الحق والباطل بقلم : البابا شنودة الثالث

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,326
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus

منذ بداية الخليقة وهناك الحق والباطل‏.‏ الحق في الملائكة الأطهار‏,‏ والباطل في الشيطان وأعوانه الأشرار‏.‏ الحق في هابيل البار ابن أبينا آدم‏,‏ والباطل في أخيه الذي قتله‏..‏ ومرت العصور والحق والباطل موجودان‏.‏ والعجيب أن الباطل انتشر انتشارا كبيرا في الوثنية‏,‏ وتعدد الآلهة‏,‏ وعبادة الشمس‏,‏ وعبادة الأرواح‏.‏ كما انتشر الباطل في الفساد بألوانه وأنواعه‏...‏ بينما انزوي الحق بين قلة تعبد الله الحق‏,‏ وتتمسك بالإيمان والفضيلة والعمل الصالح‏..‏ وظل الحق والباطل يتصارعان علي مدي العصور‏.‏

وكثيرا ماكان الباطل ينتصر‏,‏ لأن وسائل اكثر‏..‏ الباطل يستطيع ان يكذب ويغش ويخدع‏,‏ والحق لايستطيع ذلك‏.‏ الباطل يمكنه ان يقسو ويبطش ويقتل ويغدر‏.‏ والحق لا يستطيع ان يفعل ذلك‏.‏ الباطل يلجأ الي حبك المؤامرات وتدبير الحيل المهلكة‏,‏ وتغطية أعماله الخاطئة بخدع‏,‏ بينما الحق لايسمح له ضميره بفعل شيء من هذا كله‏.‏ الباطل يقدم لأتباعه المغريات والنجاسات التي ترضي غرائزه المنحرفة‏,‏ والحق يرتفع عن هذا المستوي‏..‏ كما ان الحق مقيد بقيم ومبادئ ووصايا إلهية‏,‏ لايستطيع ان يخرج عن طاعتها‏.‏ بينما الباطل متسيب يفعل مايشاء‏,‏ ويسلك حسب هواه بلا ضابط‏.‏ لذلك فكل الوسائل متاحة امامه‏,‏ والباب مفتوح له في أي طريق يسلكه‏!‏

لذلك فالباطل له انصاره وأتباعه والكثيرون‏,‏ لانه يوصلهم الي أغراضهم بشتي الطرق والحيل والأساليب‏..‏ يوصلهم بالادعاء او بالرشوة‏,‏ او بالتزوير والتزييف‏,‏ او بالاتصال بمراكز القوي وأصحاب القرار فينالون مايشتهون‏!‏ أما الحق طرقه ضيقة ومحدودة‏.‏ يقول لمن يتبعونه‏:‏ هذا ضد الدين‏,‏ وهذا ضد القانون‏,‏ وهذا ضد الأخلاق‏,‏ هذا لايليق‏,‏ وهذا لا يجوز‏..‏ لذلك يبعد الناس عن الحق أحيانا‏,‏ ويتهمونه بأنه يعقد الأمور‏,‏ بينما الباطل يسهلها‏!‏

وبهذا يصبح أصحاب الباطل اكثر وينتشر الفساد‏.‏

والباطل يسمي الاخطاء بغير اسمائها‏,‏ وكأنها حق‏!!‏ يسمي التحايل بأنه لون من الذكاء‏.‏

ويسمي القسوة بانها شيء من الحزم‏.‏ ويسمي البخل بانه حكمة في التدبير‏.‏ ويسمي العلاقات الشبابية الخاطئة باسم الحب‏.‏ كما يسمي المغريات من وسائل اللهو باسم الفن‏.‏ ويعتبر سلوك كل انسان حسب هواه بأن هذه هي الحرية‏.‏ ويسمي السب والقذف في الجرائد والمجلات بأنه حرية النشر والتعبير‏!!‏ وكل خطأ له عند الباطل اسم جميل يجلب الناس إليه او سبب معقول يبررهم‏.‏

علي أن الباطل إن انتصر اولا‏,‏ فان الحق ينتصر اخيرا‏.‏ ولو بكثير من الاحتمال‏,‏ لقد قال المصلي‏:‏ لماذا يارب تنجح طريق الاشرار؟‏!‏ اطمئن كل الغادرين غدرا‏,!‏ وأجاب القديس اغسطينوس علي ذلك فقال‏:‏ إن الباطل المنتصر يشبه الدخان الذي يرتفع الي فوق‏,‏ وتتسع دائرته ولكنه في كل ذلك يتبدد‏.‏

إن الاستعمار هجم علي كثير من البلاد التي هي أضعف منه‏,‏ وبرر انتشاره بأسباب سياسية واقتصادية‏.‏ ثم جاء الوقت الذي انتهي فيه الاستعمار‏,‏ تأسست مكانه دول مستقلة‏.‏ في وقت من الأوقات استعمرت انجلترا الهند‏.‏ ثم حدث ان الناسك الهندي العظيم المهاتما غاندي استطاع بهدوئه وسلامه ان يحصل علي استقلال الهند وتخلصت من الاستعمار‏.‏

إن الحق عليه ان يحتمل بعض الوقت حتي ينتصر اخيرا‏.‏ فسياسة البيض حكمت جنوب إفريقيا زمنا مضطهدة السود‏.‏ ثم خرج واحد من المسجونين السود ليكون اول رئيس اسود لجنوب إفريقيا‏.‏ وهتلر دوخ العالم زمنا بقوة عجيبة‏,‏ واستولي علي بلاد عديدة وصار رعبا في زمنه‏.‏ ثم أتي الوقت الذي انتهي فيه هتلر وانتصر الحلفاء‏.‏ كذلك الشيوعية سيطرت علي روسيا سبعين عاما ونشرت الإلحاد‏.‏ ثم بعد ذلك عاد الايمان اليهم وانتصر علي الشيوعية‏..‏ حقا انه بعد كل ليل مظلم دامس‏,‏ يأتي الفجر ثم النهار الساطع النور‏.‏

الباطل قد يعتز بأساليبه وبنجاحه الاول‏.‏ لكن ذلك لايستمر‏.‏ بالغش قد ينجح الطالب في الامتحان‏,‏ ولكنه لاينجح في حياته العملية‏.‏ ونجاحه هو نجاح مؤقت‏,‏ كالبخار يظهر قليلا ثم يضمحل‏.‏ والباطل قد يقول‏:‏ إن الكذب ينجي‏!‏ ولكن ذلك ليس في كل حال‏.‏ كما ان الكذب قد ينكشف فتكون النتيجة أسوأ‏...‏ والطغاة قد يبطشون بالضعفاء فيخضعون لهم الي حين ومع ذلك فالحال لايستمر‏.‏ فما أسهل ان يثور هؤلاء علي الطغاة ويتخلصوا من بطشهم‏.‏

إن الأب القاسي قد يصور له الباطل انه بالشدة والعنف يربي بناته تربية سليمة فيحبسهم في البيت‏,‏ ويمنع عنهن كل صلة‏..‏ وربما تكون النتيجة عكسية‏,‏ فيهرب البنات من سطوته الي اي صدر حنون‏!‏

إن الحق والباطل قد يتصارعان حول المبادئ والقيم‏.‏ وقد تختلف الموازين وتنعكس المفاهيم‏.‏ فيحتار الناس اين الحق وأين الباطل؟‏!‏ الكل يقول إنه علي حق‏.‏ حتي الباطل نفسه يدعي انه هو الحق‏!!‏ والمسألة تدور حول الخلاف في المفاهيم‏,‏ او الخلاف في الانتماء‏.‏ وكل فريق ينتمي الي مجموعة معينة يقول انها علي حق‏.‏

واحيانا يتوقف ميزان الحق علي القوة‏.‏ فدائما يري الفريق الأقوي انه يمثل الحق‏.‏ وأن الحق هو مصدر قوته‏.‏ وما أعمق كلمة الزعيم سعد زغلول حينما قال‏:‏ الحق فوق القوة‏.‏ ولعله لايقصد كل قوة إنما القوة التي هي ضد الحق‏.‏ فهذه يكون الحق فوقها‏.‏

من أجل هذا أرسل الله أنبياءه ليعلموا ما هو الحق‏.‏ وأعطانا وصاياه الإلهية تشرح لنا ماهو الحق‏.‏ كما وهب لنا الضمير‏.‏ والضمير الصالح دائما يحكم بالحق‏.‏ ولكن الباطل قد يغزو الضمير ايضا فيضلله‏,‏ وذلك إذا ماجعل الشهوة تنتصر علي الضمير وتصور له بالباطل طريقا آخر يسلكه ضد الحق‏.‏ وأيضا يتوه الحق إذا ماتعرض لمشورة خاطئة أو قيادة باطلة‏.‏

وهكذا ورد في الكتاب المقدس قول الرب‏:‏يا إسرائيل‏,‏ مرشدوك مضلون‏.‏


 

KOKOMAN

.
مشرف سابق
إنضم
9 سبتمبر 2007
المشاركات
122,437
مستوى التفاعل
413
النقاط
0
الإقامة
ALEX
موضوع جميل جدا
ميرررررسى على الموضوع
ربنا يبارك حياتك

 
أعلى