لخلافة الرسولية في الفكر الأرثوذكسي (لنيافة الأنبا رافائيل 9

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,326
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus

الخلافة الرسولية في الفكر الأرثوذكسي

لنيافة الأنبا رافائيل


أولاً: ما هي الخلافة الرسولية؟


هي تتابع تسلسل الكهنوت في الكنيسة، مُنحدرًا من القديس الرسول مؤسس الكنيسة. ففي كنيستنا القبطية قد تسلَّمنا الكهنوت من ناظر الإله القديس مرقس الإنجيلي الطاهر والشهيد، وذلك بوضع يديه الطاهرتين على القديس إنيانوس، ومن القديس إنيانوس إلى الكهنة الذين سامهم في رتبة القسيسية، ثم إلى خلفائه من بعده.. إلى أن وصلت شعلة الكهنوت المُقدَّسة إلى البابا شنوده الثالث، ومنه إلى كل مَنْ سامهم من الأساقفة والكهنة، وكل مَنْ يقوم الآباء الأساقفة بسيامتهم.. وهكذا حتى مجيء الرب حسب وعده الصادق: "ها أنا معكُمْ كُلَّ الأيّامِ إلَى انقِضاءِ الدَّهرِ" (مت28: 20).

ثانيًا: ما هي القصة التاريخية للخلافة الرسولية؟

يمكننا تتبع هذه القصة على ثلاثة مراحل:
- الآباء الرسل أنفسهم.
- الأساقفة الذين أقامهم الرسل.
- الوضع بعد انتقال الرسل إلى الفردوس.

(1) الكنيسة في أيام الآباء الرسل:

كان الآباء الرسل على رأس كنيسة مكونة من جميع الذين آمنوا بالسيد المسيح، وقد بدأت نواة هذه الكنيسة يوم العنصرة حيث "اعتَمَدوا، وانضَمَّ في ذلكَ اليومِ نَحوُ ثَلاثَةِ آلافِ نَفسٍ" (أع2: 41)..

ثم نما العدد إلى 5000 نفس "وكثيرونَ مِنَ الذينَ سمِعوا الكلِمَةَ آمَنوا، وصارَ عَدَدُ الرجالِ نَحوَ خَمسَةِ آلافٍ" (أع4: 4).
+ واستمر الآباء الرسل يعلِّمون ويضمون إلى الكنيسة الذي يَخلُصون..
+ "وبقوَّةٍ عظيمَةٍ كانَ الرُّسُلُ يؤَدّونَ الشَّهادَةَ بقيامَةِ الرَّب يَسوعَ، ونِعمَةٌ عظيمَةٌ كانَتْ علَى جميعِهِمْ" (أع4: 33).
+ "وكانوا لا يَزالونَ كُلَّ يومٍ في الهيكلِ وفي البُيوتِ مُعَلمينَ ومُبَشرينَ بيَسوعَ المَسيحِ" (أع5: 42).
+ "وكانَتْ كلِمَةُ اللهِ تنمو، وعَدَدُ التلاميذِ يتكاثَرُ جِدًّا في أورُشَليمَ، وجُمهورٌ كثيرٌ مِنَ الكهنةِ يُطيعونَ الإيمانَ" (أع6: 7).
+ وعندما ثار اضطهاد شديد على الكنيسة بعد استشهاد استفانوس، تشتت الجميع "وحَدَثَ في ذلكَ اليومِ اضطِهادٌ عظيمٌ علَى الكَنيسَةِ التي في أورُشَليمَ، فتشَتَّتَ الجميعُ في كوَرِ اليَهوديَّةِ والسّامِرَةِ، ما عَدا الرُّسُلَ" (أع8: 1). فامتدت الكنيسة إلى السامرة (راجع أع8: 4-5)، ثم إلى دمشق (أع9)، ثم انتشر الإيمان إلى الأمم أيضًا بإيمان كرنيليوس ومعموديته (راجع أع 10)، ثم إلى فينيقيَة وقُبرُس وأنطاكيَة (أع11: 19-25) وسائر أنحاء العالم.
في تلك الفترة كان يعمل الآباء الرسل مع الإخوة (راجع أع11: 1) والكهنة (راجع أع15: 2، 6، 22-23). وكانت الكنيسة تمتد تحت إشراف ومتابعة الآباء الرسل..
+ فمثلاً في السامرة.. قيل: "ولَمّا سمِعَ الرُّسُلُ الذينَ في أورُشَليمَ أنَّ السّامِرَةَ قد قَبِلَتْ كلِمَةَ اللهِ، أرسَلوا إليهِمْ بُطرُسَ ويوحَنا" (أع8: 14).
+ وفي قيصرية.. كان موضوع إيمان كرنيليوس ودخول الأمم إلى المسيحية يحتاج مراجعة الكنيسة الأم في أورشليم (راجع أع11: 1-18).
+ وفي أنطاكية.. احتاج الأمر أن ترسل الكنيسة برنابا لمراجعة إيمان هذه الكنيسة الناشئة (راجع أع11: 22-26)، ويتضح أيضًا من هذا النص انضمام بولس الرسول إلى برنابا لخدمة هذه الكنيسة.
+ واستمرت الكنيسة في أورشليم تمثل المدينة الأم والكنيسة الرئيسية، والمرجع اللاهوتي لكل الكرازة في العالم، ولذلك عُقد بها أول مجمع مسيحي مسكوني لمناقشة مسألة التهود (راجع أع15).
وبالإجمال.. فإن الكنيسة المسيحية في عصر الرسل كانت هي الجماعة المُقدَّسة الملتحمة والملتفة حول الرسل كآباء ومؤسسين وأعمدة وأساسات ومراجع للمحافظة على الإيمان الحق والتعليم السليم.

(2) الآباء الرسل يُقيمون أساقفة:

تذكر أسفار العهد الجديد إلى جانب الآباء الرسل.. الكهنة والأساقفة والشمامسة. فمثلاً:
+ بولس وبرنابا في دَربَة ولستِرَة وإيقونيَة وأنطاكيَة..
+ "وانتَخَبا لهُمْ قُسوسًا في كُل كنيسَةٍ، ثُمَّ صَلَّيا بأصوامٍ واستَوْدَعاهُمْ للرَّب الذي كانوا قد آمَنوا بهِ" (أع14: 23).
+ "ومِنْ ميليتُسَ أرسَلَ إلَى أفَسُسَ واستَدعَى قُسوسَ الكَنيسَةِ. فلَمّا جاءوا إليهِ قالَ لهُمْ: أنتُمْ تعلَمونَ مِنْ أوَّلِ يومٍ دَخَلتُ أسيّا، كيفَ كُنتُ معكُمْ كُلَّ الزَّمانِ......" (أع20: 17-38).
+ كذلك يُقيم مُعلِّمنا بولس الرسول تيموثاوس أسقفًا ويتابعه في رسالته..
+ "كما طَلَبتُ إلَيكَ أنْ تمكُثَ في أفَسُسَ، إذ كُنتُ أنا ذاهِبًا إلَى مَكِدونيَّةَ، لكَيْ توصيَ قَوْمًا أنْ لا يُعَلموا تعليمًا آخَرَ" (1تي1: 3).
+ "هذِهِ الوَصيَّةُ أيُّها الاِبنُ تيموثاوُسُ أستَوْدِعُكَ إيّاها حَسَبَ النُّبوّاتِ التي سبَقَتْ علَيكَ، لكَيْ تُحارِبَ فيها المُحارَبَةَ الحَسَنَةَ" (1تي1: 18).
+ "أُذَكرُكَ أنْ تُضرِمَ أيضًا مَوْهِبَةَ اللهِ التي فيكَ بوَضعِ يَدَيَّ" (2تي1: 6).
+ "إلَى أنْ أجيءَ اعكُفْ علَى القِراءَةِ والوَعظِ والتَّعليمِ. لا تُهمِلِ المَوْهِبَةَ التي فيكَ، المُعطاةَ لكَ بالنُّبوَّةِ مع وضعِ أيدي المَشيَخَةِ. اهتَمَّ بهذا. كُنْ فيهِ، لكَيْ يكونَ تقَدُّمُكَ ظاهِرًا في كُل شَيءٍ. لاحِظْ نَفسَكَ والتَّعليمَ وداوِمْ علَى ذلكَ، لأنَّكَ إذا فعَلتَ هذا، تُخَلصُ نَفسَكَ والذينَ يَسمَعونَكَ أيضًا" (1تي4: 13-16).
+ "هذا أكتُبُهُ إلَيكَ راجيًا أنْ آتيَ إلَيكَ عن قريبٍ. ولكن إنْ كُنتُ أُبطِئُ، فلكي تعلَمَ كيفَ يَجِبُ أنْ تتصَرَّفَ في بَيتِ اللهِ، الذي هو كنيسَةُ اللهِ الحَي، عَمودُ الحَق وقاعِدَتُهُ" (1تي3: 14-15).
+ "وما سمِعتَهُ مِني بشُهودٍ كثيرينَ، أودِعهُ أُناسًا أُمَناءَ، يكونونَ أكفاءً أنْ يُعَلموا آخَرينَ أيضًا" (2تي2: 2).
+ "إنْ فكَّرتَ الإخوَةَ بهذا، تكونُ خادِمًا صالِحًا ليَسوعَ المَسيحِ، مُتَرَبيًا بكلامِ الإيمانِ والتَّعليمِ الحَسَنِ الذي تتبَّعتَهُ" (1تي4: 6).
+ "لا يَستَهِنْ أحَدٌ بحَداثَتِكَ، بل كُنْ قُدوَةً للمؤمِنينَ: في الكلامِ، في التَّصَرُّفِ، في المَحَبَّةِ، في الرّوحِ، في الإيمانِ، في الطَّهارَةِ" (1تي4: 12).
+ ويُوصيه من جهة سيامة أساقفة آخرين قائلاً:
+ "فيَجِبُ أنْ يكونَ الأُسقُفُ: بلا لومٍ، بَعلَ امرأةٍ واحِدَةٍ، صاحيًا، عاقِلاً، مُحتَشِمًا، مُضيفًا للغُرَباءِ، صالِحًا للتَّعليمِ، غَيرَ مُدمِنِ الخمرِ، ولا ضَرّابٍ، ولا طامِعٍ بالربحِ القَبيحِ، بل حَليمًا، غَيرَ مُخاصِمٍ، ولا مُحِب للمالِ، يُدَبرُ بَيتَهُ حَسَنًا، لهُ أولادٌ في الخُضوعِ بكُل وقارٍ. وإنَّما إنْ كانَ أحَدٌ لا يَعرِفُ أنْ يُدَبرَ بَيتَهُ، فكيفَ يَعتَني بكَنيسَةِ اللهِ؟ غَيرَ حَديثِ الإيمانِ لِئلا يتصَلَّفَ فيَسقُطَ في دَينونَةِ إبليسَ. ويَجِبُ أيضًا أنْ تكونَ لهُ شَهادَةٌ حَسَنَةٌ مِنَ الذينَ هُم مِنْ خارِجٍ، لِئلا يَسقُطَ في تعييرٍ وفَخ إبليسَ" (1تي3: 2-7).
+ "لا تضَعْ يَدًا علَى أحَدٍ بالعَجَلَةِ، ولا تشتَرِكْ في خطايا الآخَرينَ. اِحفَظْ نَفسَكَ طاهِرًا" (1تي5: 22).
+ وكذلك وصايا من جهة الشمامسة..
+ كذلكَ يَجِبُ أنْ يكونَ الشَّمامِسَةُ ذَوي وقارٍ، لا ذَوي لسانَينِ، غَيرَ مولَعينَ بالخمرِ الكَثيرِ، ولا طامِعينَ بالربحِ القَبيحِ، ولهُمْ سِرُّ الإيمانِ بضَميرٍ طاهِرٍ. وإنَّما هؤُلاءِ أيضًا ليُختَبَروا أوَّلاً، ثُمَّ يتشَمَّسوا إنْ كانوا بلا لومٍ. كذلكَ يَجِبُ أنْ تكونَ النساءُ ذَواتِ وقارٍ، غَيرَ ثالِباتٍ، صاحياتٍ، أميناتٍ في كُل شَيءٍ. ليَكُنِ الشَّمامِسَةُ كُلٌّ: بَعلَ امرأةٍ واحِدَةٍ، مُدَبرينَ أولادَهُمْ وبُيوتهُمْ حَسَنًا. لأنَّ الذينَ تشَمَّسوا حَسَنًا، يَقتَنونَ لأنفُسِهِمْ دَرَجَةً حَسَنَةً وثِقَةً كثيرَةً في الإيمانِ الذي بالمَسيحِ يَسوعَ" (1تي3: 8-13).
+ والكهنة (الشيوخ)..
+ أمّا الشُّيوخُ المُدَبرونَ حَسَنًا فليُحسَبوا أهلاً لكَرامَةٍ مُضاعَفَةٍ، ولا سيَّما الذينَ يتعَبونَ في الكلِمَةِ والتَّعليمِ، لأنَّ الكِتابَ يقولُ: لا تكُمَّ ثَوْرًا دارِسًا، والفاعِلُ مُستَحِقٌّ أُجرَتَهُ. لا تقبَلْ شِكايَةً علَى شَيخٍ إلا علَى شاهِدَينِ أو ثَلاثَةِ شُهودٍ. الذينَ يُخطِئونَ وبخهُمْ أمامَ الجميعِ، لكَيْ يكونَ عِندَ الباقينَ خَوْفٌ. أُناشِدُكَ أمامَ اللهِ والرَّب يَسوعَ المَسيحِ والمَلائكَةِ المُختارينَ، أنْ تحفَظَ هذا بدونِ غَرَضٍ، ولا تعمَلَ شَيئًا بمُحاباةٍ. لا تضَعْ يَدًا علَى أحَدٍ بالعَجَلَةِ، ولا تشتَرِكْ في خطايا الآخَرينَ. اِحفَظْ نَفسَكَ طاهِرًا" (1تي5: 17-22).
+ ونفس الكلام يتكرر مع تيطس تلميذ القديس بولس..
+ "مِنْ أجلِ هذا ترَكتُكَ في كِريتَ لكَيْ تُكَملَ ترتيبَ الأُمورِ النّاقِصَةِ، وتُقيمَ في كُل مدينةٍ شُيوخًا كما أوصَيتُكَ" (تي1: 5).
ويتضح من تعليمات القديس بولس إلى تلميذيه الأسقفين تيموثاوس وتيطس.. صفات الكهنة والأساقفة ووظائفهم في الكنيسة:
+ "مُلازِمًا للكلِمَةِ الصّادِقَةِ التي بحَسَبِ التَّعليمِ، لكَيْ يكونَ قادِرًا أنْ يَعِظَ بالتَّعليمِ الصَّحيحِ ويوَبخَ المُناقِضينَ" (تي1: 9).
+ "صالِحًا للتَّعليمِ" (1تي3: 2).
+ "تمَسَّكْ بصورَةِ الكلامِ الصَّحيحِ الذي سمِعتَهُ مِني، في الإيمانِ والمَحَبَّةِ التي في المَسيحِ يَسوعَ. اِحفَظِ الوَديعَةَ الصّالِحَةَ بالرّوحِ القُدُسِ السّاكِنِ فينا" (2تي1: 13-14).
+ "احفَظِ الوَديعَةَ" (1تي6: 20).
+ "اكرِزْ بالكلِمَةِ" (2تي4: 2).
واضح من كل هذه النصوص ومن غيرها.. وجود أشخاص مختارين ومُعينين بواسطة الرسل أو تلاميذهم (مثل تيطس وتيموثاوس)، مهمتهم المحافظة على صورة الكلام الصحيح والإيمان السليم، ورعاية الكنيسة لتبقى أمينة لإيمان الرسل وتعاليمهم المُقدَّسة بدون انحراف، ولم يترك الأمر بدون تنظيم وتحديد، حتى ولو كان كل المؤمنين مدعووين أن يكونوا كارزين وشاهدين ومُعلِّمين، لكن تحت إشراف دقيق لأناس سبق اختيارهم وتحديد مهامهم، ونالوا كهنوتًا مُقدَّسًا بوضع الأيادي، ليُستأمنوا على هذه الوديعة المُقدَّسة التي للإيمان الصحيح.

(3) الوضع بعد انتقال الرسل إلى الفردوس:

إذا كان الوضع في حياة الرسل كان يحتاج تنظيم المسئوليات بهذه الصورة الدقيقة.. فكم يكون بعد انتهاء حياتهم على الأرض بانتقال آخر الرسل وهو مُعلِّمنا يوحنا الحبيب إلى السماء حوالي سنة 100م!!
كان لا بد أن تستمر الكنيسة وبنفس التنظيم والترتيب والأحكام، وإلاّ لضاع الإيمان الرسولي، وهذا يتضح أولاً من توصية الرسول بولس بإقامة أساقفة يتولون أمر الكنيسة جيلاً بعد جيل خاصة ما يُفهم من الآية "وما سمِعتَهُ مِني بشُهودٍ كثيرينَ، أودِعهُ أُناسًا أُمَناءَ، يكونونَ أكفاءً أنْ يُعَلموا آخَرينَ أيضًا" (2تي2: 2).
وهذا أيضًا يتضح من بعض أقوال الآباء في العصر التالي للرسل مباشرة، مثل "كليمندس" أسقف روما سنة 95م، و"أغناطيوس الأنطاكي" سنة 70م كما سنورد بعض أقوالهما لاحقًا.



ثالثاً: هل هناك خلفية كتابية لموضوع الخلافة الرسولية وتسلسل الكهنوت؟


إذا رجعنا إلى الكتاب المقدس منذ العهد القديم، نجد أن الله لا يسمح لأي أناس بممارسة الكهنوت إلا المختارين منه، والمقامين لأداء هذه الوظيفة السامية بطريقة رسمية صحيحة.. "ولا يأخُذُ أحَدٌ هذِهِ الوَظيفَةَ بنَفسِهِ، بل المَدعوُّ مِنَ اللهِ، كما هارونُ أيضًا" (عب5: 4). ولدينا بعض الأمثلة:

(أ) قصة عُزيَّا الملك:

+ "ولَمّا تشَدَّدَ ارتَفَعَ قَلبُهُ إلَى الهَلاكِ وخانَ الرَّبَّ إلهَهُ، ودَخَلَ هيكلَ الرَّب ليوقِدَ علَى مَذبَحِ البَخورِ. ودَخَلَ وراءَهُ عَزَريا الكاهِنُ ومعهُ ثَمانونَ مِنْ كهنةِ الرَّب بَني البأسِ. وقاوَموا عُزيَّا المَلِكَ وقالوا لهُ: ليس لكَ يا عُزيَّا أنْ توقِدَ للرَّب، بل للكهنةِ بَني هارونَ المُقَدَّسينَ للإيقادِ. اُخرُجْ مِنَ المَقدِسِ لأنَّكَ خُنتَ وليس لكَ مِنْ كرامَةٍ مِنْ عِندِ الرَّب الإلهِ. فحَنِقَ عُزيَّا. وكانَ في يَدِهِ مِجمَرَةٌ للإيقادِ. وعِندَ حَنَقِهِ علَى الكهنةِ خرجَ بَرَصٌ في جَبهَتِهِ أمامَ الكهنةِ في بَيتِ الرَّب بجانِبِ مَذبَحِ البَخورِ. فالتَفَتَ نَحوَهُ عَزَرياهو الكاهِنُ الرّأسُ وكُلُّ الكهنةِ، وإذا هو أبرَصُ في جَبهَتِهِ، فطَرَدوهُ مِنْ هناكَ حتَّى إنَّهُ هو نَفسُهُ بادَرَ إلَى الخُروجِ لأنَّ الرَّبَّ ضَرَبَهُ. وكانَ عُزيَّا المَلِكُ أبرَصَ إلَى يومِ وفاتِهِ، وأقامَ في بَيتِ المَرَضِ أبرَصَ لأنَّهُ قُطِعَ مِنْ بَيتِ الرَّب، وكانَ يوثامُ ابنُهُ علَى بَيتِ المَلِكِ يَحكُمُ علَى شَعبِ الأرضِ" (2أخ26: 16-21).
حقًا قال في هذا يوحنا المعمدان: "لا يَقدِرُ إنسانٌ أنْ يأخُذَ شَيئًا إنْ لم يَكُنْ قد أُعطيَ مِنَ السماءِ" (يو3: 27).

(ب) اختيار هرون:

+ "وقَربْ إلَيكَ هارونَ أخاكَ وبَنيهِ معهُ مِنْ بَينِ بَني إسرائيلَ ليَكهَنَ لي. هارونَ نادابَ وأبيهو ألِعازارَ وإيثامارَ بَني هارونَ" (خر28: 1).
بالرغم من اختيار الله الواضح لهرون للكهنوت، فقد خرج قوم يُطالبون أن يكونوا كهنة بدون اختيار إلهي وهي قصة:

(ج) قورَح وداثان وأبيرام الذين ادعّوا الكهنوت من أنفسهم:

راجع سفر العدد (اصحاح 16) مع التركيز على الآيات التالية:
+ "فاجتَمَعوا علَى موسَى وهارونَ وقالوا لهُما: كفاكُما! إنَّ كُلَّ الجَماعَةِ بأسرِها مُقَدَّسَةٌ وفي وسطِها الرَّبُّ. فما بالُكُما ترتَفِعانِ علَى جَماعَةِ الرَّب؟" (3).
+ "كفاكُمْ يا بَني لاوي!" (7).
+ "فقَرَّبَكَ وجميعَ إخوَتِكَ بَني لاوي معكَ، وتطلُبونَ أيضًا كهَنوتًا!" (10).
+ "فقالَ موسَى: بهذا تعلَمونَ أنَّ الرَّبَّ قد أرسَلَني لأعمَلَ كُلَّ هذِهِ الأعمالِ، وأنَّها ليستْ مِنْ نَفسي. إنْ ماتَ هؤُلاءِ كموتِ كُل إنسانٍ، وأصابَتهُمْ مَصيبَةُ كُل إنسانٍ، فليس الرَّبُّ قد أرسَلَني. ولكن إنِ ابتَدَعَ الرَّبُّ بدعَةً وفَتَحَتِ الأرضُ فاها وابتَلَعَتهُمْ وكُلَّ ما لهُمْ، فهَبَطوا أحياءً إلَى الهاويَةِ، تعلَمونَ أنَّ هؤُلاءِ القَوْمَ قد ازدَرَوْا بالرَّب" (28-30).
+ "وخرجَتْ نارٌ مِنْ عِندِ الرَّب وأكلَتِ المِئَتَينِ والخَمسينَ رَجُلاً الذينَ قَرَّبوا البَخورَ" (35).
+ "لا يَقتَرِبَ رَجُلٌ أجنَبيٌّ ليس مِنْ نَسلِ هارونَ ليُبَخرَ بَخورًا أمامَ الرَّب، فيكونَ مِثلَ قورَحَ وجَماعَتِهِ، كما كلَّمَهُ الرَّبُّ عن يَدِ موسَى" (40).

(د) قصة عُزّا الذي مات لأنه لمس التابوت:

+ "ولَمّا انتَهَوْا إلَى بَيدَرِ كيدونَ، مَدَّ عُزّا يَدَهُ ليُمسِكَ التّابوتَ، لأنَّ الثيرانَ انشَمَصَتْ. فحَميَ غَضَبُ الرَّب علَى عُزّا وضَرَبَهُ مِنْ أجلِ أنَّهُ مَدَّ يَدَهُ إلَى التّابوتِ، فماتِ هناكَ أمامَ اللهِ" (1أخ13: 9-10).
+ "وقالَ لهُمْ: أنتُمْ رؤوسُ آباءِ اللاويينَ، فتقَدَّسوا أنتُمْ وإخوَتُكُمْ وأصعِدوا تابوتَ الرَّب إلهِ إسرائيلَ إلَى حَيثُ أعدَدتُ لهُ. لأنَّهُ إذ لم تكونوا في المَرَّةِ الأولَى، اقتَحَمَنا الرَّبُّ إلهنا، لأنَّنا لم نَسألهُ حَسَبَ المَرسومِ" (1أخ15: 12-13).
(هـ) خطية شاول الملك بتجاسره بتقديم ذبيحة وهو ليس كاهنًا (راجع 1صم13: 8-14). لاحظ توبيخ صموئيل له بكلمة: "قد انحَمَقتَ".
(و) إيليا يمسح حزائيل وياهو وأليشع من بعده (راجع (1مل19).
(ز) أليشع يمسح ياهو ملكًا بيد أحد بني الأنبياء (2مل9).. (وإن كان الأمر هنا يخص النبوة والمملكة ولكنه يُعبِّر عن منهج الله في تتابع الرئاسة والخدمة بطريقة تسلسلية تنظيمية، وليست بحسب استحسان كل إنسان لنفسه).
أما من جهة العهد الجديد.. فقد أورد العديد من الآيات تشرح كيف أقام الرسل خلفاء لهم بوضع الأيدي، سواء للقسوس أو للأساقفة أو للشمامسة..
+ "فصَلّوا ووَضَعوا علَيهِمِ الأياديَ" (أع6: 6).
+ "وبَينَما هُم يَخدِمونَ الرَّبَّ ويَصومونَ، قالَ الرّوحُ القُدُسُ: أفرِزوا لي بَرنابا وشاوُلَ للعَمَلِ الذي دَعَوْتُهُما إليهِ. فصاموا حينَئذٍ وصَلّوا ووَضَعوا علَيهِما الأياديَ، ثُمَّ أطلَقوهُما" (أع13: 2-3).
ووضع اليد هذا غير وضع اليد للبركة أو للشفاء أو للمعمودية وحلول الروح القدس، ولكنه وضع اليد للتكريس للكهنوت والخدمة الليتورجية.. بدليل الآيات التالية:
+ "لا تُهمِلِ المَوْهِبَةَ التي فيكَ، المُعطاةَ لكَ بالنُّبوَّةِ مع وضعِ أيدي المَشيَخَةِ" (1تي4: 14).
+ "لا تضَعْ يَدًا علَى أحَدٍ بالعَجَلَةِ، ولا تشتَرِكْ في خطايا الآخَرينَ. اِحفَظْ نَفسَكَ طاهِرًا" (1تي5: 22). فواضح هنا أنه ليس وضع اليد للبركة أو للشفاء أو لحلول الروح القدس على المُعمدين "فلهذا السَّبَبِ أُذَكرُكَ أنْ تُضرِمَ أيضًا مَوْهِبَةَ اللهِ التي فيكَ بوَضعِ يَدَيَّ" (2تي1: 6).

(4) ما هي خطورة عدم وجود خلافة رسولية؟

الخطورة هي انحراف التعليم، وتعدّد المدارس الفكرية في المسيحية، وخروج أناس من أنفسهم يدّعون المعرفة ويُحرِّفون الإيمان.. ولماذا قيل عن الكنيسة جماعة المؤمنين أنهم "مَبنيينَ علَى أساسِ الرُّسُلِ والأنبياءِ، ويَسوعُ المَسيحُ نَفسُهُ حَجَرُ الزّاويَةِ" (أف2: 20)؟
وهناك قضية رئيسية تحتل مكانًا كبيرًا في أسفار العهد الجديد، تشير إلى فكرة وجود الخلافة الرسولية.
القضية هي.. لماذا دافع مُعلِّمنا بولس الرسول بضراوة عن قانونية رسوليته؟ فإن كان الأمر غير مهم أن يكون بولس رسولاً رسميًا أم لا.. لماذا يهتم بعض المؤمنين في العصر الرسولي أن يتهموا بولس بعدم الرسولية؟!!! ولماذا يهتم بولس بتخصيص أجزاء كثيرة في رسائله لإثبات رسوليته وقانونيتها.. إن كان الأمر لا يفرق شيئًا؟!

اقرأ معي هذه الآيات.. ثم دعنا نتناقش:

+ "ألستُ أنا رَسولاً؟ ألستُ أنا حُرًّا؟ أما رأيتُ يَسوعَ المَسيحَ رَبَّنا؟ ألستُمْ أنتُمْ عَمَلي في الرَّب؟ إنْ كُنتُ لستُ رَسولاً إلَى آخَرينَ، فإنَّما أنا إلَيكُمْ رَسولٌ! لأنَّكُمْ أنتُمْ خَتمُ رِسالَتي في الرَّب" (1كو9: 1-2).
+ "أقولُ أيضًا: لا يَظُنَّ أحَدٌ أني غَبيٌّ. وإلا فاقبَلوني ولو كغَبي، لأفتَخِرَ أنا أيضًا قَليلاً" (2كو11: 16).
+ راجع أيضًا (2كو11 – 12: 10).
+ "قد صِرتُ غَبيًّا وأنا أفتَخِرُ. أنتُمْ ألزَمتُموني! لأنَّهُ كانَ يَنبَغي أنْ أُمدَحَ مِنكُمْ، إذ لم أنقُصْ شَيئًا عن فائقي الرُّسُلِ، وإنْ كُنتُ لستُ شَيئًا" (2كو12: 11).
إن بولس الرجل المتضع الذي يعتبر نفسه آخر الرسل مثل "السقط"، عندما اُتهم بأنه ليس رسولاً، انبرى يدافع عن رسوليته. وذلك لأنه إن لم يكن بولس رسولاً.. فستكون الكنائس التي أسسها غير رسولية، والأساقفة الذين أقامهم، وكذلك القسوس والشمامسة يكونون غير قانونيين. وكذلك مَنْ يقوم هؤلاء الأساقفة برسامتهم وكل خلفائهم وتنهار كل خدمة بولس والكنائس التي أسسها.
كان هذا الأمر واضحًا جدًّا في ذهن بولس ومعاصريه، لذلك كان الموضوع قضية تستحق المناقشة والاتهام والدفاع.
ليست كرازة بولس الرسول مجرد انتشار لاسم المسيح بأية طريقة، وليس شخص بولس مجرد كارز يتكلم من نفسه.. بل كان لابد أن يكون بولس رسولاً معتمدًا، وكاهنًا رسميًا، وأسقفًا مسكونيًا له الحق أن يُقيم آخرين أيضًا.
ولذلك احتاج هو نفسه أن يراجع تعليمه على تعليم سابقيه..
+ "ثُمَّ بَعدَ أربَعَ عَشرَةَ سنَةً صَعِدتُ أيضًا إلَى أورُشَليمَ مع بَرنابا، آخِذًا مَعي تيطُسَ أيضًا. وإنَّما صَعِدتُ بموجَبِ إعلانٍ، وعَرَضتُ علَيهِمِ الإنجيلَ الذي أكرِزُ بهِ بَينَ الأُمَمِ، ولكن بالاِنفِرادِ علَى المُعتَبَرينَ، لِئلا أكونَ أسعَى أو قد سعَيتُ باطِلاً" (غل2: 1-2).
+ "فإنَّ الذي عَمِلَ في بُطرُسَ لرِسالَةِ الخِتانِ عَمِلَ فيَّ أيضًا للأُمَمِ. فإذ عَلِمَ بالنعمَةِ المُعطاةِ لي يعقوبُ وصَفا ويوحَنا، المُعتَبَرونَ أنهُم أعمِدَةٌ، أعطَوْني وبَرنابا يَمينَ الشَّرِكَةِ لنَكونَ نَحنُ للأُمَمِ، وأمّا هُم فللخِتانِ" (غل2: 8-9).
والسؤال هو (مرة أخرى):
لماذا قام أعداء بولس الرسول بتوجيه هذا الاتهام بالذات له؟ ولماذا قابل بولس الرسول هذا الاتهام باهتمام شديد ودفاع مستميت؟
إن كانت لا توجد خلافة رسولية، ولا يوجد كهنوت مسيحي، ولا يوجد أوضاع رسمية في تأسيس الكنيسة وسياستها.. فلماذا يضيع مُعلِّمنا بولس وقتنا بالدفاع عن قانونية رسوليته؟

(5) هل هناك مواقف من التاريخ تتكلَّم عن الخلافة الرسولية؟

يبدو أن الأمر لم يخلُ بطول التاريخ من أناس حُوربوا بشهوة الكهنوت والأسقفية، وأرادوا أن يغتصبوا لأنفسهم هذه الكرامة والخدمة بطرق لا تتناسب مع أخلاق الإنجيل والمبادئ الإلهية في الكنيسة، كمثلما حاول سيمون الساحر أن يقتني مواهب الله بدراهم.. "ولَمّا رأَى سيمونُ أنَّهُ بوَضعِ أيدي الرُّسُلِ يُعطَى الرّوحُ القُدُسُ قَدَّمَ لهُما دَراهِمَ قائلاً: أعطياني أنا أيضًا هذا السُّلطانَ، حتَّى أيُّ مَنْ وضَعتُ علَيهِ يَدَيَّ يَقبَلُ الرّوحَ القُدُسَ" (أع8: 18-19)، فاستحق اللعنة التي فاه بها القديس بطرس قائلاً: "لتَكُنْ فِضَّتُكَ معكَ للهَلاكِ، لأنَّكَ ظَنَنتَ أنْ تقتَنيَ مَوْهِبَةَ اللهِ بدَراهِمَ! ليس لكَ نَصيبٌ ولا قُرعَةٌ في هذا الأمرِ، لأنَّ قَلبَكَ ليس مُستَقيمًا أمامَ اللهِ. فتُبْ مِنْ شَركَ هذا، واطلُبْ إلَى اللهِ عَسَى أنْ يُغفَرَ لكَ فِكرُ قَلبِكَ، لأني أراكَ في مَرارَةِ المُر ورِباطِ الظُّلمِ" (أع8: 20-23).
لذلك وضع الله نظام التسلسل الكهنوتي هذا، حتى لا يدخل إلى حظيرة الرعاة سارق ولص، يُبدِّد الرعية ويشق الكنيسة.

(أ) القديس كليمندس أسقف روما:

ومن المواقف التي سجلها التاريخ في هذا الشأن قصة تمرد وعصيان حدثت في كنيسة كورنثوس قبيل سنة 95 ميلادية، أراد فيها بعض من الناس أن يطردوا مجموعة من الإكليروس ويستبدلوهم بآخرين على غير أساس سليم، فأرسل إليهم القديس كليمندس أسقف روما رسالة مشهورة، مازالت محفوظة، كتبها ما بين سنة 95 – 98م، يحثهم فيها على السلام والوفاق والمحبة والخضوع، وأشار فيها في الفصل (44) إلى أن: "هؤلاء الإكليروس الذين يقومون بعملهم الليتورجي أخذوا هذه السلطة من الآباء الرسل، ولا يستطيع أحد القيام بتغييرهم".
وكانت هذه إشارة مبكرة جدًّا إلى فكرة قانونية الخدام والرسامات والخلافة الرسولية. وجاء في هذه الرسالة شرح معنى التسلسل الرسولي وديمومة الكهنوت ابتداء من الفصل (41)، حيث قال أيضًا القديس كليمندس: "هؤلاء الرسل أقاموا مختاري الروح القدس أساقفة وشمامسة".
وقد ضرب لهم مَثَل: مشكلة إدعاء "قورح وداثان وأبيرام" الكهنوت، وكيف أن عصا هرون أفرخت كعلامة سمائية على اختيار الله لهرون، لكي يفهموا أنه منذ البدء كان هناك رتبة كهنوتية مختارة من الله، لتخدم الشعب والرعية، وأنه لا سلطان لأحد بأن يطرد أو يبدل الإكليروس في الكنيسة، وكتب لهم في ذلك بكل سلطان: "يا مَنْ كنتم سببًا للفوضى، اخضعوا لشيوخكم، اصلحوا نفوسكم بالتوبة، احنوا ركب قلوبكم، تعلموا الطاعة، اطرحوا عنكم جانبا الإدعاء ووقاحة اللسان المتكبر، أفضل أن تكونوا صغارًا في قطيع المسيح لا مشهورين خارج الرجاء المسيحي" (فصل 53: 1-3).
وفي الفصل الرابع والأربعون يقول القديس كليمندس بواضح العبارة: "ولقد علم الرسل أيضًا، بواسطة ربنا يسوع المسيح، أنه ستحدث منازعات على رتبة الأسقفية، ولهذا السبب، وبقدر ما كان لهم سابق علم كامل بهذا الأمر. عينوا أولئك الخدام المذكورين من قبل، ثم وضعوا بعد ذلك هذه القاعدة: بعد أن يرقد هؤلاء يخلفهم في خدمتهم رجال آخرون مختبرون".

(ب) القديس أغناطيوس أسقف أنطاكية:

والقديس أغناطيوس أسقف أنطاكية سنة 70م، له كتابات تحذر من التعامل مع أناس هراطقة فرضوا أنفسهم على المجتمع الكنسي، وكأنهم آباء شرعيون، مع أنهم مزيفون.. فيقول:
+ "احذروا ممن هم على هذه الشاكلة، وذلك بتجنبكم الكبرياء، وباتحادكم مع ربنا يسوع المسيح ومع الأسقف ومع تعاليم الرسل".
+ "مَنْ كان داخل المذبح فهو النقي، ومَنْ عمل خارج إرادة الأسقف والقساوسة والشمامسة فضميره غير نقي" (الفقرة السابقة من رسالته إلى أهل تراليا).
+ "ابتعدوا عن هذه الأغصان الطفيلية، لأنها تحمل أثمارًا سامة، تقتل كل مَنْ يتذوقها فورًا. لم تكن هذه الأغصان من غرس الآب، لو كانت من غرسه لظهرت فروعًا للصليب، وكانت ثمارها غير فاسدة" (الفقرة 11 من نفس الرسالة).
وفي رسالة القديس أغناطيوس إلى أهل "فيلادلفيا" حذرهم من نفس الخطر إذ قال:
+ "اهربوا يا أولاد النور الحقيقي، من الانقسامات والعقائد الفاسدة، اتبعوا راعيكم كالخراف. اتبعوه حيث يكون. ما أكثر الذئاب التي تحاول أن تأسر باللذة الشريرة، أولئك الذين يجتازون طريق الرب. لا مجال لمثل هؤلاء في وحدتكم" (الفقرة الثانية).
+ "ابتعدوا عن الحشائش السامة، التي لا يحرسها المسيح، لأنها ليست من أغراس الرب. مَنْ اتبع الشقاق، لا يرى ملكوت الله. ومَنْ اتبع فكرة غريبة، لا ينسجم مع آلام المسيح" (الفقرة الثالثة).
+ "إياكم والاشتراك إلاّ في سر الشكر الواحد، لأنه لا يوجد غير جسد واحد لربنا يسوع المسيح، وكأس واحد توحدنا بدمه، ومذبح واحد، كما يوجد أسقف واحد مع القساوسة والشمامسة ورفقائي في الخدمة، وهكذا تتممون في كل شيء إرادة الله" (الفقرة الرابعة).
+ "لا يقطن الله حيث يكون الغضب والشقاق. الله يغفر لكل التائبين بشرط أن تقودهم توبتهم إلى الوحدة مع الله ومع مجمع الأسقف" (الفقرة الثالثة).
ولقد أثيرت مشكلة أخرى عالجها القديس أغناطيوس وهي: أن بعض المؤمنين اعتقدوا بأنه من غير الضروري أن يشتركوا في الإفخارستيا التي يقيمها أسقف المنطقة، وأقدموا على تكوين جماعات تقسم الكنيسة، وتقيم قداسات خاصة بهم. فكتب إليهم:
+ "لا تأتوا عملاً يخص الكنيسة بدون الأسقف. الإفخارستيا الشرعية هي التي تتم بواسطة الأسقف، أو مَنْ ينتدبه الأسقف" (سميرنا 8: 1).
+ "حيثما يكون الأسقف فهناك الرعية، كما أنه حيثما يكون المسيح فهناك تكون الكنسية الجامعة" (سميرنا الفقرة الثالثة).

(ج) مشكلة ملاتيوس أسقف أسيوط:

وفي مصر برزت مشكلة أيام البابا "بطرس" خاتم الشهداء، تلك هي أمر الشقاق الذي أحدثه "ملاتيوس" أسقف أسيوط. لقد كان هذا الأسقف معاصرًا للإمبراطور "دقلديانوس" مضطهد المسيحيين، الذي قبض عليه وأودعه السجن، فبدلاً من أن يعترف بإيمانه جهارًا لينال إكليل الشهادة ويكون في ذلك قدوة لرعيته، ورغم أن البعض من اخوته الأساقفة قد ذهبوا إليه في سجنه يحضونه على الثبات على الإيمان، إلاّ أننا نراه يضعف أمام الاضطهاد ويخاف على حياته، فيبخر للأوثان منكرًا ديانته!! على أنه عاد فندم ورجع إلى الديانة المسيحية، ولكنه بدأ يرسم أساقفة بدون إذن من رئيسه البابا بطرس خاتم الشهداء، مغتصبًا بذلك حقًا من حقوقه.
ويبدو أنه قد تمادى في عصيانه فرسم حوالي 30 أسقفًا، فاضطر البابا "بطرس" خاتم الشهداء إلى عقد مجمع مكاني قرر حرمه وأساقفته معه، ولكن "ملاتيوس" لم يخضع لحكم المجمع واستمر في طغيانه، فحدث تبعًا لذلك شقاق بينه وبين بطاركة الكرازة المرقسية الذين عاصروه.
وقد تم مناقشة أمر "ملاتيوس" أسقف أسيوط في مجمع نيقية، وقرر المجمع حفظ حقوق بابا الإسكندرية الواجبة على مرؤوسيه، كما حفظ حقوق أساقفة رومية وأورشليم وأنطاكية أيضًا.
ثم أرسل المجمع رسالة إلى المصريين، ضمنها حكمه في هاتين المسألتين، قال فيها: "إننا إذا راعينا الحقيقة، نجد أن ملاتيوس لا يستحق إكرامًا أو صفحًا على ما اقترفه من أمر الشقاق الذي أحدثه، إلا أن الشفقة والحنان يحتمان علينا أن نعامله بالرأفة واللطف، ولذلك أذن له المجمع بالإقامة في بلدته مسقط رأسه، وأمره ألا يمارس أية وظيفة كهنوتية، سواء أكانت رسامة أحد أو ترشيح أحد للرسامة، ويتحتم عليه عدم الظهور في أي إقليم أو مدينة بهذا المنظر، ولا أن يدّعي شيئًا حرّمه عليه المجمع، بل تبقى له صفته الشخصية فقط. أما الذين عيّنهم هو في وظائف وثبتوا فيها بواسطة رسامة قانونية فيجب قبولهم في عضوية الكنيسة بالشروط التالية وهي: أن تبقى لهم وظائفهم ورتبهم ولكنهم يعتبرون أقل درجة في كل شيء من الآخرين الذي عينهم رئيسنا المحترم البابا اسكندر.. وعليه فإذا سن قانونًا آخر غير هذا أو حدثت رسامة كاهن ليست قانونية فيكون لغبطة الحبر المفضال البابا الكسندروس حق التدخل في هذا الأمر وأن يفحص فحصًا دقيقًا ويبت فيه بحكمه، لأنه ليس بصاحب صوت فقط في الذي يحدث ولكن له الرئاسة العليا والسلطة التامة في تنفيذ أي عمل يريده.
لقد صار الأمر مؤيدًا بقرار من مجمع مسكوني أنه لا يجوز لأحد أن يرسم أسقفًا في إيبارشية بابا الإسكندرية إلا بابا الإسكندرية نفسه مع مجمع الكنيسة القبطية حفاظًا على سلام الكنسية وعدم الانشقاق بحفظ التسلسل الرسولي الصحيح.

(6) هل إثبات التسلسل الرسولي الكهنوتي كافي لإثبات شرعية أي كاهن؟

إن الخلافة الرسولية ليست مجرد اتصال تاريخي بين الأساقفة والرسل، بل هي قبل ذلك اتصال في التعليم الصحيح والإيمان الأرثوذكسي السليم.
فاليهود كانوا يفتخرون بأنهم أبناء إبراهيم، ولكن لم يكن افتخارهم حسنًا لأنهم لم يسلكوا في خطوات إيمان أبينا إبراهيم..
+ "أجابوا وقالوا لهُ: أبونا هو إبراهيمُ. قالَ لهُمْ يَسوعُ:»لو كنتُم أولادَ إبراهيمَ، لكُنتُمْ تعمَلونَ أعمالَ إبراهيمَ!" (يو8: 39).
+ "لأنَّ اليَهوديَّ في الظّاهِرِ ليس هو يَهوديًّا، ولا الخِتانُ الذي في الظّاهِرِ في اللَّحمِ خِتانًا" (رو2: 28).
+ "لأنْ ليس جميعُ الذينَ مِنْ إسرائيلَ هُم إسرائيليّونَ، ولا لأنَّهُمْ مِنْ نَسلِ إبراهيمَ هُم جميعًا أولادٌ. بل بإسحاقَ يُدعَى لكَ نَسلٌ" (رو9: 6-7).
+ "اعلَموا إذًا أنَّ الذينَ هُم مِنَ الإيمانِ أولئكَ هُم بَنو إبراهيمَ" (غل3: 7).
+ لقد صار إبراهيم "أبًا للخِتانِ للذينَ ليسوا مِنَ الخِتانِ فقط، بل أيضًا يَسلُكونَ في خُطواتِ إيمانِ أبينا إبراهيمَ" (رو4: 12).
فنحن لا ينبغي لنا أن نتشبه باليهود الذين افتخروا بانتسابهم جسديًا لإبراهيم، بل يجب أن نحفظ نفس التقليد والتعليم والإيمان الذي للآباء القديسين.
والوظيفة الأولى للأسقف في الكنيسة هي التعليم، ويجب أن يكون التعليم وفق التقليد الرسولي السليم. واعلان الإيمان هو جزء أساسي في طقس سيامة الأسقف، حيث يتعهد بالحفاظ على الإيمان الأرثوذكسي وتقليد الآباء. ويشترط في سيامة الأسقف أن يشترك ثلاثة أساقفة على الأقل مع الأب البطريرك للدلالة على أن الأسقف المرتسم يدخل في شركة الإيمان الواحد مع باقي الإيبارشيات، وعلى أن انتخابه على هذا الكرسي هو انتخاب شرعي.
وقد حرصت كنيستنا القبطية أن يحضر السيامات لا 3 أساقفة فقط بل كل المجمع المقدس برئاسة قداسة البابا.
إذًا ينبغي أن يكون الأسقف مُقامًا بسيامة قانونية سليمة منحدرة من الآباء، ثم يستمر هو نفسه في حفظ الإيمان والتعليم الصحيح بحسب التسليم الرسولي:
+ "تمَسَّكْ بصورَةِ الكلامِ الصَّحيحِ الذي سمِعتَهُ مِني، في الإيمانِ والمَحَبَّةِ التي في المَسيحِ يَسوعَ. اِحفَظِ الوَديعَةَ الصّالِحَةَ بالرّوحِ القُدُسِ السّاكِنِ فينا (2تي1: 13-14).
+ "وما سمِعتَهُ مِني بشُهودٍ كثيرينَ، أودِعهُ أُناسًا أُمَناءَ، يكونونَ أكفاءً أنْ يُعَلموا آخَرينَ أيضًا" (2تي2: 2).
+ "مُلازِمًا للكلِمَةِ الصّادِقَةِ التي بحَسَبِ التَّعليمِ، لكَيْ يكونَ قادِرًا أنْ يَعِظَ بالتَّعليمِ الصَّحيحِ ويوَبخَ المُناقِضين" (تي1: 9).
+ "إلَى أنْ أجيءَ اعكُفْ علَى القِراءَةِ والوَعظِ والتَّعليمِ" (1تي4: 13).
+ "لاحِظْ نَفسَكَ والتَّعليمَ وداوِمْ علَى ذلكَ، لأنَّكَ إذا فعَلتَ هذا، تُخَلصُ نَفسَكَ والذينَ يَسمَعونَكَ أيضًا" (1تي4: 16).
+ "فتشوا الكُتُبَ لأنَّكُمْ تظُنّونَ أنَّ لكُمْ فيها حياةً أبديَّةً. وهي التي تشهَدُ لي" (يو5: 39).


منقـــول
 

kalimooo

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 يونيو 2008
المشاركات
143,884
مستوى التفاعل
1,787
النقاط
113
الإقامة
LEBANON



موضوع روحي مميز

اخي النهيسى

يسوع يعطينا نعمة حفظ تعاليمه

ربنا يبارك مجهودك

 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,326
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus
العدرا معاااكم

شكرا للمرور الغااالى الكريم جدا
 
أعلى