تسالونيكي: تسالونيكي
نصر تسالية. مدينة تجاريّة في مكدونية. تقع على خليج ترميس وعلى الطريق الأغناطيّة. إنّها في الواقع مستوطنة ترميس اليونانيّة التي أسّسها في نهاية القرن 4 ق.م. كساندريس ملك مكدونية. ولكنه سمّاها باسم امرأته تسالونيكي شقيقة الاسكندر الكبير (كما يقول سترابون 7 : 20-21). ازدهرت تسالونيكي على أيام الرومان الذين احتلّوا المدينة بعد معركة فدنة (168 ق.م.). وجعلوها (سنة 146) عاصمة مكدونية. بعد معركة قرب فيلبّي (42 ق.م.)، صارت تسالونيكي مدينة حرّة مع مجلس شيوخ خاص بها (أع 17 : 8، رج المدوّنات). في أيام بولس كانت جماعة يهوديّة في تسالونيكي. وعظ الرسول في المجمع ولكنّه لم يلق نجاحًا. فتوجّه إلى الوثنيّين وأسّس معهم جماعة مسيحيّة مؤلّفة بشكل خاص من الصنّاع والتجّار الصغار. فأثارت هذه الرسالة غضب اليهود. حينئذ أجبر بولس على الهرب (سنة 51) (أع 17 : 1-9). زار بولس المدينة، على ما يبدو، خلال رحلته الرسوليّة الثالثة (أع 20 : 1 ي). كتب بولس (أو تلاميذه) إلى جماعة تسالونيكي رسالتين هما 1 تس و 2تس. كان له رفيقان من تسالونيكي هما أرسترخس وساكوندوس. تسالونيكيّين (الرسالتان الى الـ ~) أولاً : المناسبة. حين ترك بولس تسالونيكي بصورة مفاجئة، أبقى معاونيه تيموتاوس وسيلا في مدينة بيرية المجاورة (أع 17 : 9-14). بعد هذا، تبعاه وحملا إليه أخبارًا غير مطَمئنة (أع 17 : 14 ي). أراد بولس أن يزور الجماعة شخصيًّا، فعاقه الشيطان (1تس 2 : 18). لهذا أرسل تيموتاوس ليثبّت المسيحيّين في الإيمان (1تس 3 : 2). وفي السنة التالية حمل تيموثاوس تقريرًا إلى بولس الموجود في كورنتوس (أع 18 : 5)، وأرفقه ببعض الأسئلة (رج 1كور 7 : 1، 2، 5؛ 8 : 1. ان 1تس 4 : 9، 13؛ 5 : 1 هي جواب على أسئلة مطروحة). حينئذ أرسل بولس رسالتين، الواحدة بعد الأخرى بقليل وذلك سنة 51. يظنّ بعض الشرّاح أن 2تس دوّنت قبل 1تس. ولكن القانون القديم (مرقيون، موراتوري) لايعرف إلاّ الترتيب الحالي : 1تس ثمّ 2تس. أما الدراسات الاخيرة فتجعل 2تس بعيدة في الزمن عن 1تس. ففي 1تس مجيء الربّ قريب أما في 2تس فيعتبر المؤمنون أن الرب جاء، بحيث ما عادوا ينتظرون شيئًا، فيعيشون دون رادع يردعهم. ثانيًا : المضمون والتصميم. المواضيع الرئيسيّة في 1تس و2تس هي الاسكاتولوجيا ومجيء المسيح الأخير. تألم التسالونيكيّون كثيرًا من عداوة اليهود الذين أفرغوا بغضهم لبولس على المسيحيّين (1تس 1 : 6). حينئذ أحسّ المسيحيّون في ألمهم برغبة جامحة نحو عودة الربّ. ولكن بعض أهلهم مات قبل أن يشارك في عودة المسيح. كان بولس قد اكتفى في كرازته بما نجده في الأناجيل الإزائيّة التي لا تعالج هذه المسألة. ثمّ إنّ هذه الوجهة لم تُطرح قبل موت المؤمنين الأولين. (أ) لهذا قدّم بولس عرضًا عن عقيدة القيامة ومجيء الربّ (4 : 13-18). إنّ قيامة المسيح هي عربون قيامتنا (4 : 14؛ رج 2كور 4 : 14). فالذين يبقون أحياء وقت المجيء لن يكون لهم فضل على الموتى (1تس 4 : 5). فالموتى سيقومون أوّلاً ثمّ يأتي الأحياء الذين يدخلون معهم في السعادة (4 : 17). إذن، لن يموت هؤلاء (رج 1كور 15 : 51؛ 2كور 5 : 1-5). وعبارة "نحن الذين نبقى أحياء" (1تس 4 : 15، 17) لا تعني أنّ بولس سيكون حيًّا في زمن المجيء. إنّها تدلّ على أناس يكونون أحياء في ذلك الوقت. وهذا واضح من الطريقة التي بها يعالَج السؤال التالي : متى يكون المجيء (1تس 5 : 1-11)؟ يذكر بولس تعليم الإنجيل : نحن نجهل الزمن. فعلى الإنسان أن يكون دائم الاستعداد. التصميم. بعد المقدّمة (ف 1) يتحدّث الرسول في 1تس عن إقامته لدى التسالونيكيّين وعن رغبته في أن يراهم من جديد وعن فرحه بثباتهم (ف 2-3). يعالج في القسم التعليميّ واجبات المؤمنين (1تس 4 : 1-12) ومصير الموتى (1تس 4 : 13-18) والمجيء (1تس 5 : 1-11). وتنتهي الرسالة بسلسلة من التنبيهات القصيرة وبسلامات (1تس5 : 12-22). (ب) ويعود بولس (أو تلاميذه) في 2تس إلى مسألة المجيء. لم يفهم بعضهم الرسالة الأولى. وظنّ بعض المتحمّسين أن المجيء قريب فما عادوا يشتغلون (3 : 6-15؛ رج 1تس 4 : 6-11). هم يتجوّلون ويتسوّلون ويلطّخون اسم الجماعة. وهم لايتردّدون، على ما يبدو، بإرسال كتابات كاذبة ليعطوا قوّة لأفكارهم. خاف منهم بولس (1تس 2 : 2)، ولهذا نبّه المؤمنين إلى توقيعه (2تس 3 : 17). وإذ أراد أن يعيد الطمأنينة إلى المسيحيّين، حدّثهم عن بعض علامات تسبق النهاية (2تس 2 : 1-12). هذا لا يتناقض مع 1تس التي تذكر جهلنا لزمن المجيء : تشكّل العلامات مع المجيء وحدة تامّة تحدث فجأة. يعود بولس إلى كرازته الشفهيّة السابقة (2تس 2 : 5) ويعبّر عن فكرته بالرموز. وهذا هو معنى المقطع : إنّ قوّة الشرّ تعمل منذ الآن (2تس 2 : 7). ولكن هناك حاجزًا يمنع الشرّ من التوسّع بحريّة (2تس 2 : 7). في نهاية الأزمنة سيعرف الشرّ "مجيئًا" (عبر المسيح الدجال - انتيكرست) وينتصر خلال فترة قصيرة من الزمن (2تس 2 : 9 ي). ثمّ تأتي المعركة الحاسمة التي تنتهي بانتصار المسيح (2 : 8). ما هي طبيعة هذا الحاجز؟ هناك نصوص موازية (رؤ 11 : 9-12؛ مت 24 : 14) تقول : كرازة الإنجيل. لا يعلّم بولس في هاتين الرسالتين أن المجيء قريب. ولكننا نشعر أنه يحسب حساب إمكانيّة مجيء قريب (1تس 1 : 10؛ 3 : 13؛ رج 1كور 16 : 22) ويرغب فيه. وأسلوبه الرسوليّ يسير في الخطّ عينه. فهو لا يُعنى بممارسة سرّ المعموديّة (1كور 1 : 14، 16). ثمّ إنّه يجعل في الكنائس التي أسّسها تنظيمًا دائمًا. تصميم 2 تس. بعد التحيّة والشكر لله (ف 2)، يأتي القسم التحريضيّ وفيه يحثّ بولس التسالونيكيّين على الصلاة من أجل عمله وعلى الاحتفاظ من البطالة (3 : 1-5). وتنتهي الرسالة بالسلام والتوقيع. ثالثاً : المواضيع الرئيسية : 1) الحياة المسيحية. شدّد بولس على الفضائل الالهيّة الثلاث، الايمان، الرجاء، المحبّة (1تس 1 : 3؛ 5 : 8؛ 2تس 1 : 3-4) التي يحيا بها التسالونيكيون بحيث صاروا مثالًا لكل الجماعات (1تس 1 : 7). نجد أن بولس يرى أن هذه الفضائل يمكن أن تنمو دائمًا، ويجب أن تنمو. لهذا صارت الحياة المسيحيّة في هذه الصورة لأن المسيحيين قد اختارهم الله ودعاهم (1تس 1 : 4؛ 2 : 12؛ 4 : 7؛ 5 : 27؛ 2تس 1 : 11؛ 2 : 13-14)، وهذا لأنه أحبّهم (1تس 1 : 4؛ 2تس 2 : 13). وهكذا يتمجّد الله بالمسيح، والمسيحيون بالله (2تس 1 : 2). 2) الرسالة. تعطينا هاتان الرسالتان تعليمًا حول عمل الرسول، وحول روحانيّة الرسالة. فمن أجل الانجيل (البشارة) عمل بولس ويعمل (1تس 1 : 5) الانجيل ليس كلامًا وحسب، بل "بقوّة الله والروح القدس، واليقين التام " (1تس 1 : 5). ورغم الجهاد والاضطهادات، لا يستطيع بولس أن ينفلت من هذه القوّة التي يمنحها الله له ليكرز بالبشارة (1تس 2 : 1-2) فيقبل، إذا وجب، أن يبذل حياته (2 : 8). وسيقول بولس في 1كور 9 : 16. "الويل لي إن كنتُ لا أبشّر". هذه الكلمة يجب أن تنتقل بحرية تامّة، بدون ممالقة، بدون طمع (1تس 2 : 5). وإن عرف بولس أن يصوّر نفسه كأمّ تحنو على أولادها (1تس 2 : 7)، إلّا أنه لا يخاف من أن يعطي بعض التوصيات من أجل الكسالى (2تس 3 : 7-8). فهو الذي كان بإمكانه أن يعيش من الانجيل، كما أمر الرب (1كور 9 : 13؛ رج لو 10 : 7)، اعتبر أنه يحسن أن لا يلجأ إلى هذا الحقّ ليأكل خبزًا لم يربحه بعرق جبينه (1تس 4 : 11؛ 2تس 3 : 7-9). 3) المجيء. جاء تعليم بولس من عند الربّ (1تس 4 : 15). فالجميع سوف ينضمّون إلى يسوع إلى الأبد (1تس 4 : 17). أمل بولس أن يكون بين الاحياء (4 : 17)، ولكنه جهل متى يكون المجيء (رج مر 13 : 32). إلّا أن جهله جعله يرجو أن مجيء الرب لن يتأخّر. هذا في 1تس. في 2تس، عاد أحد تلاميذه إلى 1تس فقدّم تعليمًا لمن ظنّ أن يوم الربّ قد جاء. فالمهم لا أن نكون أحياء أو أمواتًا، بل أن نكون متّحدين مع المسيح في إيمان واحد ومحبّة واحدة ورجاء واحد.
1}