قمران: قمران
اسم سيل في واد يصبّ في القسم الشماليّ الغربيّ للبحر الميت. وعلى بعد كلم واحد من شاطئه، وُجدت مغاور اكتُشف فيها ابتداء من سنة 1947 ما يسمّى مخطوطات قمران، كما اكتشفت خرائب تمّ التنقيب عنها. أولاً : الخرائب. كشفت الخرائب أن الناس أقاموا أوّلاً في هذا المكان من سنة 135 إلى سنة 31 ق.م. ثمّ طُردوا منها بفعل هزّة أرضيّة أو حريق. وعادت الحياة من سنة 1 إلى سنة 68 حين جاء الرومانيّون فأقاموا في المكان قبل أن يدمّروه. ما يلفت النظر في قمران هو كثرة القنوات والآبار والأجران الضروريّة لطقوس التطهير. واكتشف المنقّبون أيضاً موضعًا للكتابة، قاعة طعام مع مئات الأوعية ومطبخًا مع فرن، ومقبرة محايدة. لم يُكتشف أي رقّ، بل بعض العظام. لم يجد المنقّبون غرف النوم. فأعضاء جماعة قمران كانوا ينامون في المغاور أو تحت الخيام. ووُجدت قطع نقود تساعدنا على تحديد الزمن الذي أقام فيه الناس هنا. وجرت حفريات إضافيّة على بعد 3 كلم إلى الجنوب من قمران فظهرت أبنية استعملت كمخازن أو مدابغ ثم جدران لحماية المزروعات. أما القطع الفخاريّة والنقوديّة فهي تشبه تلك التي وجدت في قمران. فظنّ المنقّبون أن هذه الأبنية كانت تستعمل لحاجات أعضاء الجماعة الماديّة. ثانيًا : الجماعة. عرّفنا بلينوس الأكبر وفيلون الاسكندراني وفلافيوس يوسيفوس بوجود جماعة من المتشيّعين اليهود. إنهم الاسيانيّون. صوّروهم على الطريقة الهلينيّة : يحتقرون الجسد والزواج. ولكن لم نجد هذه الفكرة في مخطوطاتهم. جعل يوسيفوس هؤلاء الاسيانيّين بجانب الصادوقيّين و الغيورين و الفرّيسيّين. قد يكون الاسيانيّون خرجوا من الحسيديم كالفرّيسيّين. انطلقوا من ممارسة الشريعة ممارسة دقيقة وساندوا الحرب من أجل تحرير الوطن بقيادة المكابيّين. ولكنهم تركوا المكابيّين حين حصل يوناتان المكابي لنفسه (152 ق.م.) على لقب رئيس الكهنة مع أنه لا يتحدّر من هرون (1مك 10 :0 2؛ 11 :27، 57؛ رج 7 :9-18). في هذا الوقت وُلدت بلا شكّ حركة الفرّيسيّين التي هي حركة دينيّة في جوهرها، وحياديّة من الوجهة السياسيّة. كما وُلدت الحركة الاسيانيّة التي قرّرت أن تترك أورشليم المساومة مع المحتلّ اليونانيّ والرومانيّ، وأن تقيم في بريّة يهوذا لتُهيِّئ الطريق لمجيء الله الاسكاتولوجي. وكانت تعتبر أن هذا المجيء قريب وأنه سيسبقه وصول مسيح بل مسيحَين، واحد من داود وآخر من هرون. واعتبرت الجماعة نفسها أنها ترتبط بعهد جديد مع الله في البريّة. ولكن هذا لا يمنعها من أن تكون منطبعة انطباعًا عميقًا بالشريعة والطقوس. ما يهيِّئ مسبقًا المؤمن للمشاركة في جماعة المختارين هو تتميم الشريعة تتميمًا دقيقًا بالروح والماء. وتتكلّم كتابات قمران أيضاً عن معلّم البر وهو الذي اجتذب الإسيانيّين إلى قمران. كان كاهنًا متحدّرًا من هرون ومن صادوق أيضاً وقد كتب سفر الشكر. اضطهده "الكاهن الشرير" الذي هو بلا شك يوناثان. حوالي سنة 100 ق.م. ازدهرت الجماعة ازدهارًا خاصًّا. ويشهد على ذلك توسيع الأبنية في ذلك الوقت. وقد يكون بعض الفرّيسيّين انضمّ إلى الاسيانيّين خلال اضطهادات يوحنا هرقانوس واسكندر جنايوس، التي تلمّح إليها أخبار قمران. بعد توقّف دام ثلاثين أو أربعين سنة، سكنت قمرانَ جماعةٌ من النمط عينه ندّدت بكتيم (أي الرومانيّون). دُمّر المكان حوالي 68 ب.م. ووُضعت كتابات الجماعات في المغاور لتُحفظ. كما انضمّ بعض الأسيانيّين إلى المقاومين في مصعدة. أمّا الكتابات فاكتشف بعضها في العصور القديمة : القرن الثالث، القرن الثامن. واكتشف العلماء في خزانة القاهرة نسخة عن وثيقة دمشق (كتاب قمران). وهذا يدلّ على تأثير الأسيانيّين على شيعة قرايم (اي القارئون). يقدّم "نظامُ الجماعة" قواعد الدخول : فحص تمهيديّ على يد "مراقب"، نذور، طقس تطهير سيتكرّر مرارًا فيما بعد. في هذه المرحلة يحتفظ كلّ واحد بممتلكاته. ويُدعى المبتدئ لكي يسلّمها إلى "المراقب" في نهاية السنة الأولى. وفي نهاية السنة الثانية تعطى للجماعة، وحينئذ يشارك المبتدئ في كلّ الشعائر وبالأخص رشّ الماء والوليمة الدينيّة. لم نجد في مخطوطات قمران أي ذكر للبتوليّة التي تحدّث عنها بلينوس ويوسيفوس وفيلون. وإنّ التنقيب في المقابر أبرز عظام نساء وأولاد موضوعة على حدود المقابر. أما في الوسط فلا نجد إلاّ عظام رجال موجّهة بدقّة إلى الشمال أي إلى أورشليم. نستطيع أن نستنتج أن البتوليّة كانت محصورة بالنخبة مع دعوة إلى ممارسة فرائض لا 22 :2، 4. ثالثًا : فائدة هذه الاكتشافات. إنّ اكتشافات مخطوطات قمران مهمّة من أجل معرفة نص التوراة وقانونها والتعرّف إلى الأوساط اليهوديّة في أيام يسوع وإلى بعض بدايات التوسّعات اللاهوتيّة الخاصّة بالمسيحيّة. مثلاً : اكتشف العلماء أن جماعة قمران تتبع روزنامة تختلف بعض الشيء عن الروزنامة الشمسيّة الرسميّة المعمول بها في أورشليم منذ أيام أنطيوخس الرابع ابيفانيوس. وقال بعضهم : إنّه من الممكن أن تتّفق الاختلافات في العهد الجديد حول موعد العشاء السرّي، إذا افترضنا أنّ يسوع اتّبع الروزنامة الشمسيّة المعمول بها لدى الأسيانيّين فاحتفل بالعشاء الأخير خلال وليمة فصحيّة (مر 14 :12). وهكذا يكون العشاء السرّي يوم الثلاثاء مساء والصلب يوم الجمعة (مر 15 :42). حين يؤكّد يوحنا أن يسوع مات ليلة الفصح (يو 18 :28؛ 19 :14) فهو يلمّح إلى الفصح الرسميّ كما يحتفلون به في أورشليم لا إلى الفصح الذي احتفل به يسوع وتلاميذه حسب روزنامة الأسيانيّين. وان قمران مهمّة من أجل أصول المسيحيّة. فكرازة يوحنا المعمدان مركّزة على مجيء دينونة قريبة يهيِّئ لها العماد. وفوق هذا، فالمعمدان هو صوت صارخ في البريّة. هذه العبارة المأخوذة من أشعيا طبّقتها الجماعة على نفسها. ونشدّد أيضاً على نقطة مشتركة وهو التعليم عن الروح الذي سيرتبط بالمعموديّة. فتعليم قمران عن الروحين معروف : روح الحق والأمانة (رج يو 15 :26؛ 16 :13) الذي يقود الأبرار ويعطى لهم خلال احتفالات التطهير بالماء، وروح الفساد الذي يجرّ الأشرار إلى هلاكهم. غير أن فكرة الرسالة التي يكرز بها يوحنا هي غريبة عن قمران. هذا يعني أنه وإن اتّصل يوحنا بأهل قمران إلاّ أنّه انفصل عنهم. وهناك أيضاً نقطة مشتركة مع المسيحيّة : تنظيم الجماعة (رج أع 6 :2، 5؛ 15 :12) حيث نجد مجموعة الرسل الصغيرة. وصورة الأسقف في أع 20 :28؛ تي 1 :7-9؛ 1تم 3 :2-7 تذكّرنا بصورة المراقب (الأسقف. ابيسكوبوس : ينظر من فوق إلى الأمور) في وثيقة دمشق أو وثيقة صادوق. ثمّ إنّ المشاركة في الخيرات كما عاشتها جماعة أورشليم تشبه بعض الشيء تنظيم جماعة قمران. ويبدو أن هناك مشابهات بين الحياة الرهبانيّة والحياة القمرانيّة. رج مخطوطات البحر الميت.
1}