مجموعه مقالات في صحه الايمان للقس سامح موريس عن تحريف الكتاب وضعتها للفائدة
صحة الكتاب (1)
كتابكم محرَّف ....
سؤال يطرحه الأصدقاء، في صدق أو في شك ، يهاجم دون دليل، أو يسأل لأنه يفتقر إلى البرهان، حائر بين الشك واليقين بين التصديق وعدمه، يحاول أن يُعمِل العقل فلا يجد برهاناً يشفي الغليل. يحاول أن يسأل أهل الذكر فيجد الغالبية تخاف أو تجهل البرهان أو لا تستطيع أن تعبر عن إيمانها بما يزيح الشك وينير الطريق.
حتى هو نفسه أخافوه وأرعبوه من الاقتراب إلى الكتاب، ويقولون له: يكفي ما عندك. لستَ بحاجة إلى غير ما تملك. والغريب إذا حاول الاقتراب من عنده يجد الآيات البينات التي تقول إن الكتاب هُدى ونور، وإنه تنزيل العلي، الواجب الرجوع إلى أهله إذا شك في كلمات ربه (يونس 10: 94) وتذكير أهله بالحكم بما فيه وليس بإلغائه والحكم بحسب ما جاء بعده من رسالة وكتاب (مائدة 5: 47).
إن دعوة التحريف تُظهر على السطح أسئلة كثيرة، بل كل علامات الاستفهام التي نعرفها في لغتنا الجميلة: أين، كيف، من، لماذا، متى؟
دعونا نطرح هذه الأسئلة ونجاوب عليها تباعاً:
أين؟
تقول إن كتابنا مُحرَّف، فأين الكتاب الصحيح الذي من خلاله استطعت أن تُجزم أنه ليس الصحيح؟
• جاوبني أولُهم قائلاً: إن النبي عيسى عليه السلام، ولأنه يعرف الغيب، عرف أنكم أناس لا تستحقون نعمة وجود الكتاب المقدس الصحيح بين أيديكم لأنكم ستغيِّرون ما به من أحكام وأقوال، فأخذه معه حينما رفعه الله إليه، وأعاده إلى مكانه الطبيعي في السماء العليا عند العرش.
• ثم قال لي ثانيهم : في العصور الوسطى، عصور الظلام الفكري وسيادة الكنيسة وتسلطها منعت الشعب من الإطلاع على الكتاب المقدس، وقصرت معرفته على الآباء الكهنة فقط لدرجة أنهم جاءوا بالنسخة الأصلية بعد ربطها بسلاسل من حديد وطرحوها في أعماق المحيط حتى لا تكون في متناول أحد. وبذلك اختفت وضاعت. وما بين أيديكم اليوم هو تأليف وتزوير ومحض افتراء.
• قال ثالثهم : قالوا لنا إن النسخة الأصلية موجودة فقط مع رؤساء الطوائف الثلاث الأرثوذكسية، الكاثوليكية، الإنجيلية، أما عامة الشعب فليس لديها إلا المُحرف.
ثم تابعت سؤالي: هل قرأت الكتاب بنفسك حتى تكتشف زيفه وتحريفه ؟ وكان الرد من الجميع بالنفي .
إذاً أين التحريف؟ هل حُرِّف الكتاب كلُّه وكُتب آخر جديد؟ أم هل تحرف جزء منه؟ أم هل تحرفت عدة آيات؟ إذاً أين هي؟ هل يمكنك أن تشير إليها حتى يمكننا البحث وإجلاء الحقيقية؟ والرد: لا نعرف.
وهنا تأتي المشكلة الكبرى: أنت تؤمن أن التوراة والإنجيل تنزيل العلي حسب كتابك الكريم، فالله سبحانه هو مصدره، مؤلفه ومرسله. فأين كان سبحانه حينما تم التحريف؟ هل يمكن أن تتجرأ وتقول إنه لم يعرف بالتحريف؟ سبحانه علام الغيوب الذي هو على كل شيء قدير.
أم أنه لم يبالِ به، وبعد أن نزَّله لم يعُد يعنيه منه شيء، وليكن ما يكون!!!
إن دعوى التحريف تنسب لله تعالى صفات غير صفاته:
- تنسب إليه عدم الحب: فالرسالة التي أرسلها لنا ليعلن فيها من هو وما يطلبه منا، ترسم لنا الطريق للعودة إلى الفردوس المفقود بخطأ أبوينا آدم وحواء، ما هو هدف حياتنا، أين سنكون في آخرتنا، إنها إعلان حب من إله محب يهتم بخليقته التي أوجدها، كما يهتم الآب بأولاده والراعي برعيته!! فبعد كل هذا يترك رسالته لتتغير وتتبدل، وتكون النتيجة هلاك خليقته وتركهم للمخادعين دون من يحمي أو يعتني؟! إننا بذلك ننسب لله أنه إله غير محب، لا يهتم ولا يعتني ولا يبالي. سبحانه عز وجل لأنه علا عن ذلك علواً كبيراً.
- إنه إله غير قادر: أن يحفظ رسالته وكلمته من التغيير والتبديل والتحريف. إن الحكومة التي تصدر قانوناً، تصدره بدافع الاهتمام بالرعية فالقانون لصالحها، وتقوم بتنفيذه لتعلن هيبتها وقدرتها، والحكومة التي لا تهتم بتنفيذ القانون هي حكومة ضعيفة لا تهتم برعيتها، والرعية لا تهابها ولا تقدِّرها، فتعم الفوضى ويسود قانون الغابة في أراضيها. فالذي يقول إن الله عز وجل لم يحفظ رسالته وقانونه الأدبي والأخلاقي، وترك الناس يغيرون ويبدلون فيما أعلنه، ينسب له عدم القدرة على حفظ قانونه. وحاشا لله أن يكون كذلك، فهو كلي القدرة، القوي الذي يستطيع كل شيء ولا يعسر عليه أمر الذي بيده أمرنا وهو على كل شيء قدير.
إنه إله غير قدوس : إن دعوى التحريف تنسب لله عدم القداسة، فكيف لنا نحن الخطائين الذين ارتكبنا كل إثم وفجور، كيف ندخل إلى قدس أقداس العلي، في كتابه العزيز المقدس، ونغير ونُحرف؟!! هل يمكن أن تهزم الظلمة والنجاسة النور والقداسة، أو تختلط بهم؟
.. حاشا لله.
من ؟!!!
من يحرف الكتاب؟ اليهود أم المسيحيون أم هما معاً؟!!!
¨ إن قيل إن اليهود حرفوه، نقول: هذا من رابع المستحيلات لعدة أسباب منها:
1- اليهود يحبون كتابهم ويقدسونه، وقد رأينا طقوس كتابة المخطوطات ونسخها والشروط الصعبة الدقيقة في هذه العملية مع تخصيص فئة متخصصة في الكتابة (هم الكتبة) للقيام بعملية تجديد المخطوطات القديمة كلما استدعى الأمر ذلك.
2- وجود بعض الأخطاء الظاهرية في الأسفار حتى اليوم مثل:
أ. 2 صم 10: 18 أن داود قتل من آرام 700 مركبة بينما يذكر في 1أخ 19: 18 أنه قتل 7000 مركبة
( قد يبدو للوهلة الأولى ان هناك تضارباً في الأقوال، لكن بالرجوع إلى ذلك العصر ندرك أن المركبة الحربية كانت تسع عشرة جنود، وهكذا يكون المقصود في الأولى عدد المركبات؛ أما في الثانية فهو عدد الراكبين. كما أن كلمة مركبة الواردة في 1أخ بمعنى راكب أو جندي للتفرقة بين المحاربين في مركبات والمحاربين الفرسان أو المشاة)
ب. 1مل 7: 26 يقول إن الحوض يسع ألفي بث؛ بينما في 2أخ 4: 5 يقول إنه يأخذ ويسع 3000 بث ( الأولى تعبر عن الكمية وقت الاستعمال لترك مساحة للمياه المزاحة نتيجة حجم المستحم فيها حتى لا تفيض خارجه؛ أما الثانية فتعبر عن السعة الكاملة التي يمكن أن يأخذها الحوض في حالة ملئه إلى حافته).
ج- 1مل 4: 26 يقول إنه كان لسليمان 40,000 مزود خيل؛ بينما يقول 2أخ 9: 25 إنه كان له 4000 مزود.. (المزود به عشرة عيون لعشرة خيول، فيكون المقصود في الأولي عدد الخيول وفي الثانية عدد البلوكات ذات المزاود العشرة).
ولو كان عند اليهودي إمكانية التبديل والتعديل لأصلح هذه التي يُظن أنها أخطاء لكنها في الظاهر فقط.
3- ذكر خطايا للأنبياء في التوراة مثل كذب إبراهيم وقوله لامرأته: " قولي إنك أختي". وزنى داود الرجل الذي وُجد حسب قلب الرب، صاحب المملكة العظيمة الموعود لها بالاستمرار للأبد. فكان بالأولى أن يحذفوها ويغلقوا الباب الذي يأتي منه الريح حتى لا تشوب سيرة أنبيائهم أي شائبة. فوجودها حتى اليوم برهان قوي على عدم زيادتهم أو حذفهم من كتابهم.
4- اليهود والمسيحيون ليسوا على وفاق، ويختلفون في العقيدة والإيمان في عقائد أساسية حول شخصية السيد المسيح والصليب والخلاص.
المسيحيون عندهم نفس توراة اليهود ويؤمنون بها ويعتبرونها مع الإنجيل "كتابهم المقدس" العهد القديم والعهد الجديد. فلو حاول اليهود تغيير أو تبديل أي آية أو كلمة أو حرف لسارع المسيحيون فوراً بالاعتراض وتقديم الدليل، فالكتاب الصحيح أيضاً معهم. فإن كانت عند اليهود إمكانية فِعل ذلك لعملوا ألف حساب قبل كل شئ للمسيحيين وللنسخة طبق الأصل لتوراتهم التي معهم.
5- هناك وصية في تثنية 4: 2 " لا تزيدوا على الكلام الذي أنا أوصيكم به ولا تنقصوا منه لكي تحفظوا وصايا الرب إلهكم … " وبكل تأكيد كان بينهم من يحترم ويحفظ كتابه ويطيعه.
¨ إن قيل إن المسيحيين هم الذين قاموا بالتحريف، قلنا:
1. المسيحيون يحبون كتابهم أيضاً ويقدسونه ويملكون آلاف المخطوطات من قبل الميلاد بمئات السنين تطابق النسخ الموجودة والترجمات التي بين أيديهم تماماً.
2. توجد أخطاء ظاهرية في العهد الجديد. ولو كان عند المسيحيين احتمال التحريف لقاموا بتعديل هذه الأخطاء وسد الباب الذي يأتي منه الريح.
3. هناك ذكر لخطايا الرسل والمؤمنين والكنيسة (سفر أعمال الرسل 15: 39 و40 الرسالة إلى أهل كورنثوس 1كو 5: 1، سفر الرؤيا الأصحاحات الثلاثة الأولى)
لو كان احتمال للتحريف لحذفوا فوراً هذه الخطايا.
4. يوجد تحذير شديد اللهجة في سفر الرؤيا الأصحاح 22: 18-19 "لأني أشهد لكل من يسمع أقوال نبوة هذا الكتاب، إن كان أحد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب. وإن كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب في هذا الكتاب."
5. كلنا نعرف عنف الاضطهاد وقسوته الذي تعرض له المسيحيون عبر العصور المختلفة في القرون الأولى، وخاصة أيام دقلديانوس الذي أحرق المنازل وغلى الأجسام في الزيت. ومع ذلك كان المسيحيون يتمسكون بالكلمة ويبشرون بها بفرح حاسبين أنفسهم مستأهلين أن يُهانوا من أجل المسيح. فهل يمكن لأناس حرفوا كتابهم ويعرفون ذلك تماماً أن يُقدموا على الموت بفرح من أجل كذبة أو خدعة وكتاب حرفوه بأيديهم؟!!
متـــى ؟؟
متى تم هذا التحريف؟ الاحتمالات الموجودة أربعة لا خامس لهم. إما قبل السيد المسيح أو بعده أو قبل الإسلام أو بعده.
• فإذا كان قبل المسيح قلنا: لا يمكن للأسباب الآتية:
1- اقتبس السيد المسيح منها حين جُرب في البرية وكانت إجاباته كلها من التوراة مبتدأً بالقول "مكتوب". فهل يمكن أن يقتبس من كتاب محرف؟!
2- قال السيد المسيح يو 5: 39 لليهود "فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية هي التي تشهد لي"؟!! فكيف يحيل اليهود ليفتشوا في كتاب محرف.
3- قال لليهود (يو 5: 46) موسى كتب عني ذاكراً التوراة فهل يمكن أن يذكر كتاباً محرفاً؟
• وإذا كان التحريف بعد المسيح أي في عصر التلاميذ، قلنا أيضاً لا يمكن:
لأن التلاميذ اقتبسوا من التوراة في سرد قصة حياة السيد المسيح مستشهدين بنبوات الكتاب "كما قيل بالنبي القائل، كما قال النبي.." فكيف يستشهدون بكتاب محرف؟!!
• هل يمكن قبل الإسلام؟ نقول: لا يمكن، لأن القرآن ذكر التوراة والإنجيل بخير الكلام وأحلى الصفات مُذكراً أهل الإنجيل بإقامة أحكامه، واصفاً من لم يقم بها "بالفاسقين" (مائدة 5: 47) كما أنه ينصح المؤمنين به بسؤال أهل الكتاب في حالة الشك فيما أنزل إليه (يونس 10: 94) والمؤمنين بسؤال أهل الذكر، إذا كانوا لا يعلمون (النحل 16: 43). ولم يذكر لنا شيئاً عن الكتاب المحرف ولا وصية بالبُعد والحذر منه وتنبيه المؤمنين من أهله حتى لا يختلط الأمر عليهم.
• إذاً هل يمكن أن يكون تم التحريف بعد الإسلام؟
وبتلك الدعوى يكون النبي والمسلمون قد أخفقوا في تنفيذ أمر الله لهم والذي جاء في سورة المائدة 5: 48 مطالباً إياهم أن يحفظوا الكتاب (التوراة والإنجيل) من الضياع والتحريف – فيُسألون عن ذلك.
كما لم يعلن أحد من الأئمة والمفسرين الأولين عن هذا ويحذرون من المحرف ويروجون السليم، أو قل أضعف الإيمان يحتفظون بالسليم لأنه كلمة الله ليكون شاهداً على أهل البدع والتحريف معلنين آيات التحريف أو الأجزاء التي تم تحريفها بكل وضوح وجلاء حتى لا يلتبس الأمر على المسلم الأمين بل يكون على علم يقين.
صحة الكتاب (1)
كتابكم محرَّف ....
سؤال يطرحه الأصدقاء، في صدق أو في شك ، يهاجم دون دليل، أو يسأل لأنه يفتقر إلى البرهان، حائر بين الشك واليقين بين التصديق وعدمه، يحاول أن يُعمِل العقل فلا يجد برهاناً يشفي الغليل. يحاول أن يسأل أهل الذكر فيجد الغالبية تخاف أو تجهل البرهان أو لا تستطيع أن تعبر عن إيمانها بما يزيح الشك وينير الطريق.
حتى هو نفسه أخافوه وأرعبوه من الاقتراب إلى الكتاب، ويقولون له: يكفي ما عندك. لستَ بحاجة إلى غير ما تملك. والغريب إذا حاول الاقتراب من عنده يجد الآيات البينات التي تقول إن الكتاب هُدى ونور، وإنه تنزيل العلي، الواجب الرجوع إلى أهله إذا شك في كلمات ربه (يونس 10: 94) وتذكير أهله بالحكم بما فيه وليس بإلغائه والحكم بحسب ما جاء بعده من رسالة وكتاب (مائدة 5: 47).
إن دعوة التحريف تُظهر على السطح أسئلة كثيرة، بل كل علامات الاستفهام التي نعرفها في لغتنا الجميلة: أين، كيف، من، لماذا، متى؟
دعونا نطرح هذه الأسئلة ونجاوب عليها تباعاً:
أين؟
تقول إن كتابنا مُحرَّف، فأين الكتاب الصحيح الذي من خلاله استطعت أن تُجزم أنه ليس الصحيح؟
• جاوبني أولُهم قائلاً: إن النبي عيسى عليه السلام، ولأنه يعرف الغيب، عرف أنكم أناس لا تستحقون نعمة وجود الكتاب المقدس الصحيح بين أيديكم لأنكم ستغيِّرون ما به من أحكام وأقوال، فأخذه معه حينما رفعه الله إليه، وأعاده إلى مكانه الطبيعي في السماء العليا عند العرش.
• ثم قال لي ثانيهم : في العصور الوسطى، عصور الظلام الفكري وسيادة الكنيسة وتسلطها منعت الشعب من الإطلاع على الكتاب المقدس، وقصرت معرفته على الآباء الكهنة فقط لدرجة أنهم جاءوا بالنسخة الأصلية بعد ربطها بسلاسل من حديد وطرحوها في أعماق المحيط حتى لا تكون في متناول أحد. وبذلك اختفت وضاعت. وما بين أيديكم اليوم هو تأليف وتزوير ومحض افتراء.
• قال ثالثهم : قالوا لنا إن النسخة الأصلية موجودة فقط مع رؤساء الطوائف الثلاث الأرثوذكسية، الكاثوليكية، الإنجيلية، أما عامة الشعب فليس لديها إلا المُحرف.
ثم تابعت سؤالي: هل قرأت الكتاب بنفسك حتى تكتشف زيفه وتحريفه ؟ وكان الرد من الجميع بالنفي .
إذاً أين التحريف؟ هل حُرِّف الكتاب كلُّه وكُتب آخر جديد؟ أم هل تحرف جزء منه؟ أم هل تحرفت عدة آيات؟ إذاً أين هي؟ هل يمكنك أن تشير إليها حتى يمكننا البحث وإجلاء الحقيقية؟ والرد: لا نعرف.
وهنا تأتي المشكلة الكبرى: أنت تؤمن أن التوراة والإنجيل تنزيل العلي حسب كتابك الكريم، فالله سبحانه هو مصدره، مؤلفه ومرسله. فأين كان سبحانه حينما تم التحريف؟ هل يمكن أن تتجرأ وتقول إنه لم يعرف بالتحريف؟ سبحانه علام الغيوب الذي هو على كل شيء قدير.
أم أنه لم يبالِ به، وبعد أن نزَّله لم يعُد يعنيه منه شيء، وليكن ما يكون!!!
إن دعوى التحريف تنسب لله تعالى صفات غير صفاته:
- تنسب إليه عدم الحب: فالرسالة التي أرسلها لنا ليعلن فيها من هو وما يطلبه منا، ترسم لنا الطريق للعودة إلى الفردوس المفقود بخطأ أبوينا آدم وحواء، ما هو هدف حياتنا، أين سنكون في آخرتنا، إنها إعلان حب من إله محب يهتم بخليقته التي أوجدها، كما يهتم الآب بأولاده والراعي برعيته!! فبعد كل هذا يترك رسالته لتتغير وتتبدل، وتكون النتيجة هلاك خليقته وتركهم للمخادعين دون من يحمي أو يعتني؟! إننا بذلك ننسب لله أنه إله غير محب، لا يهتم ولا يعتني ولا يبالي. سبحانه عز وجل لأنه علا عن ذلك علواً كبيراً.
- إنه إله غير قادر: أن يحفظ رسالته وكلمته من التغيير والتبديل والتحريف. إن الحكومة التي تصدر قانوناً، تصدره بدافع الاهتمام بالرعية فالقانون لصالحها، وتقوم بتنفيذه لتعلن هيبتها وقدرتها، والحكومة التي لا تهتم بتنفيذ القانون هي حكومة ضعيفة لا تهتم برعيتها، والرعية لا تهابها ولا تقدِّرها، فتعم الفوضى ويسود قانون الغابة في أراضيها. فالذي يقول إن الله عز وجل لم يحفظ رسالته وقانونه الأدبي والأخلاقي، وترك الناس يغيرون ويبدلون فيما أعلنه، ينسب له عدم القدرة على حفظ قانونه. وحاشا لله أن يكون كذلك، فهو كلي القدرة، القوي الذي يستطيع كل شيء ولا يعسر عليه أمر الذي بيده أمرنا وهو على كل شيء قدير.
إنه إله غير قدوس : إن دعوى التحريف تنسب لله عدم القداسة، فكيف لنا نحن الخطائين الذين ارتكبنا كل إثم وفجور، كيف ندخل إلى قدس أقداس العلي، في كتابه العزيز المقدس، ونغير ونُحرف؟!! هل يمكن أن تهزم الظلمة والنجاسة النور والقداسة، أو تختلط بهم؟
.. حاشا لله.
من ؟!!!
من يحرف الكتاب؟ اليهود أم المسيحيون أم هما معاً؟!!!
¨ إن قيل إن اليهود حرفوه، نقول: هذا من رابع المستحيلات لعدة أسباب منها:
1- اليهود يحبون كتابهم ويقدسونه، وقد رأينا طقوس كتابة المخطوطات ونسخها والشروط الصعبة الدقيقة في هذه العملية مع تخصيص فئة متخصصة في الكتابة (هم الكتبة) للقيام بعملية تجديد المخطوطات القديمة كلما استدعى الأمر ذلك.
2- وجود بعض الأخطاء الظاهرية في الأسفار حتى اليوم مثل:
أ. 2 صم 10: 18 أن داود قتل من آرام 700 مركبة بينما يذكر في 1أخ 19: 18 أنه قتل 7000 مركبة
( قد يبدو للوهلة الأولى ان هناك تضارباً في الأقوال، لكن بالرجوع إلى ذلك العصر ندرك أن المركبة الحربية كانت تسع عشرة جنود، وهكذا يكون المقصود في الأولى عدد المركبات؛ أما في الثانية فهو عدد الراكبين. كما أن كلمة مركبة الواردة في 1أخ بمعنى راكب أو جندي للتفرقة بين المحاربين في مركبات والمحاربين الفرسان أو المشاة)
ب. 1مل 7: 26 يقول إن الحوض يسع ألفي بث؛ بينما في 2أخ 4: 5 يقول إنه يأخذ ويسع 3000 بث ( الأولى تعبر عن الكمية وقت الاستعمال لترك مساحة للمياه المزاحة نتيجة حجم المستحم فيها حتى لا تفيض خارجه؛ أما الثانية فتعبر عن السعة الكاملة التي يمكن أن يأخذها الحوض في حالة ملئه إلى حافته).
ج- 1مل 4: 26 يقول إنه كان لسليمان 40,000 مزود خيل؛ بينما يقول 2أخ 9: 25 إنه كان له 4000 مزود.. (المزود به عشرة عيون لعشرة خيول، فيكون المقصود في الأولي عدد الخيول وفي الثانية عدد البلوكات ذات المزاود العشرة).
ولو كان عند اليهودي إمكانية التبديل والتعديل لأصلح هذه التي يُظن أنها أخطاء لكنها في الظاهر فقط.
3- ذكر خطايا للأنبياء في التوراة مثل كذب إبراهيم وقوله لامرأته: " قولي إنك أختي". وزنى داود الرجل الذي وُجد حسب قلب الرب، صاحب المملكة العظيمة الموعود لها بالاستمرار للأبد. فكان بالأولى أن يحذفوها ويغلقوا الباب الذي يأتي منه الريح حتى لا تشوب سيرة أنبيائهم أي شائبة. فوجودها حتى اليوم برهان قوي على عدم زيادتهم أو حذفهم من كتابهم.
4- اليهود والمسيحيون ليسوا على وفاق، ويختلفون في العقيدة والإيمان في عقائد أساسية حول شخصية السيد المسيح والصليب والخلاص.
المسيحيون عندهم نفس توراة اليهود ويؤمنون بها ويعتبرونها مع الإنجيل "كتابهم المقدس" العهد القديم والعهد الجديد. فلو حاول اليهود تغيير أو تبديل أي آية أو كلمة أو حرف لسارع المسيحيون فوراً بالاعتراض وتقديم الدليل، فالكتاب الصحيح أيضاً معهم. فإن كانت عند اليهود إمكانية فِعل ذلك لعملوا ألف حساب قبل كل شئ للمسيحيين وللنسخة طبق الأصل لتوراتهم التي معهم.
5- هناك وصية في تثنية 4: 2 " لا تزيدوا على الكلام الذي أنا أوصيكم به ولا تنقصوا منه لكي تحفظوا وصايا الرب إلهكم … " وبكل تأكيد كان بينهم من يحترم ويحفظ كتابه ويطيعه.
¨ إن قيل إن المسيحيين هم الذين قاموا بالتحريف، قلنا:
1. المسيحيون يحبون كتابهم أيضاً ويقدسونه ويملكون آلاف المخطوطات من قبل الميلاد بمئات السنين تطابق النسخ الموجودة والترجمات التي بين أيديهم تماماً.
2. توجد أخطاء ظاهرية في العهد الجديد. ولو كان عند المسيحيين احتمال التحريف لقاموا بتعديل هذه الأخطاء وسد الباب الذي يأتي منه الريح.
3. هناك ذكر لخطايا الرسل والمؤمنين والكنيسة (سفر أعمال الرسل 15: 39 و40 الرسالة إلى أهل كورنثوس 1كو 5: 1، سفر الرؤيا الأصحاحات الثلاثة الأولى)
لو كان احتمال للتحريف لحذفوا فوراً هذه الخطايا.
4. يوجد تحذير شديد اللهجة في سفر الرؤيا الأصحاح 22: 18-19 "لأني أشهد لكل من يسمع أقوال نبوة هذا الكتاب، إن كان أحد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب. وإن كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب في هذا الكتاب."
5. كلنا نعرف عنف الاضطهاد وقسوته الذي تعرض له المسيحيون عبر العصور المختلفة في القرون الأولى، وخاصة أيام دقلديانوس الذي أحرق المنازل وغلى الأجسام في الزيت. ومع ذلك كان المسيحيون يتمسكون بالكلمة ويبشرون بها بفرح حاسبين أنفسهم مستأهلين أن يُهانوا من أجل المسيح. فهل يمكن لأناس حرفوا كتابهم ويعرفون ذلك تماماً أن يُقدموا على الموت بفرح من أجل كذبة أو خدعة وكتاب حرفوه بأيديهم؟!!
متـــى ؟؟
متى تم هذا التحريف؟ الاحتمالات الموجودة أربعة لا خامس لهم. إما قبل السيد المسيح أو بعده أو قبل الإسلام أو بعده.
• فإذا كان قبل المسيح قلنا: لا يمكن للأسباب الآتية:
1- اقتبس السيد المسيح منها حين جُرب في البرية وكانت إجاباته كلها من التوراة مبتدأً بالقول "مكتوب". فهل يمكن أن يقتبس من كتاب محرف؟!
2- قال السيد المسيح يو 5: 39 لليهود "فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية هي التي تشهد لي"؟!! فكيف يحيل اليهود ليفتشوا في كتاب محرف.
3- قال لليهود (يو 5: 46) موسى كتب عني ذاكراً التوراة فهل يمكن أن يذكر كتاباً محرفاً؟
• وإذا كان التحريف بعد المسيح أي في عصر التلاميذ، قلنا أيضاً لا يمكن:
لأن التلاميذ اقتبسوا من التوراة في سرد قصة حياة السيد المسيح مستشهدين بنبوات الكتاب "كما قيل بالنبي القائل، كما قال النبي.." فكيف يستشهدون بكتاب محرف؟!!
• هل يمكن قبل الإسلام؟ نقول: لا يمكن، لأن القرآن ذكر التوراة والإنجيل بخير الكلام وأحلى الصفات مُذكراً أهل الإنجيل بإقامة أحكامه، واصفاً من لم يقم بها "بالفاسقين" (مائدة 5: 47) كما أنه ينصح المؤمنين به بسؤال أهل الكتاب في حالة الشك فيما أنزل إليه (يونس 10: 94) والمؤمنين بسؤال أهل الذكر، إذا كانوا لا يعلمون (النحل 16: 43). ولم يذكر لنا شيئاً عن الكتاب المحرف ولا وصية بالبُعد والحذر منه وتنبيه المؤمنين من أهله حتى لا يختلط الأمر عليهم.
• إذاً هل يمكن أن يكون تم التحريف بعد الإسلام؟
وبتلك الدعوى يكون النبي والمسلمون قد أخفقوا في تنفيذ أمر الله لهم والذي جاء في سورة المائدة 5: 48 مطالباً إياهم أن يحفظوا الكتاب (التوراة والإنجيل) من الضياع والتحريف – فيُسألون عن ذلك.
كما لم يعلن أحد من الأئمة والمفسرين الأولين عن هذا ويحذرون من المحرف ويروجون السليم، أو قل أضعف الإيمان يحتفظون بالسليم لأنه كلمة الله ليكون شاهداً على أهل البدع والتحريف معلنين آيات التحريف أو الأجزاء التي تم تحريفها بكل وضوح وجلاء حتى لا يلتبس الأمر على المسلم الأمين بل يكون على علم يقين.