قال أحد المشككين في الكتاب المقدس نقلاً عن كتابنا: " الكتاب المقدس يتحدي نقاده والقائلين بتحريفه " قولي: " كما لم يقل أحد من اليهود بتحريف الكتاب المقدس، وكان قد أنضم إلى المسيحية المئات من كهنة اليهود في السنوات الأولى للبشارة بالإنجيل، يقول الكتاب " وكانت كلمة الله تنمو وعدد التلاميذ يتكاثر جدا في أورشليم وجمهور كثير من الكهنة يطيعون الإيمان " (أع6 :7). كما دارت مناقشات حامية بين اليهود والمسيحيين حول ما جاء عن المسيح من نبوات في العهد القديم آمن بسببها الآلاف منهم وصاروا مسيحيين (أع2:17-4). ومن أشهر المناقشات التي جرت في القرن الثاني الحوار الذي دار بين يوستينوس الشهيد وتريفو اليهودي، واعتمد كلاهما على آيات نفس الكتاب المقدس الواحد، العهد القديم، ولم يتهم أحدهما الآخر بتحريف الكتاب المقدس إنما اختلفا في التفسير والتطبيق. وبرغم ظهور آلاف الترجمات للكتاب المقدس فقد تُرجمت جميعها من النص الأصلي، العبري والآرامي الذي كتب به العهد القديم، واليوناني الذي كتب به العهد الجديد، ولدينا له مخطوطات ترجع لأيام الرب يسوع المسيح وأيام رسله الأطهار ".
وأيضاَ قولنا: " يوستينوس الشهيد من نابلس بفلسطين وقد كرس حياته للدفاع عن المسيحية وكان من أول المدافعين عنها وقد بقى لنا مما كتبه دفاعان عن المسيحية كان قد وجههما إلى الإمبراطور الروماني أنطونيوس بيوس (138 - 161م) والسانتوس الروماني (12)، وحوار مع شخص يدعى تريفو اليهودي. وقد شهد فيهما للأناجيل الأربعة وأشار إليها أكثر من سبع عشرة مره ". إذن القس أتطلع علي حوار يوستينوس الشهيد مع تريفو اليهودي ولا شك أنه علي دراية بالحوار الذي دار بينهما, فلماذا ينكر معرفته بالكتاب ولماذا استخدم الكتاب للاستدلال بعكس ما جاء فيه, ففي الحوار كان يوستينوس الشهيد صريحا في اتهامه لليهود بتحريف الكتاب المقدس بينما يقول القس عبد المسيح " ولم يتهم أحدهما الآخر بتحريف الكتاب المقدس إنما اختلفا في التفسير والتطبيق ".
ثم يقول المشكك: لقد كان يوستينوس الشهيد صريحا في اتهامه لليهود بالتحريف حتى انه أشار إلي نصوص معينة قال أن اليهود أسقطوها من الكتاب المقدس! يقول يوستينوس الشهيد في الفصل 71: " وانأ بعيد كل البعد من أن أضع ثقتي في معلميك (اليهود) الذين يرفضون الاعتراف بالنسخة السبعينية التي ترجمها السبعون الذين كانوا مع بطليموس (بأمر من بطليموس) ملك مصر. وأخذوا في تلفيق نسخة أخري. وأرغب منك أن تدرك أنهم حذفوا كليا نصوصا كثيرة من تلك النسخة التي ترجمها السبعون, إن هذا الرجل الذي صلب عبر عنه بتعبيرات تثبت انه إله وإنسان وانه يصلب ويموت ".
ثم يضيف: وفي الفصل 72 يذكر القديس يوستينوس الشهيد نصوصا معينة تم إسقاطها من الكتاب المقدس فيقول: " من نص عزرا الذي ذكر فيه شرائع عيد الفصح أزالوا عنه ما يلي: وقال عزرا للناس, هذا الفصح هو مخلصنا وملجأنا, أن فهمتم وذلك وآمنت قلوبكم, وتواضعنا له وكان رجاءنا فيه فلن يهجر هذا المكان إلي الأبد, هكذا يقول السيد رب الجنود ولكن إن لم تؤمنوا ولم تسمعوا له تكونون سخرية الأمم ".
ومعلوم أن اليهود حاربوا النسخة السبعينية رغم أنها ترجمة يهودية لكن يعد أن تبناها النصارى وشرعوا في تنقيحها عام بعد عام حتى تبرأ منها اليهود وقالوا أن النصارى ليس في حوزتهم النسخة الصحيحة[1], لذلك اليهود تبنوا نسخة أكيلا والمزوري, ورفض اليهود لنسخة ترجموها بأنفسهم لا يعني إلا حدوث تغيير في تلك النسخة كما أن رفض اليهود لتلك النسخة ينفي قول القس بسيط بعدم اتهام اليهود للنصارى بالتحريف, ومن الجانب الآخر رد القديس إيريناوس علي نسخة أكيلا الني تبناها اليهود متهما إياهم بتغيير النبوات [2].
ومن الذين اتهموا اليهود بالتحريف العلامة أوريجانوس الذي صرح بذلك في رسالته إلي يوليوس الأفريقي حيث قال: " فلننظر الآن, ألسنا في هذا الحالة ملزمين أن نصل إلي استنتاج وهو إن المخلص يعطينا قصة حقيقية عن اليهود بينما لا نجد أي نص من الكتاب المقدس يؤكد قول يسوع, فإن الذين يبنون قبور الأنبياء ويزينون مدافن الصديقين ويدينون جرائم آبائهم يقولون لو كنا في أيام آبائنا لما شاركناهم في دم الأنبياء 00 فهل من أحد يخبرني, دم أي نبي من الأنبياء وأين ذكر هذا عن عيسو أو ارميا أو أي من الأنبياء الأثنى عشر أو دانيال, وحتى زكريا بن برخيا الذي قتل بين الهيكل والمذبح لم نعرف عنه إلا من يسوع ولولا يسوع لما عرفنا القصة فالكتاب المقدس لم تذكر القصة أبدا 00 من أجل ذلك, أعتقد أنه لا يوجد افتراض آخر سوي أن الحكماء والقضاة وأيضا الشيوخ أخفوا عن الناس النصوص الني تسيء إليهم 00 لذلك يجب أن لا نري غرابة في كون قصة الشيخان الفاجران وشرهما ضد سوسنة قصة حقيقية لكنها أخفيت ومسحت من الكتاب المقدس علي يد شيوخ اليهود [3].
ويقول القديس جيروم في مقدمته للعبرانيين: " ولا أقصد بعملي أن أنتقص من مترجمي النسخة السبعينية ولكن الحقيقة هي إن ترجمتها كان بأمر من الملك بطليموس في إسكندرية, وبسبب عملهم لحساب الملك, لم يرد المترجمون أن يذكروا كل ما يحتويه الكتاب المقدس من الأسرار خاصة تلك التي تعد لمجيء المسيح, خشية أن يظن الناس أن اليهود يعبدون إله آخر لأن الناس كانت تحترم اليهود في توحيدها لله بل أننا نجد أن التلاميذ وأيضا ربنا ومخلصنا وكذلك الرسول بولس استشهدوا بنصوص من العهد القديم ونحن لا نجدها في العهد القديم " [4]
تلك أدلة موثقة تبرهن تبادل الاتهامات بالتحريف بين اليهود والنصارى نقدمها للقس عبد المسيح بسيط أبو الخير فهل لا يزال يعتقد بعدم تبادل الاتهامات وهل لا يزال يصر علي عدم معرفته بحوار يوستينوس الشهيد مع تريفو؟
وأقول لك أن هذا الموضوع الخاص بالقديس يوستينوس ليس الهدف من نشره إلا محاولة بلبلة المسيحيين وتشكيكهم في كتابهم المقدس، ونظرا لأني أكدت في كتابي (الكتاب المقدس يتحدى نقادة والقائلين بتحريفه) أنه لم يقل أحد مطلقاً من المسيحيين بتحريف الكتاب المقدس. ولكن المشككين في الكتاب المقدس والعقيدة المسيحية يستميتون في محاولة الإيحاء يذلك!! ولكي ندرس الموضوع بشكل علمي كتابي مسيحي علينا أن نعرف الآتي:
1 – أن اليهود هم أكثر من تمسك بكل حرف في كتاباتهم ولم يجرؤ أحد منهم على تغيير أو تبدل حرف واحد من أسفار العهد القديم على الإطلاق!! حيث يقول المؤرخ اليهودي يوسيفوس المعاصر لتلاميذ الرب يسوع المسيح في كتابه (ضد إبيون1 :8): " ويوجد برهان عملي على كيفية معاملتنا لهذه الكتب، فبرغم المدة الطويلة التي انقضت حتى الآن لم يجرؤ أحد أن يضيف إليها أو أن يحذف شيئاً منها أو يغير أي شيء منها. بل أنه طبيعي لكل اليهود من يوم الميلاد مباشرة يعتبرون هذه الكتب هي تعاليم الله ويثابرون فيها وإذا دعت الضرورة يموتون سعداْ لأجلها ".
وعمليا فقد اثبت علم النقد النصي ودراسة المخطوطات على صحة كلامه، فقد قام العلماء بعمل مقارنة بين لفه لسفر إشعياء ترجع لسنة 916م ولفة أخرى لسفر إشعياء (إشعياء A) من مخطوطات قمران وترجع لسنة 125 ق م، بفارق زمني قدره حوالي 1050 سنة، وكانت النتيجة مذهلة، فقد تبين لهم حقيقة حفظ الله لكلمته والدقة المتناهية والتي وصلت بها إلينا، وكانت النتيجة كالآتي؛ فقد وجدوا في 166 كلمة من ص53 تساؤل حول 17 حرفاً، عشرة منها في حروف الهجاء وأربعة في طريقة الكتابة، دون أي تأثير على المعنى، وثلاثة حروف في كلمة " نور " الموجودة في آية 11 والتي وجدت في الترجمة اليونانية السبعينية. ثم وجدت مخطوطة أخرى لسفر إشعياء (إشعياء B) تتفق بصورة أدق وأروع مع المخطوطة الماسورية (أي النص العبري).
ويقول عالم النقد النصي ودارس المخطوطات الشهير: ف ف. بروس: أن هناك مخطوطة أخرى غير كاملة لسفر إشعياء وُجدت مع المخطوطة الأولى، وأطلق عليها " إشعياء B" تمييزاً لها عن الأولى، وهي تتفق بصورة رائعة مع النص الماسوري العبري الذي بين أيدينا بنسبة تزيد على 95% منه. أما الخمسة بالمائة الباقية فهي اختلافات ناتجة عن زلات النسْخ أو اختلافات في أشكال الكلمات " ( Archer, Survey of the Old Testament Introduction 19. ).
ويقول ميللر باروز: " من الأمور العجيبة أنه على مدى ما يقرب من ألف عام لم يطرأ على النص تغيير يذكر. وكما أشرت في بحثي الأول عن هذه المخطوطةفإن أهميتها الرئيسية تكمن في إثباتها لصحة التقليد الماسوري " (Burrows, TDSS, 304.& Josh McDOWELL the NEDV).
2 – كان المسيحيين في حوارهم مع اليهود يستخدمون الترجمة اليونانية المعروفة بالسبعينية والتي ترجمها علماء اليهود قبل الميلاد وذلك في استشهادهم بآيات العهد القديم التي تتنبأ عن مجيء المسيح المنتظر وانطباقها على الرب يسوع المسيح، ونظرا لأن بعض اليهود لم يؤمنوا بأن يسوع الناصري هو المسيح المنتظر، ونظرا لانطباق نبوات العهد القديم عليه لذا رفض اليهود استخدام الترجمة اليونانية السبعينية واستخدموا ترجمات أخرى ليهود مرتدين عن المسيحية. وهي ترجمات سيماخوس وأكويلا وثيودوتون، التي حاولوا فيها ترجمة كلمة " ها العذراء تحبل " إلى " ها الفتاة تحمل " لأن الكلمة العبرية المستخدمة " عُلماه " تحتمل المعنيين ولكنها لم تستخدم في العهد القديم في جميع استخداماته إلا عن عذارى.
لذا يقول يوستينوس بالحرف الواحد: " أنا لا أعول كثيرا على معلميكم الذين يرفضون الترجمة التي قام بها السبعين شيخا الذين كانوا مع بطليموس ملك المصريين كترجمة صحيحة وحاولوا عمل ترجمة أخرى، وأتمنى أن تلاحظ أنهم حذفوا نصوص كثيرة من الترجمات التي تأثرت بهؤلاء السبعين شيخا الذين كانوا مع بطليموس والتي فيها أن الذي صلب تبرهن أنه إله وإنسان بوضوح وأنه يصلب ويموت. ولأني أعرف أن كل ذلك مرفوض من أمتكم فسوف أتجنب تلك النقاط وسوف أناقشك معتمدا علي النصوص التي مازلتم تعترفون بها00 ".
والغريب أن أحد المشككين المشهورين بالدهاء ولوي عنق الحقيقة نقل ترجمة الأب جور نصور اللبنانية كالآتي: يقول القديس يوستينوس الشهيد فى حوارهمع تريفون فصل71 تحت عنوان: " تشويه الكتبالمقدسة: "وإني لا أثِق بمعلّميكم الذين لا يعتبرون صحيحة الترجمة التي قام بها السبعون شيخاً لدى بطليموس ملك مصر؛ ويحاولون أن يقوموا بترجمة تخصهم، فهناك نصوص كثيرة شطبوها كاملا منالترجمةالتي عملها الشيوخ لبطليموس, إنها كانت تبين وتعلن واضحا أن يسوعهذا الذي صلب كان إلها وإنسانا, وانه علق على الصليب ومات، يجب أن تعلموا ذلك, إني اعلم أن الذين من ملتكم ينكرون كل هذهالنصوص، ولذلك فاني لا اهتم بان أجادل فيها بل سأجادل بالتي تعترفونبها."انتهى. وهنا يحاول أن يوحي للقارئ غير العارف بمثل هذه الأمور بأنه حدث تحريف للترجمة السبعينية وذلك بتلوين عبارة " فهناك نصوص كثيرة شطبوها كاملا منالترجمةالتي عملها الشيوخ لبطليموس "، ووضع خطوط تحتها ليوحي بذلك، ومن ثم يقول: " اليهود يرفضون الترجمة السبعينية ويحذفوا نصوص منها "!! محاولاً الإيحاء بأن النصوص التي حذفت من الترجمة السبعينية وهذا قمة التدليس والضلال!! في حين أن العبارة تتكلم عن حذف هذه العبارات التي ترجمها الشيوخ في ترجمات اليهود الجديدة والتي عملوها بديلا عن الترجمة السبعينية ولكنهم لم يمسوا الترجمة السبعينية على الإطلاق.
أي أنهم استخدموا ترجمات تعطي معنى للنصوص لا تعطي المسيحيين الفرصة للاستشهاد بالآية كنبوة عن المسيح، وبرغم ذلك لم تؤثر هذه الترجمات على كون هذه الآيات نبوات عن المسيح، الرب يسوع المسيح. فحتى لو ترجمت كلمة " عُلماه " في النبوة القائلة " ولكن يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء (عُلماه) تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل " إلى " فتاة " فهي تعني فتاة ناضجة للزواج ولم تستخدم مطلقا في العهد القديم إلا عن فتيات عذارى. كما أن بداية النبوة تقول: " ولكن يعطيكم السيد نفسه آية " والآية أو المعجزة لا تكون بميلاد طفل من فتاة متزوجة بل من فتاة ناضجة للزواج وغير متزوجة بل ولابد أن تكون عذراء، وإلا فما قيمة هي الآية؟؟!!
ولكن أحد المشككين يقول لنا أن يوستينوس لم يقل بتغيير المعنى بل بحذف بعض النصوص!! ونقول له هناك فرق بين ما قاله يوستينوس وبين الواقع فالترجمات الثلاث التي ترجميها اليهود بديلا عن الترجمة السبعينية كانت مع المسيحيين وقد وضعهم أوريجانوس في كتابه الهيكسابلا، أي السداسي، كما أن يوستينوس نفسه نقل تغييرهم لمعاني بعض الكلمات لتعطي معنى مخالف لما هو في السبعينية. فما عرفه يوستينوس بحذف عبارات هو في الواقع تغيير لمعاني بعض الكلمات والعبارات.
وبرغم أن القديس يوستينوس اعتبر أن ذلك نوع من تحريف المعنى في الترجمة إلا أنهم لم يغيروا أو يبدلوا في النص العبري الأصلي على الإطلاق ولم يثبت عليهم ذلك، بل العكس، ولو حرفوا في النص الأصلي لكانوا قد حذفوا ألاف الآيات التي تسيء إليهم وتصفهم بصفات سيئة جدا مثل قوله: " اسمعي أيتها السموات وأصغي أيتها الأرض لان الرب يتكلم. ربيت بنين ونشأتهم. أما هم فعصوا عليّ. الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه. أما إسرائيل فلا يعرف. شعبي لا يفهم. ويل للأمّة الخاطئة الشعب الثقيل الإثم نسل فاعلي الشر أولاد مفسدين. تركوا الرب استهانوا بقدوس إسرائيل ارتدوا إلى وراء " (اش1 :2-4). وغير ذلك الكثير.
3 – أما قوله أنهم حذفوا من سفر عزرا: " وقال عزرا للناس، هذا الفصح هو مخلصنا وملجأنا، أن فهمتم وذلك وآمنت قلوبكم، وتواضعنا له وكان رجاءنا فيه فلن يهجر هذا المكان إلىالأبد، هكذا يقول السيد رب الجنود ولكن أن لم تؤمنوا ولم تسمعوا له تكونون سخريةالأمم ". فواضح أن النص لا يتفق لا مع سياق ولا أسلوب عزرا في سفره ولكن يتفق مع أسلوب الترجومات التي هي ترجمات تفسيرية للعهد القديم ويبدو أن يوستينوس خلط بين الاثنين، أي بين الأسلوب الخاص بالترجوم الذي هو ترجمة تفسيرية وبين نص الترجمة السبعينية.
4 – أما قوله: " ومن أرميا أزالوا النص التالي " أنا (كنت) كشاة سيقت إلى الذبح ولم أعلم أنهم تآمروا علي قائلين لنفسد عليه خبزه ونقطع ذكره من أرض الأحياء، ولكن نص ارميا مازال يوجد في بعض النسخ اليهودية لأن إزالتها تمت حديثا. ومن هذا النص يتضحأن اليهود تشاوروا عن المسيح ليصلبوه ويقتلوه. وهو أيضا الذي تنبأ عنه اشعياء في انه سوف يساق كالخروف إلى الذبح مصورا إياه في شكل حمل وديع. وكونهم في موقف صعب منها أجدفوا. ومن أرميا أيضا أزالوا النص القائل: الرب الإله تذكر شعبه الميت من اليهود الراقدين في القبور فصعد يبشرهم بالخلاص ".
(أ) النص الأول: موجود في جميع المخطوطات العبرية بل واليونانية وهو وبين أيدينا: " وأنا كخروف داجن يساق إلى الذبح ولم اعلم أنهم فكروا عليّ أفكارا قائلين لنهلك الشجرة بثمرها ونقطعه من ارض الأحياء فلا يذكر بعد اسمه " (ار11 :19). ونص اشعياء النبي لم يمس ومحفوظ من معظم المسيحيين: " ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه " (اش53 :7).
أما قوله: " ومن أرميا أيضا أزالوا النص القائل: الرب الإله تذكر شعبه الميت من اليهود الراقدين في القبور فصعد يبشرهم بالخلاص ".
فهذا النص لم يوجد في مكان خارج أقوال يوستينوس لا في مخطوطة قبل الميلاد ولا بعد الميلاد ولا في الترجمة السبعينية، أو في أي ترجمة أخرى. وهذا لا يعني إلا شيء واحد وهو أن هذا القول هو فهم خاطئ لأحد أو بعض المسيحيين في تلك الفترة المعاصرة ليوستينوس نفسه أو هو قول لأحد الترجومات والتي هي ترجمات تفسيرية للعهد القديم والذي ليس هو في متناول أيدينا الآن، أقصد أن كان هناك نص ترجومي.
5 – أما قوله: " من مزمور 95 (96) قطعوا هذه العبارة الصغيرة " من الخشب " من قول داود قولوا أنتم بين الأمم الرب قد ملك بالخشب (يقصد الصليب) وأبقوا " قولوا انتم بين الأمم ". ونص الآية في مزمور 95 :10 " قولوا بين الأمم الرب قد ملك. أيضا تثبتت المسكونة فلا تتزعزع. يدين الشعوب بالاستقامة ". وعبارة " من الخشب " لا توجد في أي مخطوطة للعهد القديم لا قبل الميلاد ولا بعده ولا في الترجمة اليونانية السبعينية. ويبدو أنها فهم خاطئ لتعبير ترجومي وأن هذا التعبير كان شائعا بين العامة من المسيحيين، فتصور يوستينوس أنه كان نصا أصليا في العهد القديم.
وأخيرا نقول لهؤلاء المشككين في الكتاب المقدس هناك فارق بين أن تناقش كتاب لا تؤمن به ولكن بحيادية علمية فتقول ما له وما عليه وبين أن تحول الحق إلى باطل والباطل إلى حق، فقط بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة وطالما غايتك هي التشكيك في الكتاب المقدس تكون وسيلتك هي التضليل والتدليس والتشكيك. كما نقول أيضاً أن المسالة ليست بقول لأحد الآباء بل علينا نحن أيضاً أن نرجع للأصول. فلكي نفهم ما يقصده هؤلاء الآباء جيدا يجب أن نراجع نحن بأنفسنا الأصول وهي متاحة لنا بعد الاكتشافات الكثيرة لنصوص العهد القديم من التي ترجع لما قبل الميلاد بمئات السنين وما بعد الميلاد سواء بفترات قليلة أو بعيدة.