شروحات و تأملات علي الليتورجيا (صلاة الشكر)
أخذت الكنيسة عن الطقس اليهودي أن تبدأ صلواتها و خدماتها الطقسية دائمًا بشكر الله و الشكر ليس هو فقط ذلك الطقس الذي أخذته الكنيسة من الطقس اليهودي بل هو تقليد نجده فاعلاً في حياة الرب يسوع و أعماله؛ فقبل إقامة لعازر نجده يشكر(يو11: 41)،و نجده يشكر قبل أن يوزع الخمس خبزات و السمكتين قوتًا للآلاف (يو6: 11) و كذلك فعل مع السبع خبزات و السمك (مت15: 36)، و نجده يشكر علي الخبز و الخمر ليلة آلامه (لو22: 17، 19).
و صلاة الشكر في بداية الخدمات الطقسية[1] هي قطعة تنفرد بها الكنيسة القبطية دون باقي الكنائس.و نجد أن صُلبها لا يحتوي أي أقتباس من العهد الجديد و هذا يرجح قدم هذا الجزء منها عن أسفار العهد الجديد نفسها وقد وجدت مخطوطات قديمة تسميها ‘‘صلاة الشكر للقديس مرقس الرسول’’ أي أنها تسليم شخصي منه [2]، و هذا يجعلها ربما مقتبسة من كلمات الرب يسوع نفسه فيما قام به من شكر علي الأفخارستيا[3].و قد وُجد مخطوط يوناني عربي للقداس القبطي يعود للقرن ال14م وهو مخطوط كسمارسك و قد وجدت به صلاة الشكر في نصها اليوناني مع بعض اختلافات طفيفة[4]. ووجود هذه الصلاة بنصها اليوناني يعني أنها قديمة جدًا في الكنيسة و ربما تعود إلي ما قبل مجمع خلقيدونية451م[5].
و السمة اليهودية لهذه الصلاة نجدها في أن الكلمات المذكورة في صلبها تحمل شكلاً تكراريًا وهي السمة اليهودية المعروفة عن صلوات البركة و الشكر فمثلاً نجد في التلمود البابلي Talmud - Mas. Sukkah 38bنص يقول: ‘‘فإذا قال كبير [الموجودين في المحفل] "أشكروا الرب" فإنهم [الموجودين] يردون "أشكروا الرب" ......... رابي حنان بن رابا قال: إنه لواجب ديني أن نكرر بداية مقاطع الصلاة، فإذا قال [القاريء] "خلصنا الآن نتوسل إليك يا إلهنا" فيردون عليه [الموجودون اثناء الأحتفال] قائلين "خلصنا الآن نتوسل إليك يا إلهنا" ’’.
و هذا التكرار داخل الصلاة نجده كالآتي (بالخط الملون):
دعونا الآن ندخل إلي داخل الصلاة نفسها >>>>>>
تحمل صلاة الشكر طابعًا يهوديًا في مجملها و معظم جملها هي جمل كتابية ـ من سفر المزامير خصوصًا ـ أو تلمودية و دعونا الآن نأخذهن واحدة فواحدة:
فلنشكر صانع الخيرات الرحوم الله :
لماذا نشكر الله ؟ سؤال سهل الإجابة نحن نشكر الرب "لأَنَّهُ صَالِحٌ، لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ." (مز106: 1). و تعد بداية صلاة الشكر هي صدي لهذا المزمور الذي يتغني فيه المرتل بحمد الرب فهو صالح (صانع خيرات) فالصالح لا يصنع إلا خيرا وفي صلاح الله تظهر رحمته الأبدية. هذه الرحمة و هذا الصلاح الذي وصف الله بهما نفسه قائلاً "الرَّبُّ إِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الإِحْسَانِ وَالْوَفَاءِ." (خر34: 6). نفس المعاني و نفس الكلمات تتجلي عبر الكتاب المقدس و تتجلي في كلمات صلاة الشكر. كما نجد في التلمود بركة نصها " ليكن مباركًا الصالح صانع الصالحات (الخيرات) ‘Blessed is He who is good and does good,’ " وهذه البركة هي البركة الرابعة علي وجبة الطعام[6].
أبا ربنا و إلهنا و مخلصنا يسوع المسيح :
هذه الجملة غالبًا هي إضافة علي أصل الصلاة و بمثابة تعميد لها. لا تذكر الكنيسة هباء أن الرحوم و صانع الخيرات هو أبو ربنا فربط الله بابنه يسوع المسيح تقذف حالاً في نفس الإنسان أعظم عطايا الله للبشر و التي لن يستطيعوا أن يوفوها حقها من الشكر إلي مدي الدهر. هذه العطية هي عطية الخلاص التي نلناها باتحادنا بهذا الإبن المبذول علي الصليب سخاء و حبًا فينا "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ." (يو3: 16)، "الله الذي ما بَخِلَ باَبنِهِ، بَلْ أسلَمَهُ إلى الموتِ مِنْ أجلِنا جميعًا" (رو8: 32). كما ان ربط الآب بالابن هو تأكيد لعقيدة الكنيسة في ألوهية الرب يسوع.
و لأن الله رحوم فإن الصلاة تبتديء في تعديد أفعال رحمته وصلاحه
لأنه سترنا و أعاننا و حفظنا و قبلنا إليه و أشفق علينا و عضدنا و أتي بنا إلي هذه الساعة :
نجد لهذه الصيغة في تعديد أعمال صلاح الله صيغ أخري مشابهة منها مثلا في التلمود البابلي :
Talmud - Mas. Berachoth 37b *: "أثناء تقدمة أحدكم لتقدمة طعام في أورشليم فإنه يقول ‘‘مبارك الذي أبقانا أحياء و حفظنا و أتي بنا إلي هذا الوقت (this season)’’ ". و تقال هذه البركة نصًا إذا بني أحدهم بيتا جديدا و اشتري أثاثًا جديدًا[7] أو ملابس جديدة[8] أو إذا قابل صديقًا لم يره منذ شهر[9] أو يصنع لنفسه (سوكّا)[10] أو يصنع لنفسه سعف النخيل أثناء العيد[11]. كما نجد في التلمود الأورشليمي (Berakhot 1:5, I:6 A) ما نصه
"[قال][12] رابي شماي : (حينما يتلو قائد الجمع البركات فإن الجمع يرد عليه بنغمة منخفضة [قائلين] ‘‘ يا سيد الخليقة، الإله الكلي تسبيحه، صخر الدهور، السرمدي، الخالق ، المُقيم [من الموت]، يا من جبلنا إلي الحياة و حفظنا [فيها]، و أعطانا الفضيلة، و أعاننا، و قربنا [إليه]، لنشكر اسمك، مبارك أنت يا ربنا الإله الكلي تسبيحه’’. .......... قال رابي صموئيل بن مينا نقلاً عن رابي آها أن الجمع يقولون بنغمة منخفضة ‘‘الشكر و التسبيح لاسمك، لك العظمة، لك المجد، لتكن مشيئتك أيها الرب إلهنا و إله آبائنا أن تعضدنا حينما نسقط و تقونا حينما ننحني؛ لأنك تعضد الساقط، و تقوي المنحني، [أنت] كثير الرحمة، و ليس آخر سواك، مبارك أنت يا أيها الرب إلهنا الكلي تسبيحه’’."
و يتماهي الشكر علي الحياة مع الشكر علي أن الله يتحنن علي الإنسان
* فيستره : "احْفَظْنِي مِثْلَ حَدَقَةِ الْعَيْنِ. بِظِلِّ جَنَاحَيْكَ اسْتُرْنِي،مِنْ وَجْهِ الأَشْرَارِ الَّذِينَ يُخْرِبُونَنِي، أَعْدَائِي بِالنَّفْسِ الَّذِينَ يَكْتَنِفُونَنِي." (مز17: 9- 10)، "اسْتُرْنِي مِنْ مُؤَامَرَةِ الأَشْرَارِ، مِنْ جُمْهُورِ فَاعِلِي الإِثْمِ" (مز64: 2).
* و يعينه : "لِتَكُنْ يَدُكَ لمَعُونَتِي، لأَنَّنِي اخْتَرْتُ وَصَايَاكَ" (مز119: 173)، "مَعُونَتِي مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ، صَانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ." (مز121: 2)
* و يحفظه : "احْفَظْنِي مِنَ الْفَخِّ الَّذِي قَدْ نَصَبُوهُ لِي، وَمِنْ أَشْرَاكِ فَاعِلِي الإِثْمِ."(مز141: 9)،"لاَ يَدَعُ رِجْلَكَ تَزِلُّ. لاَ يَنْعَسُ حَافِظُكَ." (مز121: 3)، "الرَّبُّ حَافِظُكَ. الرَّبُّ ظِلٌّ لَكَ عَنْ يَدِكَ الْيُمْنَى.لاَ تَضْرِبُكَ الشَّمْسُ فِي النَّهَارِ، وَلاَ الْقَمَرُ فِي اللَّيْلِ." (مز121: 5- 6).
* و يشفق عليه : نجد في التلمود البابلي Talmud - Mas. Berachoth 54b صلاة تقول:
"حينما يتعافي إنسان من المرض فإنه يقول : مبارك هو [الله] من يمنحنا تعطفاته المُحبة lovingkindnesses ". كما ان الله دائما من خلال الكتاب المقدس يظهر أنه الشفوق علي شعبه "وَيَكُونُونَ لِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَنَا صَانِعٌ خَاصَّةً، وَأُشْفِقُ عَلَيْهِمْ كَمَا يُشْفِقُ الإِنْسَانُ عَلَى ابْنِهِ الَّذِي يَخْدِمُهُ".
* و يعضده : "أَنَا اضْطَجَعْتُ وَنِمْتُ. اسْتَيْقَظْتُ لأَنَّ الرَّبَّ يعْضُدُنِي." (مز3: 5). "وَتَجْعَلُ لِي تُرْسَ خَلاَصِكَ وَيَمِينُكَ تَعْضُدُنِي، وَلُطْفُكَ يُعَظِّمُنِي." (مز18: 35). "دَحَرْتَنِي دُحُورًا لأَسْقُطَ، أَمَّا الرَّبُّ فَعَضَدَنِي" (مز118: 13). "اعْضُدْنِي حَسَبَ قَوْلِكَ فَأَحْيَا، وَلاَ تُخْزِنِي مِنْ رَجَائِي." (مز119: 116).
* و يقربه إليه : "طُوبَى لِلَّذِي تَخْتَارُهُ وَتُقرِّبُهُ لِيَسْكُنَ فِي دِيَارِكَ. لَنَشْبَعَنَّ مِنْ خَيْرِ بَيْتِكَ، قُدْسِ هَيْكَلِكَ" (مز65: 4).
و حتي هذه النقطة نجد أن محور الشكر هو نعمة الحياة سواء الأرضية أو الأبدية تلك النعمة التي تعد في نظر اليهودي خصوصًا دليلاً علي حب الله له ؛ لأنه إن مات يُنسى من أرض الأحياء[13] و يَعدّه سقوطًا من عناية الله و مراحمه لذلك فإنه يقيس حب الله للإنسان بإنه يُصعده من الهاوية[14].
هو أيضاً فلنسأله أن يحفظنا في هذا اليوم المقدس[15] وكل أيام حياتنا بكل سلام ضابط الكل الرب إلهنا :
نجد في التلمود البابلي Talmud - Mas. Sotah 40a ما نصه: "حينما يقول القائد قطعة (نحن نشكرك ...) ماذا يقول الجمع ؟ فرد راب [يقولون] ‘‘نشكرك يا أيها الرب إلهنا، لأنك أعطيتنا القدرة أن نشكرك’’. و صموئيل قال ‘‘يا رب كل جسد، .. نحن نشكرك’’. و قال رابي شماي ‘‘يا خالقنا و خالق كل الاشياء في البدء،... نشكرك’’. و رجال نهارديا رددوا باسم [كما علمهم] رابي شماي ‘‘البركة و الشكر لاسمك العظيم؛ لأنك أبقيتنا علي قيد الحياة و حفظتنا حتي نعطيك الشكر’’. و أعتاد رابي أها بن يعقوب أن يختم [صلاة الشكر] قائلاً: ‘‘من فضلك استمر في أن تبقنا أحياء ، و أنعم علينا و أجمعنا مع أخوتنا المسبيين إلي محضرك المقدس لنلاحظ [نتمم] وصياك و نفعل مشيئتك بقلب كامل. و نعطيك الشكر.’’. فقال رابي بابا دعونا إذا نرددهم كلهم".
وهذه القطعة مميزة لنقطتين مهمتين أولهما تشابه كلمات النص التلمودي مع كلمات صلاة الشكر و المحور الاساسي هنا أن الإنسان يطلب من الله أن يحفظه دوامًا حيًا سالمًا مسبحًا كما حفظه من قبل[16].
و ثانيهما أن الحضور يكررون شكر الله وراء مترأس وهي السمة التكرارية الموجودة في صلاة الشكر القبطية حيث بعد ختام هذا الجزء الأول من الصلاة نجد أنها تتكر مرة أخري و كأنها موضوعة أصلاً في شكل حواري أو موضوعة ليتلو مترأس الصلاة جزءًا ثم ترد عليه جماعة المؤمنين بتلاوة نفس الكلمات[17].
نشكرك على كل حال (شيء) ومن أجل كل حال (شيء) وفي كل حال(شيء) :
كلمة hwb القبطية يمكن أن تتخذ معني (عمل/ شيء/ أمر/حدث) و هنا شعب الله يشكره علي كل حال أو كل حدث يمرون به و علي كل شيء يملكونه و في كل وقت، فشكر الله لا يكون علي الصالحات فقط و إلا كانت علاقتنا بالله هي علاقة منفعة و بذلك تتحول إلي علاقة عبد بسيد لا أب باولاده و بهذا لا يصح أن ننادي الله أبانا، و لكانت هذه فرصة لشكاية الشيطان ضدنا كما فعل مع أيوب "فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: "هَلْ مَجَّانًا يَتَّقِي أَيُّوبُ اللهَ؟.أَلَيْسَ أَنَّكَ سَيَّجْتَ حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كُلِّ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ؟ بَارَكْتَ أَعْمَالَ يَدَيْهِ فَانْتَشَرَتْ مَوَاشِيهِ فِي الأَرْضِ." (أيوب1: 9- 10). و فخ المنفعة هذا وقعت فيه امرأة أيوب "فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: "أَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بَعْدُ بِكَمَالِكَ؟ بَارِكِ اللهِ وَمُتْ!"." (أيوب2: 9). لكن أيوب بتقواه رد قائلاً "تَتَكَلَّمِينَ كَلاَمًا كَإِحْدَى الْجَاهِلاَتِ! أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَالشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ؟" (أيوب2: 9). وهي نفس تقوي المصلي الشاكر الله في السراء و المتوقع بصبر خلاصه.
مع خوفك :
"مَخَافَةُ الرَّبِّ يَنْبُوعُ حَيَاةٍ لِلْحَيَدَانِ عَنْ أَشْرَاكِ الْمَوْتِ" (أم14: 27). "اَلْقَلِيلُ مَعَ مَخَافَةِ الرَّبِّ، خَيْرٌ مِنْ كَنْزٍ عَظِيمٍ مَعَ هَمٍّ" (ام15: 16). "رَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ. فِطْنَةٌ جَيِّدَةٌ لِكُلِّ عَامِلِيهَا" (مز111: 10).
هذه النصوص هي ملخص للفهم الكتابي لمخافة الرب. فهي مبدأ أو بداية (رأس) الحكمة و طريق الحياة و الغني الكثير مخافة الرب هي في الأصل لمصلحة الإنسان. ليس الإنسان يخاف الله لأن الله يمسك بسوط يلهب أبدان مخالفيه بل لأن الإنسان الذي يختار مخافة الرب هو في الحقيقة يقول لله "قُد أنت طريقي" أو كما تقول عروس النشيد "اُجْذُبْنِي وَرَاءَكَ فَنَجْرِيَ" (نش1: 4). مخافة الرب هي درجة من درجات حبه فالمحب يخاف أن يُغضب حبيبه فيفقده. و طلب مخافة الرب يلتزم بنفس الخط الأساسي للصلاة من أولها ألا وهو الشكر علي الحياة و ترجي الرب أن يحفظ للإنسان حياته؛ لأن مخافة الرب هي الإنسان كله (أنظر جا12: 13) و هي ينبوع الحياة.
هنا ينتهي الطابع التكراري لصلاة الشكر و ربما عند هذه النقطة تنتهي الصلاة في صيغتها اليهودية الأصيلة ليبتدأ جزء جديد ذو طابع مسيحي و إن كان يتبع نفس الطابع التكراري البلاغي المعروف في الأدب اليهودي ألا وهو تكرار نفس الطلب أو الكلام لكن بعدة صيغ مختلفة كما سنري.
كل حسد و كل تجربة و كل فعل الشيطان، و مؤامرة الناس الأشرار.و قيام الأعداء الخفيين و الظاهرين أنزعها عنا و عن سائر شعبك و عن موضعك المقدس هذا، لأنك انت الذي أعطيتنا السلطان أن ندوس الحيات و العقارب و كل قوات العدو[18] ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير :
الحسد و التجربة هما دومًا فعل الشيطان هذا الحسد الذي بسببه دخل الموت إلي العالم (حكمة2: 24). وهذا الحسد الذي دفع ابليس ليشتكي علي بني البشر. و المُجرِب هذه هي الكلمة التي أصبحت كناية عن الشيطان في الأدب العبري و استخدمها إنجيل متي (مت4: 3) حينما ذكر حادثة التجربة علي الجبل. و عبارة (الأعداء الخفيين) هي العبارة الموازية لعبارة (كل حسد و كل تجربة و كل فعل الشيطان) فأعداء الإنسان الخفيين هم الشياطين[19] و الذي دائمًا ما يطلب الإنسان أن ينجو من حبائلهم التي آخرتها هلاك. و الجزء الثاني من الطلبة هو (نزع مؤامرة الناس الأشرار)وهي توازي طلبة (احباط قيام الأعداء الظاهرين) أي البشر الذين يبغون بالمؤمنين شرًا. ثم يعود ليكرر الطلب مرة ثالثة بصيغة أخري هي (لا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير)
وهذه الطلبة تشبه طلبات المؤمن اليهودي في صلاة ال(عميدا) "لا تعط أملاً [للنجاة] للواشين، و ليهلك كل المهرطقين و الاشرار في الحال. ليُستاصل أعداء شعبك سريعًا.و لتقتلع، و تكسر، و تحطم، و تخضع حكم الشر في أيامنا سريعًا. مبارك أنت يا رب يا مَن تسحق الأعداء و تحطم الاشرار........................ أما هؤلاء الذين دبروا الشر ضدي فاسرع لتبطل مشورتهم و لتحبط مخططهم، أجعلهم كالقش في وجه الريح، و ليدفعهم ملاك الرب بعيدًا؛ لينجو أحبائك. ساعدنا بيمينك، و استجب لي. "
و تشبه أيضًا الطلبة التي يتلوها المؤمن اليهودي قائلاً " لتكن مشيئتك يا إلهي. ثبتني في ناموسك و ألصقني بوصايك. لا تدخلني في خطية أو إثم أو تجربة أو مهانة.و نجني من الرجل الشرير و من رفيق السوء.و أملني لسبل الخير و حسن الرفقة " (التلمود البابلي: Talmud - Mas. Berachoth 60b).
و بالجملة هذه الطلبة تضرع إلي الله أن ينزع كل شر و كل تجربة و كل فعل خبيث سواء كان بشريًا أو شيطانيًا عن الإنسان وعن شعب الله وعن كنيسته. و الكنيسة هنا تطلب من الله أبو يسوع هذا [أي يسوع] الذي جُرب أولاً (مت4: 1- 11)، (لو4: 1- 13). وهو الذي" فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ" (عب2: 18). فالآب هو الذي يملك السلطان وهو الذي أعطاه للمؤمنين به (في أبنه يسوع) و لذلك نري يسوع يقول "هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَانًا لِتَدُوسُوا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ الْعَدُوِّ، وَلاَ يَضُرُّكُمْ شَيْءٌ. " (لو10: 19). فالله أبو ربنا يسوع صاحب السلطان هو القادر أن يستخدم سلطانه بفاعلية لصالح الإنسان. وهنا نري الإنسان الشاكر يتمثل طريق التقوي فرغم أنه يملك السلطان علي كل أعدائه خصوصًا الخفيين بتصريح إلهي إلا أنه يطلب الله ليكون هو الفاعل[20]. ، و في هذا أيضًا نجد أن خط طلب الحياة سواء الابدية أو الأرضية و شكر الله عليها هو الخط الغالب إلي الآن علي الطلب من أجل المؤمنين و الكنيسة.
بالنعمة و الرأفات و محبة البشر اللواتي لابنك الوحيد ربنا و إلهنا و مخلصنا يسوع المسيح:
هنا يعلن المصلي أنه يطلب باسم يسوع المسيح و يشكر باسم يسوع المسيح و يستعطف الآب بمراحم و أحشاء رأفات يسوع المسيح و كل هذا هو ختم قبول الشكر و الطلبة "وَمَهْمَا سَأَلْتُمْ بِاسْمِي فَذلِكَ أَفْعَلُهُ لِيَتَمَجَّدَ الآبُ بِالابْنِ." (يو14: 13). ثم يتبع ذلك هذا القول ذي المستوي العقيدي العالي و أعتقد أنها جملة متطورة نسبيًا عن باقي نص الصلاة كما يبدو من صيغتها و هذه الجملة هي
"هذا الذي يليق بك معه المجد و الأكرام و العزة و السجود مع الروح القدس .... الآن و كل اوان و إلي دهر الدهور آمين[21]"
و هنا تعلن الكنيسة سجودها للآب بابنه وهي بذلك تعلن مجد الله في وسطها الآن و علي مدي الدهور ماضٍ و حاضر و مستقبل "لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ." (في2: 10- 11).
و هذه الطلبة تعد استبدالاً لاستعطاف المؤمن اليهودي لله باسمه و توراته و يمينه و قداسته و رحمته[22]
الروح القدس المحي المساوي لكPi`pneuma `e;ouabnreftanqo ouoh `n`omooucioc nemak:
هذا الجزء يعتبر آخر مراحل تطور نص الصلاة فهو ينسب صفة (المحيي) للروح القدس وهي العبارة التي وجدت في قوانين ما بعد نيقية و أضافها آباء المجمع المسكوني الثاني القسطنطيني (381م) علي قانون الإيمان النيقاوي[23] كما أنها تحمل لفظة (هوموأوسيوس) أي (الواحد في ذات الجوهر) و هي العبارة التي بدأ الدفاع عنها في كتابات القديس أثناسيوس الرسولي عن الروح القدس ضد أنصاف الأريوسيين و ثبتها كل الآباء التالين له.
الخلاصة :
* تتميز صلاة الشكر بالسمات اليهودية المتمثلة في التكرارات المتعددة لنفس الجمل بصيغ مختلفة و أيضًا تتميز بالتكرار الوارد في صلوات الشكر اليهودية وهو أن يقوم مترأس الأجتماع بتلاوة جمل الشكر و يرد عليه الجمع بتكرارها جملة جملة أو بتلاوة جمل شكرية تحمل نفس المعاني. كما أنها تتشابه و كثير من الصلوات العهد قديمية و التلمودية الشكرية وكل هذا ربما يقطع بأنها فعلاً تسليم مرقسي خالص يعود تقليده للرب يسوع نفسه، وهي ـ علي أبعد الحدود ـ في صورتها الأولي تسليم يعود إلي عصر الرسل.
* تم تعميد الصلاة بإضافة عدة جمل ذات طابع مسيحي و إنجيلي عليها كما تطورت الأجزاء الأخيرة منها لتستوعب العقيدة كما حافظ عليها و سلمها لنا آباء المجامع و الآباء الأرثوذكس حول الابن الروح القدس أي أنها وصلت لشكلها النهائي في غضون القرن الرابع الميلادي.
* خط الشكر الأساسي في هذه الصلاة هو الشكر علي الحياة أرضية كانت أو أبدية و طلب استمرار هذا الحال بسلام و في مخافة الرب.
[1] لا تصلي صلاة الشكر في ايام الأثنين و الثلاثاء و الأربعاء و الجمعة من أسبوع البصخة.
[2]الراهب أثناسيوس المقاري (القس)، القداس الإلهي سر ملكوت الله الجزء الأول،الطبعة الثانية2011، ص342
[3]مرجع سابق، ص 343
[4]لمعرفة هذه الاختلافات أنظر مرجع سابق ص344، 345
[5]الراهب أثناسيوس المقاري(القس)،الأجبية أي صلوات السواعي،الطبعة الثانية2010،ص256.
استنتاج وجود صلاة الشكر قبل مجمع خلقيدونية بناء علي مخطوط يعود للقرن ال14م، ليس شيئًا مستغربًا فمن المعروف أن الكنيسة انجرفت إلي تيار إهمال التراث اليوناني و الأتجاه إلي أقبطة الحياة (جعلها قبطية) و اللغة و الطقس ابتداء من نهايات القرن الخامس الميلادي.و وجود صلاة بنص يوناني في أحد المخطوطات المتاخرة يعني ان الناسخ كان ينقل من مخطوط يوناني أقدم وهذا الأقدم أخذ من الاقدم منه و هكذا و صولا إلي الوقت الذي كانت اليونانية فيه هي لغة الطقس و الكتابة و الوعظ.
[6]أنظر مثلا في التلمود البابلي : Talmud - Mas. Berachoth 45b، Talmud - Mas. Berachoth 46a و أيضًا التلمود الأورشليمي (Berakhot 1:5, I:10 A)
ال(سوكا) هي المظلات أو الخيم التي يمكث فيها اليهود أثناء فترة عيد المظال تذكارًا لسكني بني إسرائيل في الخيام اثناء التيه بصحراء سيناء بعد خروجهم من مصر (لاويين23: 42- 43)
[11]Talmud - Mas. Pesachim 7b
[12] يبدا النص بسلسلة من العنعنات (رابي ... عن رابي .... عن رابي .... ) وصولاً إلي رابي شماي و هو صاحب أحد أكبر المدارس الرابية أيام السيد المسيح. لذلك فضلت بداية النص بكلمة [قال].
) [13]إرميا ١١:١٩) وَأَنَا كَخَرُوفِ دَاجِنٍ يُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُمْ فَكَّرُوا عَلَيَّ أَفْكَارًا، قَائِلِينَ: "لِنُهْلِكِ الشَّجَرَةَ بِثَمَرِهَا، وَنَقْطَعْهُ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ، فَلاَ يُذْكَرَ بَعْدُ اسْمُهُ".
[14](المزامير ٣٠:٣) يَا رَبُّ، أَصْعَدْتَ مِنَ الْهَاوِيَةِ نَفْسِي. أَحْيَيْتَنِي مِنْ بَيْنِ الْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ.،و أيضُا (المزامير ٨٦:١٣) لأَنَّ رَحْمَتَكَ عَظِيمَةٌ نَحْوِي، وَقَدْ نَجَّيْتَ نَفْسِي مِنَ الْهَاوِيَةِ السُّفْلَى.
[15] كلمة "اليوم المقدس" في النص اليوناني وردت "يومك المقدس" أي بمعني "يوم الرب" و يوم الرب في الليتورجيا هو يوم الأحد (keriaky) الذي كانت تقام القداسات في فجره وهذا يؤكد أيضًا علي قدم هذا النص اليوناني، لأن دخول قداسات وسط أيام الأسبوع عدا الأحد هو ممارسة متأخرة نوعًا ما.
[16]تتشابه هذه الطلبة مع كلمات المزمور "أَخْرِجْ مِنَ الْحَبْسِ نَفْسِي، لِتَحْمِيدِ اسْمِكَ." (مز142: 7).
[17]لن أعقب علي الكلمات و الجمل المكررة و سأكمل التعليق علي الجمل و الإضافات الجديدة.
[18] لوقا ١٠:١٩ هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَانًا لِتَدُوسُوا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ الْعَدُوِّ، وَلاَ يَضُرُّكُمْ شَيْءٌ.
[19] أفسس ٦:١٢ فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ..
[20] أنظر (زك 3: 1- 2) حيث رأي زكريا يهوشع الكاهن العظيم واقفًا أمام ملاك الرب [و هذا الملاك من طغمة الأرباب] و الشيطان قائمًا عن يمينه ليقاومه فقال له الرب [الملاك الذي من طغمة الارباب] ""لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ يَا شَيْطَانُ! لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ الَّذِي اخْتَارَ أُورُشَلِيمَ!" و انظر ايضًا (يهوذا1: 9) "وَأَمَّا مِيخَائِيلُ رَئِيسُ الْمَلاَئِكَةِ، فَلَمَّا خَاصَمَ إِبْلِيسَ مُحَاجًّا عَنْ جَسَدِ مُوسَى، لَمْ يَجْسُرْ أَنْ يُورِدَ حُكْمَ افْتِرَاءٍ، بَلْ قَالَ:"لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ!"." و هنا نري الملائكة ذوي السلطان لا يستعملون سلطانهم بل يخاطبون الشيطان قائلين لينتهرك الرب. وهذا نفس الشيء الذي نراه في الطلبة (أنزعها عنا ....... لأنك أعطيتنا السلطان).
[21] تحتل المجدلة (تمجيد الله) موضعًا بارزا في كثير من الصلوات اليهودية و قد وردت بعدة صيغ لكنها جميعًا تؤكد علي ان الله له "الملك، و القوة، و البركة، و العظمة، و المجد".
[22] أنظر ايضًا صلاة العميدا http://www.chabad.org/library/article_cdo/aid/867674/jewish/Translation.htm
[23]لمعرفة أكثر عن تفاصيل المجمع و تاريخ هذه الإضافة أنظر "مجموعة الشرع الكنسي،جمع و ترجمة و تنسيق الارشمندريت حنانيا إلياس كساب،ص245 – 283.
للأستاذ مايكل ميلاد، مدونة هياكل جديدة
أخذت الكنيسة عن الطقس اليهودي أن تبدأ صلواتها و خدماتها الطقسية دائمًا بشكر الله و الشكر ليس هو فقط ذلك الطقس الذي أخذته الكنيسة من الطقس اليهودي بل هو تقليد نجده فاعلاً في حياة الرب يسوع و أعماله؛ فقبل إقامة لعازر نجده يشكر(يو11: 41)،و نجده يشكر قبل أن يوزع الخمس خبزات و السمكتين قوتًا للآلاف (يو6: 11) و كذلك فعل مع السبع خبزات و السمك (مت15: 36)، و نجده يشكر علي الخبز و الخمر ليلة آلامه (لو22: 17، 19).
و صلاة الشكر في بداية الخدمات الطقسية[1] هي قطعة تنفرد بها الكنيسة القبطية دون باقي الكنائس.و نجد أن صُلبها لا يحتوي أي أقتباس من العهد الجديد و هذا يرجح قدم هذا الجزء منها عن أسفار العهد الجديد نفسها وقد وجدت مخطوطات قديمة تسميها ‘‘صلاة الشكر للقديس مرقس الرسول’’ أي أنها تسليم شخصي منه [2]، و هذا يجعلها ربما مقتبسة من كلمات الرب يسوع نفسه فيما قام به من شكر علي الأفخارستيا[3].و قد وُجد مخطوط يوناني عربي للقداس القبطي يعود للقرن ال14م وهو مخطوط كسمارسك و قد وجدت به صلاة الشكر في نصها اليوناني مع بعض اختلافات طفيفة[4]. ووجود هذه الصلاة بنصها اليوناني يعني أنها قديمة جدًا في الكنيسة و ربما تعود إلي ما قبل مجمع خلقيدونية451م[5].
و السمة اليهودية لهذه الصلاة نجدها في أن الكلمات المذكورة في صلبها تحمل شكلاً تكراريًا وهي السمة اليهودية المعروفة عن صلوات البركة و الشكر فمثلاً نجد في التلمود البابلي Talmud - Mas. Sukkah 38bنص يقول: ‘‘فإذا قال كبير [الموجودين في المحفل] "أشكروا الرب" فإنهم [الموجودين] يردون "أشكروا الرب" ......... رابي حنان بن رابا قال: إنه لواجب ديني أن نكرر بداية مقاطع الصلاة، فإذا قال [القاريء] "خلصنا الآن نتوسل إليك يا إلهنا" فيردون عليه [الموجودون اثناء الأحتفال] قائلين "خلصنا الآن نتوسل إليك يا إلهنا" ’’.
و هذا التكرار داخل الصلاة نجده كالآتي (بالخط الملون):
دعونا الآن ندخل إلي داخل الصلاة نفسها >>>>>>
تحمل صلاة الشكر طابعًا يهوديًا في مجملها و معظم جملها هي جمل كتابية ـ من سفر المزامير خصوصًا ـ أو تلمودية و دعونا الآن نأخذهن واحدة فواحدة:
فلنشكر صانع الخيرات الرحوم الله :
لماذا نشكر الله ؟ سؤال سهل الإجابة نحن نشكر الرب "لأَنَّهُ صَالِحٌ، لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ." (مز106: 1). و تعد بداية صلاة الشكر هي صدي لهذا المزمور الذي يتغني فيه المرتل بحمد الرب فهو صالح (صانع خيرات) فالصالح لا يصنع إلا خيرا وفي صلاح الله تظهر رحمته الأبدية. هذه الرحمة و هذا الصلاح الذي وصف الله بهما نفسه قائلاً "الرَّبُّ إِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الإِحْسَانِ وَالْوَفَاءِ." (خر34: 6). نفس المعاني و نفس الكلمات تتجلي عبر الكتاب المقدس و تتجلي في كلمات صلاة الشكر. كما نجد في التلمود بركة نصها " ليكن مباركًا الصالح صانع الصالحات (الخيرات) ‘Blessed is He who is good and does good,’ " وهذه البركة هي البركة الرابعة علي وجبة الطعام[6].
أبا ربنا و إلهنا و مخلصنا يسوع المسيح :
هذه الجملة غالبًا هي إضافة علي أصل الصلاة و بمثابة تعميد لها. لا تذكر الكنيسة هباء أن الرحوم و صانع الخيرات هو أبو ربنا فربط الله بابنه يسوع المسيح تقذف حالاً في نفس الإنسان أعظم عطايا الله للبشر و التي لن يستطيعوا أن يوفوها حقها من الشكر إلي مدي الدهر. هذه العطية هي عطية الخلاص التي نلناها باتحادنا بهذا الإبن المبذول علي الصليب سخاء و حبًا فينا "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ." (يو3: 16)، "الله الذي ما بَخِلَ باَبنِهِ، بَلْ أسلَمَهُ إلى الموتِ مِنْ أجلِنا جميعًا" (رو8: 32). كما ان ربط الآب بالابن هو تأكيد لعقيدة الكنيسة في ألوهية الرب يسوع.
و لأن الله رحوم فإن الصلاة تبتديء في تعديد أفعال رحمته وصلاحه
لأنه سترنا و أعاننا و حفظنا و قبلنا إليه و أشفق علينا و عضدنا و أتي بنا إلي هذه الساعة :
نجد لهذه الصيغة في تعديد أعمال صلاح الله صيغ أخري مشابهة منها مثلا في التلمود البابلي :
Talmud - Mas. Berachoth 37b *: "أثناء تقدمة أحدكم لتقدمة طعام في أورشليم فإنه يقول ‘‘مبارك الذي أبقانا أحياء و حفظنا و أتي بنا إلي هذا الوقت (this season)’’ ". و تقال هذه البركة نصًا إذا بني أحدهم بيتا جديدا و اشتري أثاثًا جديدًا[7] أو ملابس جديدة[8] أو إذا قابل صديقًا لم يره منذ شهر[9] أو يصنع لنفسه (سوكّا)[10] أو يصنع لنفسه سعف النخيل أثناء العيد[11]. كما نجد في التلمود الأورشليمي (Berakhot 1:5, I:6 A) ما نصه
"[قال][12] رابي شماي : (حينما يتلو قائد الجمع البركات فإن الجمع يرد عليه بنغمة منخفضة [قائلين] ‘‘ يا سيد الخليقة، الإله الكلي تسبيحه، صخر الدهور، السرمدي، الخالق ، المُقيم [من الموت]، يا من جبلنا إلي الحياة و حفظنا [فيها]، و أعطانا الفضيلة، و أعاننا، و قربنا [إليه]، لنشكر اسمك، مبارك أنت يا ربنا الإله الكلي تسبيحه’’. .......... قال رابي صموئيل بن مينا نقلاً عن رابي آها أن الجمع يقولون بنغمة منخفضة ‘‘الشكر و التسبيح لاسمك، لك العظمة، لك المجد، لتكن مشيئتك أيها الرب إلهنا و إله آبائنا أن تعضدنا حينما نسقط و تقونا حينما ننحني؛ لأنك تعضد الساقط، و تقوي المنحني، [أنت] كثير الرحمة، و ليس آخر سواك، مبارك أنت يا أيها الرب إلهنا الكلي تسبيحه’’."
و يتماهي الشكر علي الحياة مع الشكر علي أن الله يتحنن علي الإنسان
* فيستره : "احْفَظْنِي مِثْلَ حَدَقَةِ الْعَيْنِ. بِظِلِّ جَنَاحَيْكَ اسْتُرْنِي،مِنْ وَجْهِ الأَشْرَارِ الَّذِينَ يُخْرِبُونَنِي، أَعْدَائِي بِالنَّفْسِ الَّذِينَ يَكْتَنِفُونَنِي." (مز17: 9- 10)، "اسْتُرْنِي مِنْ مُؤَامَرَةِ الأَشْرَارِ، مِنْ جُمْهُورِ فَاعِلِي الإِثْمِ" (مز64: 2).
* و يعينه : "لِتَكُنْ يَدُكَ لمَعُونَتِي، لأَنَّنِي اخْتَرْتُ وَصَايَاكَ" (مز119: 173)، "مَعُونَتِي مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ، صَانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ." (مز121: 2)
* و يحفظه : "احْفَظْنِي مِنَ الْفَخِّ الَّذِي قَدْ نَصَبُوهُ لِي، وَمِنْ أَشْرَاكِ فَاعِلِي الإِثْمِ."(مز141: 9)،"لاَ يَدَعُ رِجْلَكَ تَزِلُّ. لاَ يَنْعَسُ حَافِظُكَ." (مز121: 3)، "الرَّبُّ حَافِظُكَ. الرَّبُّ ظِلٌّ لَكَ عَنْ يَدِكَ الْيُمْنَى.لاَ تَضْرِبُكَ الشَّمْسُ فِي النَّهَارِ، وَلاَ الْقَمَرُ فِي اللَّيْلِ." (مز121: 5- 6).
* و يشفق عليه : نجد في التلمود البابلي Talmud - Mas. Berachoth 54b صلاة تقول:
"حينما يتعافي إنسان من المرض فإنه يقول : مبارك هو [الله] من يمنحنا تعطفاته المُحبة lovingkindnesses ". كما ان الله دائما من خلال الكتاب المقدس يظهر أنه الشفوق علي شعبه "وَيَكُونُونَ لِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَنَا صَانِعٌ خَاصَّةً، وَأُشْفِقُ عَلَيْهِمْ كَمَا يُشْفِقُ الإِنْسَانُ عَلَى ابْنِهِ الَّذِي يَخْدِمُهُ".
* و يعضده : "أَنَا اضْطَجَعْتُ وَنِمْتُ. اسْتَيْقَظْتُ لأَنَّ الرَّبَّ يعْضُدُنِي." (مز3: 5). "وَتَجْعَلُ لِي تُرْسَ خَلاَصِكَ وَيَمِينُكَ تَعْضُدُنِي، وَلُطْفُكَ يُعَظِّمُنِي." (مز18: 35). "دَحَرْتَنِي دُحُورًا لأَسْقُطَ، أَمَّا الرَّبُّ فَعَضَدَنِي" (مز118: 13). "اعْضُدْنِي حَسَبَ قَوْلِكَ فَأَحْيَا، وَلاَ تُخْزِنِي مِنْ رَجَائِي." (مز119: 116).
* و يقربه إليه : "طُوبَى لِلَّذِي تَخْتَارُهُ وَتُقرِّبُهُ لِيَسْكُنَ فِي دِيَارِكَ. لَنَشْبَعَنَّ مِنْ خَيْرِ بَيْتِكَ، قُدْسِ هَيْكَلِكَ" (مز65: 4).
و حتي هذه النقطة نجد أن محور الشكر هو نعمة الحياة سواء الأرضية أو الأبدية تلك النعمة التي تعد في نظر اليهودي خصوصًا دليلاً علي حب الله له ؛ لأنه إن مات يُنسى من أرض الأحياء[13] و يَعدّه سقوطًا من عناية الله و مراحمه لذلك فإنه يقيس حب الله للإنسان بإنه يُصعده من الهاوية[14].
هو أيضاً فلنسأله أن يحفظنا في هذا اليوم المقدس[15] وكل أيام حياتنا بكل سلام ضابط الكل الرب إلهنا :
نجد في التلمود البابلي Talmud - Mas. Sotah 40a ما نصه: "حينما يقول القائد قطعة (نحن نشكرك ...) ماذا يقول الجمع ؟ فرد راب [يقولون] ‘‘نشكرك يا أيها الرب إلهنا، لأنك أعطيتنا القدرة أن نشكرك’’. و صموئيل قال ‘‘يا رب كل جسد، .. نحن نشكرك’’. و قال رابي شماي ‘‘يا خالقنا و خالق كل الاشياء في البدء،... نشكرك’’. و رجال نهارديا رددوا باسم [كما علمهم] رابي شماي ‘‘البركة و الشكر لاسمك العظيم؛ لأنك أبقيتنا علي قيد الحياة و حفظتنا حتي نعطيك الشكر’’. و أعتاد رابي أها بن يعقوب أن يختم [صلاة الشكر] قائلاً: ‘‘من فضلك استمر في أن تبقنا أحياء ، و أنعم علينا و أجمعنا مع أخوتنا المسبيين إلي محضرك المقدس لنلاحظ [نتمم] وصياك و نفعل مشيئتك بقلب كامل. و نعطيك الشكر.’’. فقال رابي بابا دعونا إذا نرددهم كلهم".
وهذه القطعة مميزة لنقطتين مهمتين أولهما تشابه كلمات النص التلمودي مع كلمات صلاة الشكر و المحور الاساسي هنا أن الإنسان يطلب من الله أن يحفظه دوامًا حيًا سالمًا مسبحًا كما حفظه من قبل[16].
و ثانيهما أن الحضور يكررون شكر الله وراء مترأس وهي السمة التكرارية الموجودة في صلاة الشكر القبطية حيث بعد ختام هذا الجزء الأول من الصلاة نجد أنها تتكر مرة أخري و كأنها موضوعة أصلاً في شكل حواري أو موضوعة ليتلو مترأس الصلاة جزءًا ثم ترد عليه جماعة المؤمنين بتلاوة نفس الكلمات[17].
نشكرك على كل حال (شيء) ومن أجل كل حال (شيء) وفي كل حال(شيء) :
كلمة hwb القبطية يمكن أن تتخذ معني (عمل/ شيء/ أمر/حدث) و هنا شعب الله يشكره علي كل حال أو كل حدث يمرون به و علي كل شيء يملكونه و في كل وقت، فشكر الله لا يكون علي الصالحات فقط و إلا كانت علاقتنا بالله هي علاقة منفعة و بذلك تتحول إلي علاقة عبد بسيد لا أب باولاده و بهذا لا يصح أن ننادي الله أبانا، و لكانت هذه فرصة لشكاية الشيطان ضدنا كما فعل مع أيوب "فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: "هَلْ مَجَّانًا يَتَّقِي أَيُّوبُ اللهَ؟.أَلَيْسَ أَنَّكَ سَيَّجْتَ حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كُلِّ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ؟ بَارَكْتَ أَعْمَالَ يَدَيْهِ فَانْتَشَرَتْ مَوَاشِيهِ فِي الأَرْضِ." (أيوب1: 9- 10). و فخ المنفعة هذا وقعت فيه امرأة أيوب "فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: "أَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بَعْدُ بِكَمَالِكَ؟ بَارِكِ اللهِ وَمُتْ!"." (أيوب2: 9). لكن أيوب بتقواه رد قائلاً "تَتَكَلَّمِينَ كَلاَمًا كَإِحْدَى الْجَاهِلاَتِ! أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَالشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ؟" (أيوب2: 9). وهي نفس تقوي المصلي الشاكر الله في السراء و المتوقع بصبر خلاصه.
مع خوفك :
"مَخَافَةُ الرَّبِّ يَنْبُوعُ حَيَاةٍ لِلْحَيَدَانِ عَنْ أَشْرَاكِ الْمَوْتِ" (أم14: 27). "اَلْقَلِيلُ مَعَ مَخَافَةِ الرَّبِّ، خَيْرٌ مِنْ كَنْزٍ عَظِيمٍ مَعَ هَمٍّ" (ام15: 16). "رَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ. فِطْنَةٌ جَيِّدَةٌ لِكُلِّ عَامِلِيهَا" (مز111: 10).
هذه النصوص هي ملخص للفهم الكتابي لمخافة الرب. فهي مبدأ أو بداية (رأس) الحكمة و طريق الحياة و الغني الكثير مخافة الرب هي في الأصل لمصلحة الإنسان. ليس الإنسان يخاف الله لأن الله يمسك بسوط يلهب أبدان مخالفيه بل لأن الإنسان الذي يختار مخافة الرب هو في الحقيقة يقول لله "قُد أنت طريقي" أو كما تقول عروس النشيد "اُجْذُبْنِي وَرَاءَكَ فَنَجْرِيَ" (نش1: 4). مخافة الرب هي درجة من درجات حبه فالمحب يخاف أن يُغضب حبيبه فيفقده. و طلب مخافة الرب يلتزم بنفس الخط الأساسي للصلاة من أولها ألا وهو الشكر علي الحياة و ترجي الرب أن يحفظ للإنسان حياته؛ لأن مخافة الرب هي الإنسان كله (أنظر جا12: 13) و هي ينبوع الحياة.
هنا ينتهي الطابع التكراري لصلاة الشكر و ربما عند هذه النقطة تنتهي الصلاة في صيغتها اليهودية الأصيلة ليبتدأ جزء جديد ذو طابع مسيحي و إن كان يتبع نفس الطابع التكراري البلاغي المعروف في الأدب اليهودي ألا وهو تكرار نفس الطلب أو الكلام لكن بعدة صيغ مختلفة كما سنري.
كل حسد و كل تجربة و كل فعل الشيطان، و مؤامرة الناس الأشرار.و قيام الأعداء الخفيين و الظاهرين أنزعها عنا و عن سائر شعبك و عن موضعك المقدس هذا، لأنك انت الذي أعطيتنا السلطان أن ندوس الحيات و العقارب و كل قوات العدو[18] ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير :
الحسد و التجربة هما دومًا فعل الشيطان هذا الحسد الذي بسببه دخل الموت إلي العالم (حكمة2: 24). وهذا الحسد الذي دفع ابليس ليشتكي علي بني البشر. و المُجرِب هذه هي الكلمة التي أصبحت كناية عن الشيطان في الأدب العبري و استخدمها إنجيل متي (مت4: 3) حينما ذكر حادثة التجربة علي الجبل. و عبارة (الأعداء الخفيين) هي العبارة الموازية لعبارة (كل حسد و كل تجربة و كل فعل الشيطان) فأعداء الإنسان الخفيين هم الشياطين[19] و الذي دائمًا ما يطلب الإنسان أن ينجو من حبائلهم التي آخرتها هلاك. و الجزء الثاني من الطلبة هو (نزع مؤامرة الناس الأشرار)وهي توازي طلبة (احباط قيام الأعداء الظاهرين) أي البشر الذين يبغون بالمؤمنين شرًا. ثم يعود ليكرر الطلب مرة ثالثة بصيغة أخري هي (لا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير)
وهذه الطلبة تشبه طلبات المؤمن اليهودي في صلاة ال(عميدا) "لا تعط أملاً [للنجاة] للواشين، و ليهلك كل المهرطقين و الاشرار في الحال. ليُستاصل أعداء شعبك سريعًا.و لتقتلع، و تكسر، و تحطم، و تخضع حكم الشر في أيامنا سريعًا. مبارك أنت يا رب يا مَن تسحق الأعداء و تحطم الاشرار........................ أما هؤلاء الذين دبروا الشر ضدي فاسرع لتبطل مشورتهم و لتحبط مخططهم، أجعلهم كالقش في وجه الريح، و ليدفعهم ملاك الرب بعيدًا؛ لينجو أحبائك. ساعدنا بيمينك، و استجب لي. "
و تشبه أيضًا الطلبة التي يتلوها المؤمن اليهودي قائلاً " لتكن مشيئتك يا إلهي. ثبتني في ناموسك و ألصقني بوصايك. لا تدخلني في خطية أو إثم أو تجربة أو مهانة.و نجني من الرجل الشرير و من رفيق السوء.و أملني لسبل الخير و حسن الرفقة " (التلمود البابلي: Talmud - Mas. Berachoth 60b).
و بالجملة هذه الطلبة تضرع إلي الله أن ينزع كل شر و كل تجربة و كل فعل خبيث سواء كان بشريًا أو شيطانيًا عن الإنسان وعن شعب الله وعن كنيسته. و الكنيسة هنا تطلب من الله أبو يسوع هذا [أي يسوع] الذي جُرب أولاً (مت4: 1- 11)، (لو4: 1- 13). وهو الذي" فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ" (عب2: 18). فالآب هو الذي يملك السلطان وهو الذي أعطاه للمؤمنين به (في أبنه يسوع) و لذلك نري يسوع يقول "هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَانًا لِتَدُوسُوا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ الْعَدُوِّ، وَلاَ يَضُرُّكُمْ شَيْءٌ. " (لو10: 19). فالله أبو ربنا يسوع صاحب السلطان هو القادر أن يستخدم سلطانه بفاعلية لصالح الإنسان. وهنا نري الإنسان الشاكر يتمثل طريق التقوي فرغم أنه يملك السلطان علي كل أعدائه خصوصًا الخفيين بتصريح إلهي إلا أنه يطلب الله ليكون هو الفاعل[20]. ، و في هذا أيضًا نجد أن خط طلب الحياة سواء الابدية أو الأرضية و شكر الله عليها هو الخط الغالب إلي الآن علي الطلب من أجل المؤمنين و الكنيسة.
بالنعمة و الرأفات و محبة البشر اللواتي لابنك الوحيد ربنا و إلهنا و مخلصنا يسوع المسيح:
هنا يعلن المصلي أنه يطلب باسم يسوع المسيح و يشكر باسم يسوع المسيح و يستعطف الآب بمراحم و أحشاء رأفات يسوع المسيح و كل هذا هو ختم قبول الشكر و الطلبة "وَمَهْمَا سَأَلْتُمْ بِاسْمِي فَذلِكَ أَفْعَلُهُ لِيَتَمَجَّدَ الآبُ بِالابْنِ." (يو14: 13). ثم يتبع ذلك هذا القول ذي المستوي العقيدي العالي و أعتقد أنها جملة متطورة نسبيًا عن باقي نص الصلاة كما يبدو من صيغتها و هذه الجملة هي
"هذا الذي يليق بك معه المجد و الأكرام و العزة و السجود مع الروح القدس .... الآن و كل اوان و إلي دهر الدهور آمين[21]"
و هنا تعلن الكنيسة سجودها للآب بابنه وهي بذلك تعلن مجد الله في وسطها الآن و علي مدي الدهور ماضٍ و حاضر و مستقبل "لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ." (في2: 10- 11).
و هذه الطلبة تعد استبدالاً لاستعطاف المؤمن اليهودي لله باسمه و توراته و يمينه و قداسته و رحمته[22]
الروح القدس المحي المساوي لكPi`pneuma `e;ouabnreftanqo ouoh `n`omooucioc nemak:
هذا الجزء يعتبر آخر مراحل تطور نص الصلاة فهو ينسب صفة (المحيي) للروح القدس وهي العبارة التي وجدت في قوانين ما بعد نيقية و أضافها آباء المجمع المسكوني الثاني القسطنطيني (381م) علي قانون الإيمان النيقاوي[23] كما أنها تحمل لفظة (هوموأوسيوس) أي (الواحد في ذات الجوهر) و هي العبارة التي بدأ الدفاع عنها في كتابات القديس أثناسيوس الرسولي عن الروح القدس ضد أنصاف الأريوسيين و ثبتها كل الآباء التالين له.
الخلاصة :
* تتميز صلاة الشكر بالسمات اليهودية المتمثلة في التكرارات المتعددة لنفس الجمل بصيغ مختلفة و أيضًا تتميز بالتكرار الوارد في صلوات الشكر اليهودية وهو أن يقوم مترأس الأجتماع بتلاوة جمل الشكر و يرد عليه الجمع بتكرارها جملة جملة أو بتلاوة جمل شكرية تحمل نفس المعاني. كما أنها تتشابه و كثير من الصلوات العهد قديمية و التلمودية الشكرية وكل هذا ربما يقطع بأنها فعلاً تسليم مرقسي خالص يعود تقليده للرب يسوع نفسه، وهي ـ علي أبعد الحدود ـ في صورتها الأولي تسليم يعود إلي عصر الرسل.
* تم تعميد الصلاة بإضافة عدة جمل ذات طابع مسيحي و إنجيلي عليها كما تطورت الأجزاء الأخيرة منها لتستوعب العقيدة كما حافظ عليها و سلمها لنا آباء المجامع و الآباء الأرثوذكس حول الابن الروح القدس أي أنها وصلت لشكلها النهائي في غضون القرن الرابع الميلادي.
* خط الشكر الأساسي في هذه الصلاة هو الشكر علي الحياة أرضية كانت أو أبدية و طلب استمرار هذا الحال بسلام و في مخافة الرب.
[1] لا تصلي صلاة الشكر في ايام الأثنين و الثلاثاء و الأربعاء و الجمعة من أسبوع البصخة.
[2]الراهب أثناسيوس المقاري (القس)، القداس الإلهي سر ملكوت الله الجزء الأول،الطبعة الثانية2011، ص342
[3]مرجع سابق، ص 343
[4]لمعرفة هذه الاختلافات أنظر مرجع سابق ص344، 345
[5]الراهب أثناسيوس المقاري(القس)،الأجبية أي صلوات السواعي،الطبعة الثانية2010،ص256.
استنتاج وجود صلاة الشكر قبل مجمع خلقيدونية بناء علي مخطوط يعود للقرن ال14م، ليس شيئًا مستغربًا فمن المعروف أن الكنيسة انجرفت إلي تيار إهمال التراث اليوناني و الأتجاه إلي أقبطة الحياة (جعلها قبطية) و اللغة و الطقس ابتداء من نهايات القرن الخامس الميلادي.و وجود صلاة بنص يوناني في أحد المخطوطات المتاخرة يعني ان الناسخ كان ينقل من مخطوط يوناني أقدم وهذا الأقدم أخذ من الاقدم منه و هكذا و صولا إلي الوقت الذي كانت اليونانية فيه هي لغة الطقس و الكتابة و الوعظ.
[6]أنظر مثلا في التلمود البابلي : Talmud - Mas. Berachoth 45b، Talmud - Mas. Berachoth 46a و أيضًا التلمود الأورشليمي (Berakhot 1:5, I:10 A)
[7]Talmud - Mas. Berachoth 54
[8]Talmud - Mas. Berachoth 54a
[9]Talmud - Mas. Berachoth 58b
[10]Talmud - Mas. Berachoth 58b
[8]Talmud - Mas. Berachoth 54a
[9]Talmud - Mas. Berachoth 58b
[10]Talmud - Mas. Berachoth 58b
ال(سوكا) هي المظلات أو الخيم التي يمكث فيها اليهود أثناء فترة عيد المظال تذكارًا لسكني بني إسرائيل في الخيام اثناء التيه بصحراء سيناء بعد خروجهم من مصر (لاويين23: 42- 43)
[11]Talmud - Mas. Pesachim 7b
[12] يبدا النص بسلسلة من العنعنات (رابي ... عن رابي .... عن رابي .... ) وصولاً إلي رابي شماي و هو صاحب أحد أكبر المدارس الرابية أيام السيد المسيح. لذلك فضلت بداية النص بكلمة [قال].
) [13]إرميا ١١:١٩) وَأَنَا كَخَرُوفِ دَاجِنٍ يُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُمْ فَكَّرُوا عَلَيَّ أَفْكَارًا، قَائِلِينَ: "لِنُهْلِكِ الشَّجَرَةَ بِثَمَرِهَا، وَنَقْطَعْهُ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ، فَلاَ يُذْكَرَ بَعْدُ اسْمُهُ".
[14](المزامير ٣٠:٣) يَا رَبُّ، أَصْعَدْتَ مِنَ الْهَاوِيَةِ نَفْسِي. أَحْيَيْتَنِي مِنْ بَيْنِ الْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ.،و أيضُا (المزامير ٨٦:١٣) لأَنَّ رَحْمَتَكَ عَظِيمَةٌ نَحْوِي، وَقَدْ نَجَّيْتَ نَفْسِي مِنَ الْهَاوِيَةِ السُّفْلَى.
[15] كلمة "اليوم المقدس" في النص اليوناني وردت "يومك المقدس" أي بمعني "يوم الرب" و يوم الرب في الليتورجيا هو يوم الأحد (keriaky) الذي كانت تقام القداسات في فجره وهذا يؤكد أيضًا علي قدم هذا النص اليوناني، لأن دخول قداسات وسط أيام الأسبوع عدا الأحد هو ممارسة متأخرة نوعًا ما.
[16]تتشابه هذه الطلبة مع كلمات المزمور "أَخْرِجْ مِنَ الْحَبْسِ نَفْسِي، لِتَحْمِيدِ اسْمِكَ." (مز142: 7).
[17]لن أعقب علي الكلمات و الجمل المكررة و سأكمل التعليق علي الجمل و الإضافات الجديدة.
[18] لوقا ١٠:١٩ هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَانًا لِتَدُوسُوا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ الْعَدُوِّ، وَلاَ يَضُرُّكُمْ شَيْءٌ.
[19] أفسس ٦:١٢ فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ..
[20] أنظر (زك 3: 1- 2) حيث رأي زكريا يهوشع الكاهن العظيم واقفًا أمام ملاك الرب [و هذا الملاك من طغمة الأرباب] و الشيطان قائمًا عن يمينه ليقاومه فقال له الرب [الملاك الذي من طغمة الارباب] ""لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ يَا شَيْطَانُ! لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ الَّذِي اخْتَارَ أُورُشَلِيمَ!" و انظر ايضًا (يهوذا1: 9) "وَأَمَّا مِيخَائِيلُ رَئِيسُ الْمَلاَئِكَةِ، فَلَمَّا خَاصَمَ إِبْلِيسَ مُحَاجًّا عَنْ جَسَدِ مُوسَى، لَمْ يَجْسُرْ أَنْ يُورِدَ حُكْمَ افْتِرَاءٍ، بَلْ قَالَ:"لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ!"." و هنا نري الملائكة ذوي السلطان لا يستعملون سلطانهم بل يخاطبون الشيطان قائلين لينتهرك الرب. وهذا نفس الشيء الذي نراه في الطلبة (أنزعها عنا ....... لأنك أعطيتنا السلطان).
[21] تحتل المجدلة (تمجيد الله) موضعًا بارزا في كثير من الصلوات اليهودية و قد وردت بعدة صيغ لكنها جميعًا تؤكد علي ان الله له "الملك، و القوة، و البركة، و العظمة، و المجد".
[22] أنظر ايضًا صلاة العميدا http://www.chabad.org/library/article_cdo/aid/867674/jewish/Translation.htm
[23]لمعرفة أكثر عن تفاصيل المجمع و تاريخ هذه الإضافة أنظر "مجموعة الشرع الكنسي،جمع و ترجمة و تنسيق الارشمندريت حنانيا إلياس كساب،ص245 – 283.