العالم في مراحله الثلاث

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,326
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus


العالم في مراحله الثلاث

بقلم الدكتور أنيس م. بهنام


يتكلم الكتاب المقدس عن ثلاث مراحل للعالم. ومن المعروف أن كلمة ”العالم“ ترد في الكتاب المقدس بمعانٍ مختلفة يُمكن فهم كلٌّ منها بسهولة من القرينة. فأحيانا تعني ”الكَوْن“، أي الخليقة، كما جاء في (عبرانيين 3:11): ”بالإيمان نفهم أن العالمين أتقنت بكلمة الله، حتى لم يتكوَّن ما يرى مما هو ظاهر“. وفي قوله عن المسيح: ”الذي به أيضاً عمل العالمين“ (عبرانيين 2:1). وأحياناً تعني الجنس البشري، كما جاء في الآية الشهيرة: ”لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية“ (يوحنا 16:3). وأحياناً تعني أسلوب ونظام هذا العالم ومبادئه، أي الجنس البشري في موقفه إزاء الله وإزاء الوجود على هذه الأرض. هذا هو ”العالم“ الذي يقول عنه الرسول يوحنا: ”لا تحبّوا العالم ولا الأشياء التي في العالم... لأن كل ما في العالم شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظُّم المعيشة“ (1يوحنا 15:2-16).
وهذا الموضوع يتعلق بتاريخ الإنسان على هذه الأرض، كما يراه الله وليس كما يراه المؤرخون البشر. بخصوص هذا العالم، أي تاريخ الإنسان على الأرض، يتكلم كتاب الله المقدس عن ثلاث مراحل:
أولاً: عالم ما قبل الطوفان
يقول عنه الرسول بطرس: ”اللواتي بهنّ العالم الكائن حينئذ فاض عليه الماء فهلك“ (2بطرس 6:3).
ثانياً: العالم الكائن الآن
أي منذ الطوفان وإلى أن يأتي المسيح ليملك على هذه الأرض. وهو العالم الذي يصفه الوحي المقدس بأنه ”العالم الحاضر الشرير“ (غلاطية 4:1).
ثالثاً: العالم الآتي
يقول عنه الكتاب: ”فإنه لملائكة لم يُخضع العالم العتيد [في المستقبل] الذي نتكلم عنه“ (عبرانيين 5:2). ويخبرنا أنه سيُخْضَع ليسوع الذي ”نراه مكللاً بالمجد والكرامة“ (عدد 9). وهذا العالم العتيد يبدأ بمجيء المسيح الثاني ليملك كملك الملوك ورب الأرباب، وينتهي بالقضاء النهائي على الشر وطرح إبليس في جهنم النار ودينونة العرش العظيم الأبيض، ثم الحالة الأبدية.
والآن سنتكلم عن العالم الماضي، عالم ما قبل الطوفان، أي العالم الذي ”فاض عليه الماء فهلك“. ابتدأ تاريخ ذلك العالم بآدم وحواء اللذين بهما ”دخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطيئة الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع“ (رومية 12:5). ووُلد لآدم وحواء ابن اسمه قايين وآخر اسمه هابيل ”وكلم قايين هابيل أخاه. وحدث إذ كانا في الحقل أن قايين قام على هابيل أخيه وقتله“ (تكوين 8:4). من ذلك نرى أن العالم الذي هلك بالطوفان اتصف بالعصيان والإجرام من أوله. وازداد الشر جداً، ”ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصوّر أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم. فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض، وتأسَّف في قلبه“ (تكوين 5:6-6). إن الله ليس إلهاً لا يبالي. فهو خلق الإنسان على صورته وكشبهه. ولكن الخطيئة شوّهت هذه الصورة. وبعد أن كان الرب قد سلَّط الإنسان على الأرض والبحر، أصبح الإنسان غير صالح لهذا الأمر وغير نافع. ”فقال الرب: أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته: الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء. لأني حزنت أني عملتهم“ (تكوين 7:6).
ومع ذلك فإن الله لم يهلكه في الحال، بل أعطى الإنسان مدة 120 سنة كان فيها نوح، الذي وجد نعمة في عيني الرب، يكرز للناس وينذرهم. ولكن للأسف لم ينجُ إلاّ ثمانية أشخاص.
لمدة 120 سنة كان نوح ”كارزاً للبر“، ولكن ماذا كانوا يعملون؟
”كانوا في الأيام التي قبل الطوفان يأكلون ويشربون ويتزوَّجون ويزوِّجون إلى اليوم الذي دخل فيه نوح الفلك، ولم يعلموا حتى جاء الطوفان وأخذ الجميع“
(متى 38:24-39).
بعض صفات العالم الماضي، عالم ما قبل الطوفان، العالم الذي فاض عليه الماء فهلك:
أولاً: اتصف ذلك الدهر بطول الأعمار كما هو واضح في تكوين 5. إذ كانوا يعيشون مئات السنين، فعاش بعضهم 800 أو 900 سنة أو أكثر. وقد يندهش البعض من هذا. ولكنه كان أمراً لازماً لسببين على الأقل:
السبب الأول هو لتتميم الهدف الإلهي أن يثمروا ويكثروا ويملأوا الأرض، كما جاء في (تكوين 28:1)، وعلَّق البعض على هذا بالقول: إن هذه هي الوصية الوحيدة التي أطاعها الإنسان، فلم يكونوا فقط طوال الأعمار، ولكنهم ”ولدوا بنين وبنات“ خلال مئات السنين التي عاشها كلٌّ منهم كما يخبرنا في تكوين 5.
والسبب الآخر الذي من أجله أعطاهم الله الأعمار الطويلة هو لكي تنتقل الشهادة شفوياً من جيل لآخر، أي لكي يشهد الجيل الأول مراراً كثيرة - خلال السنين الطويلة التي عاشوها - بما رأوه وسمعوه للجيل الذي يليه. فمثلاً، كان متوشالح معاصراً لآدم حوالي 200 سنة، كما كان معاصراً لسام ابن نوح لحوالي 100 سنة. ومات متوشالح قبل الطوفان مباشرة، أما سام فعاش بعد الطوفان 500 سنة (تكوين 11:11) وكان معاصراً لإبراهيم خليل الله طوال حياة إبراهيم (راجع تكوين 10:11-26). ولهذا كله أهمية واضحة، إذ لم يكن عندهم وحيٌ مُدوَّن، أي لم يكن أي جزء من الكتاب المقدس قد كُتب بعد، فكانت الشهادة الشفوية بواسطة شهود عيان لازمة جداً. لذلك نجد في الآثار قصة الطوفان عند شعوب وثنية، ولعل أشهرها ما جاء في الآثار البابلية، إذ فيها شَبَهٌ كبير للحقيقة مع بعض التشويش.
ثانياً: لم يكن ذلك العصر بدون حضارة كما يظن البعض. فبعد أن طُرد قايين من وجه الرب وصار ”تائهاً وهارباً في الأرض“ (تكوين 14:4)، أنجب ابناً اسمه حنوك وبنى مدينة ”ودعا اسم المدينة كاسم ابنه حنوك“ وبناء مدينة هو لا شك لازم للحضارة. وجاء من سلالته من قاموا بالنجارة والصناعة والموسيقى كما جاء في (تكوين 20:4-22).
ثالثاً: جاء تعدد الزوجات بواسطة لامك الذي من نسل قايين، وازداد الشر إلى أن بلغ أقصى حدوده في أيام نوح حتى قرر الله أن يرسل الطوفان ليهلك الأشرار كما رأينا، ولكن ذلك العالم اتصف بعدم المبالاة كما ذكرنا.

تعليق

كان الأجدر بالجنس البشري أن يجد في الطوفان عبرة، ولكن للأسف الشديد دخلت الخطيئة مرة أخرى بعد الطوفان مباشرة. وتجاهل الناس حادثة الطوفان أو تناسوها أو أنكروا حقيقتها. فكانت النتيجة ما نراه في عالمنا الحاضر الشرير. وهذا سيكون موضوعنا في المرة القادمة بإذن الرب.

الكتاب المقدس يتكلم عن ثلاثة مراحل للعالم:

1- عالم ما قبل الطوفان ”الذي فاض عليه الماء فهلك“.
2- العالم الحاضر الشرير، أي منذ الطوفان وإلى أن يأتي المسيح ليملك على هذه الأرض.
3- العالم الآتي حين يأتي المسيح ليملك على هذه الأرض.
موضوعنا في هذه المرة هو العالم الحاضر الشرير.
ولنا بخصوصه هذه الملاحظات:
أولاً: ابتدأ العالم الماضي بآدم وحواء واستمر حوالي 1650، أما العالم الحاضر فابتدأ بثمانية أشخاص هم نوح وزوجته وأولاده الثلاثة وزوجة كل منهم. ومن هؤلاء تفرقت شعوب الأرض بعد أن بلبل الله ألسنتهم (تكوين 10 و 11). وكما أخطأ آدم كذلك أخطأ نوح وتصرف تصرفاً لا يليق إذ ”شرب من الخمر فسكر وتعرّى داخل خبائه“ (تكوين 21:9)، وكذلك تصرف ابنه حام تصرفاً مشيناً فجلب اللعنة على ابنه كنعان.
ثانياً: كان الأجدر بالجنس البشري ألاَّ ينسى الطوفان، ولكن للأسف الشديد تناسى الإنسان الطوفان، بل تناسى الله خالقه فدخلت عبادة الأوثان، التي لا ذكر لها قبل الطوفان، وحتى نسل سام الذي قال الرب عنه ”مبارك الرب إله سام“ (تكوين 26:9) انغمسوا في عبادة آلهة أخرى، كما هو واضح من كلام يشوع بن نون للشعب. ”آباؤكم سكنوا في عبر النهر منذ الدهر، وعبدوا آلهة أخرى“ (يشوع 2:24). ولكن الرب برحمته لم يهلكهم. بل ظهر لإبراهيم الذي كان اسمه قبلاً أبرام. ”وقال الرب لأبرام اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك، فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك، وتكون بركة“ (تكوين 1:12-2). وأعطاه الرب مواعيد تتعلق بالمسيح الذي يأتي من نسله وفيه تتبارك جميع أمم الأرض (تكوين 18:22). وقال له أيضاً: ”اعلم يقيناً أن نسلك سيكون غريباً في أرض ليست لهم (أي مصر)، ويُستعبدون لهم فيذلونهم أربع مئة سنة. ثم الأمة التي يُستعبدون لها أنا أدينها. وبعد ذلك يخرجون بأملاك جزيلة“ (تكوين 13:15-14) وتم هذا في خروج بني إسرائيل من مصر بقيادة موسى النبي.
ثالثاً: أعطى الله الناموس (أي الشريعة) لموسى النبي. فابتدأ عهد آخر هو عهد الناموس، ووعد الله من يطيعون الشريعة ببركات أرضية، كما وعد الأمة أيضاً بعنايته الخاصة إذا أطاعوا الشريعة، كما أنذرهم بالمصائب التي ستحل عليهم إذا تجاهلوا وصاياه. واستمر ذلك العهد حوالي 1500 سنة إلى أن جاء المسيح. وقد أثبت الناموس للإنسان أنه ”بأعمال الناموس كل ذي جسد لا يتبرر أمامه (أي أمام الله)“ (رومية 20:3).
رابعاً: ”ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه“ (غلاطية 4:4). يا لها من عبارة نقف أمامها خاشعين. أرسل الله ابنه القدوس إلى عالم غارق في الخطيئة. ”حقاً عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد“. جاء المسيح ”مملوءاً نعمةً وحقاً“. فالناموس بموسى أُعطي. أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا. جاء يطلب ويخلص ما قد هلك. جال يصنع خيراً ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس. قال عنه ناصيف اليازجي:

”ونراه يُحيي الميتين بأمره فهو الإله ومن تشكك يندم“

إن مجيء المسيح وموته وقيامته هم أهم ما حدث في تاريخ العالم كله. بهذا ظهرت نعمة الله المخلصة لجميع الناس“.
خامساً: بعد صعود المسيح إلى السماء بعشرة أيام، أي في اليوم الخمسين منذ قيامته أرسل الروح القدس ليسكن في المؤمنين. وبمجيء الروح القدس تأسست الكنيسة التي كانت قبلاً ”السر المكتوم منذ الدهور“ (أفسس 9:3). الكنيسة تتكوَّن من جميع المؤمنين بالمسيح منذ يوم الخمسين (أي منذ مجيء الروح القدس) إلى أن يأخذ المسيح المؤمنين إلى السماء ”وهكذا نكون كل حين مع الرب“. وهي تشمل أناساً ”من كل أمة وقبيلة ولسان وشعب“. أمَّا كيف وصلت البشارة إلى كل هذه الشعوب فهو عمل إلهي معجزي. لأن الكنيسة لم تتأسّس بالسيف أو الرمح، لا بالتهديد أو الإغراء، بل استخدم الله أناساً بسطاء، ملأ قلوبهم بالمحبة نحو الناس الهالكين، وبالاستعداد للتضحية بكل شيء حتى بالحياة ذاتها. مما أدهش الجميع حتى قال أمير الشعراء، ولم يكن مسيحياً:

وإذا نظرت إلى كيف انتهت يده أو كيف جاوز سلطانه القطبا


أدركت أن وراء الضعف مقدرة وأن للحق لا للقوة الغلبا

هذه الكنيسة لها قيمة خاصة عند الله لأنها اقتناها بدم المسيح، وهي جسد المسيح وعروسه. بركاتها سماوية ورجاؤها في السماء ”التي منها ننتظر مخلصاً هو الرب يسوع المسيح“. باركها الله ”بكل بركة روحية في السماويات في المسيح يسوع.“ لم يعدها بالغنى أو الشهرة أو النجاح الزمني أو الصحي. ولكنه وعدها أنه ”سيحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك، بل تكون مقدسة وبلا عيب.“
سادساً: بالإضافة إلى الكنيسة الحقيقية توجد في العالم الحاضر الكنيسة الأسمية، وهي تشمل كل من يسمي نفسه مسيحياً دون أن يكون قد وُلد ولادة ثانية بالإيمان بالمسيح وقبوله في القلب. هؤلاء هم تحت مسئولية أمام الله. ومصير هذه الكنيسة الاسمية خطير جداً، إذ يقول المسيح في (رؤيا 16:3) عنها: ”أنا مزمع أن أتقيّأك من فمي“ ونحن لا نحتاج أن نتكلم عنها كثيراً لأن عارها وخزيها معروف لجميع الناس، وغير المسيحيين لا يترددون في أن يشيروا إلى انحرافها وخلاعتها وتجديفها. وقبل نهاية هذا العالم الحاضر الشرير سيبغضها أصدقاؤها السابقون ”وسيجعلونها خربة وعريانة ويأكلون لحمها ويحرقونها بالنار“ (رؤيا 16:17). وهذا بعد أن تكون عروس المسيح، الكنيسة الحقيقية، معه في السماء.
سابعاً: كما انتهى العالم الماضي بالطوفان،سينتهي هذا العالم الحاضر (ولا نقصد الكون بل هذا الدهر). بما يُسمَّى الضيقة العظيمة، بعد أن يكون المسيح قد أخذ المؤمنين إلى السماء. هذه الضيقة العظيمة يصفها المسيح بهذه الكلمات: ”لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون“ (متى 21:24). ويعطينا سفر الرؤيا تفاصيل كثيرة ورموزاً عديدة عن فظاعة ذلك الوقت. وتدل العلامات الكثيرة على اقتراب ذلك الوقت ونهاية هذا العالم الحاضر الشرير. بعد ذلك يأتي المسيح ليتمم تطهير هذه الأرض، ثم يملك عليها كملك الملوك ورب الأرباب، وبذلك يبدأ العالم (أي الدهر) الآتي، الذي سيكون موضوعنا بإذن الرب في المرة القادمة.
العالم الآتـــي
تكلمنا في المرات الماضية عن عالم ما قبل الطوفان، العالم الذي "فاض عليه الماء فهلك". وتكلمنا عن العالم الحاضر الشرير الذي سينتهي بضيقة عظيمة لم يكن مثلها ولن يكون. والآن سنتكلم عن العالم الآتي، أي "الدهر الآتي" (عبرانيين 5:6) ويُسمّى أيضاً "العالم العتيد [أي المستقبل]" (عبرانيين 5:2). يبدأ العالم الآتي بمجيء المسيح إلى هذه الأرض كملك الملوك ورب الأرباب طبقاً للوعد الإلهي "اسألني فأعطيك الأمم ميراثاً وأقاصي الأرض ملكاً لك" (مزمور 8:2).
أول من تنبّأ عن ذلك هو يعقوب أبو الأسباط قبل موته مباشرة، إذ قال: "حتى يأتي شيلون ويكون له خضوع شعوب" (تكوين 10:49). وتكاثرت النبوءات بعد ذلك، فقال إشعياء: "هوذا بالعدل يملك ملك، ورؤساء بالحق يترأّسون" (إشعياء 1:32). كما رنّم الأتقياء عن ذلك في المزامير: "الرب قد ملك فلتبتهج الأرض، ولتفرح الجزائر الكثيرة" (مزمور 1:97). "الرب قد ملك. ترتعد الشعوب" (مزمور 1:99). ورآه يوحنا في الرؤيا "ثم رأيت السماء مفتوحة، وإذا فرس أبيض والجالس عليه يُدعى أميناً وصادقاً، وبالعدل يحكم ويحارب... ويُدعى اسمه كلمة الله... وله على ثوبه وعلى فخذه اسم مكتوب ملك الملوك ورب الأرباب" (رؤيا 11:19-16).

بداءة العالم الآتي


يخبرنا الكتاب المقدس عن الحوادث التي تصحب مجيء المسيح ليملك. قبل أن يثبِّت المسيح ملكه فينشر البر والسلام، لا بدّ أن يهلك الأعداء. إذ يُقبض على الوحش والنبي الكذاب، ويطرح الاثنان حيّين في بحيرة النار المتقدة بالكبريت (رؤيا 20:19)، ويحاكم الرب الشعوب ويُقتل الأعداء، فلا يبقى على هذه الأرض إلا الذين يخضعون لملك الملوك ورب الأرباب، ويُقبض على الشيطان ويقيّد ألف سنة ويُطرح في الهاوية ويُغلق عليه لكي لا يضلّ الأمم (رؤيا 1:20-3).
وليس هدفي هنا أن أدخل في مناقشة عما هو رمزي وما هو حرفي. أما أن المسيح سيملك على هذه الأرض فهو حقيقة واقعية أكيدة مبنية على وعد الله الصادق لابنه الذي أخلى نفسه آخذاً صورة عبد، وأطاع حتى الموت موت الصليب. ولكن الله رفّعه وقال له: "اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك" (مزمور 1:110). يسوع المسيح هو الحجر الذي حطّم "التمثال العظيم البهي" الذي رآه نبوخذنصر والذي يمثل حكومات هذا العالم الحاضر الشرير. ورآه دانيال مثل ابن إنسان أُعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبّد له كل الشعوب والأمم والألسنة، سلطانه سلطان أبدي (دانيال 45:2 و13:7-14).

وستـراه الأرض فـي كرسيه الرفيع


إذ يأخذ الملك الذي له على الجميع


لنرفع رؤوسنا إذاً، لأن مجيئه قد اقترب.


فالليـل كــاد ينتهي والكوكب المنيـر لاح


والملك سوف يبتدي وتشرق شمس الصباح


بعض صفات العالم الآتي

سيختلف العالم الآتي، تحت حكم المسيح، عن عالمنا الحاضر الشرير من نواح كثيرة:

السلام


سيكون ملكه ملك السلام، فلن تكون هناك حروب، إذ تكون كل ممالك الأرض تحت سلطة المسيح "فيقضي بين الأمم وينصف لشعوب كثيرين، فيطبعون سيوفهم سككاً (آلات زراعية) ورماحهم مناجل. لا ترفع أمة على أمة سيفاً ولا يتعلّمون الحرب في ما بعد" (إشعياء 4:2).

الفرح الحقيقي


الناس الآن يفرحون بأشياء تافهة وأحياناً بأشياء مضرة، ولكن حين يملك المسيح سيكون هو مصدر الفرح، كما قال إشعياء: "فرحاً أفرح بالرب. تبتهج نفسي بإلهي" (إشعياء 10:61)، بل كل الخليقة ستفرح لأن "الرب قد ملك" (مزمور 1:97).

القداسة


كذلك يتصف الدهر الآتي بالقداسة لأن ملكوت الله "هو بر وسلام وفرح في الروح القدس" (رومية 17:14). فلن تكون هناك أماكن للهو والخلاعة.

العدالة


المسيح هو الملك الذي "بالعدل يملك" والذي قال عنه إرميا أنه يملك "وينجح، ويجري حقاً وعدلاً في الأرض" (إرميا 5:23). وقال إشعياء أنه "يقضي بالعدل للمساكين، ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض" (إشعياء 4:11). ما أعظم الفرق بين هذا وبين ما قاله سليمان عن العالم الحاضر الشرير: "وأيضاً رأيت تحت الشمس: موضع الحق هناك الظلم، وموضع العدل هناك الجور" (جامعة 16:3).

معرفة الرب

في العالم الحاضر انتشرت الهرطقات والتعاليم الفاسدة، ولكن في الدهر الآتي سوف تمتلئ الأرض من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر (حبقوق 14:2).

الصحة والرفاهية والعمر الطويل


في هذا العالم الحاضر توصف حياة الإنسان بأنها "بخار، يظهر قليلاً ثم يضمحلّ" (يعقوب 14:4). وقال أيوب: "الإنسان مولود المرأة قليل الأيام وشبعان تعباً" (أيوب 1:14). وهذا كله من نتائج الخطية. ولكن في الدهر الآتي ستُرفع اللعنة وتحل البركة.

تغييرات في الطبيعة


تغييرات في الأرض، والنباتات، والحيوانات،والخليقةعموماً."لأن الخليقة نفسها أيضاً ستُعتق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله. فإننا نعلم أن كل الخليقة تئن وتتمخّض معاً إلىالآن"(رومية21:8-22). "لأن انتظار الخليقة يتوقّع استعلان أبناء الله" (عدد 19). هذه بعض صفات الدهر الآتي ولا يسع المجال أن نتكلم عنها بالتفصيل.

نهاية العالم الآتي


كما انتهى العالم الماضي بالطوفان، وكما سينتهي العالم الحاضر بالضيقة العظيمة ومجيء المسيح، سينتهي الدهر الآتيأيضاًحين يُحلّ الشيطان من سجنه ويُخرج ليضلّ الأمم الذين في أربع زوايا الأرض (رؤيا 8:20). فبالرغم من كل البركات التي يتّصف بها ملك المسيح في العالم العتيد إلا أنه هناك حقيقة أكيدة: "ينبغي أنتولدوا من فوق" (يوحنا 7:3). ففي أثناء ملك المسيح سيولد كثيرون، وبعضهم لن يولدوا من فوق. هؤلاء سيضللهمإبليسويجمعهمللحرب،"الذين عددهم مثل رمل البحر.فتنزل نار من السماء من عند الله وتأكلهم. وإبليس الذي كان يضللهم يُطرح في بحيرة النار والكبريت،حيث الوحش والنبي الكذاب، وسيعذّبون نهاراً وليلاً إلى أبد الآبدين (انظر رؤيا 7:20-10). وبعد ذلك تأتي دينونة العرش العظيم الأبيض، وينتهي دور هذه الأرض وتكون هناك سماء جديدة وأرض جديدة (رؤيا 1:21). وهكذا تبدأ الأبدية السعيدة التي فيها "لا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد، لأن الأمور الأولى قد مضت" (رؤيا 4:21). "وقال الجالس على العرش ها أنا أصنع كل شيء جديداً" (عدد 5).
فبما أن هذه كلها (أي الأرض وما عليها) تنحلّ، أيَّ أناس يجب أن تكونوا أنتم في سيرة مقدسة وتقوى؟ منتظرين وطالبي نسرعة مجيء يوم الرب، الذي به تنحلّ السماوات ملتهبة، والعناصر محترقةً تذوب. ولكننا بحسب وعدهننتظرسماوات جديدة وأرضاً جديدة يسكن فيها البر" (2بطرس 11:3-13).
ونحن إذ ألقينا نظرة على العالم في مراحله الثلاث، نقول معالرسول بولس: "يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه! ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء! لأن من عرف فكر الرب أو من صار له مشيراً؟ أو من سبق فأعطاه فيكافأ؟ لأن منه وبه وله كل الأشياء له المجد إلى أبد الآبدين. آمين"
(رومية 33:11-36).
 

kalimooo

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 يونيو 2008
المشاركات
143,884
مستوى التفاعل
1,787
النقاط
113
الإقامة
LEBANON
جميل اخي

شكراااااا على الموضوع المميز

ربنا يبارك حياتك
 
أعلى