المسيحي والمحاكمات المسيحية
الأحكام الكنسية قد تمتد إلي رجال الدين
بقلم المتنيح: الأنبا غريغوريوس
ولما كانت المخالفات ضد الشريعة لاتقتصر علي عامة المؤمنين,وإنما قد تمتد إلي رجال الدين أنفسهم,لذلك فقد اشتملت القوانين الكنسية علي أحكام تتعلق بمخالفات رجال الدين من شمامسة وقسوس وأساقفة,وبطاركة والعقوبات التي يمكن أن توقع علي أي منهم إذا وقع في مخالفة منها عن غفلة أو عن عمد. هذه العقوبات التي نعي عليها القانون الكنسي هي بذاتها دليل علي عدالة القانون الكنسي والإلهي,وأنه ليس أمام القانون الإلهي محاباة وأن الجميع أمامه سواء.بل إن العقوبات التي توقع علي رجال الدين أكثر صرامة وشدة من تلك التي توقع علي عامة المؤمنين ,علي أساس أن رجال الدين أكثر علما ومعرفة وأنهم بحكم مناصبهم الدينية أعظم مسئولية وأكبر أثرا وفعالية.
وينص القانون الكنسي تفصيليا علي تلك المخالفات التي يحتمل أن يسقط فيها رجل الدين متدرجة من صغيرها إلي كبيرها,كما ينص علي العقوبة الملائمة التي تتناسب مع المخالفة بحسب حجمها,وشدتها وقوتها ومدي تجاوزها عن الخط الصحيح والقويم في الإيمان والسلوك.
وتاريخ الكنسية حافل بالأمثلة علي تطبيق العقوبات المختلفة علي سائر المؤمنين,وعلي رجال الدين,إذا وقع أي منهم في مخالفة دينية أو روحية أو كنسية من تلك المخالفات,وذلك تأديبا لمرتكبها وعبرة لغيره ممن تحدثه نفسه بمثلها.
علي أن باب التوبة مفتوح,وتعاليم الكنيسة تنص علي أن من يرجع نادما عن خطئه,تقبل توبته بشرط أن تكون توبة صادقة وصدق التوبة من عدمه له علاماته ودلالاته التعبيرية.ومن بين تلك العلامات والدلالات,ومن أوضحها,خضوع المخالف للقانون وقبوله بالرضي تنفيذ العقوبة التي وقعتها عليه حكومة الكنيسة ممثلة في المحكمة الكنسية المختصة التي أصدرت الحكم عليه.
جاء في الكتاب المقدس أن سبعة من الرجال شهد لهم المؤمنون في الكنيسة الأولي بأورشليم أنهم مملوءون من الروح القدس والحكمة فأقامهم الآباء الرسل في درجة الشماسية بوضع الأيدي عليهم والصلاة وكان من بينهم نيقولاوسأعمال الرسل 1,6-6غير أن نيقولاس الشماس وأحد السبعة انحرف فيما بعد إيمانيا وعقائديا وسلوكيا عن المسار اللائق بسيرته وتنكب عن الطريق السوي وأمسي زعيما لجماعة ضالة وهرطقة إيمانية سلوكية فكان لابد من طرده من الكنيسة وتجريده من درجته الكهنوتية,وفرزه من جماعة المؤمنين,وتحذير سائر المؤمنين من مخالطته,ومخالطة أتباعه ممن يقولون بقوله وينتهجون سيرته.وقد أعلن ربنا يسوع المسيح في سفر الرؤيا للقديس يوحنا اللاهوتي أنه يبغض أعمال النيقولاويينالرؤيا2:6كما أنه يبغض تعاليمهمالرؤيا2:15,وطالب أسقف أفسس,وأسقف برغامس,أن يواصلا مقاومة أعمال النيقولاويين وتعاليمهم,وإلا فإن الأسقف الذي يتواني عن ذلك يحسب عند الرب مقصرا في أخص واجهاته الراعوية.
هذا مثل واحد واضح يذكره الكتاب المقدس,عن شماس بدأ حياته بدءا حسنا ولكنه سقط فيما بعد في هرطقه ضارة انساق معه إليها عدد من المسيحيين الأوائل,فكان لا مفر من عزلهم عن سائر المؤمنين حتي لايفسدوا الباقين ولم يرد في تاريخ الكنيسة فيما بعد ما يشير إلي توبة نيقولاوس وأتباعه فكانت عقوبتهم لذلك أبدية.
ولقد ذكر الكتاب المقدس في عهده القديم ما يشير إلي سقطه تردي فيها من كانوا من رجال الكهنوت المادي,غير أنهم كانوا في الدرجة الأدني من درجة كاهن وهم اللاويون قورح وداثان وأبيرام,وكانوا يحسبون فيما يشبه درجة الشماس في العهد الجديد,وقد تعدي هؤلاء حدود اختصاصاتهم وزعموا لأنفسهم حق مباشرة أعمال الكهنة بني هرون فسخط الرب عليهم ونزلت نار من السماء وأحرقتهم, كما فتحت الأرض فاها وابتلعت عائلاتهم ومن انضموا إليهم في خطيئتهم وكان هذا العقاب الصارم عبرة لغيرهم ممن تحدثهم نفوسهم بالتعدي علي اختصاصات الكهنوتانظر سفر العدد 16. وصار يشار فيما بعد,في كتب الكنيسة المسيحية إلي هذه الخطيئة واتخذ آباء الكنيسة من هذه الخطيئة ومن عقوبتها الصارمة وعيدا وإنذارا لكل من يتعدي علي اختصاص الكهنوت في العهد الجديد.
ومن بين الأمثلة الواضحة علي مخالفات رجال الكهنوت,يهوذا الإسخريوطي الذي كان من بين الاثني عشر تلميذا من تلاميذ الرب يسوع المسيح وممن أخذوا من السلطان ما أخذه الرسل الآخرون لكنه خان معلمه وسيده وباعه بثلاثين قطعة من الفضة وأسلمه إلي رؤساء كهنة اليهود وإلي الرومان فحكموا عليه بالصلب...وقد اختار يهوذا لنفسه هذا المصير الحزين ,حتي قال عنه رب المجد يسوع المسيح كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولدمتي26:24,مرقس14:21ومع أن يهوذا قد ندم علي خطيئته ومضي إلي رؤساء كهنة اليهود والشيوخ وقال لهم:إني قد خطئت إذ سلمت دما بريئامتي27:4لكنه لم يتب توبة صادقة وفقد الرجاء والإيمان ثم مضي وشنق نفسهمتي27:5وكان لابد أن يسقط من درجته الرسولية الأسقفية ويتولي أسقفيته آخرأعمال الرسل 1:20,مزمور109108:8.
وهذا مثل آخر يقدمه الكتاب المقدس لرسول أو لأسقف تعدي واجبات درجته الأسقفية ونال عن تعديه ,عقابا ولما لم يتب توبة مقبولة فقد أمست عقوبته أبدية قال القديس بطرس الرسول: هذه الخدمة والرسولية التي انتهكها يهوذا ليذهب إلي الموضع الخلق بهأعمال الرسل1:25.
ويمضي تاريخ الكنيسة فيذكر لنا,إلي جانب الأمثلة الرائعة عن شمامسة وكهنة وأساقفة خدموا الرب ومقتضيات مسئولياتهم الدينية بأمانة تامة وتفان وغيرة وتقوي - أمثلة قليلة عن رجال دين خرجوا إلي الإيمان الأرثوذكسي,فصاروا هراطقة ومبتدعين,أو انحرفوا عن جادة الصواب في الإيمان أو في السيرة فتعرضوا لمحاكمات كنسية وصدرت ضدهم أحكام أسقطتهم من درجاتهم الروحية والكنسية أو فرزتهم الكنيسة من بين المؤمنين,وقطعتهم من شركتها فإذا تابوا وقبلت توبتهم,صدر الحكم بعودتهم إلي أحضان الكنيسة وإذا لم يتوبوا أمست عقوبتهم أبدية.
ومن بين القسيسين الذين انحرفوا عن الإيمان ,وضلوا وأضلوا أريوس القسيس الليبي وتلميذ لوكيانوس الأنطاكي,الذي أنكر أزلية ابن الله,فحكم بإدانته مجمع كنيسة الإسكندرية,وأسقطه من كهنوته,ولما لم يتب ثبت مجمع نيقية المنعقد سنة325م هذا الحكم فأمست عقوبة أبدية.
ومن بين الأساقفة الذين سقطوا في العصور القديمة سابيليوس الليبي,وبولس الساموساطي,وثيئودوروس أسقف المصيصة,وديودورس أسقف صور.
ومن بين البطاركة الذين أخطأوا فصدرت ضدهم أحكام مجمعية,إقليمية أو مسكونية مقدونيوس بطريرك القسطنطينية,فلابيانوس بطريرك القسطنطينية ,ونسطور بطريرك القسطنطينية.
الاستئناف
المفروض في الأحكام الكنسية أن تكون صادرة بروح الأبوة,وأن تكون هادفة للخير العام والخير الخاص وأن تكون للعلاج,وأن تكون عادلة.
إن الكنيسة هي سفارة السماء علي الأرض فهي منظمة إلهية ,ورؤساؤها رعاة وآباء وأطباء,وهم يصدرون في أحكامهم عن محبة للحق,ودعوة للخير والبر.وإذا كان قضاة الأرض يحكمون بين الناس بالعدل وباسم الله فبالأحري رجال الكنيسة الذين أعطي لهم سلطان العقد والحل,وجعلوا نوابا عن الله ووكلاء لسرائر الله.
والمنتظر دائما من رجال الكنيسة أن يكونوا إلي جانب الحق دائما ينصفون المظلوم ويجرون الحق ولايهابون أحدا..وفي القضاء لايحترمون هيبة أحد ولو كان رئيسا أو غنيا أو شيخا,قال الكتاب المقدس:لاتنظروا إلي الوجوه في القضاء واسمعوا للصغير سماعكم للكبير لاتهابوا وجه إنسان,لأن القضاء للهالتثنية1:17ولذلك كان لزاما عليهم بحكم مسئوليتهم أمام الله وبحكم مناصبهم الروحية أن يرعوا الحق دائما وأن يخافوا الله في أحكامهم وأن لايتسرعوا ,أو يندفعوا بل يجب أن يتحروا الحقيقة ويتريثوا في أحكامهم ,ويطلبوا الفحص والدرس,فإذا حكموا حكموا بعدل كما يحكم الله لأنهم وكلاؤه والناطقون باسمه.والمفروض في المؤمن أن يكون مطيعا لحكم الكنيسة مثلا في رجال الكنيسة فإن رفض أن يسمع للكنيسة ,فليكن بالنسبة إليك كوثني وعشارمتي18:17,وأن يتقبل حكمهم بالخضوع والاحترام,وأن يسمع لهم وينفذ بالطاعة ما يحكمون به عليه أو له.
هذا هو المفروض في رجال الكنيسة والمنتظر من المؤمنين ورجال الدين علي السواء.ولكن قد يصدر من بيت العدل ظلم وقد يضل القاضي وتعمي بصيرته فيمسي ظالما وقد يحكم بهوي النفس مندفعا بإنفعالات أرضية وذاتية فما القول إذا انقلبت الأوضاع ووقع ظلم ممن ينتظر منه العدل؟
هنا حكمة المجالس الإكليريكية فإن حكم المجموع أكثر أمانا من حكم الفرد عادة وفساد أحكام المجالس أقل إحتمالا من فساد حكم الرجل الواحد وبخاصة إذا كانت هذه المجالس قائمة بصفة ثابتة ولا تشكل استثنائية للحكم في قضية بعينها ولها كيان محفوف بالأمان والثبات ولا تخضع للتهديد والحل من قبل الرئاسة ولا تقبل إملاء القرارات ولكل عضو فيها شخصيته الحرة وتقواه وعلمه بالشريعة وحلمه وعدله.
ومع ذلك فإذا رأي المؤمن أو الإكليريكي أن الحكم الذي صدر ضده لم يكن عدلا أو حقا ووافقه علي ذلك آخرون ممن لهم ثقلهم في المجتمع فيمكنه أن يلتمس من المجلس الإكليريكي أن يعيد النظر في قضيته ويمكنه أن يستعين بشخص آخر من الإكليروس أو من بين المؤمنين,كمحام يشرح للمجلس الإكليريكي ما قد يعجز هو عنه بيانه..فإذا أيد المجلس الإكليريكي الحكم للمرة الثانية أو إذا رفض إعادة النظر وكان المؤمن أو الإكليريكي مصرا علي أنه مظلوم,جاز له أن يرفع شكواه إلي البابا البطريرك لإحالة قضيته إما إلي المجلس الإكليريكي العام بقاعدة الكرازة المرقسية وإما إلي المجمعالإكليريكي العامالمقدس في دورته القادمة العادية أو الاستثنائية وقرارات المجلس الإكليريكي العام,أو المجمعالإكليريكي العام المقدس,نهائية بحيث لايجوز أن تستأنف لجهة كنسية أخري,لأن المجمعالإكليريكي العام المقدس هو أعلي سلطة قضائية في الكنيسة.فإن رفض أن يسمع للكنيسة,فليكن بالنسبة إليك كوثني وعشار متي18:17.
الأحكام الكنسية قد تمتد إلي رجال الدين
بقلم المتنيح: الأنبا غريغوريوس
ولما كانت المخالفات ضد الشريعة لاتقتصر علي عامة المؤمنين,وإنما قد تمتد إلي رجال الدين أنفسهم,لذلك فقد اشتملت القوانين الكنسية علي أحكام تتعلق بمخالفات رجال الدين من شمامسة وقسوس وأساقفة,وبطاركة والعقوبات التي يمكن أن توقع علي أي منهم إذا وقع في مخالفة منها عن غفلة أو عن عمد. هذه العقوبات التي نعي عليها القانون الكنسي هي بذاتها دليل علي عدالة القانون الكنسي والإلهي,وأنه ليس أمام القانون الإلهي محاباة وأن الجميع أمامه سواء.بل إن العقوبات التي توقع علي رجال الدين أكثر صرامة وشدة من تلك التي توقع علي عامة المؤمنين ,علي أساس أن رجال الدين أكثر علما ومعرفة وأنهم بحكم مناصبهم الدينية أعظم مسئولية وأكبر أثرا وفعالية.
وينص القانون الكنسي تفصيليا علي تلك المخالفات التي يحتمل أن يسقط فيها رجل الدين متدرجة من صغيرها إلي كبيرها,كما ينص علي العقوبة الملائمة التي تتناسب مع المخالفة بحسب حجمها,وشدتها وقوتها ومدي تجاوزها عن الخط الصحيح والقويم في الإيمان والسلوك.
وتاريخ الكنسية حافل بالأمثلة علي تطبيق العقوبات المختلفة علي سائر المؤمنين,وعلي رجال الدين,إذا وقع أي منهم في مخالفة دينية أو روحية أو كنسية من تلك المخالفات,وذلك تأديبا لمرتكبها وعبرة لغيره ممن تحدثه نفسه بمثلها.
علي أن باب التوبة مفتوح,وتعاليم الكنيسة تنص علي أن من يرجع نادما عن خطئه,تقبل توبته بشرط أن تكون توبة صادقة وصدق التوبة من عدمه له علاماته ودلالاته التعبيرية.ومن بين تلك العلامات والدلالات,ومن أوضحها,خضوع المخالف للقانون وقبوله بالرضي تنفيذ العقوبة التي وقعتها عليه حكومة الكنيسة ممثلة في المحكمة الكنسية المختصة التي أصدرت الحكم عليه.
جاء في الكتاب المقدس أن سبعة من الرجال شهد لهم المؤمنون في الكنيسة الأولي بأورشليم أنهم مملوءون من الروح القدس والحكمة فأقامهم الآباء الرسل في درجة الشماسية بوضع الأيدي عليهم والصلاة وكان من بينهم نيقولاوسأعمال الرسل 1,6-6غير أن نيقولاس الشماس وأحد السبعة انحرف فيما بعد إيمانيا وعقائديا وسلوكيا عن المسار اللائق بسيرته وتنكب عن الطريق السوي وأمسي زعيما لجماعة ضالة وهرطقة إيمانية سلوكية فكان لابد من طرده من الكنيسة وتجريده من درجته الكهنوتية,وفرزه من جماعة المؤمنين,وتحذير سائر المؤمنين من مخالطته,ومخالطة أتباعه ممن يقولون بقوله وينتهجون سيرته.وقد أعلن ربنا يسوع المسيح في سفر الرؤيا للقديس يوحنا اللاهوتي أنه يبغض أعمال النيقولاويينالرؤيا2:6كما أنه يبغض تعاليمهمالرؤيا2:15,وطالب أسقف أفسس,وأسقف برغامس,أن يواصلا مقاومة أعمال النيقولاويين وتعاليمهم,وإلا فإن الأسقف الذي يتواني عن ذلك يحسب عند الرب مقصرا في أخص واجهاته الراعوية.
هذا مثل واحد واضح يذكره الكتاب المقدس,عن شماس بدأ حياته بدءا حسنا ولكنه سقط فيما بعد في هرطقه ضارة انساق معه إليها عدد من المسيحيين الأوائل,فكان لا مفر من عزلهم عن سائر المؤمنين حتي لايفسدوا الباقين ولم يرد في تاريخ الكنيسة فيما بعد ما يشير إلي توبة نيقولاوس وأتباعه فكانت عقوبتهم لذلك أبدية.
ولقد ذكر الكتاب المقدس في عهده القديم ما يشير إلي سقطه تردي فيها من كانوا من رجال الكهنوت المادي,غير أنهم كانوا في الدرجة الأدني من درجة كاهن وهم اللاويون قورح وداثان وأبيرام,وكانوا يحسبون فيما يشبه درجة الشماس في العهد الجديد,وقد تعدي هؤلاء حدود اختصاصاتهم وزعموا لأنفسهم حق مباشرة أعمال الكهنة بني هرون فسخط الرب عليهم ونزلت نار من السماء وأحرقتهم, كما فتحت الأرض فاها وابتلعت عائلاتهم ومن انضموا إليهم في خطيئتهم وكان هذا العقاب الصارم عبرة لغيرهم ممن تحدثهم نفوسهم بالتعدي علي اختصاصات الكهنوتانظر سفر العدد 16. وصار يشار فيما بعد,في كتب الكنيسة المسيحية إلي هذه الخطيئة واتخذ آباء الكنيسة من هذه الخطيئة ومن عقوبتها الصارمة وعيدا وإنذارا لكل من يتعدي علي اختصاص الكهنوت في العهد الجديد.
ومن بين الأمثلة الواضحة علي مخالفات رجال الكهنوت,يهوذا الإسخريوطي الذي كان من بين الاثني عشر تلميذا من تلاميذ الرب يسوع المسيح وممن أخذوا من السلطان ما أخذه الرسل الآخرون لكنه خان معلمه وسيده وباعه بثلاثين قطعة من الفضة وأسلمه إلي رؤساء كهنة اليهود وإلي الرومان فحكموا عليه بالصلب...وقد اختار يهوذا لنفسه هذا المصير الحزين ,حتي قال عنه رب المجد يسوع المسيح كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولدمتي26:24,مرقس14:21ومع أن يهوذا قد ندم علي خطيئته ومضي إلي رؤساء كهنة اليهود والشيوخ وقال لهم:إني قد خطئت إذ سلمت دما بريئامتي27:4لكنه لم يتب توبة صادقة وفقد الرجاء والإيمان ثم مضي وشنق نفسهمتي27:5وكان لابد أن يسقط من درجته الرسولية الأسقفية ويتولي أسقفيته آخرأعمال الرسل 1:20,مزمور109108:8.
وهذا مثل آخر يقدمه الكتاب المقدس لرسول أو لأسقف تعدي واجبات درجته الأسقفية ونال عن تعديه ,عقابا ولما لم يتب توبة مقبولة فقد أمست عقوبته أبدية قال القديس بطرس الرسول: هذه الخدمة والرسولية التي انتهكها يهوذا ليذهب إلي الموضع الخلق بهأعمال الرسل1:25.
ويمضي تاريخ الكنيسة فيذكر لنا,إلي جانب الأمثلة الرائعة عن شمامسة وكهنة وأساقفة خدموا الرب ومقتضيات مسئولياتهم الدينية بأمانة تامة وتفان وغيرة وتقوي - أمثلة قليلة عن رجال دين خرجوا إلي الإيمان الأرثوذكسي,فصاروا هراطقة ومبتدعين,أو انحرفوا عن جادة الصواب في الإيمان أو في السيرة فتعرضوا لمحاكمات كنسية وصدرت ضدهم أحكام أسقطتهم من درجاتهم الروحية والكنسية أو فرزتهم الكنيسة من بين المؤمنين,وقطعتهم من شركتها فإذا تابوا وقبلت توبتهم,صدر الحكم بعودتهم إلي أحضان الكنيسة وإذا لم يتوبوا أمست عقوبتهم أبدية.
ومن بين القسيسين الذين انحرفوا عن الإيمان ,وضلوا وأضلوا أريوس القسيس الليبي وتلميذ لوكيانوس الأنطاكي,الذي أنكر أزلية ابن الله,فحكم بإدانته مجمع كنيسة الإسكندرية,وأسقطه من كهنوته,ولما لم يتب ثبت مجمع نيقية المنعقد سنة325م هذا الحكم فأمست عقوبة أبدية.
ومن بين الأساقفة الذين سقطوا في العصور القديمة سابيليوس الليبي,وبولس الساموساطي,وثيئودوروس أسقف المصيصة,وديودورس أسقف صور.
ومن بين البطاركة الذين أخطأوا فصدرت ضدهم أحكام مجمعية,إقليمية أو مسكونية مقدونيوس بطريرك القسطنطينية,فلابيانوس بطريرك القسطنطينية ,ونسطور بطريرك القسطنطينية.
الاستئناف
المفروض في الأحكام الكنسية أن تكون صادرة بروح الأبوة,وأن تكون هادفة للخير العام والخير الخاص وأن تكون للعلاج,وأن تكون عادلة.
إن الكنيسة هي سفارة السماء علي الأرض فهي منظمة إلهية ,ورؤساؤها رعاة وآباء وأطباء,وهم يصدرون في أحكامهم عن محبة للحق,ودعوة للخير والبر.وإذا كان قضاة الأرض يحكمون بين الناس بالعدل وباسم الله فبالأحري رجال الكنيسة الذين أعطي لهم سلطان العقد والحل,وجعلوا نوابا عن الله ووكلاء لسرائر الله.
والمنتظر دائما من رجال الكنيسة أن يكونوا إلي جانب الحق دائما ينصفون المظلوم ويجرون الحق ولايهابون أحدا..وفي القضاء لايحترمون هيبة أحد ولو كان رئيسا أو غنيا أو شيخا,قال الكتاب المقدس:لاتنظروا إلي الوجوه في القضاء واسمعوا للصغير سماعكم للكبير لاتهابوا وجه إنسان,لأن القضاء للهالتثنية1:17ولذلك كان لزاما عليهم بحكم مسئوليتهم أمام الله وبحكم مناصبهم الروحية أن يرعوا الحق دائما وأن يخافوا الله في أحكامهم وأن لايتسرعوا ,أو يندفعوا بل يجب أن يتحروا الحقيقة ويتريثوا في أحكامهم ,ويطلبوا الفحص والدرس,فإذا حكموا حكموا بعدل كما يحكم الله لأنهم وكلاؤه والناطقون باسمه.والمفروض في المؤمن أن يكون مطيعا لحكم الكنيسة مثلا في رجال الكنيسة فإن رفض أن يسمع للكنيسة ,فليكن بالنسبة إليك كوثني وعشارمتي18:17,وأن يتقبل حكمهم بالخضوع والاحترام,وأن يسمع لهم وينفذ بالطاعة ما يحكمون به عليه أو له.
هذا هو المفروض في رجال الكنيسة والمنتظر من المؤمنين ورجال الدين علي السواء.ولكن قد يصدر من بيت العدل ظلم وقد يضل القاضي وتعمي بصيرته فيمسي ظالما وقد يحكم بهوي النفس مندفعا بإنفعالات أرضية وذاتية فما القول إذا انقلبت الأوضاع ووقع ظلم ممن ينتظر منه العدل؟
هنا حكمة المجالس الإكليريكية فإن حكم المجموع أكثر أمانا من حكم الفرد عادة وفساد أحكام المجالس أقل إحتمالا من فساد حكم الرجل الواحد وبخاصة إذا كانت هذه المجالس قائمة بصفة ثابتة ولا تشكل استثنائية للحكم في قضية بعينها ولها كيان محفوف بالأمان والثبات ولا تخضع للتهديد والحل من قبل الرئاسة ولا تقبل إملاء القرارات ولكل عضو فيها شخصيته الحرة وتقواه وعلمه بالشريعة وحلمه وعدله.
ومع ذلك فإذا رأي المؤمن أو الإكليريكي أن الحكم الذي صدر ضده لم يكن عدلا أو حقا ووافقه علي ذلك آخرون ممن لهم ثقلهم في المجتمع فيمكنه أن يلتمس من المجلس الإكليريكي أن يعيد النظر في قضيته ويمكنه أن يستعين بشخص آخر من الإكليروس أو من بين المؤمنين,كمحام يشرح للمجلس الإكليريكي ما قد يعجز هو عنه بيانه..فإذا أيد المجلس الإكليريكي الحكم للمرة الثانية أو إذا رفض إعادة النظر وكان المؤمن أو الإكليريكي مصرا علي أنه مظلوم,جاز له أن يرفع شكواه إلي البابا البطريرك لإحالة قضيته إما إلي المجلس الإكليريكي العام بقاعدة الكرازة المرقسية وإما إلي المجمعالإكليريكي العامالمقدس في دورته القادمة العادية أو الاستثنائية وقرارات المجلس الإكليريكي العام,أو المجمعالإكليريكي العام المقدس,نهائية بحيث لايجوز أن تستأنف لجهة كنسية أخري,لأن المجمعالإكليريكي العام المقدس هو أعلي سلطة قضائية في الكنيسة.فإن رفض أن يسمع للكنيسة,فليكن بالنسبة إليك كوثني وعشار متي18:17.
