رومة (رسالة إلى أهل): رومة (رسالة إلى أهل)
(أ) المناسبة. نجدها في 15 :14-33. أنهى بولس رسالة الانجيل في القسم الشرقيّ من العالم المعروف (آ19). وهو لا يريد إلاّ أن يربح للمسيح القسم الغربيّ (آ24) فيمرّ في طريقه عبر رومة. هو لا ينوي أن يبشّر في رومة لأنّه لا يبني على أساس وضعه غيره (آ20)، ولكنّه يريد أن يهيِّئ سفرته إلى إسبانية. غير أنه يريد قبل هذا أن يحمل الكلمة إلى أورشليم (آ26) ليخلق الجوّ المؤاتي والضروري لمتابعة عمله (آ31؛ رج أع 21 :17-23 :30). كتب بولس رو في بداية سنة 58. كتبها على ما يبدو في كورنتوس لأنّه يسمّي غايوس وأراستس (رو 16 : 23) اللذين كانا من كورنثوس (1كور 1 :14؛ 2تم 4 :20) كما يسمّي الشماسة فيبة التي هي أيضاً من كورنثوس. هدف الرسالة : اتصال بأهل رومة. وبما أنّ لا هدف له غير هذا، عرض المشاكل التي تشغل باله في هذا الوقت. إذًا ليست روم ملخّص تعليم بولس، بل عرضًا هادئًا ومفصّلاً عن موضوع عالجه بحدّة في غل. لقد أراد بولس أن يستبق الصعوبات التي يمكن أن يتعرّض لها من قبل المسيحيّين المتهوّدين (14 :1؛ 15 :13؛ 16 :17 ي). إلاّ أنّ الرسالة تتوجّه أوّلاً إلى المهتدين من الوثنيّة، وهذا واضح في البداية والنهاية (1 :5-6، 13-14؛ 15 :15ي). وحين يتوجّه بولس إلى اليهود يستعمل عبارة خاصة (2 :17). (ب) المضمون والتصميم. بعد مقدّمة تتضمّن سلامًا وبركة ونصائح خاصّة (1 :1-15)، يعلن بولس مواضيع رسالته (1 :16ي) : التبرير بالإيمان (ف 1-4). والنتيجة يقين الخلاص والحياة الإلهيّة (ف 5-8) اللذين إليهما يدعو الله اليونانيّين واليهود (ف 9-11). يرسم الرسول أوّلاً خلفيّة سوداء سيظهر عليها نورُ النعمة : كان الوثنيّون (1 :18-32) واليهود (2 :1-3 :20) في الماضي موضوع غضب الله. إذًا ليس التبرير نتيجة أعمالهم الصالحة، بل نتيجة ثقتهم بالله الذي هو بار، أي أمين لوعده. إذًا، ما يبرّرهم ليس برّهم، بل برّ الله (3 :21-31). ويعطي بولس مَثلَ ابراهيم (ف 4) الذي تبرّر بثقته بكلمة الله (آ3) بمعزل عن أعماله (آ1-8). بمعزل عن الختان (آ9-12) والشريعة (آ13-15). ويستعيد 5 :1-11 موضوع 3 :21-31 ويتوسّع فيه : إن الذي تبرّر هو متيقّن من الخلاص الأبدي، لأنّه إذا كان الله برّرنا يوم كنا خطأة، فمن الأكيد أنّه يخلّصنا الآن بعد أن تصالحنا معه بموت المسيح. وتقود هذه الفكرة بولس ليحدّد مكانة المسيح في تدبير الخلاص : نحن ننال الحياة الإلهيّة بفضل اتّحادنا السرّيّ بالمسيح، كما ان الموت ضربنا على أثر اتّحادنا مع آدم (5 :12-21). ويعود بولس إلى عرضه في 6 :1 : وإن يكن المسيحيّ أكيدًا من خلاصه، إلاّ انّه لا يحقّ له أن يستسلم إلى الإباحيّة (6 :1، 15؛ رج 3 :8). متنا مع المسيح، ولكن لنحيا لله (6 :1-4). خلّصنا المسيح من عبوديّة الخطيئة، ولكنّه صار في الوقت نفسه ربّنا (6 :15-23). نجّانا من الشريعة القديمة، ولكن للحياة الجديدة شرائعها أيضاً (7 :1-6). ويربط بولس بهذه الملاحظة توسيعًا عن مدلول الشريعة (7 :7-25؛ رج 3 :20؛ 4 :15؛ 5 :20). الشريعة صالحة ومقدّسة في ذاتها. ولكن حين يتعدّاها الإنسان تصبح له علّة ذنب أكبر (7 :7-12). إنّ ضميرنا الذي يحرّضنا على عمل الخير يشهد أيضًا أنّ الشريعة صالحة (7 :13-25). ولكن ما كان خيرًا من عند الله، صار لعنة بيد العالم اليهوديّ الذي جعل الشريعة أداة برّه الخاص لأنّه كان "جسديًّا" (آ14) أي إنّه رغب في البرّ فأراد أن يستقلّ عن الله. وفي آ15-24، يصوّر بولس موقف العالم اليهوديّ فيجعله يتكلّم من وجهة بولس نفسه. لقد خلّصنا المسيح من هذا النظام الشريعيّ اليهوديّ (لا من شريعة الله. رج 7 :5ي). وإن 8 :1-17 يرتبط بهذه الآيات كما يرتبط بعرض ف 6 : على الذي نال الرّوح أن يحيا حسب الرّوح. إنّ هذا القسم يوازي 5 :1-11 : تبيّنُ شهادةُ الروح فينا أنّنا حقًّا أبناء الله (8 :16؛ رج 5 :5؛ غل 4 :6). وألم الحياة ومحنها لا تستطيع أن تزعزع هذا اليقين (8 :18-39)، بل هي تزيد مجدنا الآتي (8 :28). هنا ينتهي عرض بولس، وهذا ما يدلّ عليه التدرّج في 8 :31-39. ولكن تبقى مسألة دقيقة لا بدّ من حلّها : إذا كانت الثقة الكاملة ببرّ الله (أي بأمانته) هي أساس تبريرنا، أما يتزعزع هذا الأساس لأنّ الشعب اليهوديّ الذي هو شعب الوعد لم ينل الخلاص؟ وتقدّم ف 9-11 الجواب على هذه الصعوبة. يبدأ الرسول فيعلن حبّه الصريح للشعب اليهوديّ (9 :1-5). بعد هذا يُثبت مبدأً عامًّا يتضمّن حلّ المسألة : إنّ حريّة الله السامية تبقى هي هي في إطار الوعد (9 :6-29). ويبرهن بولس عن هذا المبدأ بأمثلة مأخوذة من العهد القديم. ثمّ يعطي سبب رفض اليهود : أرادوا أن يبرّروا ذواتهم بمعزل عن الله (9 :30-10 :21 ولا سيّمَا 10 :3). ولكن الله يقدر أن يستخرج الخير من الشرّ. سيأتي يوم يغار اليهود من الوثنيّين الذين اهتدوا إلى المسيحيّة فيعودون إلى الله (ف 11). وفي مجدلة رائعة (11 :33-36)، ينحني بولس أمام سرّ حكمة الله الذي يقدر أن يجتذب إليه اليهود العنيدين ويبقى بهذا الشكل الالهَ العادل والأمين على وعده. ويأتي قسم تحريضيّ يرتبط بـ ف 8 ويحدّد واجبات الإنسان المبرّر. تعلّم الرسول من خبرته مع الكورنثيّين، فطلب من الرومانيّين أن يكونوا متواضعين في استعمال المواهب (2 :3-8)، أن يمارسوا المحبّة الاخويّة (12 :9-21) ولا سيّما مع الضعفاء الذين يتشكّكون بسهولة (14 :1-15 :13). وقد دُوّنت بشكل خاص من أجل الرومانيّين، تعليماتٌ عن العلاقات مع الدولة ومع غير المسيحيّين ( ف 13). أخيرًا يفسّر بولس لماذا كتب (15 :14-21)، وما هي مشاريعه الأسفاريّة (15 :22-23). وتنتهي الرسالة بسلسلة طويلة من التحيّات (16 :1-16) وبتحذير من الذين يضعون البلبلة (16 :17-20)، وبسلامات من قبل رفاق بولس (16 :21-24) ومجدلة (وتمجيد) (16 :25-37). نستطيع أن نُجمل الرسالة كما يلي. مقدّمة (1 :1-15)، قسم عقائدي (1 :16-11 :36) يتألّف من قسمين متوازيين ف 1-4 وف 5-11 (يتقطّع القسم الثاني بثلاثة ملحقات : 5 :12-21؛ 7 :7-25؛ 9-11)، قسم تحريضي (12 :1-15 :13)، الخاتمة (15 :14-16 : 27). وقد برزت الرسالة على أربعة صعد. الصعيد الاحصائي (1 :18-5 :11) : جميع الناس خاطئون. والصعيد الايماني (5 :12-7 :6) : ماذا صرنا حين اعتمدنا. والصعيد النفساني (7 :7-8 :39) : الانسان منقسم باطنيًا، والروح يعيد إلينا الوحدة. والصعيد التاريخيّ (ف 9-11) : شقاء اسرائيل حين رفض المسيح. هذا على المستوى العقائدي. ويبقى المستوى الارشادي والخلقي (ف 12-15). (ج) صحّة رو. لا يشكّ أيّ من الشرّاح في صحّة نسبة رو إلى بولس. ولكن هناك صعوبة بالنسبة إلى وحدة الرسالة. نعرف نسخة قصيرة لا تتضمّن ف 15-16 وتكون المجدلة (16 :25-27) حالاً بعد ف 14، أو بعد ف 15، أو بعد ف 16، أو تغيب كلّيًّا. من الأكيد أنّ التلاميذ بدأوا ينسخون باكرًا رو ويرسلونها إلى كنائس أخرى فنقلوا ما يتعلّق مباشرة بمسيحيّي رومة. ونجد صعوبة خاصة في ما يتعلّق بـ ف 16. فأقدم شاهد للنصّ (برديّة 46) يضع المجدلة حالاً بعد ف 15. ثمّ إنّ هذه اللائحة الطويلة من السلامات إلى كنيسة يجهلها بولس، تبدو مدهشة. ولكننا نجد في كو سلامات عديدة مع أنّ بولس لم يعرف كنيسة كولسي. ونتذكّر أيضاً اليهود العديدين الذين ذهبوا إلى المنفى في أيام كلوديوس (أع 18 :2) ثمّ عادوا. لهذا نجد هذه اللائحة الطويلة.
1}