الرهبانية اللبنانية المارونية

أرزنا

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
7 أبريل 2007
المشاركات
1,100
مستوى التفاعل
26
النقاط
0
الإقامة
قلب يسوع
الرهبانية اللبنانية المارونية



نبدأ بنبذة وجيزة منقولة عن كتاب المصباح الرهباني للمؤلف المطران عبداالله قراعلي مؤسس الرهبانية اللبنانية المارونية واسقف بيروت


1672 – 1742



طبع هذا الكتاب بمناسبة الذكرى المئوية السادسة عشر للقديس انطونيوس الكبير اب الرهبان


356 - 1956


مؤسس الرهبانية اللبنانية المارونية هو عبدالله قراعلي ودعي باسم عبد الأحد في حلب سنة 1672 من أسرة مارونية نازحة من شمال لبنان عريقة في القدم والتدين غنية بالمال والجاه . فتربى أحسن تربية محصلا من العلوم ماكان ممكنا متضلعا من اصول دينه وجاهدا في تطبيقها عمليا على أكمل وجه. فاقتبس مبادىء اللغتين السريانية والعربية من المدرسة المارونية واطلع على آداب اللغة العربية متقنا قواعدها في مكتب الشيخ سليمان النحوي الشهير ثم اخذ بدرس اللغة الايطالية أطاعة لوالده الذي اراد بذلك أن يدفعه في سلك التجارة.
وتعلم اصول الدين في المدرستين الوالدية فالمارونية وتعمق فيها من تأمله " سيرة الاباء مثل أنطونيوس ومكاريوس وارسانيوس ومن مثالهم" ومطالعته المفضّلة لكتب " سلم الفضائل" للقديس يوحنا كليماكوس أو السلمي و " بستان الرهبان " و " واباطيل العالم" وكان له بعض الرفاق الذين تعرّف اليهم في مكتب الشيخ سليمان المذكور وعرفنا منهم جبرايل حوا ويوسف البتن وجبرايل فرحات .


الدعوة الرهبانية:

فشعر أن الله يريده في سلك آخر غير الذي يريده والده أي سلك الانفراد والعبادة أو التجارة الروحية. فما كان مفضّلا طاعته تعالى على طاعة الناس وراح يبحث عن الوسيلة العملية التي تضمن تنفيذ الرغبة الإلهية.فوجد ان لا بد من الذهاب الى لبنان موطن العباد والمتوحدين آنذاك في بلدان الشرق الأوسط . واذ بدا يتردد امام الصعوبات التي ظهرت جمة، سمح الله بوقوعه وهو في الثامنة عشر من عمره في مرض شديد أوصله الى ابواب الابدية ، واراه بوضوح ان الرهبنة هي الطريق الآمن التي توصله الى الحياة السعيدة . فصمم عندئذ على هجر الأهل والوطن والسفر الى لبنان لتحقيق دعوته.
لكنه تريث ايضا ثلاث سنوات اندفع في اثنائها دون انحياز عن الهدف مع الرفاق الذين ذكرنا وراء تحصيل الفلسفة واللاهوت والشرع وفروعها على الخوري بطرس التولوي الشهير واذ لا حظ يوما في رفيقه جبرايل حوا ميلا كميله ، اطلعه على طوية نفسه. فالقاه مثله شغوفا بحب الله تواقا الى الانفراد في احد أديار لبنان . فقرر الاثنان المبادرة الى استئذان الأهل وتذليل ما تبقى من صعوبات.

اختبار الحياة الرهبانية في اديار لبنان القديمة

وكان جبرايل حوا السباّق في الحصول على سماح والده والسفر الى لبنان حيث وصل في تشرين الثاني سنة 1693 ولحق به عبدالله عن طريق القدس في الربيع التالي من سنة 1694، يرافقه يوسف البتن الذي علم اخيرا بعزم رفيقيه وطلب الانضمام اليهما. وشاءت العناية الالهية ان يلتقي الثلاثة في زغرتا ، لبنان ، يوم عيد الجسد الالهي ويتمكنوا من الصعود فورا الى الكرسي البطريركي في قنوبين (قرية لبنانية) ويعرضوا على البطريرك اسطفانوس الدويهي رغبتهم في الترهب، ملتمسين مشورته وبركته. فاجابهم أولا: مازحاً: " أنتم اناس ذوو تنعم ومعاش الجبال قشب والحروب في البلاد وسفك الدماء متصل. هل يمكنكم احتمال هذا واكمال مطلوبكم؟ والحال أنكم عاجزون عن شغل الفلاحة والزراعة وانتم ناظرون معاش الرهبان وسيرتهم في هذه البلاد . فقالوا اننا نستطيع" . واضافوا:" ان مرادنا ان نجمع قانونا من رسوم الآباء انطونيوس وباسيليوس وغيرهم، وننشىء طريقة لنا ولغيرنا " فصفق البطريك ضاحكاً لكنه عاد فانعطف الى مطلوبهم بشرط ان يختبروا اولا بانفسهم طريقة رهبان البلاد ويختاروا الدير الذي يلائمهم . فامتثلوا لأمره ولبى عبدالله مع رفيقه يوسف بعد موافقة اخيهما جبرايل الذي فضّل البقاء في قنوبين دعوة المطران جبرايل البلوزاوي ( بلوزا قرية لبنانية) اسقف حلب ومنشىء دير طاميش ، وذهبا يختبران في ذلك الدير طريقة رهبانه. ومكثا هناك ما يقارب الثلاثة اشهر. فوجدا " تربيتهم كباقي رهبان البلاد، لا ينذرون النذر الرهباني انما يلبسون زي الرهبانية في أي يوم اتفق كنحو رأي المتقدم في الدير... وعلى الغالب كانت المطارين تلبس الاسكيم الرهباني لا رؤساء الرهبان. وكان التزامهم بنذورات الرهبنة شكل تسلم ومفهوم العقل فقط من غير اقرار النية. والرئيس الذي يرأسهم في غياب المطران لم يكن اسمه عندهم رئيس بل يدعونه باسمه".وهكذا رؤساء كل الديارات لم يكونوا يدعونهم الا باسمهم "قس فلان" . وكلمة ابونا الريس لم يكن لها وجود في بني مارون اصلا... ولم يكن عندهم حدود لتجربة المبتدئين ولا حركات سجدات الرهبان للرؤساء وقوانين التأديب الرهباني بل كانوا سائرين بسذاجة صالحة للصالحين وخطرة لغير الصالحين... وكان مطبخهم وكرارهم وغسل ثيابهم والخياطة بيد الراهبات الساكنات بحذائهم في مكان عزلة ، كما هي عادة بلادهم. والكنيسة مشتركة بينهم . (مذكرات المطران عبدالله قراعلي في اللآلىء ص : 17) الا ان حياة اولئك الرهبان النسكية القشفة استهوتهما ، فمال خاطري ، يتابع عبدالله في مذكراته ، وخاطر يوسف للسكن عندهم بعد مشورة اخينا جبرايل المقيم في قنوبين بشرط ان المطران يخرج الراهبات من الدير ( الى دير لوحدهم) آملين التوصل عن طريق المثل الصالح الى ادخال الحياة الرهبانية اليهم.


أولاً- مرحلة التأسيس

1- فوضى تنتظر من ينظّمها: إلاّ أنّ الحياة الرهبانيّة في لبنان، منذ بدايتها حتى أواخر القرن السابع عشر، لم تكن حياة منظّمة، تسير بموجب قوانين ورسوم مكتوبة ومحدّدة، أو تحتفل بنذور "علنية مشهورة ومشهود بها وبألفاظ صريحة"(2)، أو تتميّز بزيّ رهباني خاص... لقد كانت حياة عبادة وزهد، وكان معتنقوها يعيشونها في أديار ومناسك بحسب طبيقة كل واحد منهم، وبحسب همّته الروحيّة وحماسه المتّقد.

وكانت الأديار خاضعة لسلطة أسقف، يعيش الرهبان والراهبات، في معظمها، جماعة واحدة "كانوا سائرين، على ما روى قراعلي، بسذاجة وبساطة، (بسيرة) صالحة للصالحين وخطرة لغير الصالحين" (3)... هذا الوضع الخاصّ جدًّا في الحياة الرهبانيّة، بل الفوضوي أيضًا، حثّ كثيرين من معتنقيه إلى تدارك ما ينجم عنه من مخاطر. ولكن هؤلاء، شأنهم كشأن اللبنانيين عامّة، لا يستطيعون تنظيم شؤونهم بنفوسهم... فكانوا ينتظرون منظّمًا من خارج، يدفعه الروح إليهم من مكان ما (4).

فوضى روحيّة تنتظر نظامًا. عبّاد زهّاد مشتَّتون ينتظرون مَن يوحّد شملهم. أديار مستقلّة تنتظر من يضمّها. قوانين معاشة ولكنّها غير محدّدة. صلوات وعبادات فرديّة. زيّ غير موحّد... الكل يعرف ذلك؛ والكلّ ينتظر أحدًا يضبط هذه الفوضى الروحيّة. فكان ذلك في 1/10/1693، عندما "سافر الشمّاس جبرايل حوّا نحو جبل لبنان يريد الرهبنة" (5). وتبعه رفاقه، عبدالله قراعلي، ويوسف البتن، بعد ثلاثة أشهر، ثم جبرايل فرحات، بعد سنة. وابتدأت معهم الحياة الرهبانيّة المنظّمة.

2- بداية التنظيم: اجتمع الثلاثة الأول، بعد أن اطّلعوا وبحثوا وصمّموا، ثم قرّروا الانطلاقة. مثلوا بين يدي السيّد البطريرك إسطفان الدويهي، وأطلعوه على نيّتهم، فأجابهم للحال، كمن يتنبّأ على مستقبل خطير: يا أولادي! "انّكم أنتم أبناء رغد ونعيم. ومعاش الجبال قشف. والحروب قائمة في البلاد. وسفك الدماء متّصل. فهل يمكنكم العيش بين هذه المتاعب؟! على انّه لا قدرة لكم على الفلاحة والزراعة. وبها معاش الرهبان في هذه البلاد. وسيرتهم متعبة وقشفة. فلا أراها في مقدوركم" (6).

لكنّ الروّاد الثلاثة من أجل هذا جاؤوا: من أجل الحرب وسفك الدماء والحياة القشفة ومصارعة الأهواء والعمل في الأرض والالتصاق بها والزحف عليها وانتاج خيراتها... من أجل حياة رهبانيّة أرادوها مثاليّة في كلّ شيء، وسوف يتحمّلون في سبيلها كل شيء. من أجل الربّ الذي رأوا فيه صورة كنيستهم المارونيّة المضطهدة تحمّلوا الصليب واستمرّوا عليه. وما زالت مدرستهم، حتى اليوم تتلقّى من شعلتهم نفحات الروح.

وكان حظّ الروّاد، مع البطريرك الكبير، كبيرًا، فسلّمهم دير مارت مورا في إهدن، فتسلّموه في 1/8/1693، بدأت فيه ومعهم أولى بذور الحياة الرهبانيّة الجماعيّة القانونيّة المنظّمة، كما ابتدأوا يعملون في بيتهم الأول ويرمّمونه ويزيدون على بنائه بناء.

وبعد ثلاثة أشهر من الترميم والبناء واختيار الحياة المشتركة، مثُلَ الثلاثة أمام البطريرك مجدّدًا، في كنيسة دير قنوبين البطريركي، ولبسوا من يده الإسكيم الرهباني. وكان ذلك، بالتحديد، في 10/11/1695 – تاريخ للحفظ – هو بدء السّنة الرهبانيّة – بدء التنظيم، بدء الحياة القانونية المشتركة.

3- بداية المسيرة: ومنذ ذلك التاريخ أصبح حوّا رئيسًا عامًّا على الرهبانيّة الناشئة. وكان دير مارت مورا أوّل مقرّ للرئاسة العامّة. وكانت أيضًا بين الروّاد خلوة طويلة دامت أكثر من ثلاث سنين. خلوة نعرف مقوّماتها وخطورتها من نتائجها: لقد كانت صلاة وتأملاً وتصميمًا وقرارًا ورؤيا. ظهرت بعدها النتائج مباشرة: أديار انضمّت إليهم، رهبان عبّاد انتظموا في سلكهم، فتيان ورجال التحقوا بهم، مدارس فُتحت للتبشير والتعليم، مصانع قامت للعمل، ممتلكات شاسعة درّجوا جلاليها وعمّروا حفافيها، وأنتجوها لعيش كريم... واستمرّت الورشة قائمة ناشطة حتى هذا اليوم.

وكان أوّل ما انضمّ إليهم دير مار أليشاع في بشرّي. وكان ذلك في 1/4/1696. و"كان خرابًا، فيه كنيسة وبيتان حقيران، فجدّدوا بناءه، وأنفقوا في تأثيثه 5360 قرشًا" (7). وهو مبلغ لا يستهان به في ذلك الوقت، ولكنّه يهون أمام طموح الفاتحين. ثمّ انضوى سبعة رجال إليهم، يريدون الترهّب. وكان ذلك منذ سنتهم الرهبانيّة التنظيميّة الأولى. فألبسوهم الإسكيم الرهباني، وميّزوهم عن غيرهم بملابس خاصّة (8). وكان بين السبعة علاّمة عصره جبرايل فرحات، ومعه من يستحق منا الذكر: الياس من حلب، يعقوب زوين من غزير، عبدالله البشرّاني، موسى البلوزاوي، يوحنا الباني، ويعقوب الحلبي.
وبازدياد العدد ازدادت المهام. لقد ألّف الجميع جماعة واحدة مشتركة في كلّ شيء. رسموا لهم قوانين وفرائض. فوضع أحدهم، وهو عبدالله قراعلي، قانونً من 22 بابًا، ثم اختصره إلى 15 بابًا. وفرض أن يكون على الرهبانيّة الناشئة رئيس عام وأربعة مدبّرين، تكون مدّة ولايتهم 3 سنين قابلة للتجديد فكان أوّل مجمع عام في 10/11/1698، ذكرى ترهّبهم، في دير ما أليشاع، وتمّ فيه تجديد انتخاب الأب جبرايل حوّا رئيسًا عامًّا، وقراعلي والبتن وفرحات مدبّرين. وابتدأت المسيرة بدفع جديد.

4- نكسة في البداية: غير أنّ الشيطان حاضر، على الأبواب رابض، يترقّب ثقبًا يدخل منه، يريد انتزاع الروح من هؤلاء المندفعين. لقد أحسّ، بسابق علمه، بأنّ قيام مثل هذه المؤسسة سيدكّ بنيانًا اعتنى به منذ دهور. لقد شعر بأنّ طعنة عظيمة سيصاب بها ان هو ترك هؤلاء يسيرون. في أفق علمه يلوح شربل ورفاقٌ له عديدون. فهل يتركهم يعملون! وماذا على شياطين البرّية أن تصنع اذن! أيّة قيامة ستقوم بها الأرض إذا هم لم يتدخّلوا مباشرة، وفي الرأس لا في غيره. ضربة محكمة أو لا تكون.

وعلى الشبّان أن يتحمّلوا هجمات الأبالسة منذ بداية حياتهم. ألم يسمعوا الربّ يقول لسمعان: "سمعان، سمعان! ها إنّ الشيطان قد تطلّبكم ليغربلكم غربلة الحنطة. ولكنّي سألت ألاّ ينهار إيمانك. فإذا ما عدت ثبّت إخوتك" (9). وكانت "الغربلة" في البداية: خلاف عميق بين اثنين من المؤسّسين: بين الرئيس العام حوّا وأحد المدبّرين قراعلي. قد لا يكون السبب وجيهًا ولكنّ الشيطان يريد أن "يغربل"، وحتى القدّيسين "يغربل".

"ونحن لان جهل وساوسه" (10) ولا نستغرب. فبطرس رأس الرسل شكّ وأنكر وسقط وهرب... لكنّه عاد، لا بقوّته، بل بقوّة جاذبيّة المعلّم... وجبرايل حوّا سقط في تجارب إبليس، وهو الرئيس الأول، وبقي يعرج حياته كلّها بين قابلٍ ورافض، بين أن يكون من هذه الجماعة أو يكون عليها، بين أن يكون فيها أو خارجًا عنها... لقد أتعب "ضجره" الرهبان جميعًا. ومن المعلوم المؤكّد لدينا أنّ الحياة الرهبانيّة لا تتحمّل التذبذب والاضطراب وعدم الاستقرار. لا بدّ من القرار، من الحسم، من وضع اليد على المحراث والتطلّع إلى الأمام وترك كلّ شيء واتّباع المعلّم.

لقد كان حوّا في طبعه ضعيفًا رغم اقتناعه بما باشر به. وفي طبعه يحبّ الرئاسة رغم اقتناعه بأهمّية فضيلة التواضع كسبيل إلى النعمة. وفي طبعه يحبّ السلطة مؤبّدة رغم معرفته بأنّ الحياة الرهبانيّة والديمقراطيّة صنوان. بين هذا التجاذب القتّال مال الرئيس الأوّل إلى أن يستقلّ بالرئاسة وإلى أن يجعلها حقًا له مؤبدًا، وإلى أن يلغي بالتالي وظيفة المدبّرين... كما أراد أن يبدّل ويغيّر نهج الحياة الرهبانيّة في الكنيسة المارونيّة، ويقلّد اليسوعيين، ويتحوّل من حياة الزهد وأعمال الأرض والحياة الديرية الخفية إلى حياة رسولية تبشيريّة جوّالة... ففشل المسكين. وأدّى فشله بإخوته إلى إعادة النظر، إلى تصحيح المسيرة، وضبط الصورة، ومن ثمّ إلى دفع جديد.

5- تصحيح المسيرة: لقد حسم الموقف الصعب ثلاثة: روح الربّ النشيط العامل في المؤسّسة الفتيّة، والراعي الحكيم البطريرك الكبير علاّمة دهره، وقراعلي صاحب الرؤيا. وللحال عُقد مجمع عام، قبل موعد بسنتين وسبعة أشهر أي بعد التجديد لابن حوّا بأربعة أشهر فقط، وقرّر المجتمعون عزل رئيسهم وانتخاب قراعلي. وكان ذلك في 14/3/1699. واتّخذ للحال جملة قرارات، منها أن لا يصير تغيير في غاية الرهبانيّة، وأن تصير مباشرة الرسالة عند الإمكان فقط، وأن لا تكون الرئاسة مؤبّدة، وأن يكون الحكم شورى بين الرئيس العام والمدبّرين... وكان في ظنّ الجميع أن ابن حوّا لن يقبل الأحكام، لكنه قَبِلَ، "وقام لساعته، ومضى إلى الرئيس العام الجديد، وسجد بين يديه، ورفع إليه ما لديه من متعلّقات الرئاسة العامّة، خاضعًا مسرورًا" (11).

لقد انقضت العاصفة بسلام، عاصفة خضّت الرهبانيّة في مهدها. استمرّت القافلة تسير، وليتخلّف منها من يتخلّف، حتى ولو كان رئيسًا. وليسقط منها من يسقط، حتى ولو كان من المؤسّسين. وعليه قرّر حوّا الخروج من الرهبانيّة مع راهبين اثنين، واستقلّوا بدير مارت مورا، بينما الرئيس العام قراعلي استقلّ مع اثني عشر راهبًا في دير مار أليشاع. والرائد الرابع، فرحات، خرج من الرهبانيّة، ولم يعد إليها إلاّ بعد هدوء العاصفة، أي بعد خمس سنين ونيّف... وكان على البطريرك الحكيم أن يسارع ويتدارك ويحسم المواقف، فحكم للحال بتقسيم الديرين والأرزاق والأموال بين الفئتين. والقسمة، في مثل هذه الأحوال، أجدى من التوافق والتعايش. وهي دليل على عمل الروح المتفجّر في الطامحين.

ومع هذا استمرّت القافلة تسير، والروح يعمل، والإخوة يزدادون عددًا وفضيلة. وقام السيّد البطريرك يشهد لهذا النموّ، فأنعم على الرهبانيّة بتثبيت القوانين والفرائض، وذلك في 18/6/1700 – تاريخ للحفظ – وفي اليوم التالي التزم ثلاثة عشر راهبًا إبراز النذور الاحتفاليّة، شاهدين على صوابيّة خطواتهم وعمق حياة النعمة، مهما كانت الصعاب كبيرة.
دام الحال الصعب سنتين، بعدها استعاد الرئيس العام قراعلي دير مارت مورا، خرج ابن حوّا من الرهبانيّة، وارتدّ أحد راهبيه إلى اخوته، والثاني شرد... وهكذا همدت العاصفة، وخفّت التجارب، وارتاح الشيطان الأكبر من "الغربلة"، ولكن إلى حين، تمامًا كما كان الحال مع الربّ، اذ "لمّا استنفد الشيطان كلّ وساوسه ابتعد عن يسوع إلى أجَل موقوت" (12).

6- سقوط الأديار والأملاك: استقرّت الرهبانيّة "وابتدأت بالزيادة والازدهار والنماء والخير والمبرّات" (13)، ثمّ "دخلت سنة 1703، وكانت الإخوة، بنعمة الله، تزيد عددًا وعبادة (14)، وجدّد الرهبان الولاية لرئيسهم ثانية... وثالثة... حتى السادسة، إلى حين سيامته مطرانًا في 17/9/1716. وكانت الرهبانيّة، في أيّامه، تزداد رهبانًا وأديارًا وممتلكات، وتمتدّ في أنحاء لبنان، في الشمال كما في الجنوب، في الساحل كما في الجبل. وابتدأت أديار العبّاد مع أصحابها أو مؤسّسيها تتساقط أمام قراعلي واخوته الفاتحين:
ففي شباط 1706، تمّ الزحف نحو الشوف، فافتتحت الرهبانيّة دير رشميا. وفي السنة التالية انضمّ دير اللويزة. وفيها أيضًا تسلّمت دير سير بالقرب من رشميا. وفي الشهر العاشر منها سقطت روما، إذ وهب الحبر الأعظم دير مار بطرس ومرشللين للرهبان وأسكنهم فيه ليصلّوا ويدرسوا ويشهدوا. وكان البابا نفسه، فيما كان يتنزّه بالقرب منهم، أن سمع أناشيدهم السريانية المارونية الشرقية، فدخل إليهم وصلّى معهم، وبارك فتحهم. وفي السنة التالية، في 5/7/1708، تسلّمت الرهبانيّة دير قزحيا الغارق تحت الضرائب والمشاكل. وكذلك أيضًا افتتحت بلاد عكار 1710، وأنشأت في الدريب بالقرب من القبيات ديرًا على اسم العذراء، وفي 1712 تسلّمت دير مار بطرس كريم التين بالقرب من بيت شباب. ولمّا عصت مزرعة عين بقرا القريبة من إهدن تقرّر استئجارها سنة 1713 من صاحبها الشيخ عيسى حماده حاكم البلاد آنذاك، وذلك تمهيدًا لشرائها حين تحين الفرصة الملائمة، ومهما كلّف الأمر، وبأي ثمن. فكان لهم ذلك. وهي اليوم بين أيدي الأحفاد مستجنّة.

7- "غربلة" إبليس: بالرغم من النجاح السريع والفتح الواسع لا يزال الشيطان يعمل. وسوف يضاعف "غربلته" بوجوه شتى وأنواع مختلفة:

فبعد أن تسلّم الرهبان دير سير، طُردوا منه، ولم يعودوا إليه إلاّ بعد 27 سنة. ثم طُردوا من دير العذراء في القبيات، ولن يعودوا إليه أبدًا. ثم تركوا دير روما لمشاكل مع حوّا الذي كان لا يزال يُتعبهم حتى وهم بين يدي الحبر الأعظم، ولم يعودوا إليه إلاّ بعد 18 سنة. ثم طُردوا من مار بطرس كريم التين ليعودوا إليه بعد سنتين. ثم أخلوا دير قزحيا لجور الحكّام المتاولة، فانتقلت الرئاسة العامة منه إلى دير اللويزة.
أمّا النوع الثاني من التجارب فكان في احتدام الصراع بين الرهبان والبطاركة المتعاقبين على كرسي انطاكيا والمطارين جملة. فمنذ وفاة البطريرك الدويهي، فريد طائفته، سنة 1704، وانتخاب خلفه جبرايل البلوزاني، بدأت المعركة واستمرّت النكبات. هذا البطريرك، على ما يشهد قراعلي، "ما كان محبًا لرهبانيّتنا، ولكنّه لم يعاندنا" (15). ولكن، ما ان تسلّم البطريرك يعقوب عوّاد، في 5/11/1705 حتى ابتدأت التجربة الكبرى ولا تزال. هو أيضًا مع أعوانه ممن يهوون "الغربلة".

السبب معروف: الرهبان يتوسّعون، يكتسبون، يُسقطون ديرًا بعد دير، ولو على حساب الأمراء والبطاركة. الشعب يحبّهم، يطمئنّ إليهم، يرتمي بين أيديهم، يسعى وراءهم، يتبعهم، يفديهم بحياته، يتنازل لهم عن حقّه، يقيم الأرض ويقعدها في سبيلهم، يتسارع لمشاركتهم، لمساعدتهم، ولخدمتهم، يكشف لهم سرّه وخفايا ضميره...

تجاه هذا الوضع قامت القيامة بين الفريقين. وكان فرحات، بإلهام الروح، يحذّر ويردّد: "تجنّبوا رؤساء الكهنة بكلّ جهدكم. فلا خير للرهبان في معاشرتهم ومحبّتهم ومساكنتهم والتقرّب منهم، حتى ولو كانوا من آباء رهبانيّتكم. فخذوا بركتهم وتجنّبوهم بقدر استطاعتكم، وإلاّ فيصيبكم من بلاياهم ما أصاب آباءكم الذين سلفوا..." (16). فتأمّل!

والنوع الثالث من "غربلة" إبليس كان في المؤسّسين أنفسهم: واحد منهم ترك الرهبانيّة بعد أن كان عليها رئيسًا، ولا يزال يُتعبها وهو خارج عنها، وهو ابن حوّا. والثاني فيما كان يعمل في الأرض، في دير قزحيا، سقط عليه صخر كبير حطّم عظامه، ولا يزال تحته حتى اليوم، وهو يوسف البتن، الذي كان في حياته، على ما شهد له رفيق دربه ورئيسه العام: "انه نفس طاهرة في جسم ميت". والصدمة الثالثة كانت أيضًا في المؤسّس الثاني الرئيس العام القائم، عبدالله قراعلي، الذي انتزعه البطريرك من بين إخوته، لغاية في النفس، ليرسمه أسقفًا. وكان ذلك في 17/9/1716. يقول قراعلي في مذكّراته: "وكنت أرى ذاتي ما بين حزين وفرح، حزين لفرقتي إخوتي وقانوني، وفارح لحمايتي لهم" (17). وكان بين الإخوة "مناحة 15 يومًا". وحتى جبرايل فرحات، رابع الروّاد، والذي قامت قيامته على رؤساء الكهنة، ناخ تحت التجربة، وتعيّن أسقفًا على حلب في 29/6/1725. وهكذا سلّم المؤسّسون المشعل لآخرين، كانوا من طراز آخر. واستمرّت القافلة تسير، والشياطين استمرّوا رابضين يهوون "الغربلة".


ثانياً- القوانين والمجمع اللبناني

8- بنيان على الصخرة: يجب الانتباه إلى أن أسقفيّة قراعلي وفرحات لم تكن تهرّبًا من الرهبانيّة التي أسّساها، كما هي حال نظرائهما اليوم، بل كانت، كما أشار قراعلي "لحمايتها". يعني كانت اقتحامًا للشرّ الذي يحطّم الرهبانيّة في مصدره. قراعلي وفرحات خدما غرستهما وأنمياها حيث هما، بدفاعهما عنها، بانتصارهما لها، بقداسة سيرتهما، بمساعدتها لدى الدوائر الرومانيّة، بانماء الدعوات فيها من رعاياهما... لقد كانا راهبين خارج الأسوار، يقاتلان في قلب معسكر الأعداء. فلهما التحيّة على ما غرسا وأنميا وأثمرا. وبحربهما حيث هما بدأ عهد جديد مع الذين استمرّوا في الداخل خاضعين لعمل الروح ولـ"غربلة" إبليس معًا.

استمرّ التوسّع على جميع الصعد وفي كلّ المناطق اللبنانية. والعهد الجديد كان برئاسة الأب مخايل اسكندر الإهدني الذي تولّى مهامه في المجمع العام العاشر المنعقد في دير اللويزة في 10/11/1723. هذا العبقري عرف تجارب إبليس من أين هي، وأي دماغ شرير يوحي بها. وعرف أيضًا كي يتداركها وأين. وابتدأت المسيرة: استعادت الرهبانيّة ديرها في روما في 1/9/1724، وأنشأت منزلاً في بيروت سنة 1725، وافتتحت دير طاميش في 30/6/1727، ومار الياس شويّا في 1/10/1728، وقامت ورشة العمران والبنيان في كل مكان...

إلا أنّ فرحة الفتوحات والعمران تبقى ناقصة، إذا ما لم توقف الخصوم عند حدّهم. على الرئيس العام أن يسافر إلى روما، إلى أعتاب الكرسي الرسولي، لـ"يعصم" رهبانيّته من كلّ صاحب "غربال"، لـ"يثبّت" قوانينها من كلّ متطاول عليها، لـ"يحميها" من كلّ ذي سلطان. من أجل هذا سافر الأب العام، وهو أوّل سفر من الشرق من نوعه. يريد رهبانيّة "مستقلّة"، "معصومة"، "ثابتة"، "مثبّتة" على الصخرة البطرسيّة. وعلى غير هذه الصخرة لا يريدها. ذهب الإهدني ليحارب الأعداء من علو شاهق، من فوق رؤوسهم جميعًا ذهب لينتزع الجبنة الطيّبة من براثن المتضرّرين.

وفيما هو هناك يدور، يتعرّف، يبحث، يسهر في سَنّ القوانين... كان المدبّرون يكتبون إليه باستمرار يطلعونه على مجريات الأمور: "يا ريت تسمعوا الآن التجاديف والسباب الذي صاير من الشعب قاطبة في حقّ هؤلاء... انّ الفتنة ابتدأت" (18). وفي 18/6/1728، كتب المدبرون إلى السمعاني ناقلين له قول بعض الرؤساء: "ما منرجع عن هالرهبنة حتى نبيدها" (19). وفي 9/9/1729، بُعيد التجديد للإهدني وهو في روما، كتب النائب العام الجديد الأب جرجس قشّوع الغسطاوي إلى السمعاني يقول له: "لو حضرتكم تكونوا في الشرق لعجبتم مما أصابنا، وبالأكثر من أهل الإكليرس وأصحاب العلم، ولعجبتم كيف أنّ الرهبنة ما خربت إلى اليوم" (20). وفي 1/12/1729، كتب المدبرون إلى السمعاني يقولون: "ان السادات المحترمين لم يزالوا مجتهدين على خرابنا" (21). وفي 12/9/1729، كتب الأب توما اللبودي إلى الرئيس العام قائلاً: "فيا أبي! وحياتكم! لو تكونوا عندنا في هذه المدة لبكيتم علينا من قِبَل ما أصابنا من هؤلاء السادات الكرام. فيا أيّها الأب الكلّي الاحترام! ايّاكم أن تفتكروا في المجيء إلى الشرق قبل أن يتثبّت قانوننا، لأنّ الجماعة فاتحين أفمامهم ليبلعونا كلّ وقت. والذي مثل حضرتكم يفهم بالتلويح" (22).

فَهِم الإهدني بالتلويح كل شيء. والنبهاء لا يلزمهم أكثر من ذلك. أدرك خطورة مهمته وأهميتها، وكأنّه قال: إن لم أنتشل رهبانيّتي برمّتها، أديارًا ومراكز وأرزاقًا وممتلكات وأشخاصًا، وأربط حبالها بالصخرة البطرسيّة، لن يهدأ لرهباني، من بعدي، روع. على الإهدني العبقريّ أن "يعصم" رهبانيّته، أن "يثبّت قوانينها" أن يتمسك بالصخرة ليشدّ فيها حباله. على الإهدني أن يحارب من روما، من خارج الأسوار، من تحت قبّة السماء. عليه أن يستلب من الحبر الأعظم براءة بها ينتزع رهبانيّته من رؤساء هذا الدهر. عليه أن يأخذ البراءة، بالإقناع أم بالحيلة، بالمحبّة أم بالضغط، بالصلاة أم بالمال. لن يمكنه العودة بدونها. أبواب البحر، بدون البراءة، لن تفتح له.

وكان للإهدني ما أراد. كان ذلك في يومٍ تاريخه ذهب: في 31/3/1732 – تاريخ للحفظ – وللحفظ أيضًا ما جاء في براءة "العصمة" و"التثبيت". إنتبه إلى ألفاظها: "انّ الرهبانيّة جمعاء سعت في التماس تثبيت قانونها وفرائضها من لدن الكرسي الرسولي، وذلك طلبًا لمزيد استقرارها، وتنزيهًا لها عن التهم والمطاعن التي كثيرًا ما قيلت فيها وانتشرت ضدّها، وحملاً لسائر الطوائف الشرقيّة التي خرجت عن الدين الكاثوليكي، أو شذّت عن التهذيب الرهباني، على الاقتداء والأخذ بمنوالها" (23).

ورجع الإهدني إلى الشرق في أواسط شهر آب من سنة 1732. وكان رجوعه عيدًا ومهرجانًا كرجوع فخر الدين الثاني المعني الكبير بعد غياب يقدّر بدهر. ثم طارت رسائل الشكر والامتنان، مع الأسهم النارية، إلى كل من ساهم في "عصمة" الرهبانيّة و"تثبيت قوانينها"، ابتداءً من الحبر الأعظم حتى آخر عامل مستور في دوائر روما. انه انتصار، أين منه انتصار دولة على دولة، أو جيش على جيش! انه استقلال لا يعرف طعمه أبناء هذا العالم. استقلال كأنّ الأرض وما عليها تروحنت واقتلعت وانتقلت وزُرعت حيث يهبّ الروح. به امتدّت أغصان هذه الرهبانيّة إلى حيث تمتدّ الكنيسة الجامعة في الكون بأسره. ولكأنّ الإهدني جمع ما يملك من أديار وممتلكات ورهبان وسافر بهم إلى روما وربطهم بتلك الصخرة الدهريّة، ثمّ التفت إلى من في الشرق وقال: الآن اصنعوا ما تشاؤون. لن تستطيع "غربلتكم" النيل من آخر راهب قابع في آخر دير يصلّي.

9- فتح متواصل: وقَرُبَ موعد المجمع العام الثالث عشر، فتجدّد للإهدني للمرة الرابعة. وكان ذلك في 10/11/1732. وفي اليوم التالي مباشرة اقتحمت الرهبانيّة مدينة طرابلس، تلك المدينة الساحلية الاستراتيجية المشرّعة الأبواب صوب بلاد النصيريين والاسماعيليين والمسلمين كافة، واشترت فيها بيتًا وجعلته انطوشًا. إلاّ أنّ أعداء الكون سيُتعبون الرهبانيّة بسببه. وفي السنة نفسها استعيد دير سير. وفي السنة التالية، وبالتحديد في 15/9/1735 – تاريخ للحفظ – سقطت جزيرة قبرص. وبعث الإهدني رسالة مع الفاتحين، رائعة في الإنسانية، عالية في الروح المسيحيّة، جاء فيه: "والفقراء الذين ليس لأهلهم قوت يعولوهم بها، فأطعموهم أنتم من الرغيف الذي يرزقكم الله ايّاه" (24).

10- عاصفة المجمع اللبناني: الأعداء ما زالوا يعملون. لا بد من إسقاط الإهدني مهما كلّف الثمن. انعقد المجمع العام الرابع عشر في اللويزة، في 10/11/1735، ونودي بتوما اللبودي رئيسًا عامًا. هو من حلب، شاب غير متمرّس على تجاريب الخصوم. وفي ظنهم أنّ رئيسًا من حلب قد يكون قصير الباع، مقصوص الجوانح، لا حوزة له، ولا منعة عنده من قومه وأقاربه. خسئوا أيضًا للمرة الألف. لقد أحاط الاخوة برئيسهم وابتدأت مسيرة جديدة، على مستوى أوسع وأشمل. ينقل هذا الخبير الذكي المعركة من داخل أسوار الرهبانيّة إلى داخل كراسي الرؤساء جميعهم. سيسجّل له التاريخ نصرًا في ما صنعه في المجمع اللبناني الفريد من نوعه.

مع اللبودي بقيت المسيرة مستمرة والانعامات تتوالى، وروما ترمق الرهبانيّة بعين الرضى، والشعب يدور كلّه في فلكها. لقد حظي الأب العام، في 15/8/1936، بالشارات الحبريّة، من لبس التاج، والخاتم، ومسك العصا، والصليب. وهي انعامات للأساقفة دون سواهم، فكيف بنا الآن والرئيس العام يتحدّاهم في ما هو من مميّزاتهم!

هذه "الانعامات" ستشعل النيران، واللبودي يكتب: "وأمّا من خارج، فالأفواه مفتوحة علينا من كلّ جهة وناحية" (25). وأمّا الرهبان فيفتحون ديرهم لاستقبال أعظم حدث في تاريخ الطائفة، بل في تاريخ الكنيسة الشرقيّة كلّها. يقدّمون إمكانيّات الرهبانيّة كلّها في سبيل نجاحه. الا وهو حدث المجمع اللبناني المنعقد في دير اللويزة في 30/9/1736. لقد نظّمت روما، بسعي الرهبان، ما لا يمكن أن ينظّمه أحد من المسؤولين، لا في الماضي، ولا اليوم، ولا غدًا، ولا بعد غد (26). جاء المجمع اللبناني بالحلول، كشف عجز الرعاة المحليين، أعلن تحزّباتهم، وانقساماتهم، أظهر قصر نظرهم، بيّن روح الاستخفاف والولدنة عندهم... لولا روما، ولولا الرهبان، لما كان ما كان، والذي كان يعود فضله إلى الرهبان، جملةً وتفصيلاً.

وبدأ الصراع الحقيقي. فأرسل المدبرون رسالة إلى قداسة الحبر الروماني، في 27/5/1737، يضمّنونها شكاويهم المريرة. جاء فيها: "المعروض لدى قدسكم هو أنّه قد لحق عبيدكم البغض والحسد اللاحق بنا من الرؤساء والمشايخ (أقرباء البطريرك آنذاك). وما قصدهم إلاّ هدم رهبانيّتنا والازدراء بقوانيننا" (27).

وتجنّد السادات ومعهم المرسلون الأجانب، وتلاميذ مدرسة روما، وبعض من الآباء الكرملين واليسوعيين والمشايخ، ونصبوا الشراك، فاستدرجوا الأب العام، بتدبير من المطرانين الياس محاسب واسطفان الدويهي، في 10/9/1737، إلى كمين أعدّوه على طريق دير قزحيا. إلا أنّ العناية كانت هناك (28). والرئيس يشدّد الاخوة ويراسلهم باستمرار. ومما جاء في إحدى رسائله العامة، في 15/6/1737، قوله: "أيها الاخوة المكرّمين. لا تذهلكم التجارب، ولا تحزن قلوبكم. بل اذكروا أن لا خلاص لنا إلا بالصبر والاحتمال" (29). وفي رسالة أخرى خطيرة، في 6/11/1737، كتب إلى رئيس دير روما، يقول له: "لو كان هناك رجال صالحون لطوّبونا لاحتمالنا لهؤلاء السادات الأساقفة" (30). وفي 22/8/1738، كتب إلى المدبّر يوسف قراعلي الموجود في روما، يقول له: "ان المضادّين هم جاعلين مرادهم أن يتولّوا على الرهبنة بجملتها وأفرادها. ومقصدهم يهدموها. فإذا تمّ مرامهم يبطل كلّ نظام، وما أحد يفتّش على قيام وسلوك أوامر المجمع المقدّس ولا أوامر المجمع اللبناني" (31).

11- صراع وفتح: واستمرّت الحال على هذا المنوال طوال السنين القادمة. الصراع قائم والفتح أيضًا. وهكذا اشترت الرهبانيّة، في 10/8/1736، دير سيدة الشوف في مشموشة، من المطران سمعان عواد، "وأراد المطران أن يقبض الثمن سرًّا، ويذاع أنّ الدير هبة منه للرهبانيّة". وفي السنة التالية، انضم دير مار الياس الراس. وفي 10/11/1738، تسلّمت الرهبانيّة صورة الملك لويس الخامس عشر، وذلك علامة رضى ومسرّة. وفي السنة التالية، تسلّمت دير سيدة حوقا... وتنامت حتى أصبح عدد الرهبان فيها 210، وذلك بعد 44 سنة فقط من تأسيسها، ورغم المضايق والنكبات عليها.

وجدّدت الرهبانيّة، في 3/12/1738، للبّودي، وذلك بتأخير قليل عن موعد المجمع المعتاد، بسبب المضايقات الكثيرة. وبسبب ذلك تقرّر سفر الأب العام إلى روما، لردّ الوشايات المتقدمة ضده إلى الكرسي الرسولي. وسافر في 30/9/1740. ورغم كل شيء استمرّ التوسّع، فاشترت الرهبانيّة دير مار ميخايل بنابيل في 17/8/1740، كما تكلّفت بخدمة كنيسة مارت تقلا بالقرب من رشميا، وبفتح ثلاث مدارس في طرابلس وصيدا وعكّا. والقيامة قائمة في كلّ صعيد.

ثم عاد الإهدني، في مجمع 10/11/1741، ليكمّل جهاده. إلاّ أنّه قضى لكثرة همومه وشجونه في 13/1/1742، عن عمر 65 سنة. وانتخت مكانه الأب ارسانيوس عبد الأحد الحلبي في 28/1/1742. وبه ابتدأت مرحلة جديدة: خلافات جديدة، تجاريب عنيفة، "غربلة" قاسية، هزّة في قلب الرهبانيّة، بل في قلب الطائفة: فما ان توفي البطريرك يوسف ضرغام الخازن حتى اجتمع الأساقفة وانتخبوا سمعان عواد الذي أبى. ثم انتُخب غيره اثنان: طوبيا الخازن والياس محاسب، بدهاء ومكر. فتدخّلت روما – والحمد لله – فألغت الانتخابين، وأعادت سمعان عواد.

هذه الولدنات لن تمّر بدون انعكاسات خطيرة على الرهبانيّة. والرهبانيّة فقدت حتى الآن قوّادًا كانوا أبطالاً: المطران قراعلي قضى في 6/1/1742، والإهدني بعده بسبعة أيام. واللبودي عاجز في روما. أجيال المؤسّسين والتابعين مضت، ومضت معهم شعلة الريادة. وجاءت أجيال غير مدرّبة على اقتحام المشقات، أو على مثل هذه المشقّات، وفي كلّ حال، نحن مع مرحلة جديدة أشدّ قساوة.

ثالثاً- مرحلة خلافات وانقسامات

12- نكسة ثالثة: نجح المفتنون بدون شك، والانسان ضعيف تجاه فتنة الرؤساء بدون شك. والنعمة يفقدها أصحابها أحيانًا بسبب اتّكالهم على نفوسهم فيسقطون. وها قد سقط هؤلاء الذين دوّخوا العباد والبلاد، سقط الفاتحون في "غربال" المجرّبين. إلاّ أنّ بصيص نور شاحب بقي يطلّ من خلف الغيوم الدكناء ومن وراء الأفق البعيد.
بدأ الخلاف بين الاخوة. لماذا ؟ ما السبب ؟ من وراءه ؟ كيف بدأ ؟... بعيدة جدًّا الأحداث عنّا حتى نعرف الأسباب لكنّنا نتلمّس النتائج. والنتيجة الأولى الظاهرة للعيان بدت في دير قزحيا حيث قام جمهور الرهبان وعزلوا رئيسهم الأب بولس يونان الحلبي وكان ذلك في 1/11/1742. ثم أنّ ضيقًا ماديًا جسيمًا وقعت تحته الرهبانيّة ورزحت: ديون باهظة، فوائد متراكمة، أموال أميرية لم تُدفع، جوع شامل، محاصيل ضئيلة، بنيان يلحّ على الرهبانيّة إنجازه هنا وهناك، أسفار إلى روما في سبيل العلم، مساعدات، حروب، مشايخ، ورؤساء... كلهم يريدون النيل من هذه المؤسّسة، ويريدون تدميرها.

أمام هذه النكبات والمتاعب تقرّر ارسال الأب العام أرسانيوس عبد الأحد الحلبي في سبيل جمع الحسنات من الدول الأوروبية، وعهدت الرهبانيّة إدارتها إلى النائب العام الأب موسى هيلانة الشامي.

بغياب الأب العام تفاقمت الخلافات بين الأخوة، واضطرمت النيران. وكلّ غياب لمسؤول لا بدّ من أن تكون هذه نتائجه. واتُّهم البطريرك صراحة بأنه هو الذي يدير المعارضة والخلافات. وقد أشار إلى ذلك المطران طوبيا الخازن برسالة واضحة في 25/10/1744، يتّهمه بأنّه هو الذي "يهيّج" الرهبان على رؤسائهم. والمعارضون من الرهبان كانوا قد رفعوا عريضة موقعة من 104 رهبان ضد الرئيس العام الغائب والمدبرين ورؤساء الأديار. رفعوها إلى البطريرك في 15/9/1744، كما رفعوا عريضة مماثلة إلى النائب العام والمدبرين... قبل البطريرك شكوى المشتكين، وعيّن لهم مجمعًا عامًّا يُعقد في دير مشموشة في غير موعده. ومشموشة مع طاميش كانا مركز المعارضة.

في 4/12/1744 – تاريخ يحفظ – انعقد المجمع في مشموشة، وانتخب المعارضون الأب يواكيم الحاقلاني الزوقي رئيسًا عامًا. وحرم البطريرك الفئة التي لا ترضخ للسلطة الجديدة، وذلك في منشور بتاريخ 10/1/1745. ورفعت الفئة الموالية، ومعظمها من الرهبان الحلبيين، اعتراضها على مجمع مشموشة ونتائجه إلى البطريرك ثمّ إلى روما في 1/2/1745. ثم اجتمع الرؤساء الموالون في دير اللويزة في مجمع عام وأعادوا انتخاب أرسانيوس عبد الأحد وهو لا يزال غائبًا يجبي الحسنات.

13- عودة الوئام: بقيت الرهبانيّة ترزح تحت سلطتين على فئتين متعارضتين، من 4/12/1744 حتى 1/4/1748، حيث انعقد مجمع في اللويزة بأوامر مشدّدة من روما، وبسعي أعيان البلاد، وحضور السيد البطريرك، للتوحيد وإزالة الخلافات بين الاخوة. فعادت الوحدة. وكان الأب مارون قرياقوس الدرعوني رئيسًا عامًا – وهو من جهة الفئة الحلبية – ويواكيم الحاقلاني الزوقي نائبًا عامًا – وهو من جهة الفئة الجبلية -. وقرّر المجمع بأن يكون تاريخ أوّل نيسان من كل سنة احتفالاً وشكرًا لله على اتفاق الاخوة، وتقرّر أيضًا أن لا يكون على الرهبانيّة، بعد اليوم، ديون. ثم أصدر المجتمعون أوامر صارمة بحقّ الذين يتلفّظون في التمييز بين مدني وجبلي. وأبطلوا الخصوصيات والامتيازات لرؤساء الأديار والمراكز في الأكل والكسوة والفرشة وغيرها...

14- النكسة الرابعة والتوسّع مستمر: ولكن لم يطل الوئام أكثر من سنتين. الشيطان حاضر، على الأبواب رابض، يريد شرًّا ما، لأنه عرف، بسابق علمه، بأن مملكته ستندكّ، إذا ما ترك الروح يعمل بدون "غربلة". بتاريخ 10/11/1750، جدّدت الرهبانيّة للأب مارون الدرعوني – والتجديد أحيانًا يكون إلهيًّا، ومعظم الأحيان وسوسة شيطانيّة – وعادت النكسة. وتأججت النيران من تحت الرماد، وتجدّدت الخلافات سرًّا.

وقبل أن ندخل في تفاصيل الخلاف الكبير. نعود قليلاً إلى الوراء لنشهد عمليات التوسّع المستمرّ رغم كل شيء. ففي 1/11/1746، تسلّمت الفئة الجبلية دير مار يوسف البرج، وفي السنة نفسها، اشترت دارًا في صيدا. وفي 1749، أنشأت ديرًا في منطقة حوب على اسم السيّدة، وفي 24/6/1750، تلقت براءة من الملك لويس الخامس عشر تعلن حماية الرهبانيّة. جاء فيها: "لا فرق بين الرهبان اللبنانيين والرهبان الفرنسيين". وفي 1751، أقامت مدرسة في عجلتون وثانية في صيدا.

الروح يعمل، وإبليس يعمل. ولكليهما فاعليّة حتى الجنون. من يفهم هذا التناقض الحاصل في الرهبانيّة ؟ من يدرك كيف يتوسّع الرهبان وينتشرون، من جهة، ومن جهة ثانية يتخاصمون ويشتدّ بعضهم على بعض، ويتفاقم الخلاف فيما بينهم حتى الفرقة والقسمة !؟ هذا هو جنون الحياة الرهبانيّة. فهي حياة غير عادية، ويصعب على العاديين من الناس أن يفهموا. مع هذا الخلاف العميق سنشهد فصلاً جديدًا من فصول الحياة المجنونة. وإليك فصله.

15- قسمة لا بدّ منها: في سنة 1752، في عهد الأب مارون قرياقوس الدرعوني، والمدبرين أرسانيوس عبد الأحد الحلبي ويواكيم بلاديوس الحلبي ومبارك عبيد الغسطاوي وجرمانوس الديراني، تجدّدت الخلافات علنًا. خلافات بين اللبنانيين البلديين الجبليين وبين الحلبيين المدنيين. أسبابها المباشرة: كيفيّة توزيع الرئاسات، ثم الإسراف والتلاعب في الوظائف الرهبانيّة.

في 3/9/1752، رفع الرهبان اللبنانيون، على يد البادري أنطوان كينار اليسوعي، عريضة إلى الكرسي الرسولي، ضمّنوها موقفهم، وهو: أنّهم ضد المجمَعَيْن السابقين، وضدّ أفعال الرؤساء القائمين حاليًّا، وضدّ المجمع العام القادم إذا ما استمرّت الأوضاع على ما هي عليه. لكنّ روما طويلة البال، تتروّى كثيرًا، تجيب بعد أن تتوضّح لديها الأمور. وهنا، في لبنان، وفي الشرق عامّة، يهبّ الجنون، تضرب العاصفة، وكل شيء يصل إلى تمامه. لا أحد هنا ينتظر، أو يتروّى، أو يعالج الخلافات بهدوء وأعصاب.

واستمرّ اللبنانيّون يترقّبون جوابًا من روما، وروما تماطل، وتنتظر، وتراقب. والخلافات تتفاقم، والبطريرك يحرم، والأساقفة يحذّرون، والحكّام مترقّبون، والعالم كلّه في بلبال.

واستمرّ البلبال حتى 23/11/1768، عندما وردت الأوامر الرسولية إلى البطريرك يوسف اسطفان والقاصد الرسولي بإعداد قسمة الرهبانيّة. بلّغ البطريرك الرئيسَيْن العامّين. وكان عدد اللبنانيين آنذاك 190 راهبًا، واحد فقط من حلب، والحلبيين 61 راهبًا، 5 من جبل لبنان. في 19/7/1770 – تاريخ للحفظ – جاءت من روما براءة القسمة. فانقسمت الرهبانيّة إلى قسمين أشخاصًا وأديارًا وممتلكات وديونًا ونفوذًا ومعاملات...

رابعًا- بعد العاصفة

16- التوسّع مستمرّ: في هذه الفترة العصيبة من تاريخ الرهبانيّة كان الروح يعمل وإبليس يعمل. فإلى جانب الاختلافات والتحزّبات والانقسامات والشكاوى والدعاوى والعرائض والمناشير والهزّات العنيفة... كان الرهبان ما يزالون يتوسّعون ويفتحون الأديار والمراكز في المدن والجبال. ففي 1753، باع اللبودي دير مار بطرس ومرشللين واشترى غيره في ساحة مار بطرس السلاسل. وفي حزيران 1754، تسلّم اللبنانيون دير مار ساسين بسكنتا. وفي 1756، اشتروا دير مار مخائيل وأرضًا في الناعمة من آل نكد الدروز، وفي بالهم أمر خطير. وفي آب من السنة نفسها، تسلّموا دير مار موسى الحبشي من الأمير مراد أبي اللمع. وفي 1756، فتحوا مدرسة بحرصاف. وسنة 1757، أنشأوا ديرًا في بيرسنين المعوش. سنة 1765، اشتروا مزرعة الكحلونية، وأنشأوا مدرسة في تنورين. وفي 1766، وهب الأمير يوسف شهاب دير سيدة ميفوق، ودير مار انطونيوس حوب، ودير مار قبريانوس كفيفان، ودير مار سركيس بكفتين، وكنيسة مار يوحنا مرقس جبيل. "وكم قاسى الرهبان من الأتعاب والمشقّات والكدّ والأعراق لأجل عمار هذه الأديار وقيام أملاكها الخربة وصيانتها من تعدّي المتاولة..." (32).

كلّ الجنون حدث والقافلة تسير: جنون الخلافات والانقسامات فوق جنون التوسّع والفتوحات. إفهم إذا كنت ممّن يفهمون! ما إن أُعلنت براءة القسمة وهدأت العاصفة حتى بدأت مسيرة جديدة. الكلّ فيها ينفذّ بسرعة، لكأنّ عقارب ساعة هذا الكون تتبلبل مع مسيرة الرهبان. أحداث العالم، في زمن الرهبان، متلاحقة. فبعد ثلاثة أشهر فقط من القسمة، وبالتحديد في 15/11/1770، سقطت قلعة فينيقية قديمة في مدينة بيبلوس، وتسلّم الرهبان اللبنانيون دير المعونات من الشيخ منصور الدحداح. وفي الوقت نفسه، تسلّموا خربة الطاحون في البترون من الأمير يوسف شهاب. وفي 1771، أوقف أهل بسكنتا على الرهبانيّة كنيسة القديسة يوسف لقاء خدمتهم والاهتمام بهم. وفي السنة نفسها، اشتروا جبل طورا في أعالي الجبال الجنوبية، ذاك الجبل المطل على بلاد بشارة وجبل عامل. عين الرهبانيّة، منه، على جنوبي لبنان وسكانه، وعين على وطن المسيح فيما وراء الحدود كيف يسقطونه. وفي 11/9/1772، ضربوا أنظارهم صوب البقاع، حيث أهراء روما والخيرات، وأيضًا حيث المتاعب السياسية والعقائدية، فتسلّموا أرضًا في زحلة من أمراء أبي اللمع، وعيونهم على دمشق. دمشق في رأيهم، باب الشرق، ولها، في روزنامتهم، حساب. وفي 1774، انضمّ دير معاد.

وسار الرهبان بعد ذلك، ببطء. استراحة محارب، لا بد منها. تغيّرت السلطة في مواعيدها المحددة، والمسيرة ناشطة: فيها التحق مار انطونيوس بيت شباب في 1785، وأرض في الكرك في 1788، ووقفية في وادي شحرور، ورعية المروج في 1793، وأرض في بمهرين 1795، وجلّ البحر لدير الناعمة في 1805، ومنطقة عشاش وديرها 1806، ومدرسة دير بان 1807، وبنيت كنيسة طاميش على ما هي عليه اليوم.

انتقلت القيادة، في هذه الفترة الممتدة بين 1770 و1810، إلى رجال لهم باع في تنشيط الحياة الروحية، والشهادة الحقة: فالرئيس العام، الأب عمانوئيل الجميّل المتوفي في 30/10/1810، بقي جثمانه غير بالٍ في مقابر الكحلونية عندما فتحت في سنة 1813. وأعجوبة صورة مار عبدا معاد، شهدها الأب العام مرقس الكفاعي وسجّلها بخطّ يده (33)، ممّا يشير إلى أنّ إصبع الرب لا يزال يعمل في العاصفة وبعد العاصفة.
17- العصر الذهبي: في 10/11/1810، عُقد مجمع عام في طاميش، على أثر وفاة الرئيس العام عمانوئيل الجميّل، وفاز انتخابًا الأب اغناطيوس بليبل بالرئاسة العامة. واستمرّت رئاسته 22 سنة متواصلة. وكان عهده هذا عهدًا ذهبيًا على الرهبانيّة لكثرة ما شهدت من نشاط ونموّ في كلّ صعيد.

فعلى صعيد الاستملاكات، استمرّت الرهبانيّة تتوسّع وتنتشر، واستمرّت الأديار والمراكز تتهاوى بين يديها. من محبسة عنّايا 1814، إلى مدرسة قرطبا وديرها في 1815، إلى شراء أرض في عجلتون 1818، إلى الشروع في بناء دير مار مارون عنّايا وما رافقه من أحداث جريئة 1820، إلى جلب الماء من عشاس إلى رشعين للريّ 1826، إلى شراء أملاك كفربعال لمار مارون عنّايا في السنة نفسها، إلى تسلّم حمي اللقلوق الواسع 1827، إلى مدرسة رأس المتن لتعليم أمراء بيت اللمع المعتنقين المسيحية والمنتمين إلى المارونية 1831، إلى ما هنالك.

وعلى الصعيد الروحي أيضًا كان لبليبل باع طويل: من طبع نوافير القداس في مطبعة قزحيا على نفقة الرهبانيّة وللمرة الأولى سنة 1816، إلى طبع الشحيمة الصغيرة على نفقة الرهبانيّة أيضًا سنة 1828. وفي عهده أيضًا ترهّب نعمة الله كسّاب الحرديني في 14/11/1830.

وفي المجال الاجتماعي، استطاع الأب العام، لتقرّبه من الأمير بشير، أن يرفع ظلم الضرائب الباهظة اللاحقة بأملاك الرهبانيّة، والتمس أيضًا مسح أملاك الأديرة لرفع الظلم المتأتي عن زيادة المال الأميري، وثبّت ملكية كنيسة مارت تقلا المروج بعد تطاول مطران بيروت عليها، إلى ما هنالك.

18- استحقاق الذهب: عصر ذهبي مرّ على الرهبانيّة بحمى رئيسها صديق الأمير بشير الكبير. إلا أن الذهب لا يدوم، والحياة الرهبانيّة لا تنسجم مع الاطمئنان والهدوء. هي حياة حركة وعمل وتجارب. فضيلتها أنّ الشيطان لا يفارقها. هذا حظّها في هذا الوجود. قليلة جدًّا تلك الأيام التي عرفت فيها هدوءًا أو راحة. لقد رأت الرهبانيّة في الأب اغناطيوس بليبل راحتها، اطمأنّت إليه، وهو كان أهلاً لذلك... إلا أنّ إبليس الذي "يغربل" كان لهذا الارتياح بالمرصاد، ولا بدّ من أن يدخل: ففي 1832، قبيل موعد المجمع الانتخابي العام، حدث في المجتمع الرهباني ما لم يكن بالحسبان أن يحدث، على ما يقول مؤرّخ الرهبانيّة الفذّ، لويس بليبل، "حركة انقلابية"، كان هدفها تنزيل الأب العام عن وظيفته "شاء أم أبى".

وكان القائم بهذه الحركة أناس لم يكن بالحسبان أيضًا أن يقوموا بها. الخصوم التقليديون باتوا معروفين. أما خصوم اليوم فهم الموصوفون في هذا المثل السائد: "مطرح ما بتأمّن خاف". الذي قام بهذه الحركة هو الأمير أمين، إبن صديقه الكبير الأمير بشير، ومعه المعلّم بطرس كرامة، يدعمهما البطريرك يوسف حبيش. ومع هذا ما كان لهؤلاء أن ينفذوا في حركتهم لم لم يجدوا لهم أعوانًا من الداخل.

نبادر إلى القول حالاً: نخطئ ان أعطينا لهذه الحركة حجمها الكبير، رغم نجاحها، ذلك لأنّها، هذه المرّة كانت موجّهة ضد "الحكم"، وليس، كما في السابق، ضدّ "الكيان". لا بأس اذن، يجب أن يبقى "الغربال" نشيطًا عاملاً، لئلا يعتاد أبناء الجهاد حياة الرخاء والاسترخاء والكسل.

لقد نجحت الحركة، أُسقط الرئيس العام، ولكن في موعده. ففي المجمع المنعقد في طاميش في 10/11/1832، "قاطع" المعارضون دوراته، تركوا الاجتماعات، خرجوا واعتصموا في دير مار يوسف البرج. ورأس المقاطعين أو "المقاطعجيين" أبوان جليلان هما إرسانيوس النيحاوي وعمانوئيل سلامه المتيني. ومن حينه نشأت كلمة "المقاطعة". لكنّها تحمل اليوم معنى غير المعنى الأساسي.

رهبان ذاك المجمع لم يُعدموا بعض الحكمة. تشاوروا بالمراسيل وبالرسائل الطائرة والسائرة من دير طاميش إلى دير مار يوسف البرج، وبالعكس. واتفقوا على انتخاب راهب فضيل قديس هو الأب مبارك حليحل البسكنتاوي. هذا اقترحه المجتمعون ليحلّوا مشكلة. والقداسة تحلّ كلّ مشكلة. والأب بليبل الذي خدم الرهبانيّة بعقله وقلبه لا يستطيع أن يتركها معرضة للانقسام، فاقترح على الأب العام الجديد أن يعطي مناوئيه حصة الأسد في الوظائف والرئاسات، وذلك ليصدّ تدخّلاً عنيفًا قد يقوم به البطريرك وبعض أساقفته. وهكذا تلاقت الحكمة مع القداسة لحلّ مشكلة كادت تعرّض الرهبانيّة لانقسام جديد.




خامسًا- الرهبانيّة وأحداث الوطن

19- أحداث أليمة: ومع هذا لا بد من دفع الثمن، ثمن الرخاء الذي عاشته الرهبانيّة أيام بليبل. والثمن باهظ حتى يكون البدل بمستوى المعادلة، وهذا ما حصل بالفعل. فما إن انتهى عهد حليحل المتنّيح برائحة القداسة (34)، حتى جاء الأب عمانوئيل سلامة المتيني رئيسًا عامًا في المجمع المنعقد في 10/11/1835، وسلّم بعض الرهبان إلى السطة المدنية، وساقهم إلى السجون، وذلك بتحريض من البطريرك وارضاءً له.

وتوالت الأحداث الأليمة على لبنان والرهبانيّة معًا. فمن حريق دير بيت شباب ومقتل راهبين في 28/9/1840، إلى نهب دير سير ومقتل ستة رهبان في 20/6/1841، إلى حريق دير مشموشة على يد الدروز سنة 1842... وزاد الشر شرًا خلاف بين الرؤساء والمرؤوسين؛ فتدخّل الكرسي الرسولي وعيّن، للمرة الأولى في تاريخ الرهبانيّة، الأب سابا العاقوري رئيسًا عامًا، وذلك في 12/2/1845. وللمرة الأولى يكون على الرهبانيّة زائر رسولي هو المطران يوسف جعجع. فاعتبر الرهبان تعيينه خرقًا للقانون والتقاليد الرهبانيّة العريقة، فاقتحموا دير طاميش ليلاً، وسلبوا الرئيس العام والمدبرين أختامهم.

في هذه الفترة من التاريخ، استمرّت الفتوحات ناشطة، رغم النكبات من كل جهة. فأنشأت الرهبانيّة مدرسة في بيت لهيا 1836، ومدرسة رأس الحرف 1837، ومدرسة الشبانية 1839. كما أنشأت أديرة جديدة، مثل دير الجديدة وعشاش والقطارة وقبيّع وريمات ومار روكز عجلتون 1845. وفتحت مدرسة في حملايا 1849. وفصلت أملاك دير قزحيا وميفوق وحوب ومشموشة والكحلونية وتأسست في المفصول منها مراكز جديدة مستقلة. وفي عنّايا وحده أحصي سنة 1849 عدد الرهبان فإذا هم 40 راهبًا، ممّا يشير إلى نموّ الرهبانيّة عددًا وأملاكًا.

20- عهد الزيارة: تدخّلت روما سنة 1845، وتحمّل الرهبان تدخّلها على مضض. عاشق الحرّية لا يمكنه أن يسكت على كبت الحرّيات، حتى ولو كان كابتها أعلى مقام في الدنيا. وطارت الرسائل برًّا وبحرًا إلى روما تحمل علامات الامتعاض والكبت والتعسّف. شكاوى ودعاوى من عشاق الحرية على السلطة العامة، على الرؤساء الصغار، على الزائر الرسولي، على كل من يشعر منه أنه يسلب حرية راهب. ورغم هذا، وروما لا تدرك عشق رهبان الجبال للحرية، أعادت روما الكرّة وعيّنت أيضًا رئيسًا عامًا جديدًا هو الأب لورنسيوس الشبابي، سنة 1850. وتدخّلت أيضًا سنة 1856، فألغت انتخاب إرسانيوس النيحاوي وعيّنت مكانه لورنسيوس الشبابي مع المدبرين الأربعة، بينهم الأب نعمة الله الحرديني مدبر للمرة الثانية. وانقسم الرهبان بين مؤيّد لهذا ومؤيّد لذاك. وظلّ على الرهبانيّة رئيسان عامان من 1856 إلى 1859، عندما توفي النيحاوي خاضعًا للأب العام لورنسيوس الشبابي. غير أنّ رهبان أديرة المتن ظلّوا رافضين الخضوع للشبابي حتى مجمع 10/11/1859، المسمّى مجمع الشواديح.

واستمرّت المسيرة، كما استمرت روما في تدخّلها، فتعيّن الأب افرام جعجع رئيسًا عامًا 1826، ودامت ولايته حتى أواخر 1874. في عهده نشأت الرهبانيّة دير مار سمعان القرن سنة 1863، وفصلت له أملاكًا من قزحيا ودير مار يعقوب الحصن ودير قرطبا، وبنت كنيسة أنطش زحلة، وجدّدت مدرسة بان، وأصلحت كنيسة قزحيا، وعيّنت دير كفيفان مدرسة لاهوتية فلسفية للتلاميذ الرهبان، واشترت مجموعتين من مكتبة الآباء "مينيي". وفيه أيضًا كثرت الشكاوى على الزائر الرسولي المطران جعجع.

وفي 18/1/1875 تعيّن الأب مرتينوس سابا الغسطاوي رئيسًا عامًا وانتهت معه زيارة المطران جعجع، وخلفه القاصد الرسولي لوديفيكوس، وأوقف الابتداء في أديار الرهبانيّة. ثمّ وحّده في دير الناعمة. أنشأ دير بصرما سنة 1876، ودير سيدة نسبيه غوسطا 1880، وجعله مدرسة لاهوتية للتلاميذ الرهبان، وأنشأ مدرسة بدادون 1889، وباع مطبعة طاميش. وفي أيامه أيضًا حدث اضطراب وقلاقل... "(وأخيرًا) استقال مضطرًا سنة 1889" (35).

في 1/4/1890، سمّى الكرسي الرسولي الأب يواصاف العنيسي المدبّر الأول نائبًا عامًا. دامت نيابته سنة كاملة. بعدها عيّنت روما الأب مبارك سلامه المتيني رئيسًا عامًا، دامت رئاسته حتى 1895، فيها أنشأ مدرسة بيروت واشترى أراضٍ بقربها كمقرّ للإخوة الرهبان الدارسين في الجامعة اليسوعيّة. وأنشأ دير مار مارون القنطيرة للراهبات 1892. "ولأول مرّة عيّن لكل مقاطعة رئيس معاملة" (36).

وفي مجمع عام عُقد في دير نسبيه، في 10/11/1895، برئاسة البطريرك يوحنا الحاج، انتخب الأب مرتينوس الدرعوني رئيسًا عامًا. في أيّامه أنشئ دير مار يوسف جربتا سنة 1897، ومدرسة سقي لحفد، ومدرسة الشقاديف، ومدرسة بعبدات.

في هذه الفترة من التاريخ، من بدء الزيارة الرسولية على الرهبانيّة 1845 حتى نهاية القرن التاسع عشر، مرّ على الرهبانيّة أحداث جسيمة للغاية، أجسمها حدثان: تدخّل روما في وصايتها على السلطة العامة وعلى مسيرة الرهبان، ومجازر سنة 1860. في تلك، نُكبت الرهبانيّة بحرّيتها ونموّها وتدخّل الأيادي الأجنبية في حكمها. وفي هذه، نكبت برهبانها، اذ سقط منهم 50 راهبًا قتلاً وذبحًا منهم 29 من دير مشموشة؛ ونكبت أيضًا بأديارها ومراكزها، اذ أحرق منها دير مشموشة والكحلونية ومار موسى وزحلة والعبادية ووادي شحرور، ولفّت الخسائر والنكبات مسيحيي الجبل عن بكرة أبيهم، فقُتل منهم 14 ألفًا.

غير أنّ الروح العامل يعوّض عن هذه النكبات بهبّة قدسيّة قد تكون أجدى من كل خسارة. ففي هذه الفترة من الزمن نذر الأخ شربل مخلوف وارتسم كاهنًا ومات برائحة القداسة في 24/12/1898 (37). وكذلك توفي المدبّر الحرديني في كفيفان في 14/12/1858 برائحة القداسة أيضًا، والأب دانيال العلم الحدثي في دير قرطبا في 26/7/1884، مبرّرًا مشهورًا بسيرته الرهبانيّة الفاضلة...

سادسًا- الرهبانيّة في القرن العشرين

21- الرهبانيّة والحروب العالميّة: دخلت الرهبانيّة في القرن العشرين. في تطوّر العلم والتقنيّة، كما في معامع الحروب والتيارات السياسية والفكرية المتنازعة. وقد نال الكنيسة الجامعة والكنيسة المارونية ما نالها من نصيب هذا التنازع وهذا التطوّر. وكان على الرهبانيّة أن تعرف محلّها ودورها. وقد رزقها الله قوّادًا عرفوا كيف يسيرون بها لكي تلعب دورًا رائدًا. ففي 10/11/1912، انتخب الأب اغناطيوس داغر التنّوري، ورهنت الرهبانيّة في أيّامه، جميع أملاكها للدولة الفرنسية لقاء مليوني فرنك ذهبًا تُصرف في سبيل اغاثة منكوبي الحرب العالمية الأولى، وفتحت جميع أديارها ومراكزها ملاجئ ومطاعم للمعوزين والسائلين من أيّة طائفة، فأنقذت حياة جمهور غفير من الموت جوعًا (38). وفي أيّامه أيضًا رفعت دعوى الحرديني وشربل ورفقا سنة 1925، من أجل النظر في تطويبهم.

وخلفه الأب مرتينوس طربيه التنوري في مجمع 10/11/1929. في عهده جرّ المياه إلى مدينة جبيل سنة 1936، الشيء الذي كانت تعجز عنه الدولة آنذاك. وفي 10/11/1938، عقد مجمع عام في جبيل وعيّن الأب باسيل غانم رئيسًا عامًا. في عهده أدخلت الطالبيّة على الرهبانيّة سنة 1939، وتغيّر أسلوب الابتداء. وفتحت الرهبانيّة أديارها للاجئين إليها، بسبب الحرب العالمية الثانية، وأعالتهم. فكافأت الدولة رئيسها العام بوسام مذهّب – أي بدل هو ! – ووضعت روما قوانين ورسومًا جديدة للرهبانيّة. وهو أول تعديل كامل شامل لها بعد تثبيتها منذ 1732.
22- عين على القارات الخمس: مع الأب يوحنا العنداري 1944-1950، تقرّر إنشاء دير الروح القدس الكسليك، ليضمّ النشء الرهباني برمّته، وذلك في 28/4/1947. كما تقرّر إنشاء مدرستي شكا وسيدة النجمة (اليوم مار شربل) الجية سنة 1949، وبناء مأوى للرهبان العجزة في دير مار يوسف جربتا. إلا أن الحدث الأهم، هو تأسيس أولى رسالات الرهبانيّة في بلاد الاغتراب، في داكار سنة 1949، على يد الأباتي أغوسطين سركيس.

ومع الأب موسى عازار 1950-1956، تمّ تأليف لجنة فاحصة لدعوى الأب الحبيس شربل مخلوف 1950، وافتتاح دير الكسليك، وبناء مدرسة المتين 1951، ومدرسة حمّانا. وفتحت رسالة في مندوسا في 4/5/1952، وثانية في أبيدجان 1954، وثالثة في سان باولو في السنة نفسها...

ومع الأب اغناطيوس أبي سليمان 1956-1962، تأسست رسالة في بامكو 1959، وثانية في التوكومان في 28/7/1960. وبتاريخ 6/8/1960، أثبت المجمع المقدس قوانين الرهبانيّة الجديدة...

أما مع الأب يوسف طربيه 1962-1968، فقامت قيامة الرهبانيّة في البناء والترميم والعمران والمشاريع. ففي عهده زاد بناء الكسليك قدر نصفه تقريبًا، وتمّ انشاء ميتم ومأوى حريصا، وبني مستشفى البترون، ومدرسة مار شربل الجية وديرها، وتم شراء المدرسة المركزية في 28/5/1966، وبنيت مدرسة الكحلونية في السنة نفسها، ودار المعلمين في النبطية، وكنيسة مار جرجس جبيل، وجدّدت أديار الشوف كلها بناء وأثاثًا وأملاكًا. وتشامخت الرهبانيّة على قيم الأرض كله برفع شربل طوباويًّا على مذابحها في 5/12/1965.

يتبع











 
التعديل الأخير:

أرزنا

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
7 أبريل 2007
المشاركات
1,100
مستوى التفاعل
26
النقاط
0
الإقامة
قلب يسوع
رد على: الرهبانية اللبنانية المارونية


23- تغيير جذري: مع الأباتي بطرس قزي 1968-1974، انتهى نوع من الحكم الرئاسي كان في الرهبانيّة منذ بداياتها، وابتدأ حكم جديد يتميّز بأسلوب جديد وروح جديدة، يرتكز على مفاهيم لاهوتيّة ورهبانيّة جديدة، وذلك بسبب تطوّر كل شيء في الكنيسة وفي العالم. وكانت الرهبانيّة لهذا التغيير عندما راحت للمرة الأولى، تجتمع كلها، على مدى خمس سنين، لتبحث وتتدارس بلقاءاتها المتلاحقة قوانين ورسومًا جديدة، هي هذه المرة من صنعها. انطلاقاً من هذه الروح جرى تغيير جذري في التعامل بين السلطة العامة والرهبان، وأيضًا مع أصدقاء الرهبانيّة ومعاونيها، كما مع المسؤولين في الدوائر الرومانيّة أو في الكنيسة المحلّية. وبناءً على هذه الروح أيضًا تغيّرت فروض الصلوات، من رتبة القداس، إلى الفرض الإلهي، إلى الرتب الكنسيّة الأخرى، إلى المتعيّدات، إلى المطبوعات اللاهوتيّة والليتورجيّة، حتى ملأت النهضة الروحيّة أجواء الكنيسة المارونيّة وسائر الطوائف اللبنانيّة. ثورة بيضاء هادئة مرّت بنعومة النعاس فوق رأس رؤساء هذا الدهر. وفي أيّامه أيضًا امتدت هموم الرهبانيّة واهتماماتها نحو "فتح" القارة الاسترالية، فكانت مدينة سدني محط طموح الفاتحين.

24- الرهبانيّة في العاصفة: مع الأباتي شربل قسيس 1974-1980، كان كل شيء معدًا لأن تبتدئ الرهبانيّة بتطبيق قوانينها الجديدة، وبتنظيم أديارها ومراكزها، وتخطيط شامل لممتلكاتها، وإعداد الرهبان إعدادًا لائقًا لأن يمارسوا ويعيشوا ويستمروا في شعلة الروح. إلاّ أنّ عاصفة الحرب الكارثة التي هبّت على لبنان، منذ 13/4/1975، والتي لم تهدأ بعد، منعت كلّ شيء عن تمامه. لقد تميّز عهد الأباتي قسيس بهذه الحرب. وتميّز هو فيها بدوره السياسي الفعّال. فجمع كلمة القياديين في غياب كل قيادة زمنية وعسكرية وروحية، ولحم ما لم يكن ليلتحم بين أعضاء الجبهة اللبنانية، وهو كان في أساسها وتأسيسها. وفتح أديار الرهبانيّة ومراكزها لاستقبال المهجرين والمنكوبين، كما فتح معهد بيت شباب من أجل المعاقين. وجيّش الرهبان وأصدقاءهم في العمل لأجل إغاثة المعوزين وإطعام الجائعين. وأعطى الصورة الصادقة الواضحة عن موقف المسيحيين. وبه، لا بغيره، استطاع أعداء لبنان أن يعرفوا ما يجب أن يعرفوا عن حقيقة الموقف. وبه، لا بغيره، استطاع العالم المتفرّج أن يعرف حقيقة ما يجري... ومع هذا، لم ينسَ واجب الرهبانيّة عليه، رغم الظروف الصعبة، فزاد على مجمّع الجامعة بناءً للهندسة والفنون الجميلة، كما وسّع بناء مستشفى جبيل وفروعه، ونقل فئة من الاخوة الدارسين إلى غوسطا.

الأباتي بولس نعمان 1980-1986، وحده بقي في العاصفة منتصبًا مرفوع الرأس متشامخًا. تعصف به الرياح من كل جانب ولم يسقط. عهد صعب بسبب الكوارث والمآسي التي حلّت بلبنان، وبالتالي بالرهبانيّة وأديارها: انّه عهد اجتياح الاسرائيلي المشبوه، وعهد اغتيال الحلم ببشير الجميّل، وإلغاء اتفاقية 17 أيار وسقوط الجبل والشحّار والضاحية وإقليم الخروب وشرقي صيدا، عهد الانتفاضات في القوات اللبنانية، وعند الاتفاق السوري وإلغائه وما نتج، وعهد المواقف الصعبة من أمراء المارونية، السياسيين والدينيين، وعهد الهجرة والتهجير والنكبات... ولم يكن للمنكوبين ملاذ يلجأون إليه، في عهده، سوى الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة وسائر الرهبانيّات والجمعيّات. ولقد كانت الرهبانيّة، بحكمه أهلاً لما قامت به، ومع ذلك حدث، في الرهبانيّة، ما لم يكن بالحسبان أن يحدث من مشاريع عمرانيّة وانجازات. في عهده، اشترت الرهبانيّة دير مار انطونيوس خشبو في غزير، وراحت ترمّمه، وتجدّده، وتزيده عمرانًا فوق عمران، ولا تزال. ثم أسّست ديرًا في رميش، وتعاونية في "المارشي دي بون"، وبناءً رياضياً متميّزًا في المدرسة المركزية، وتجديدًا كاملاً لدير جبيل ليكون ملائمًا لمجاهدي الرهبانيّة، وتوسيع المستشفى وزيادة فروعه، وما إلى ذلك.

أمّا في بلاد الاغتراب فكان للرهبانيّة مجال واسع في العمل والرسالة والتوسّع، فشيّدت مدرسة وديرًا في رسالة استراليا، وفتحت ديرًا ورعية ومدرسة في مونتريال كندا، ومركزًا آخر في لندن، وأنشأت مدرسة في أبيدجان، واشترت بيتًا ووسّعته في بيت لحم.

هذا والحرب في لبنان مستمرة، ناشطة في التدمير، والتهجير، وقد حطّمت كل حلم ورؤيا. فمقابل العمران في أديار كثيرة، نرى أديارًا دُمّرت عن بكرة أبيها، وأديار أصيبت برهبانها وممتلكاتها، وأديارًا حُطّمت بالقنابل والصواريخ، وأديارًا صارت رمادًا. هكذا صار بدير الجيّة، والناعمه، والمعوش، ورشميا، وسير، والكحلونية، وقبّيع، وغيرها من مراكز ورعايا شُلّت فيها الحركة تمامًا.

وكان المهجّرون والجائعون والمنكوبون والمتألمون واليائسون شغل الرهبانيّة الشاغل. ولم يهدأ للرهبانيّة بال، ولا للسلطة فيها، وقد عبّر رئيسها عن ذلك بقوله: "عشنا مستنفرين مدة ست سنوات كاملة" (39). ومع هذا الضعف فتحت الرهبانيّة أديارها للاّجئين إليها، وقدّمت للعدد الكبير منهم الغذاء واللباس وأسباب الراحة، وبَنت لبعضهم تجمّعات سكنيّة، ووفّرت لآخرين مساكن جاهزة، وفتحت لأولادهم مدرسة في المركزية للتعليم المجاني، وسفّرت مئات آخرين إلى فرنسا للتعليم أيضًا، وأعدّت مخيّمًا ولقاءات في مختلف مناطق لبنان...

وما زالت الحرب قائمة، والسلطة العامة الجديدة، وعلى رأسها الأباتي باسيل الهاشم (1986-1992)، تعمل بوحي من هذا التاريخ عينه. هذه الحرب، على شراستها، لم تقف حائلاً دون بعض العمران. فبالرغم من تهديم العديد من الأديار والمراكز، شيّد في الجامعة أبنية جديدة لكلّيتي الزراعة وإدارة الأعمال والتياترو الكبير، كما أعيد ما تهدّم في مدرسة مار شربل الجيّة، وجدّد دير مارت تقلا وادي شحرور، واستمرّ العمل في دير غزير حتى أمسى جاهزًا لاستقبال دوائر الرئاسة العامة. وقبيل انتهاء ولاية الأباتي الهاشم عيّنت روما مستشارًا رسوليًا على الرهبانيّة هو المطران يوسف بشارة.

ثمّ تدخّلت مجدّدًا فعيّنت الأباتي عمانوئيل خوري رئيسًا عامًا ومدبّرين أربعة. وابتدأ التخطيط والإعداد للمرحلة الجديدة. غير أنّ الموت فاجأ الرهبانيّة والبلاد فقضى على الأب العام فجر عيد مار أنطونيوس الكبير في 17/1/1993. وقد كان الحزن عليه كبيرًا جدًا لما كان يعِدُ من آمال.

وفي 4/2/1993، تدخّلت روما من جديد فعيّنت رئيسًا عامًا جديدًا هو الأباتي يوحنا تابت، الذي تولّى إكمال العهد والمسيرة، فراح يدرس، من خلال "المجمع العام الاستثنائي" توصيات كانت في أساس قانون وفرائض جديدة. كما راح يرمّم دير مار بطرس وبولس في العذرا – فتوح كسروان ويزيد عليه، ويقيم جناحًا جديدًا في دير طاميش لسكنى الإخوة اللاهوتيين، بعد أن تمّ نقلهم من الكسليك. وأعاد بناء دير مار مارون المعوش وعمل على ترميم وإعادة فتح دير ومدرسة مار شربل الجيّه، وترميم دير مار جرجس الناعمة ودير مار جرجس – دير جنين. كما بدأ تنفيذ مشروع المكرّم نعمة الله الحرديني السكني في مدينة البترون. ولم يغفل الأباتي تابت مناسبة اليوبيل المئوي الثالث للرهبانيّة. وقد أعدّ لها الكتب والمطبوعات والرياضات والمحاضرات والاحتفالات في معظم الأديار والمراكز. كما قام بتكريم شيوخ الرهبانيّة والأساتذة العلمانيين... ولا تزال الاعمال العديدة قائمة في كل مجال.

25- جامعة الروح القدس الكسليك: "تعمل جامعة الروح القدس – الكسليك في لبنان، ضمن بيئة اجتماعية وثقافية ودينية هي غاية في التعقيد. لبنان وطنها، والعالم العربي امتداد طبيعي لحقل عملها، والشرق الانطاكي المسيحي هو الأرض التي فيها تتأصّل، ومنها تتغذّى" (40). هكذا رسم رئيس الجامعة الأطر والأهداف.

كانت الغاية من بناء دير الكسليك سنة 1948 جمع شمل الناشئة الرهبانيّة المشتّتة بين بيروت وميفوق وغوسطا وجبيل. فيه تتولّى الرهبانيّة نفسها بنفسها، تربّي ناشئتها، توجّهها، تثقّفها، بحسب هويّتها اللبنانية، المارونية، الإنطاكية الشرقية.

ومنذ ذلك التاريخ هيّأت الرهبانيّة نفسها لهذا العمل الرائد، بهمّة الزائر الرسولي آنذاك المطران بطرس ديب وغيرته، فأرسلت وفدًا بعد وفد من أبنائها إلى جامعات فرنسا وايطاليا وبلجيكا. فعاد هؤلاء الراحلون في سبيل العلم من أجل "فتح" جديد.

غير أنّنا نظلم الرهبانيّة إن قلنا بأنّ التعليم العالي لم يُمارَس فيها قبل دير الكسليك. الحقيقة أنّ الرهبانيّة كانت تتولّى هذا التعليم، خاصة اللاهوت والفلسفة والآداب، وما يلحق بها من علوم متفرّعة عنها، منذ أن وعت دورها وهويّتها في هذا الشرق، ومنذ أن كان في صفوف المنتمين إليها شبّان قابلو العلم.

بيد أنّ سنة 1808 كانت للعلم، في الرهبانيّة، تاريخًا من ذهب. من هذه السنة إلى 1899، علّمت الرهبانيّة ناشئتها في دير مار قبريانوس كفيفان... و1899-1910، في دير سيدة النصر غوسطا. و1910-1913، في دير مار موسى الدوّار. و1913-1950، في دير سيدة المعونات جبيل. ومنذ 1892، كانت فئة من الرهبان التلاميذ يسكنون في دير ما أنطونيوس بيروت ويدرسون في الجامعة اليسوعية حتى 1950.

سنة 1950 كانت يوبيلاً في كل شيء: سنة مقدسة، ظهورات شربل وعجائبه، افتتاح دير الروح القدس الكسليك، وفتح الرهبانيّة لساحل لبنان في الجيّة وشكا، ولمّ شمل النشء الرهباني، وتوحيد التوجيه والتربية والرؤيا في الرهبانيّة والتحرر من اللاتينية المستشرقة والمارونية المتغرّبة...

ثم دخلت العروبة وذرّت قرنها، فأغلق المحامون ملفاتهم سنة كاملة وأضرب القضاة عن إصدار الأحكام، وتوقّف ميزان العدالة، بسبب إنشاء جامعة بيروت العربية. فأعلمت الرهبانيّة الدولة اللبنانية، في 26/4/1962، بأن معهد العلوم العالي في دير الكسليك، فيه جميع الشروط اللازمة لكي يكون جامعة، بما يضمّ من كليات اللاهوت والفلسفة والعلوم الانسانية والآداب والحقوق. فما كان من الدولة إلا أن تعترف بما أُعلِمتْ، وذلك بحسب منطوق ما رسمت في 26/12/1961.

ومنذ ذلك التاريخ بدأت مسيرة جديدة و"فتح" جديد. وبدأت الجامعة تنمو وتكبر، وتتوسّع وتتجذّر، وتتّضح معالمها وأهدافها. فزادت على كلّياتها الأساسية كلّية العلوم التجارية (1966)، وكلية الهندسة والفنون الجميلة (1974). وتفرّع عن هذه الكليات معاهد وأقسام: فعن اللاهوت نبت معهد الليتورجيا، وعن الفلسفة تشعّبت العلوم النفسانية والاجتماعية والتربوية والتوجيهية واللغات، وعن الآداب نشأ معهد التاريخ ومعهد العلوم الموسيقية والمدرسة الموسيقية، وعن الفنون الجميلة تلوّنت أقسام الهندسة والزينة والنحت والرسم والتصوير الفوتوغرافي والمسرح والسينما.

يضاف إلى هذه خدمات جامعية عامة، مثل دار النشر والتوزيع والمكتبة العامة، ومكتبة المبيعات، ودائرة الإعلام، ودائرة الرعية الجامعية، وما إليه.

في 27/6/1965 دشّنت الرهبانيّة المبنى الجديد لكلّيتي اللاهوت والفلسفة، برعاية البطريرك بولس المعوشي وحضور البطريرك مكسيموس الرابع صايغ وأصدقاء الرهبانيّة والجامعة.

وفي 14/1/1974، وعلى أثر إغلاق كلية اللاهوت في الجامعة اليسوعية، قرر مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك، وبدفع من المجمع الشرقي، أن تكون كلية اللاهوت في جامعة الكسليك مركزًا وحيدًا لتعليم العلوم الدينية والكنسية في لبنان. وجدّد المجلس المذكور هذا القرار المؤقّت مع الرهبانيّة مرارًا وتكرارًا ولا يزال.

في 2/12/1982 أعلنت كلية اللاهوت في جامعة الروح القدس الكسليك كلية حبرية، فعُصمت بتعاليم الكرسي الرسولي، وتجدّد نظامها وانتفض دستورها، وتحدّدت قوانينها، ورفعت إلى المجمع الشرقي ليوافق عليها فكان لها من عصمته "عصمة".

ومنذ سنة 1988 تقرر إنشاء كلية للزراعة ومستوصف، والعمل على إعداد "دائرة معارف مارونية".

جامعة هي اليوم منفتحة على الشرق وعلى الغرب، على التراث كما على كل جديد، على الأنظمة السياسية كلها، والتيارات الفكرية في معظمها، والحركات الاجتماعية المتنوعة.. بين جدرانها تتصارع الافكار والمذاهب، تمامًا كما تتصارع أمواج البحر وتتحطم عند حدود ساحاتها. والجامعة تنسحق بدورها أمام الحقيقة، ولا يسحقها في الكون غيرها.

في بالها تراث أنطاكيا وسوريا الكبرى والعروبة التي ستصيّرها لها، دون أن تصير هي لها. وفي رؤياها أن تعود الكنيسة إلى مواقعها القديمة، إلى حيث تشهد وتستشهد. في نهضتها وعي لأن تشرّع أبوابها أمام كلّ باحث عن الحقيقة مهما كانت صعبة، وأمام كلّ طالب معرفة في أي موضوع كان. وعلى المتعاملين معها أن يعرفوا كيف يتعاملون مع هبّات الروح.

في هذه الروح عمدت الجامعة إلى مؤلفات ذات شأن خطير: في اللاهوت والليتورجيا والحياة الرهبانيّة والموسيقى وآباء الكنيسة وتراثها المشرقي كما في السياسة الوطنية. وكان لها، فيما كتبت وأصدرت، موقف صريح معلن، نشرته في مجموعات وسلاسل ومجلات، وفي لغات أجنبية وعربية.

26- حياة التنسّك: كان للرهبانيّة، منذ البدء، اتجاهان: واحد ديري نسكي، والثاني رسولي تبشيري، للاتجاه الرسولي مستلزماته من العلم والمعرفة والتضحية والشهادة بين الناس، وقد تجسّد في الرهبانيّة، بأشكال عديدة، منها: الجامعة والمدرسة والمستشفى والمأوى والميتم والرعية والارساليات خارج لبنان، وما إلى ذلك... والاتجاه النسكي تجسّد في الحياة الديرية، وملازمة الصلاة الخورسية، والعمل في الأرض والمصنع، والتقشّف في الملبس والمأكل، والاستحباس لمن استطاعه.

عن الاتجاه الرسولي تكلّمنا على نموذج منه، هي الجامعة؛ أما عن الاتجاه النسكي فيجب العودة إلى تلك الأديار التي لا تزال تشهد على حقيقة هذه الحياة. فهي، أو بعضها، لا يزال قائمًا يعيش الصلاة والعمل. كما يجب الاشارة إلى المحابس وقانون الحبساء الذي وضعه المؤسس عبدالله قراعلي (41). ومنذ ذلك التاريخ لم تخل الرهبانيّة من حبيس أو حبساء في أديارها إلاّ نادرًا. والأب المحترم المدبر السابق أنطونيوس شينا لا يزال، في محبسة ما بَولا في دير قزحيا، يشهد لهذا التراث الرهباني ويحميه. فهو، في نسكه وخلوته، يحمل تاج الرهبانيّة المرصَّع، ويكمّل به طريق شربل ورفاقه، نبلاء الرهبانيّة المارونية وفخرها العظيم.

27- الرؤساء العامّون وولاياتهم: منذ 10/1/1695 حتى هذه السنة 1995، حكم الرهبانيّة 43 رئيسًا عامًّا، وذلك على مدى 58 ولاية أو عهدًا. وكانت ولاية كل رئيس، في البدء، 3 سنوات، منذ 1938 أصبحت 6 سنوات. وكثيرون، قبل هذا التاريخ، جدّدوا حكمهم، أمّا بعده فامتنع التجديد، لا لمانع قانوني، بقدر ما هو لصعوبته. فعاشقو الحرية يهوون كل تغيير. وهذه أسماء الرؤساء مع مدة ولايتهم:
1- الأب جبرائيل حوّا (حلب): 1695-1699.
2- الأب عبدالله قرألي (حلب): 1699-1716.
3- الأب جبرائيل فرحات (حلب): 1716-1723.
4- الأب مخايل اسكندر (اهدن): 1723-1735.
5- الأب توما اللبودي (حلب): 1735-1741.
- الأب ميخايل اسكندر مجددًا: 1741-1742.
6- الأب ارسانيوس عبد الاحد (حلب): 1742-1748.
7- الأب يواكيم الحاقلاني (الزوق): 1744-1748.
8- الأب مارون قرياقوس (درعون): 1748-1753.
9- الأب جرجس قشوع (غوسطا): 1753-1757.
10- الأب اقليموس المزرعاني: 1757-1766.
11- الأب عمانوئيل الابرهيمي (رشميا): 1766-1769.
12- الأب مرقس الحداد (عين كفاع): 1769-1772.
- الأب عمانيوئيل الابرهيمي مجددًا: 1772-1775.
- الأب مرقس الحداد مجددًا: 1775-1781.
- الأب عمانوئيل الابرهيمي مجددًا: 1781-1784.
13- الأب شربل مدلج (قيتولي): 1784-1787.
- الأب مرقس الحداد مجددًا: 1787-1790.
14- الأب عمانوئيل الجميّل: 1790-1793.
- الأب مرقس الحداد مجددًا: 1793-1796.
- الأب عمانوئيل الجميّل مجددًا: 1796-1799.
15- الأب سمعان الخازن: 1799-1802.
- الأب عمانوئيل الجميّل مجددًا: 1802-1805.
- الأب سمعان الخازن مجددًا: 1805-1808.
- الأب عمانوئيل الجميّل مجددًا: 1805-1808.
16- الأب اغناطيوس بليبل (بكفيا): 1808-1810.
17- الأب مبارك حليحل (بسكنتا): 1832-1835.
18- الأب عمانوئيل سلامه (المتين): 1835-1838.
19- الأب عمانوئيل الاشقر (بيت شباب): 1838-1841.
- الأب عمانوئيل سلامه مجددًا: 1841-1844.
20- الأب سابا العاقوري: 1844-1847.
- الأب عمانوئيل الاشقر مجددًا: 1847-1850.
21- الأب لورنسيوس يمين (بيت شباب): 1850-1853.
- الأب عمانوئيل سلامه مجددًا: 1853-1856.
- الأب لورنسيوس يمين مجددًا: 1856-1862.
22- الأب افرام جعجع (بشري): 1862-1875.
23- الأب مرتينوس سابا (غوسطا): 1875-1890.
- الأب يواصاف العنيسي (جاج): 1890-1891 (نائب عام).
24- الأب مبارك سلامه (المتين): 1891-1895.
25- الأب مرتينوس الشمالي الدرعوني: 1895-1899.
26- الأب يوسف السرعلي: 1899-1901.
27- الأب انطونيوس حنا (مشمش): 1901-1902.
28- الأب نعمة الله القدوم الكفري: 1902-1904.
29- الأب يوسف رفول الاجبعي: 1904-1909.
30- الأب اجناديوس سركيس (الشبانية): 1909-1913.
31- الأب اغناطيوس داغر (تنورين): 1913-1929.
32- الأب مرتينوس طربيه (تنورين): 1929-1938.
33- الأب باسيل غانم (رويسات النعمان): 1938-1944.
34- الأب يوحنا العنداري (كفور العربة): 1944-1950.
35- الأب موسى عازار (عينطورة المتن): 1950-1956.
36- الأب اغناطيوس ابو سليمان (المتين): 1956-1962.
37- الأب يوسف طربيه (تنورين): 1962-1968.
38- الأباتي بطرس القزي (الجيه): 1968-1974.
39- الأباتي شربل القسيس (قرطبا): 1974-1980.
40- الأباتي بولس نعمان (عين تراز): 1980-1986.
41- الأباتي باسيل الهاشم (رشميا): 1986-1992.
42- الأباتي عمانوئيل خوري (دير جنين): 1992-1993.
43- الأباتي يوحنا تابت (عشقوت): 1993-

* * *
28- إحصاءات رهبانية: في الرهبانيّة اليوم: 78 ديرًا ومركزًا (63 منها في لبنان و15 خارجه)، و280 راهبًا كاهنًا، 11 أخًا عاملاً، 48 أخًا في الدروس اللاهوتية في الكسليك، 18 مبتدئًا في دير كفيفان و112 طالبًا في دير ميفوق وغوسطا.

29- أهم المصادر والمراجع:
1- الأب لويس بليبل، تاريخ الرهبانيّة المارونيّة، المجلّد الأول بمصر 1934، 464 + ذيل في تاريخ الطائفة المارونية 60 ص. المجلد الثاني، بمصر 1925، 408 + تتمة الذيل السابق 106 ص. المجلد الثالث وطّأ له ونظر فيه وعني بطبعه الأب بطرس سارة اللبناني، بيروت 1959، 334 ص.
2- الأب ليباوس داغر، كشف الخفاء عن محابس لبنان والحبساء، بيروت 1923؛ طُبع مجددًا ضمن سلسلة "رهبانيات" 1988، بعناية الأب جوزف قزي الذي نقّحه وزاد عليه، رقم 5.
3- الأباتي بطرس فهد، تاريخ الرهبانيّة اللبنانية بفرعيها الحلبي واللبناني، 12 مجلّدًا. يراجع خاصة المجلدات الأربعة الأول، جونيه 1963.
4- عبدالله قراعلي وجرمانوس فرحات، تاريخ الرهبانيّة بقلم مؤسّسيها، سلسلة "رهبانيات" بإدارة الأب جوزف قزي، رقم 1، الكسليك 1988.
5- الأب مارون كرم، قصة الملكية في الرهبانيّة اللبنانية المارونية، بيروت 1972.
6- الأب مارون كرم، رهبان ضيعتنا، جونيه 1975، 272 ص + جملة خرائط وإحصاءات.
7- الأب توما اللبودي، مجموعة اللبودي، 240 رسالة، سلسلة "رهبانيات"، رقم 2، الكسليك 1988.
8- مجلة "أوراق رهبانيّة" رهبانيّة فصلية، صدرت سنة 1966.
9- المجمع العام الخاص بتجديد قوانين ورسوم الرهبانيّة اللبنانية المارونية، سلسلة "رهبانيات"، رقم 3، الكسليك 1988.
10- الأب يوسف محفوظ، التنظيم الرهباني في الكنيسة المارونية، نقله إلى العربية الأب يوحنا خليفة، "مكتبة الروح القدس – الكسليك"، رقم 1 سنة 1970، 448 ص. صدر أصلاً بالفرنسية في المكتبة نفسها.
11- الأب يوسف محفوظ، مختصر تاريخ الرهبانيّة اللبنانية المارونية، منشورات "أوراق رهبانية" عدد 2، الكسليك 1969، 268 ص.



خاتمة – التاريخ الصحيح

نخطئ إن نحن نؤرّخ للسيرة الرهبانيّة كما نؤرّخ للمؤسسات وللدول. المؤسسات الرهبانيّة هي مؤسسات روحية لا تخضع لأحكام الأحداث العالمية وحتميتها، رغم أنها تتفاعل معها، وتعمل فيها. المؤسسة الروحية تاريخها هو تاريخ عمق القداسة في حياة كل شخص من أشخاصها. هو تاريخ الحياة الباطنية المستترة عن منابر العالم وواجهاته المزيّفة. هي تاريخ إلهي يعمل فيه الروح بنشاط دائم ولكن بهدوء وصمت. هو تاريخ صراع داخلي مرير، ولكن في عمق أعماق كل راهب جنّد نفسه لمحاربة الشر. هو تاريخ تؤلّفه أعمال الخير دون أن تتسجل فيه، فيما تاريخ العالم تصنع معظم مراحله الحروب والكوارث وصراع الأشرار والطامعين في حقوق البشر.

فالذي سجّلناه في تاريخ الرهبانيّة اللبنانية المارونية، في هذا الموجز، ليس هو في الحقيقة تاريخًا، بل هو أحداث عابرة تفاعلت الرهبانيّة معها وتجاوبت لبعض أصدائها... تاريخ الرهبانيّة الذي نسطّره بالذهب، هو هذا الذي عاشه قدّيسوها وشهداؤها في صوامعهم، وخلواتهم، وزوايا أديارهم، بالصلاة والصبر والزهد والتأمل المتواصل. وهو الذي عاشه ويعيشه العاملون فيها، المجاهدون في كرومها، وجنائنها، وحقولها، يزرعون ويحصدون، ويوزّعون ثمرة جهدهم مجانًا. هو تاريخ شربل والحرديني ومن عاش مثلهما في الخفاء. هؤلاء الذين زادوا الخير في العالم؛ وببركتهم تسير الكنيسة نحو معادها، وبقداستهم تملئ قامة المسيح في الكون.
 

Tabitha

العَدْرا أُمي
مشرف سابق
إنضم
23 أبريل 2007
المشاركات
1,911
مستوى التفاعل
9
النقاط
0
الإقامة
InTheos
رد على: الرهبانية اللبنانية المارونية

مشكوووووور أخي سليمان

معلومات غزيرة جداً عن الرهبنة المارونية
 

أرزنا

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
7 أبريل 2007
المشاركات
1,100
مستوى التفاعل
26
النقاط
0
الإقامة
قلب يسوع
رد على: الرهبانية اللبنانية المارونية

سلام المسيح

مشكوووووور أخي سليمان

معلومات غزيرة جداً عن الرهبنة المارونية

شكرا لك:
وقريباً لمحة عن كل الرهبانيات والجمعيّات في لبنان
 
أعلى