• فلسطين: فلسطين اولا : الاسم. هي الارض البيبلية أي المناطق الواقعة غربي الاردن وشرقيه، مع أنه لم يحدث في أي وقت من التاريخ أن تسمّت هاتان المنطقتان باسم واحد. ففي سنة 1919 جعل الانتداب الانكليزي اسم فلسطين لكل ما هو غربي الاردن، وترك شرقي الاردن فجعله دولة الاردن. فهو بذلك اقتدى بالرومان الذين اعطوا، بعد سحق الثورة اليهودية الثانية سنة 135 ب.م. اسم سورية الفلسطينية لمنطقة تقع كلها غربي الاردن. هذه المقاطعة الجديدة حلت محل يهودية هيرودس (نجده في 1مك 9 :1، 10). ان الطابع المصطنع للاسم الروماني (فلسطين) يظهر في أنه يشتق من العبرية فلست (ارض فلشتيم ارض الفلسطيّين). وإن المؤرخين اليونانيين (مثل هيرودوتس) دلوا به على رقعة ضيقة من السهل الساحلي يوافق ارض اتحاد الفلسطيين مع مدنهم الخمسة. إن المناطق الواقعة غربي الاردن وشرقيّه، تسمّت بأسماء خاصة في العهد القديم : كنعان وجلعاد. يفصل بينهما نهر الاردن (تك 10 :19؛ عد 33 :51؛ 34 :2؛ يش 22 :9). دلت كنعان على القسم الاكبر من أرض الموعد. ولكن هذا الاسم دلّ مرات عديدة على البلاد كلها (تك 17 :8). واننا نجد جلعاد في مدلولات مختلفة وبحدود ضيقة (تث 3 :10؛ يش 13 :11؛ قض 10 :7، 18). ثانيا : الحدود والمساحة. مساحة فلسطين أقل من 25000 كلم مربع اذا لم تُعدّ منطقة شرق الاردن الكبيرة والصحراوية التي لا تصل إلى خليج العقبة ولا المناطق الصحراوية الاخرى الواقعة شرقي المناطق المأهولة في شرقي الاردن. تضيق البلاد غربي الاردن من 150 كلم في الجنوب إلى 30 كلم في الشمال. اهم المدن (في الماضي واليوم) : اورشليم (القدس)، ربة (عمان) تفصلهما طريق تزيد قليلا على 100 كلم. ولا تبعد اورشليم إلاّ 80 كلم عن حدود الصحراء في الجنوب قرب بئر سبع. يعتبر العهد القديم الحدود الجنوبية خطاً ينطلق من نقطة واقعة جنوبي غزة (وادي العريش، نهر أو سيل مصر) عبر واحة قادش (عين قديس) إلى نقطة بحر الميت الجنوبية. ومن هناك نحو الشرق (وادي الحصى او نهر زارد). ومدينة دان (تل القاضي) الواقعة عند منابع الاردن كانت تعتبر الحدود الشمالية للبلاد (من دان الى بئر سبع :قض 20 :1؛ 1صم 3 :20). ولكن في ايام الامتداد السياسي وصلت الحدود إلى جوار حماة (1مل 8 :65 ليبو حماة). وهناك بعض تعابير في التوراة (تك 15 :18) وتصاوير مفصلة للحدود (عد 34، حز 47)، تمدّ البلاد التي وعد بها الرب ابراهيم واسحق ويعقوب من نهر مصر حتى نهر الفرات (عد 32 :11). ثالثا : المناطق. جغرافيًا، تتألف فلسطين من قطع ارض متوازية تسير من الشمال إلى الجنوب. يشكّل القسم الغربي السهل الخصب الممتد بمحاذاة البحر المتوسط (عد 34 :6). أقصى عرضه (في الجنوب) : 40 كلم تقريبا وهو يضيق حين يتجه إلى الشمال. تميّز التوراةُ أرض الفلسطيين وسهل شارون. وتصل رقعة الارض في الشمال إلى ما وراء الكرمل، إلى سهل عكا، وبعد هذا تصل إلى لبنان. لن نجد نهرًا له اهميته يخرج من داخل البلاد ويصب في البحر المتوسط : نهر روبين، نهر العوجاء قرب يافا، نهر الزرقاء قرب قيصرية، نهر المقطع وهو قيشون المذكور في التوراة (الواقع شمالي الكرمل). وهناك تلال في الوسط تفصلها عن السهل الساحلي منطقةٌ تتمتع بطابع خاص بسبب انخفاضها : الشفاله او السهل. وهناك سهل العمق (او مرج ابن عامر) الذي سمته التوراة مرة (يه 8 :1) سهل اسد رامون (يزرعيل) ومرات "السهل الكبير" (1مك 12 :49). يسمّى الجبل بمجمله جبل الاموريين (تث 1 :7). يسمى القسم الجنوبي جبل افرايم (يش 17 :15). أما القسم الذي في الشمال والذي يسمّى الجليل فهو لا يعرف اسماً جغرافياً، لأن اسم "جبل السامرة" (إر 31 :5) وجبل نفتالي (يش 20 :7) ينطبق على أقسام من هذه المنطقة. اعلى قمة في الجنوب : قرب حلحول (1020م) قرب حبرون. وفي الشمال : جبل جرماق (1208). وشرقي قمم الوسط تمتد وادي الاردن العميقة (الغور العربة) وهي أعمق انشقاق ارض بدأ في طوروس (تركيا) وتابع طريقه (عبر البقاع اللبناني) إلى وادي الاردن وخليج العقبة والبحر الاحمر حتى البحيرات الكبرى في افريقيا الوسطى. على طول القسم الفلسطيني يجري نحو بحر الميت أهم أنهر فلسطين، الاردن. المنطقة التي تقع شرقي الاردن تشكل في الجنوب : موآب. في الوسط : عمون. وفي الشمال : باشان. يمرّ في هذه المنطقة ثلاث سواقٍ تصب في الاردن : في الجنوب ارنون، في الوسط يبوق، في الشمال يرموك (غير مذكور في التوراة). ووراء هذه الارض المأهولة تمتد الصحراء السورية العربية التي تسميها التوراة : ارض بني المشرق (تك 29 :1) والتي تعرف عشائرها وقبائلها. ووراء العربة وخليج العقبة وجنوبي البحر الميت، ترتبط هذه الصحراء "بالبرية الهائلة المخيفة" (تث 1 :19) هي شبه جزيرة سيناء التي تفصل مصر عن فلسطين. أما حدود فلسطين فتسمّى في التوراة : النقب. رابعا : السكان عبر التاريخ. وصلت الينا معطيات عن سكان فلسطين عبر اكتشافات الهياكل العظميّة في حفريات في اريحا، مجدو، بيت شان. في بداية الحقبة التاريخية أقام في فلسطين الساميون (كنعانيون، اموريون) وامتزجوا بعناصر محلّية او غريبة (غير سامية). وجاءت الحروب ونقل السكان والهجرات فمزجت الشعوب بعضها ببعض حتى لم يبق شعب واحد "نقياً". وهكذا نكون امام مزيج من السكان ومن الحضارات. خامسا : الجغرافيا السياسية والتاريخ. السمة البارزة في تاريخ فلسطين السياسي هو تفتّت البلاد وتكوين دويلات صغيرة. وأقدم شكل لهذا الوضع هو نظام المدن وهذا ما نعرفه من خلال رسائل تل العمارنة ومن خلال التوراة حين احتلال ارض كنعان (يش 12). ضعفت مصر. تفتّتت البلاد، فصار احتلالها سهلا وسريعا. ولكن بسبب التناحر بين القبائل لم تتم الوحدة في فلسطين الا في حقبة قصيرة (الملوك الاولون) وبسبب تهديد الفلسطيين. ولكن ما إن ابتعد الخطر، حتى عادت البلاد إلى الانقسام مملكتين مستقلتين (929 ق.م.). الاولى : يهوذا التي ظلت أمينة لسلالة داود. الثانية : اسرائيل في الشمال التي امتدت صوب شرقي الاردن وخسرت طابعها الديني وانتهت في نزاعات داخلية. في نهاية القرن الثامن ضُمت فلسطين كلها (ما عدا يهوذا) إلى المملكة الاشورية المقسمة مقاطعات. ولم تحتفظ يهوذا وعمون وموآب ببعض استقلال إلاّ بعد أن دفعت جزية باهظة للمحتلّ. ولم يمض قرن من الزمن، حتى زالت مملكة يهوذا حين ضربها نبوخَذ نصر الملك البابلي (586 ق.م.). ودشّنت ولادةُ الدولة الفارسية بالنسبة إلى يهوذا، فترة بناء. ولكن لا مقاطعة "شمراين" في الشمال ولا "يهودا" في الجنوب تمتّعتا باستقلال سياسي حقيقي. كانت قسمًا كل منهما اداريًّا في المرزبة الخامسة، شأنهما شأن اشدود وعمون. كانت تضم قسما كبيرا من شرقي الاردن والمحافظة "العربية" التي ضمت جزيرة سيناء والنقب وأدومية العتيدة. بعد موت الاسكندر الكبير (323 ق.م.)، صارت فلسطين وسورية جزءا من مملكة بطالسة مصر. ولكن بعد معركة بانيون سنة 198، انتقلت فلسطين (غربي الاردن وشرقيه) الى ملوك انطاكية السلوقيين وضمَّت إلى البقاع وفينيقية. وتوسعت يهودا (او اليهودية) على حساب السامرة (1مك 10 :30؛ 11 :34)، وكوَّنت وحدة مع قسم من الجليل (القسم الباقي كان ملك المدن الفينيقية في الساحل). شكلت المنطقة الساحلية (يملكها بطليموس) الممتدة حتى حدود مصر مقاطعة "براليا" (الساحل : 1مك 15 :38). وسميت المنطقة الشمالية لشرقي الاردن : جلعادية (1مك 5). ولما ضعفت قوة السلوقيين، استطاع المكابيون أن يوحدوا الاراضي الواقعة شرقي الاردن وغربيه (165-134). ولكن النهضة السياسية والدينية لمملكة داود القديمة تعثّرت بسبب خلافات الحشمونيين الداخلية وتدخل الرومان الذين وصلوا الى آسية. وإن مقاطعة سورية التي كوّنها بومبيوس سنة 63 ق.م. ضمّت فلسطين كجزء من الامبراطورية الرومانية. وان القسم الاكبر من البلاد جُمع من جديد تحت صولجان هيرودس الكبير. ولكن هذا الملك الادومي الاصل مارس سلطته تابعا لرومة. وحين مات قُسمت مملكته. اتخذ ارخيلاوس اليهودية (مع ادومية) وانتيباس السامرة والجليل وبيرية (ما عدا ديكابوليس او المدن العشر التي كوّنها بومبيوس) وفيلبس تراخونيتيس والجولان وبتانية وحوران (مع ايطورية). بعد ان عُزل ارخيلاوس، تسلّم أرضَه والٍ روماني سنة 6 ب.م. وفي ايام يسوع كان هذا الوالي بيلاطس البنطي (26-36). وظل هيرودس انتيباس (يُذكر في الانجيل بمناسبة آلام يسوع، لو 23 :7) في الحكم حتى سنة 40 وفيلبس حتى سنة 34. من سنة 41 إلى 44 توحّدت أجزاء البلاد بقيادة اغريباس الاول (حفيد هيرودس الكبير) الذي بنى أسوار اورشليم القديمة. بعد موته، حكم الولاة الرومان المناطق الجنوبية حتى الثورة اليهودية الاولى سنة 66. سحقها تيطس سنة 70 ودمّر مدينة اورشليم. ثمّ سحق ترايانس ثورة يهودية في الشتات. كل هذا قاد البلاد إلى مسيحانية كاذبة وثورة يهودية ثانية بقيادة ابن الكوكب (132-135). أُخذت اورشليم مرة ثانية ودمِّرت تدميرا كاملا وبُني فوقها اياليا كابيتولينا. 1}
أعلى