شكرا على مرورك يا نونا و ربنا يباركك
 

sunny man

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
8 يونيو 2007
المشاركات
4,039
مستوى التفاعل
24
النقاط
0
الإقامة
قلب يسوع
رد على: أم الغلابة (أم عبد السيد)

بركة و شفاعة هذه القديسة فلتكن معنا امين
 

KOKOMAN

.
مشرف سابق
إنضم
9 سبتمبر 2007
المشاركات
122,437
مستوى التفاعل
413
النقاط
0
الإقامة
ALEX
أم الغلابة

أم الغلابة
سيرة وأعمال هذه البارة هي امتداد لأنبياء الله القديسين ... وقد كانت قديستنا بستان مغروس وسط صراعات العالم المملوء بالشر، لكنها روت شجرتها بالدموع والجهاد والاحتمال ، فآوت إليها طيور كثيرة.
كانت المرحلة الأولى من حياتها في بلاد الصعيد، فكرزت وبشرت في القرى والنجوع بين نفوس كادت أن تهلك في ظلام الخطية وعبودية الشر.
ثم دبرت عناية الله أن تنتقل مع أسرتها إلى حي شبرا، وكان ذلك في أواخر الخمسينات ، فاشتهرت آنذاك بمحبتها وخدمتها للفقراء، حتى لقبت "بأم الغلابة".
وكان كثيرون يأتون لزيارتها في بيتها البسيط، منتفعين من خبراتها الروحية العميقة واختباراتها المعاشة مع الرب وقديسيه، منهم رجال إكليروس من مختلف الأديرة والكنائس: وقد جملت بمواهب الروح القدس .. فحدثت بصلواتها بركات ومعجزات عديدة..
إن حياة هذه السيدة توبخ جيلنا المعاصر، فقد صرنا نقترب إلى الرب بالفم ونكرمه بالشفاه، وأما قلوبنا فمبتعده عنه بعيداً (مت 15: 8).... فجاءت هذه السيرة كصوت صارخ، وبالأخص للمتهمين بالعمل الاجتماعي في الكنائس، ليتعلموا جيداً ، إن أعمال الرحمة، هي مدخل هام للأبدية، والتقصير في خدمة الفقراء يدفع البعض إلى الإنحراف أو الإرتداد أمام الضغوط الإقتصادية الواسعة.
ولدت أردينا مليكة يوسف (أم الغلابة) في عام 1910 بقرية الشيخ علام (مركز الكوامل/سوهاج)، من أسرة ثرية جداً تمتلك العديد من الأطيان والسواقي. وقد ماتت أمها بعد ولادتها بأربعين يوماً .. فاحتوتها أحضان شقيقتها دندية (هي أكبر شقيقاتها من جهة الأب).
أما والدها فقد كان رجلاً ذو سطوة ومهابة في بلدته. وكلمته نافذة كالسيف على الجميع .. كما كانت له هواية رديئة في إستحضار الجان والتعامل معه، فزاد هذا الأمر من سطوته وجبروته. حتى تحجر قلبه وتجمدت مشاعره تجاه وصايا الرب، فحاد عن طريقه المستقيم.
فحرمت هذه الطفلة الصغيرة ذبائحه لأنها ناتجة من مال حرام، وفضلت الأطعمة البسيطة القليلة عوض الأطعمة الفاخرة الدنسة.
وقد تمتعت في صغرها بنضوج روحي مبكر ، رغم التيتم وقسوة الأب، حتى كانت تهرب من البيت في سن السابعة من عمرها. وتسير على قدميها لمسافات بعيدة، لتصلي بأحدى الكنائس التي تبعد عن قريتها كثيراً .. كما تدربت منذ حداثة عهدها على أصوام الكنيسة، رغم معاندة ومعارضة والدها، والذي كان كحد تعبيرها .. يفتح فمها بالقوة ويضع بداخله شوربة اللحم، حتى يكسر صومها فتفطر.
فكانت تعود للصوم مرة أخرى في قوة وإصرار على التنسك والزهد. وهكذا شقت هذه البارة طريقاً يجمعها بالرب منذ الصبا، رغم العراقيل والعقبات التي اعترضتها، والتي ظلت تتكبدها حتى لحظة نياحتها..
في عدة أحاديث روحية لأم عبد السيد، أكدت بأنها مرت في طفولتها باختبارات عميقة (من سن الثالثة حتى السابعة) ، فقد كان الشيطان يأتيها علناً ليزعجها ويخيفها، فكان الرب يسوع بنفسه يظهر بمجده النوراني الفائق ويحتضنها بين ذراعيه الحانيتين .. وعندما يقترب الشيطان منها بمنظره الأسود القبيح ويحاول أن ينتزعها ، كان الرب ينتهره ويدفعه عنها ... ويحوطها بقوة بين ذراعيه، ثم يربض بيده الحانية عليها ليبعث في نفسها السلام والطمأنينة.
وكانت دائماً تصف وجهه الجميل النوراني وكيف كانت تداعبه في ذقنه الصفراء المتوهجة كأشعة الشمس. في براءة طفولية، ثم تتحدث بإنبهار عن حنوه فتقول "أد أيه كان الحنان اللي فيه عجيب" .. وقد فسر أحد أحبائها الرهبان هذا الاختبار الروحي فقال: إن تعرضها لهذه الحروب الشرسة من الشيطان ، وفي هذا السن بالذات ، أكد لي بلا شك إنها مختارة ونذيرة للرب منذ صباها...
وها نحن نسرد هذا الحدث الروحاني ، بلهجتها الصعيدية الحلوة .. في حديثها للأباء الرهبان .. قالت: أمي فاتتني يتيمة .. وبعدين أنا كنت بنترعبوا ونخاف .. وأنا طفلة كان يمسكني على إيديه حبيبي يسوع، ويجول لي ما تخافيس
( = يقول لي ما تخافيش) كان يعني لاهيني. كان لما يديني( = يجيني) ، ويدي العدو ويضرب الباب في الأوضة اللي جاعدة فيها (= قاعدة فيها ). كنت أخاف أنا ... نمسك في ردلين مين ( = رجلين مين) ردلين حبيبي يسوع.
يدبدب علي (يخبط علي) ويجول لي ما تخافيس .. أنا معاكي ... إتخافي من إيه لما أنا معاكي. ما تخافيس. وكنت نفرح بيه لما يجعد (= يقعد) معايا الليل كله ، ويدبدب علي ويجول لي متخافيس.
دمال .. دمال .. دمال (= جمال) .. مافيس دمال زييه ( = ما فيش جمال زيه) ولماكون خايفة أنا ، يجول لي ما تخافيس .. أنا معاكي .. ولما كان يديلي (= يجيلي) كون نفرح بيه (= كنت أفرح بيه).
لما كبرت شوية 12 – 14 سنة ، سمعت على إن فيه أديرة وراهبات، وطبعاً فهمت أن الراهبات دول عندهم فرصة إنهم يعيشوا مع ربنا أكثر من أي إنسانة ثانية مشغولة ببيت وزوج وأولاد وكده .. فاشتاقت إنها تكون راهبة.
فقالت لهم: أنا أترهبن، وهي يتيمة من الأم، فقالوا لها: رهبنة إيه ؟! (وضحكوا عليها) دي الرهبنة دي والأديرة بتاعة الراهبات .. ما يخدوش إلا إن كانت واحدة مكسحة ، واحدة عميا.. هما دول إللي يخدوهم في الدير، لكن أنتي مفتحة .. ما يرضوش يقبلوكي في الدير.
فراحت من وراهم، وجابت تراب وكبست عينيها علشان تعمي .. وبعد كده تروح الدير. بالبساطة بتاعتها دي. لكن طبعاً ربنا شفى عينيها وماكنشى إرادة ربنا إنها تعيش حياة الرهبنة.
هنا وتستطرد أم عبد السيد حديثها الممتع مع أباؤنا الرهبان، فتقول عن هذه الفترة من حياتها:
كان الرهاب (= الرهبان) زمان يخدوهم عمى ، جولت أيوه (= قولت أيوه)، أنا مرة راح نكبس إعني ملال من الفرن (= تراب من الفرن)، وإعني يتفجعوا (= عيني تتفقع) ونروح الدير. .. جبت شوية ملال وكبست إعني .. نضفوا إعني وما روحتس الدير
( = وما روحتش الدير) .. ليه .. ما نستحجس الدير (= ما نستحقش الدير) .. مسكينة أنا .. ما نستحجس الدير.
وبعدما باءت كل محاولاتها بالفشل تجاه رغبتها في الرهبنة، قام والدها بتزويجها رغم أنفها ... حتى يقطع عنها كل أفكار الرباطات الديرية، ويضمن عدم سيرها نحو هذا الطريق الروحاني.
فتزوجت في سن الرابعة عشر من إنسان شرير وقاس القلب، تجرعت كأس مرارته وأتون عذاباته لسنين طويلة.
ولأنها تيقنت "إنه بضيقات كثيرة، ينبغي أن ندخل ملكوت الله" (أع 14 : 22).
فقد احتملت في سبيل ذلك إنها ظلت لمدة أربعين سنة تضرب منه بجريد نخل يكتظ بالأشواك المسننة .. فكانت مع كل ضربة يتدفق منها الدم بغزارة كجريان الماء، فترجع إليه الجريدة مرة أخرى ليواصل تعذيبه لها مستهينة في ذلك بآلامها الجسدية والنفسية ... وبينما جراحاتها تدمى ، تقول له : مش مهم عندي آلامي وجراحي، فكل إللي يهمني خلاص نفسك، حتى إنها في أحد المرات، صعدت إلى سطح البيت والدم يتساقط منها ، وصارعت حبيبها يسوع (رجل الأوجاع ومختبر الأحزان) (أش 53: 3)
وطلبت من أجل زوجها فقالت : سوف يا حبيبي ( = شوف يا حبيبي) ، أنا النهارده مانسيبكس (= ما أسيبكش) ده سريك حياتي (= ده شريك حياتي)، إتخليه عايس في الخطية (= تخليه عايش في الخطية) يعني أنا نروح السماء وهو يروح دهنم (=يعني أنا أروح السماء وهو يروح جهنم)، ده حرام، أوعى تكتب عليه خطية .. أنا عنجولك (= أنا بقول لك).. أوعى يا رب تكتب على دوزي (= جوزي) خطية ، وإنت إتألمت جبلنا (= قبلنا) وكل ده ما يديس سكة ( ما يجيش شكة) من الآلام بتاعتك ...
فيا للعجب من عمق الفهم ده. إنها بتطلب المغفرة .. لواحد بيعذبها كما لو كانت مش إنسانة، تطلب له المغفرة، وكمان عندها فهم لروح الصليب ، وتقول له : إنت أتألمت قبلي .. يعني إيه آلامي دي جنب آلامك.
سألها الأسقف ... ومين علمك كده؟ .. جاوبت برضه باللغة البسيطة بتاعتها ... فقالت : الروح وحدها تعلم كل حاجة .. الروح وحدها..(يعني عايزه تقول : روح الله وحده .. هو إللي بيفهمني).
أما بالنسبة لزوجها سار في طريق الخطية وحياة الزنى ، فترك زوجته وأولاده .. في بيت أهله، فأذلوها وأهانوها وعايروها، بدلاً من أن يكونوا سبباً في تعزيتها وراحتها.
فضحت بشبابها وحياتها من أجل مسئولية تربية أطفالها، فعملت وكدت حتى تربيهم ، فيسكنوا آمنين غير معوزين لشيء.
ودارت عجلة الزمن .. مرض الرجل وانهكت قواه، ولما سمعت زوجته الوفية بذلك، لم تفكر فيما صنعه معها ، بل أتت به وخدمته بكل تفاني وحب .. وصارت تداويه. حتى استجاب الرب لطلبتها من أجل هدايته ، كما صنع بالقديس أغسطينوس ، استجابه لطلبة والدته .. فرجع عن آثامه وتاب، معترفاً بجهالاته وخطاياه.
ولقد كشف لها الرب في رؤية عن قرب رحيله ، فأشترت أكفان وقامت بحياكتها .. وأثناء ذلك شكتها الإبرة ، فرسمت صليب بالدم على الأكفان، ثم قالت لزوجها: "بالك يا أبو عبد السيد .. إنت راح تموت جبليه (قبليه)، ودمي راح يروح معاك، وراح تتكفن بالأكفان دى ودمي راح يروح معاك " .... وقد تمت نبوتها بالفعل .. فمات زوجها ، ولفته في تلك الأكفان التي أعدتها خصيصاً من أجله. وختمت بعبارة جميلة كخلاصة روحية لخبرة السنين .. "سوف (= شوف) العمل إللي عمله معايا ده ، وكنت بنصليله مرجده ( = مكانه ) يكون السماء".
وكان من التجارب الأولية التي صمدت أمامها دون أن تنسب لله جهالة، موت أربعة من أولادها، كانوا باكورة إنجابها وهم : نظير ، حكمت ، سعيد ، أمل. فقدتهم جميعاً على التوالي..
وقد وجدنا تعزية كبيرة في قصة وفاة إبنها سعيد الذي انتقل للأمجاد السمائية وهو في مقتبل شبابه، بعدما أصيب بمرض في الرئة لم ينفع معه دواء..
وصارت مناحة عظيمة حسب طبيعة أهل الصعيد، لكن الله سكب سلاماً خاص في قلب (أم عبد السيد)، فبينما تقوم بتغسيل جسده.. وجدت حمامة إخترقت الحجرة رغم إن الشبابيك والأبواب مغلقة، وظلت تحوم حول الجسد ثم تستقر على رأس أم عبد السيد ... تحوم حول الجسد وتستقر على رأس أم عبد السيد ... فأدركت قديستنا مشاركة السماء لها بالتعزية والفرح، عند إنتقال ولدها.
فقامت وطبخت للجميع بعد دفن الجثة بل ووعظت موكب الحاضرين، فقالت:
"يا دماعة (= يا جماعة) إبني ده راح السما، وبعدين جال لي (= قال لي) يا ماما .. ما تبكيس علي (= ما تبكيش علي) .. وإحنا غسلناه وودناه لعروسته، وجولت له (= قولت له) يا بنى روح..إنت رايح الدنة (= الجنة) وإحنا رايحين وراك يا سعيد ، فيا بخته ويا هانياه ... فخلاص يا دماعة. حزن ما فيس (= ما فيش) ، والعريس ودناه لعروسته .. فلو ما عايزينيس تآتلوا (فلو ما عايزينش تاكلوا) تبجوا حزانى ، ولو عايزين تآتلوا، يبجي ده فرح (= يبقى ده فرح).." وللوقت قامت ووزعت شربات وبسكويت على الحاضرين ، لتعلن إنه لا يوجد معنى للموت في المسيحية بل هو إنتقال.

بركه هذة الام الطاهرة تكون معنا
اميــــــــــــــــن
 

happy angel

يارب أسرع وأعنى
مشرف سابق
إنضم
15 يونيو 2008
المشاركات
26,679
مستوى التفاعل
815
النقاط
0
الإقامة
تحت أقدام مخلصى
رد: أم الغلابة

بركة صلاتها تكون معنا

ميرسى على السيرة العطره

ربنا يفرح قلبك
 

KOKOMAN

.
مشرف سابق
إنضم
9 سبتمبر 2007
المشاركات
122,437
مستوى التفاعل
413
النقاط
0
الإقامة
ALEX
رد: أم الغلابة

ميرررسى على مرووورك يا هابى

ربنا يبارك حياتك
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,326
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus
رد: أم الغلابة

أنا بحب القديسه أم الغلابه والأنبا أبرآم وكل من هو حنون على أولاد المسيح
بركه جميعع القديسين معك والجميع شكرا
 

KOKOMAN

.
مشرف سابق
إنضم
9 سبتمبر 2007
المشاركات
122,437
مستوى التفاعل
413
النقاط
0
الإقامة
ALEX
رد: أم الغلابة

ميررررررسى على مرورك يا النهيسى
ربنا يبارك حياتك
 
أعلى