قبر.: قبر.
1) موضع القبور. تشهد التقاليد الأربابية (نسبة إلى ربّ العائلة) إلى استعمال المغاور الطبيعيّة كموضع للدفن بقرب الأماكن المأهولة : اشترى ابراهيم في حبرون أرضًا فيها مغارة المكفيلة. ودُفن فيها ابراهيم وسارة (تك 23 :19؛ 25 :9). واعتبر الكاتب الكهنوتيّ أنّ اسحق ورفقة، يعقوب وليئة، قد دفنوا في تلك المغارة (تك 49 :29-30؛ 50 :13). حسب تك 50 :5 (رج 47 :30 حيث الأصل هو ضمير المتكلّم المفرد "مقبرتي" لا الغائب الجمع "مقبرتهم")، حفر يعقوب لنفسه قبرًا في الأرض التي اشتراها في شكيم (تك 33 :19)، وحيث دُفن ابنه يوسف فيما بعد (يش 24 :32). كلّ هذه التقاليد حول موضع مدافن الآباء، تتضمّن امتلاك أرض، وحياة حضريّة للمجموعة القبليّة مع ارتباط بالجدّ (أو : أبي القبيلة) الذي وهب اسمه للمنطقة. والتقليد الذي يجعل الإنسان يُدفن في أرضه، نجده مرارًا في البيبليا : يشوع دُفن "في أرض ميراثه، في تمنت سارح التي في جبل افرايم" (يش 24 :30). وصموئيل دُفن "في بيته"، أي في ملكه، في الرامة (1صم 25 :1؛ 28 :3). ويوآب "في بيته" الذي يقع في البريّة (1مل 2 :34). والملك منسّى في "بستان قصره، في بستان عزّا" (2مل 21 :18؛ 2أخ 33 :20 : "في قصره"). في زمن العهد الجديد، هيّأ يوسف الرامي لنفسه مدفنًا في بستانه (مت 27 :57-60؛ مر 15 :46؛ لو 23 :50، 53؛ يو 19 :41). مقابل هذا، هاجم إشعيا شبنا قيّم البيت ( القصر الملكيّ) الآتي من مملكة الشمال، لأنّه له قبرًا في أورشليم، فقال له : "ما لك هنا، ومن لك هنا حتى نقرت لك قبرًا هنا" (إش 22 :16-17)؟ في عصور البرونز والحديد II، III، نجد مرات عديدة، قبورًا تقع قرب الأماكن المأهولة : ذاك كان الوضع في أورشليم بالنسبة إلى القبور الملكيّة. ولكن معظم القبور في عصر الحديد، جُعلت خارج سور المدينة. ولكن حين نمت المدينة (ولا سيّمَا أورشليم)، وبُنيت حولها أسوار متعاقبة، وُجدت مقابر داخل المدينة بعد أن كانت في الأصل خارجًا. بعد المنفى، ما عاد هذا الوضع يُطاق بسبب قواعد الطهارة التي صارت دقيقة : ثار حزقيال على دفن الملوك في القصر الملكيّ، داخل المدينة، قرب الهيكل (حز 43 :7-9). إنّ قبور أورشليم في الحقبة الملكيّة كانت موضوع دراسات عديدة : كانت تحيط بالمدينة كلّها، وكانت محفورة في منحدر الوادي : مدافن سلوان. مدافن وادي هنوم. وتواصلَ هذا التقليدُ في الحقبة الهلنستيّة والرومانيّة مع بناء مدافن في وادي قدرون، شرقيّ ساحة الهيكل. ونقلاً عن المدافن العائليّة التي ظلّت تستعمل مدّة قرن من الزمن، وُجدت قبور عامّة للفقراء (إر 26 :23). 2) شكل المدافن. في نهاية الألف الثاني وخلال الألف الأول، كان الشكل العاديّ للقبور، ذاك المنحوت في الصخر والمتضمّن عدّة غرف جنائزيّة. عرف هذا الشكل عدّة أنماط مختلفة، فبدا التطوّر واضحًا. في زمن الحديد، كان المدفن قاعة مركزيّة تنفتح على عدّة غرف جنائزيّة. كانت في هذه الغرف مقاعد صغيرة (تتراوح بين مقعد وسبعة مقاعد)، مع موضع للرأس حُفر في الصخر كما على مخدّة. وكانوا يحفرون في الأرض أو تحت المقاعد حفرة تُحفظ فيها العظام. كانت تُغلق قاعة الدخول بحجر كبير. كانوا يضعون مع جثّة الميت الأشياء الخاصة به (الحلى، والأختام...)، مصابيح وتقادم في آنية : فالقبور التي لم تفتح للسلب، تضمّنت أواني فخاريّة عديدة. وكانت القبور بشكل هندسيّ (قبور خربة الكوم، خربة بيت لاي، تل ايتون، وقبور أورشليم في سلوان ووادي هنوم). في الحقبة اليونانيّة والرومانيّة، تحدّدت هندسة القبور (مريشه، أورشليم). توسّع المدخل فصار واجهة كبيرة. فالرواق والغرف الجنائزيّة هي قاعات مكعّبة، وصار للمقاعد وسادة من حجر. منذ القرن 2 ق.م.، نجد في فلسطين مدافن هي كوّة عميقة وضيّقة محفورة بشكل عموديّ تجاه القاعة المركزيّة. في القرن الأول ق.م.، ثمّ بعد المسيح، صار موضع العظام صناديق مستقلّة من حجر يعلوها غطاء من حجر بشكل سقف بطبقتين (على مثال المجمع أو الهيكل). وقد جُعلت صور هندسيّة على مواضع العظام هذه. في القرن الأول ب. م، كانت تُغلق القبورُ بحجر اسطواني كبير يدحرج في مكان مدعّم (مدفن الملوك، مدفن عائلة هيرودس في أورشليم). في قبر من هذا النمط، حفره يوسف الرامي نفسه قد دُفن يسوع بعد موته على الصليب (مت 27 :57-61؛ مر 15 :42-46؛ 16 :3-4؛ لو 23 :50-53؛ 24 :1-2؛ يو 19 :38-42؛ 20 :1-8). 3) الزينة والكتابات. في أرض اسرائيل. كما في الشرق الأوسط كلّه، كان الدفن في القبر العائليّ علامة حياة عاديّة، مليئة بالأعمال، حياة مباركة. فنقرأ عبارة تتكرّر مرارًا : "انضمّ إلى آبائه". أو "دُفن مع آبائه". "مع عشيرته" (تك 49 :29؛ 2صم 2 :32؛ 17 :23؛ 1مل 14 :31؛ 15 :24؛ 22 :51؛ 2مل 8 :24؛ 12 :22؛ 14 :20؛ 15 :7-38؛ 16 :20؛ 22 :20؛ رج نح 2 :3؛ 5). مقابل هذا، عدم الدفن مع عائلته، أو عدم الدفن كليًّا، كان علامة شقاء كبير ولعنة (2مل 9 :10؛ إر 8 :2؛ 16 :4، 6؛ 25 :33 مز 79 :3). كان الدفن من مسؤوليّة العيلة والأصدقاء، أي الزوج والزوجة والأولاد. وكان يجب عليهم أن يؤمّنوا التقدمات والطقوس الجنائزيّة، ويدلّوا على ذلك بزينة كبيرة جدًّا. فكما في التقليد الفينيقيّ والفونيقيّ (مثلاً، أكزيب في فلسطين)، كان نصُب يدلّ على القبر، كما فعل يعقوب على قبر راحيل (تك 35 :20). وكانوا يضعون كومة من الحجارة (2صم 8 :17). كان باستطاعة بعض الوجهاء أن يهيّئوا مدفنهم وهم أحياء (2صم 18 :18). ذاك كان وضع مدفن ابنة فرعون الذي جُعل فوقه إفريز وحرم، ويعود إلى القرن 8 ق.م. وتوسّعت هذه المباني الجنائزيّة في الحقبة الهلنستيّة والرومانيّة : قبر المكابيّين الذي يُرى من البعيد (1مك 13 :27). قبر يوشافاط وقبر ابشالوم شرقيّ ساحة الهيكل. قبر القديس يعقوب وقبر زكريا. وإذا عدنا إلى المدوّنة نفهم أننا أمام مدافن عائلة بني حيزير الكهنوتيّة (1أخ 24 :15). في الحقبة الرومانيّة، إذا جلعنا جانبًا الهيروديّين ومدفن عائلة هيرودس، فقد صارت المدافن تحت الأرض : قبر الملك أو قبر الملكة هيلانة الحديابيّة. هناك مدافن عديدة في أورشليم وخربة اكوم، تعود إلى القرن 8 ق.م.، فتتضمّن كتابات جنائزيّة. مثلاً، في مدفن في سلوام، نفهم أن صاحبه كان "قيّم القصر" فدفن مع امرأته (أو سريته) ولم يكن في قبره ذهب ولا فضّة. وتنتهي الكتابة بلعنة ضدّ من ينتهك هذا القبر. ضاع اسم صاحب القبر. فاقترح بعضهم : شبنياهو (رج شبنا، أش 22 :15-16). ووُجدت بجانب هذه المدوّنة الكبيرة، مدوّنة صغيرة تدلّ على موضع الغرفة الجنائزيّة (خ و ر). في الزمن الهلنستي والروماني، وُجدت مدوّنات عديدة دلّت على اسم الميت عند المدخل أو على الناووس.
1}