شبهات شيطانية حول سفر المزامير
أورد المعترض الاعتراضات بخصوص المزامير (الزبور) وترك التحقيقات الصادقة التي أوردها هورن فإن دأب المعترض إيراد القول السخيف وترك تحقيقات العلماء, وإليك ما قاله هورن:
أجمع الجميع على أن كتاب المزامير هو وحي إلهي، ولم يشذ أحد عن هذا الرأي, ومن الأدلة على أنه وحي أن أنبياء العهد القديم أشاروا إليه، وشهد له المسيح مصدر كل حكمة، كما شهد له رسله الكرام بأنه وحي من الله, وذهب أوريجانوس وذهبي الفم وأوغسطين وأمبروز وأوثيمياس إلى أن المزامير وحي داود خاصة, ولكن اعترض على ذلك هيلاريوس وأثناسيوس وجيروم وأوسيبيوس وغيرهم من أئمة المسيحيين الأجلّاء, وثبت بعد التحري أنها وحي لداود ولبعض الأنبياء الذين كانوا قبله بمدة طويلة، ولبعض الأنبياء الذين أرسلهم الله بعده, أما الذين قالوا إن بعضها وحي لبعض الأنبياء في عصر المكابيين فهو قول لا أصل له من الصحة, وأقدم الترنيمات التي أُوحي بها كانت لسيدنا موسى (خروج 15) ثم ترنيمات النبية دبورة (قضاة 5) وحنة (1صموئيل 2), غير أن داود النبي اشتهر بهذه المزامير وبعزف الموسيقى، حتى سُمّي مرنّم إسرائيل الحلو (2صموئيل 23: 1), ونظّم طغمة من الأتقياء البارعين لترتيل المزامير والترنيم بها في العبادة (1أخبار 6: 31 و16: 4_8), ونسج سليمان على هذا المنوال الحسن في الهيكل الأول (2أخبار 5: 12 و13) ولمَّا بُني الهيكل ثانية جدد النبي عزرا هذه الفريضة المقدسة (عزرا 3: 10 و11), وكان بنو إسرائيل يترنمون بها ويرتلونها (مزمور 137: 3), وأيّد المسيح العبادة بالترتيل (متى 26: 30 ومرقس 14: 26) وحض عليه بولس الرسول (أفسس 5: 19 وكولوسي 3: 16), واستمرت هذه العادة إلى يومنا هذا، فإن الأقوال التي كان يتعبد بها موسى وداود وسليمان وهيمان وآساف ويدوثون هي التي لازال يتعبد بها المسيحيون، لأنها تُصْدق على أحوال كل إنسان وتناسبه، ولا سيما أن المسيحيين يعبدون إله موسى وداود وسليمان بواسطة الفادي الكريم، وهو لا يزال يغدق عليهم المراحم التي أغدقها على أولئك الأنبياء، ويقاسون شدائد كالتي حلَّت بأولئك الأفاضل، فيرون العُسْر فيستغيثون، ويرون اليُسْر فيشكرون ,
هذا بعض ما ورد في كتاب هورن الذي أخذ منه المعترض بعض فقرات مقتضبة لا تفيد المعنى,
وثبت بعد البحث العميق أن المزامير هي من وحي الله لموسى وداود وسليمان وآساف وهيمان ويدوثون وأولاد قورح، وذكر هورن ما أُوحي إلى كل واحد، وذكر تحقيقات جديرة بالعلماء، وإنما سُمّيت باسم داود من باب التغليب, والتغليب هو أن يغلب على الشيء ما لغيره، لتناسبٍ بينهما أو اختلاط كالأبوين في الأب والأم، والمشرِقين والمغرِبين، والخافقين في الشرق والغرب، والقمرين في الشمس والقمر، والعُمَرين في أبي بكر وعُمَر، والمروَتين في الصفا والمروة, ولأجل الاختلاط أُطلقت من على ما لا يُعقل في نحو فمنهم من يمشي على بطنه ,
أما من جهة جامع المزامير فداود جمع المزامير التي كانت لغاية عصره، ولمَّا أُوحي بمزامير أخرى على الأنبياء الذين أتوا بعده ألحقوها بها, ولا أصل لما قيل من أن أحد أصحاب حزقيا جمعها في مُجلّد واحد، إنما غاية الأمر أن حزقيا هو الذي أمر بأن تُرنَّم وتُرتَّل في الهيكل (2أخبار 29: 25_30), ومن شدة تعنّت المعترض لم يذكر شيئاً من ذلك,
عنوان المزامير:
ومما يدل على تيقّظ اليهود والمسيحيين وتدقيقهم، هو أنهم تكلموا على عنوان المزامير، فإنهم لا يسلّمون بشيء إلا بعد الدليل والبرهان، فأخذوا في التحقيق والتدقيق، وقالوا إنها جزء من المزامير، وإنها وحي إلهي، وقالوا إن العرب كانوا يسمّون المعلَّقات التي علَّقوها في الكعبة بالمذهّبات, وكما أن شرف الدين البوصيري سمّى قصيدته التي مدح بها محمداً البردة فكذلك سُمّي كل مزمور باسمه، فهو جزء منه,
هذا السفر هو ملخّص الكتب المقدسة، فقد ذُكر فيه خلق العالم، والعناية الإلهية، وأعمال النعمة، وخروج بني إسرائيل من مصر، وسفرهم في البريّة، وإقامتهم في كنعان، وشريعتهم وطقوسهم وكهنتهم وأعمال أبطالهم وشجعانهم، وخطاياهم وسبيهم وتوبتهم ورجوعهم إلى الله، وما قاساه داود النبي ونصراته، وحكم سليمان، ومجيء المسيح وتجسّده ومولده وحياته وآلامه وموته وقيامته وصعوده ومملكته وكهنوته، وحلول الروح القدس واهتداء الأمم، ورَفْض اليهود للمسيح، ونشأة الكنيسة المسيحية ونموّها ورسوخها، والآخِرة والدينونة وعقاب الشرير وثواب البار,
ورد في القرآن: وآتينا داود زبوراً (النساء 4: 163) وورد في الإسراء 17: 55 ولقد فضّلنا بعض النبيين على بعض، وآتينا داود زبوراً واستشهد ببعض ما ورد في سفر المزامير، فورد في الأنبياء 21: 105 ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر (أي التوراة) أن الأرض يرثها عبادي الصالحون , فإنه في مزمور 37: 11 أما الودعاء فيرثون الأرض ويتلذذون في كثرة السلامة , فانظر كيف اقتَبَس القرآن من المزامير,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في مزمور 2: 7 أنت ابني, أنا اليوم ولدتك وقال علماء اليهود، كما قال علماء المسيحيين إن هذه الآية نبوّة عن المسيح، معتمدين على العبرانيين 1: 5 , وهذا يدل على أن المسيح مخلوق بواسطة الله، وليس الله ,
وللرد نقول بنعمة الله : الذي يتأمل في قول الله للمسيح: أنت ابني, أنا اليوم ولدتك يرى أن بنوّة المسيح لله غير متوقِّفة على الولادة، لكنها سابقة لها, فبنوّة المسيح لله هي قبل ولادته من العذراء القديسة مريم، وذلك للأسباب الآتية:
(1) لم يقل الله للمسيح: أنا اليوم ولدتك, أنت ابني بل قال له: أنت ابني, أنا اليوم ولدتك , وهذا دليل على أن البنوّة سابقة للولادة، كما أنها بدون ولادة, والبنوّة التي بدون الولادة الخاصة ب_ الابن هي البنوّة الأزلية التي يتميّز بها أزلًا، والتي تعني أن الابن أعلن اللاهوت,
(2) يقول الوحي: أنت ابني، أنا اليوم ولدتك بدون فاصلة بين نصف الآية الأول ونصفها الثاني, فالمسيح هو ابن الله أولًا أو أصلًا، ثم بعد ذلك وُلد منه في يوم من الأيام, وكل نصف من الآية قائم بذاته، ومستقل في معناه عن غيره، ولذلك يجب أن تُفهم كل منهما على حدة,
والكلمة المترجمة اليوم في هذه الآية لا تدل على زمن من الأزمنة الأزلية، بل تدل على يوم من الأيام العادية، فلا يُفهم منها أن المسيح مولود من الله في وقت ما في الأزل، كما يقول بعض الهراطقة، بل يُفهم منها أنه موجود معه منذ الأزل، ولكن ظهر أو تجلى في يوم من الأيام، بميلاده في بيت لحم,
وإذا كان الأمر كذلك، فما معنى الولادة في هذه العبارة؟ الجواب: لنفهم معناها علينا أن نتأمل كل الآيات التي وردت فيها هذه العبارة مع ما قبلها وما بعدها من آيات (لأن هذه هي الوسيلة الصحيحة لفهم كل آية في الكتاب),
(أ) سجَّل داود النبي بالوحي خطاباً من الله إلى المسيح باعتباره ابن الإنسان، جاء فيه: أنت ابني أنا اليوم ولدتك, اسألني فأعطيك الأمم ميراثاً لك وأقاصي الأرض ملكاً لك (مزمور 2: 1-9),
(ب) قال الرسول بولس لليهود: إن الله أقام يسوع كما هو مكتوب أيضاً في المزمور الثاني: أنت ابني، أنا اليوم ولدتك (أعمال 13: 33),
ويتضح لكل من درس أعمال 13 المقتبسة منه هذه الآية، أن كلمة أقام هنا لا يُراد بها إقامة المسيح من بين الأموات، بل تنصيبه مخلِّصاً للعالم بعد إقامته من بين الأموات، مثلها في ذلك مثل كلمة أقام في الآية أقام الله لهم مخلِّصاً (أعمال 13: 23) و أقام في الآية وأقام لهم داود ملكاً (أعمال 13: 22), ولكن مما يسترعي الانتباه أن الفعل الخاص بإقامة المسيح مخلِّصاً، يرد في اللغة اليونانية بصيغة المضارع التام، ولذلك يكون المعنى الحرفي للآية أن الله أقام يسوع مخلِّصاً إلى الآن، أما الفعل الخاص بإقامة داود ملكاً فيرد في صيغة الماضي للدلالة على أن خدمته قد مضت وانتهت, فخدمة داود قد عفا عليها الزمن, أما خدمة المسيح فباقية إلى انقضاء الدهر,
(ج) وقال لهم: لمن مِن الملائكة قال قط، أنت ابني أنا اليوم ولدتك ,, وأيضاً متى أدخل البكر إلى العالم يقول ولتسجد له كل ملائكة الله (عبرانيين 1: 5 ، 6),
(د) ثم قال لهم: كذلك المسيح أيضاً لم يمجد نفسه ليصير رئيس كهنة، بل الذي قال له أنت ابني أنا اليوم ولدتُك (عبرانيين 5: 5),
فيتضح لنا أن العبارة أنت ابني، أنا اليوم ولدتك قد استُعملت بمناسبة إعلان سلطان المسيح وملكه, ومن قول بولس في أعمال 13: 33 يتضح لنا أنها استُعملت بمناسبة إعلان إقامة المسيح مخلِّصاً لجميع الناس, ومن عبرانيين 1: 5 و6 يتضح لنا أنها استُعملت بمناسبة الإعلان عن سمو المسيح فوق الملائكة، ومن عبرانيين 5: 5 يتضح لنا أنها استُعملت بمناسبة الإعلان عن كهنوت المسيح الذي يفوق كل كهنوت,
مما تقدم يتضح لنا أن الولادة في هذه الآية يُراد بها الإعلان والإظهار، وهذا المعنى ليس بالغريب عن مسامعنا، فنحن نعلم أن الولادة يُراد بها معنوياً إظهار غير الظاهر، وإعلان غير المعلَن, والمسيح بسبب وجوده في الجسد كإنسان لم يكن ظاهراً ومعلَناً للناس، كما هو في ذاته، ولذلك كان من البديهي أن يُظهره الله ويعلنه للناس كما هو في حقيقة ذاته وأمجاده، أو بحسب التعبير المجازي أنه يلده لهم,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في مزمور 2: 9 تحطمهم بقضيب من حديد, مثل إناء خزاف تكسّرهم وهذه نبوّة عن المسيح الآتي, ولكن هناك نبوّة أخرى في إشعياء 42: 3 تناقضها، تقول: قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة خامدة لا يطفئ ,
وللرد نقول بنعمة الله : الآيتان تقدمان المسيح لنا في قضائه على الخاطئ الذي يرفض التوبة، وفي رحمته على المتواضع التائب الراجع إلى الله, إن فم المسيح الذي نطق بالويل على الخطاة في متى 23: 33 هو نفسه الذي دعا المتعَبين للراحة في متى 11: 28 ,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في مزمور 7: 8 الرب يدين الشعوب, اقضِ لي يارب كحقي ومثل كمالي الذي فيَّ ولكنه يناقض نفسه بقوله في مزمور 143: 2 ولا تدخل في المحاكمة مع عبدك فإنه لن يتبرر قدامك حي ,
وللرد نقول بنعمة الله : في الكتاب المقدس آيات كثيرة تشبه مزمور 7: 8 كمزمور 18: 20_24 وإشعياء 38: 3, يظن البعض أنها ترفع شأن البر الذاتي أو تفيد الاعتماد على الأعمال الصالحة, بينما نجد في الكتاب فصولًا لا عدد لها تفيد أنه لا يمكن أن يخلص الإنسان إلا بالنعمة، وأن الأعمال الصالحة لا دخل لها مطلقاً بالخلاص، مثل أفسس 2: 8 و9,
غير أن التناقض بين هذه النصوص ظاهري فقط, في مزمور 7: 8 لا يقول إنه بلا خطية، ولا يقول إن أعماله الصالحة تفتح له باب النعيم، ولا إنه معتمد على برّه الذاتي للخلاص الأبدي، ولكنه فقط يشير إلى براءته من سيئات مخصوصة، في اتهامات معينة, ولماذا لا يحق له هذا؟ إنه لم يرتكب الشرور التي نسبها إليه أعداؤه الوارد ذكرهم في الآيات المتقدمة, فطِلْبته هنا أن يحكم عليه الله وحده, وقصده تبرير نفسه من الباطل المنسوب إليه، والدفاع عن نفسه من سوء معاملة أعدائه له ظلماً وعدواناً, فيمكننا إذاً أن نتصور داود هنا كأنه يقول: يارب،أنت تعلم أني بريء مما يتهمني به أعدائي، فأظِهْر بِرِّي وصلاحي , ويجب أن لا ننسى أن المؤمن الحقيقي قد يصادف ظرفاً يضطره إلى إعلان براءته مما يُتهم به زوراً, وفي هذه الحال لا يكون عمله تباهياً أو تبجحاً, ومع أن طاعة المؤمن لله ليست كاملة، غير أن الله يقدّرها إن كانت صادرة عن صدق وإخلاص لله, وصلاة حزقيا في إشعياء 38: 3 توضح هذه الحقيقة المهمة, فهو قد خدم الله بإخلاص، وكان يحقّ له أن يشير إلى سلوكه ليثبت صدق إيمانه بالله, وعلينا أن نذكر قول الكتاب إن الذين يعيشون بالتقوى يُضطهدون (2تيموثاوس 3: 12) فلا يوجد إذاً في كل هذه الآيات ما ينفي أن جميع الناس خطاة، وأنه لا خلاص إلا بالنعمة على أساس الفداء بيسوع المسيح,
اعتراض على مزمور 16: 8-11
انظر تعليقنا على أعمال الرسل 2: 25-28
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في مزمور 18: 41 يصرخون ولا مخلّص, إلى الرب فلا يستجيب لهم ولكنه يقول في متى 7: 8 لأن كل من يسأل يأخذ، ومن يطلب يجد، ومن يقرع يُفتَح له ,
وللرد نقول بنعمة الله : عند قراءة هاتين الآيتين سطحياً يبدو بينهما تناقض ظاهري, فالمسيح يقول إن الصلاة لا تذهب عبثاً, بينما المزمور يفيد عدم استجابة كل صلاة, غير أن هذه الصعوبة يسهل حلها، بأن الله يسمع ويستجيب كل صلاة حقيقية, (قابل 1يوحنا 5: 14 ومتى 21: 21 ولوقا 11: 5_13)، وهي الصلاة المقترنة بالإيمان، ومن قلب نقي، وبحسب مشيئة الله,
وفي الوقت نفسه توجد صرخات تُرفع إلى الله ولكنها لا تستجاب، وهي الصرخات الكاذبة، أو مجرد الطلبات الباطلة التي تصدر من الذين يخافون من قوة الرب مجرد خوف ولكنهم لا يهابونه ولا يطيعونه, هؤلاء هم في الواقع أعداء الله المشار إليهم في مزمور 18: 41, والكتاب يؤكد لنا أن صلاة الأشرار مرذولة أمامه إن راعيْتُ إثماً في قلبي لا يستمع لي الرب (مزمور 66: 18), وفي 1 صموئيل 28: 6 يُقال عن شاول لم يجبه الرب لا بالأحلام ولا بالأوريم ولا بالأنبياء فصلاة هؤلاء الناس هي في الواقع ليست صلاة بالمرة لأنهم يهزأون بالصلاة في أوقات السعة، ولكن عندما تفاجئهم الكروب يلجأون إلى الصلاة التماساً للنجاة, فالله في حالة كهذه لا يقبل أن يُمكَر عليه,
وعليه يتلاشى التناقض الظاهري بين هاتين الآيتين, ولكن على القارئ أن يذكر أن الكتاب بقوله كل صلاة تُستجاب يقصد الطلبات الصادقة التي يرفعها إليه أولاده المخلصون,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في مزمور 19: 7 ناموس الرب كامل يرد النفس , ويناقض هذا ما جاء في رسالة غلاطية 2: 16 بأعمال الناموس لا يتبرر جسدٌ ما ,
وللرد نقول بنعمة الله : هدف شريعة موسى أن تشير للإنسان إلى الصلاح، لكنها لا تساعده للوصول إليه, وعندما يحاول الإنسان عمل الصلاح يكتشف عجزه عن بلوغه, وهنا تصبح الشريعة له كالمسطرة التي تبرهن نقصه وعَوَجه، فتقنعه باحتياجه للتغيير والتجديد، فيلجأ إلى المسيح المخلّص ليجد هذا التغيير الذي يمكِّنه من عمل الصلاح الذي يريده الله,
وأعمال الناموس هي الذبائح التي تشير إلى المسيح الفادي، وترمز إلى عمله الكفاري على الصليب, ومتى جاء المرموز إليه بطل الرمز, فأعمال الناموس هي ظل الشمس الكاملة التي هي فداء المسيح, ولما جاء الفداء بالمسيح بطُل الظل,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في مزمور 22: 16 وكلتا يديّ مثل الأسد , وترجمها المسيحيون ثقبوا يديّ ورجليّ ليبرهنوا أن المسيح قد صُلب ,
وللرد نقول بنعمة الله : الترجمة الصحيحة هي ثقبوا يديَّ ورجليَّ فهكذا ترجمتها السبعينية قبل صَلْب المسيح بمئتي سنة، وهكذا ترجمتها الفولجاتا والسريانية, ولو أن ترجمة المعترض كانت صحيحة لكان ينقصها الفعل لكلتا يديَّ مثل الأسد، فماذا جرى لكلتا يديه؟!
والفعل العبري المترجم ثقبوا هو كآرو , أما ترجمة كأسد فيجب أن تكون كآري , وقد جاءت العبارة في الترجوم اليهودي يلتهم كأسد ,
قال ابن الأثير في المَثَل السائر : لا يخلو تأويل المعنى من ثلاثة أقسام: إما أن يُفهم منه شيء واحد لا يُحتَمل غيره، وإما أن يُفهم منه الشيء وغيره, وتلك الغيرية إما أن تكون ضداً أو لا تكون , ثم ضرب أمثلة من القرآن والأحاديث والأشعار, ونقتصر على إيراد ما يأتي, فورد في القرآن قوله: ولا تقتلوا أنفسكم فيُراد بها القتل الحقيقي، أو القتل المجازي، وهو الإكباب على المعاصي, فإذا ترجم المُترجم القتل بالمعنى الحقيقي كان مصيباً، وإذا ترجمه بالمعنى المجازي كان مصيباً أيضاً,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في مزمور 40: 6 أذنيّ فتحت , فنقل بولس الرسول هذه الجملة في عبرانيين 10: 5 هيأت لي جسداً فقال هنري واسكوت: وقع هذا الفرق من غلط الكاتب , وقال آدم كلارك: المتن العبري مُحرَّف ,
وللرد نقول بنعمة الله : نقل المعترض الأقوال السقيمة، بينما أجمع العلماء على أن بولس الرسول نقل عبارة النبي داود بالمعنى, وقال آدم كلارك في تفسيره على رسالة العبرانيين إن المعنى في الجميع واحد, ويجوز النقل بالمعنى, وقرر علماء الأصول كما في جمع الجوامع (جزء 2) أنه يجوز نقل الحديث بالمعنى للعارف بمدلولات الألفاظ أو مواقع الكلام، بأن يأتي بلفظ بدل آخر مساوٍ له في المراد منه وفهمه، لأن المقصود المعنى، واللفظ آلة له,
ومعنى قوله أذنيّ فتحت جعلتني مطيعاً بالاختيار، فإن الأُذُن هو العضو الدال على الطاعة والانقياد, وهذه العبارة مأخوذة من العادة التي كانت جارية عند العبرانيين (خروج 21: 2) إذا اشتريت عبداً عبرانياً، فستّ سنين يخدم، وفي السابعة يخرج حراً مجاناً وفي (آية 5) ولكن إن قال العبد: أحب سيّدي ,,, لا أخرج حراً ,,, يقرّبه إلى الباب أو إلى القائمة ويثقب سيده أذنه بالمثقب، فيخدمه إلى الأبد , فالكلمة الأزلي يسوع المسيح اتخذ جسداً باختياره وقدّم نفسه ذبيحة وكفّارة عن خطايانا من تلقاء ذاته, فإن جميع الذبائح التي كانت تشير إليه لم تكن كافية للتكفير عن الخطايا,
فعبارة النبي داود وعبارة بولس الرسول تتفقان على أن المسيح تجسّد للتكفير عن الخطايا باختياره, إذاً عبارة النبي داود صحيحة، وبولس الرسول أعرب عن المعنى الذي قصده الروح القدس، وفسّر المعنى العبري,
قال المعترض الغير مؤمن: إن النبي المُشار إليه في المزمور 45: 3_5 متقلد سيفاً على فخذه هو محمد ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) يقول عدد 6 : كرسيُّك يا الله إلى دهر الدهور والخطاب هنا للذي قيل له: تقلّد سيفك على فخذك أيها الجبّار , ولم يقل المسلمون قط إن محمداً إله يصحّ أن يخاطَب بهذا الخطاب، فاقتبسوا صدر الآية وأهملوا عجزها,
(2) ورد في عبرانيين 1: 8 و9 أن المزمور المُشار إليه خطاب للمسيح, وأما ما ورد في ذلك المزمور من حكاية العذارى والحظيات وابنة الملك التي في خدرها وعلاقتهن بالمخاطب، فهو إشارة إلى عروس المسيح الروحية التي هي الكنيسة (انظر رؤيا 21: 2) والأعداء في قوله نَبْلك المسنونة في قلب أعداء الملك إشارة إلى إبليس وجنوده والقوم الذين أثار غضبهم لمقاومة المسيح وإنجيله (انظر رؤيا 19: 11_21),
(3) وجاءت في المزامير نبوات أخرى عن المسيح تشبه هذه (مزمور 2 و72 و110), ومن المحتمل أن المزمور 45 يشير إلى زواج سليمان الملك من ابنة فرعون (1ملوك 3: 1) ثم جعل هذا الزواج رمزاً إلى الاتحاد الروحي بين المسيح وكنيسته,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في مزمور 51: 11 روحك القدوس لا تنزعه منِّي , وهذا يناقض قول يوحنا 7: 39 الروح القدس لم يكن قد أُعطي بعد، لأن يسوع لم يكن قد مُجِّد بعد ,
وللرد نقول بنعمة الله : كان الروح القدس حاضراً على الدوام في أزمنة العهد القديم في الكنيسة الإسرائيلية، وكان يعلّم الآباء الأتقياء وغيرهم من الصالحين والأنبياء أن يؤمنوا بالمسيح الآتي (إشعياء 63: 10 و2بطرس 1: 21),
ولكن من يطالع الأصحاحات الأولى من سفر الأعمال يفهم معنى القول في إنجيل يوحنا لأن الروح القدس لم يكن قد أُعطي بعد فهو يشير إلى حلول الروح القدس بذلك المعنى الخصوصي, لأن رجال العهد القديم لم يشعروا بحضور الروح القدس بينهم وتأثيره كما شعر الرسل والكنيسة التي أسسوها (أعمال 2 و10: 44 و45), والفرق بين بني إسرائيل والكنيسة المسيحية هو أن بني إسرائيل كانوا كبئر مختوم مقصور نفع مائه عليه, وأما الكنيسة فكانت مياهاًجارية لنفع العالم بأسره,
وهناك فرق آخر، هو أن الروح القدس كان لا يُعطى في العهد القديم إلا لفئة خاصة، كالأنبياء وخدام الله, أما في العهد الجديد فقد أُعطي للجميع على السواء: للعبيد والإماء، للرجال والنساء لكل بشر كما تنبأ يوئيل النبي (يوئيل 2: 28) وتحقق في أعمال 2: 17 و18,
قال المعترض الغير مؤمن: سقطت آية مزمور 72: 20 التي تقول: تمت صلوات داود بن يسّى , فإن الذين ذهبوا إلى أن المزامير وحي لداود أسقطوها، والذين ذهبوا إلى أنها وحي لداود وغيره ألحقوها بذلك ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) أئمة الدين الذين كرَّسوا حياتهم لتحرّي الحقائق الدينية لم يقبلوا مزموراً من المزامير إلا بعد أن وقفوا على معناه ومبناه وزمن وظروف وحيه,
(2) إذا اختلف فريقان لا يجسر أحدهما أن يزيد أو يُنقِص شيئاً، فإن كل واحد واقف للآخر بالمرصاد,
(3) مَنْ يجسر أن يحذف شيئاً من الأصل أو يُنقِص منه، والنسخة العبرية منتشرة في أنحاء الدنيا وبين أسباط اليهود؟
(4) عبارة تمت صلوات داود بن يسّى لا تنصر فريقاً على آخر في عقيدة ولا في تأييد مذهب,
وقول المعترض: إن المترجمين أسقطوها يدل على وجودها في الأصل, وما هي مصلحة المترجم في إسقاطها؟ ولو فرضنا صحة كلامه، فالأصل الذي يُرجَع إليه موجود، ومن نظر في النسخة الأصلية وجد أن هذه العبارة واردة في مزمور 72 , فإذا ذُكِر في بعض النُسخ أنه (مزمور 71) فلا يدل على إسقاط شيء، بل إنه ضمَّ من مزمور إلى آخر, وعوضاً عن أن يجعلوهما مزمورين جعلوهما واحداً بدون فاصل, وأنت تعرف أنهم اختلفوا في إعداد القرآن لاختلاف فواصله، فإذا وصلوا عبارة بأخرى جعلوها آية واحدة، وإذا فصلوها عن الأخرى اعتبروها آيتين,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في مزمور 76: 10 لأن غضب الإنسان يحمدك , وهذا يناقض ما جاء في يعقوب 1: 20 غضب الإنسان لا يصنع برَّ الله ,
وللرد نقول بنعمة الله : قصد المرنم أن الله صاحب السلطان في السماء والأرض يحوّل غضب الإنسان وشرَّه إلى ما يمجّده، ويجلب الحمد لاسمه, وقد ذكر المرنم عبارته في المزامير ليعزّي شعب الله ويشجعهم إن ثار أعداؤهم عليهم، لأن الله سيحوّل غضب أعدائهم لخيرهم ولمجده, ومثال ذلك ما حدث مع فرعون عندما غضب على بني إسرائيل (خروج 9: 16 و17),
أما الرسول يعقوب فيتكلم عن تأثير غضب الإنسان على نفس الإنسان الغضوب, إنه لا يصنع برّ الله لأنه يخالف أوامر الله ووصاياه,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في مزمور 78: 65 و66 فاستيقظ الرب كنائم، كجبّار معيّط من الخمر، فضرب أعداءه إلى الوراء جعلهم عاراً أبدياً , وهذه صفات يجب ألَّا تُنسب لله ,
وللرد نقول بنعمة الله : إن كل صفة تستحيل نسبتها إلى الله تُفسَّر بلازمها، والإمام فخر الدين الرازي قال: إن جميع الأغراض النفسانية، أعني الرحمة والفرح والسرور والغضب والحياء والمكر والاستهزاء، لها أوائل، ولها غايات, مثاله: الغضب، فإن أوله غليان دم القلب، وغايته إرادة إيصال الضرر إلى المغضوب عليه, فلفظ الغضب في حق الله لا يُحمَل على أوله الذي هو غليان دم القلب، بل على غرضه: الذي هو إرادة الإضرار, وكذلك الحياء له أول وهو انكسار يحصل في النفس، وله غرض هو ترك الفعل, فلفظ الحياء في حق الله يحمل على ترك الفعل لا على انكسار النفس ,
فكذلك إسناد اليقظة إلى الله، فإن اليقظة لها أول ولها آخر، فأولها إبعاد الغشية الثقيلة التي تهجم على القلب فتقطعه عن المعرفة بالأشياء، وغايتها إجراء المقاصد والأعمال والنظر في الأمور ومعرفتها, ولا تُحمَل اليقظة في حق الله على أولها، بل على غرضها وغايتها, وشبَّه إمهال الله ولطفه للطاغين والمقاومين له وعدم إيصال الضرر إليهم بنائم، فإن النائم لا يضر ولا يغضب,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في مزمور 82: 6 أنا قلت إنكم آلهة وبنو العلي كلكم , وهذا منقوض بقوله في إشعياء 45: 5 أنا الرب وليس آخر, لا إله سواي ,
وللرد نقول بنعمة الله : في آية المزامير يتحدث الله إلى القضاة ودعاهم آلهة لأنهم يحكمون على الشعب، فيطلقون سراح واحد ويحكمون على الثاني بالموت, و آلهة في صيغة النكرة, أما الله فهو المعرَّف بأل، الذي لا إله سواه,
ويحكم القضاة بحسب شريعة الرب، وبتكليف منه، كما قال الملك يهوشافاط للقضاة: انظروا ما أنتم فاعلون لأنكم لا تقضون للإنسان بل للرب، وهو معكم في أمر القضاء (2أخبار 19: 6), وقال موسى: لا تنظروا إلى الوجوه في القضاء ,, لا تهابوا وجه إنسان، لأن القضاء لله (تثنية 1: 17), وسُمّي الرئيس النائب عن الله إلهاً (خروج 4: 16 و7: 1), والله يقول للقضاة هنا: أنا أحكم في القضاء في يوم الدين، وأنتم تحكمون في القضاء على الأرض الآن, وكما أني عادل كونوا أنتم أيضا عادلين, وضعتُ في يدكم ميزان العدل فلا تجعلوا كفة تميل عن الأخرى، كما أن الميزان في يدي أنا لا يختل ,
انظر تعليقنا على خروج 7: 1 وخروج 23: 20 و21 تحت رقم (2),
قال المعترض الغير مؤمن: يقول أهل الكتاب إن الله يُخلف وعده كما في مزمور 89: 39 نقضْتَ عهد عبدك, نجّسْتَ تاجه في التراب ,
وللرد نقول بنعمة الله : ورد في آية 34 أن الله لا ينقض عهده مع شعبه إذا وفّوا بعهودهم وأطاعوا أوامره, فوعد الله مشروط, فإذا حادوا عن الطريق القويم باقتراف الشرور، واستمروا على العناد، نقض الله عهده معهم وتخلّى عنهم، ولا يكون إلهاً لهم, فالله لا يُخلف وعده، وإنما إخلاف الوعد هو منّا نحن الخطاة، لأننا نقترف الإثم كل يوم، وننسى ما تعهّدنا به لله من حفظ وصاياه,
قال المعترض الغير مؤمن: هناك تناقض بين مزمور 102: 24 أقول: يا إلهي، لا تقبضني في نصف أيامي وهذا يظهر أن عمر الإنسان محدَّد من الله, ولكن جاء في أفسس 6: 2 و3 أكرم أباك وأمك، التي هي أول وصية بوعد، لكي يكون لكم خير وتكونوا طوال الأعمار على الأرض مما يُظهر أن العمر غير محدود ,
وللرد نقول بنعمة الله : معروفة عند الرب منذ الأزل جميع أعماله وقد حَتَمَ بالأوقات المعيَّنة وبحدودٍ مسكنهم (أعمال 17: 26), ولا يخفى عن علمه السابق وعن قضائه شيء, وهناك عوامل لتنفيذ قضائه منها الطاعة التي تعطي طول العمر، كما قال: لا تَنْسَ شريعتي، بل ليحفظ قلبك وصاياي، فإنها تزيدك طول أيام وسني حياة وسلامة (أمثال 3: 1 و2), لا تناقض هناك، بل أن المعروف عند الله منذ الأزل أنه سيكرم والديه، هو الذي منحه الله منذ الأزل طول العمر,
غير أن طول الأيام لا يعني حقاً كثرة سني العمر، فقد يعيش إنسان خمسين عاماً تكون كلها مثمرة وراضية، يشعر الإنسان فيها أنه عاش ليس فقط خمسين سنة بل مائة وخمسين, وعندما يحين أجله يحمد الله ويشعر بالرضا، إذ أنه يموت شبعان الأيام، وكأنما أطال الله عمره, بينما هناك من طال عمره حتى بلغ المائة، وحين يحين أجله يشعر أنه مات ناقصاً عمراً، أو أن العمر فرّ من بين يديه, ومن يكرم أباه وأمه يعطيه الله حياة هانئة يطول معها شعوره بالسعادة,
قال المعترض الغير مؤمن: في مزمور 112: 1_3 هللويا, طوبى للرجل المتقي الرب، المسرور جداً بوصاياه, نسله يكون قوياً في الأرض, جيل المستقيمين يُبَارك, رغدٌ وغنى في بيته، وبره قائم إلى الأبد ولكن هذا منقوض بقول المسيح في يوحنا 16: 33 قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيَّ سلام, في العالم سيكون لكم ضيق, لكن ثقوا, أنا قد غلبت العالم ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) يُسَرُّ الله أن يبارك أولاده، لأنه إن كانت رحمته تشمل الأثمة والظالمين، فلا يمكن أن يغفل المتكلين عليه, ومزمور 112 يتضمن العطايا والبركات التي يسبغها الله على أولاده,
(2) مواعيد الله للكنيسة تختلف عن مواعيده لبني إسرائيل، فقد يقتضي صالح الكنيسة عدم تمتعها بالغنى المادي الجزيل وسائر الامتيازات الأرضية, وهل كان يمكن أن تمتد الكنيسة وتتسع بهذا المقدار لو كان المسيحيون الأولون ذوي ثروة طائلة ونفوذ سياسي؟ كلا! بل في بدء تاريخها لم يكن فيها كثيرون حكماء بحسب الجسد ولا كثيرون أقوياء ولا كثيرون شرفاء, وقد وضع المسيح أساس كنيسته في الضيقات والشدائد التي كان لا بد منها لبنائها وامتدادها, ولا يفوتنا أن دم الشهداء كان بذار الكنيسة, ولولا إراقة ذلك الدم لبقيت الكنيسة قاصرة على جماعة قليلة في أرض فلسطين, فكثيراً ما يستلزم امتداد ملكوت الله اجتياز أولاده في ضيقات شتى,
(3) صالح المسيحي كفرد كثيراً ما يقتضي حرمانه من الغنى المادي لأنه يؤدي إلى الكبرياء, وقد دلَّ الاختبار على أن المؤمن إذا أُتيح له نجاح وقتي، ينسى حاجته إلى الاتكال على الله, فليحفظ الله أولاده من الانحطاط الروحي كثيراً ما يجعلهم فقراء بسطاء, وعلى المسيحي أن يذكر ما جاء في 1تيموثاوس 6: 10, فبفضل تأملات كهذه يسهل جداً التوفيق بين هذه الآيات, ويستطيع المسيحي أن يقول من كل قلبه إلهي يملأ كل احتياجي بحسب غناه في المجد في المسيح يسوع , وإن كان بحسب حكمته الفائقة لا يعطيني إلا احتياجاتي الضرورية فأنا لا أشك في محبته,
(4) يكون نسل التقي قوياً في الأرض، يباركه الرب بالرضا والسعادة, وهذه أمور يدركها كل من يتقي الله ويحيا مستقيماً, ولكن هذا لا يعني أنهم سيعيشون في سلام، فما أكثر الحاقدين, غير أن المتقين لن ينالهم شر الأشرار، لأن الله يجعل سهام الأشرار تطيش، ويرتدّ شرّهم عليهم,
فلا تعارض بين القولين في مزمور 112 وفي يوحنا 16,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في مزمور145: 13 مُلْكك مُلك كل الدهور، وسلطانك في كل دورٍ فدور , وهذا عن ملكوت المسيح، كما يستدل من عبرانيين 1: 8 و2بطرس 1: 11, ولكن هذا منقوض بما جاء في 1كورنثوس 15: 24 أن المسيح سيسلم المُلك، وفي آية 28 ويخضع المسيح نفسه لله ,
وللرد نقول بنعمة الله : جاء ذكر مُلك المسيح في الكتاب المقدس بثلاثة معانٍ:
(1) ما يخصه بكونه إلهاً, فهذا ملكٌ عام على كل المخلوقات، وهو باقٍ له أبداً، فلا يسلمه,
(2) ما له باعتبار كونه ابن الله المتجسد رأس شعبه المُفتدَى وربّه, وهذا أيضاً باقٍ إلى الأبد (رؤيا 7: 17 و22: 3),
(3) المُلك الذي أخذه بعد قيامته، جزاء اتضاعه الاختياري، وقيامه بعمل الفداء الكامل، والذي جاء ذكره في متى 28: 18 وأفسس 1: 20_23 وفيلبي 2: 9 و10,
وهذا هو المُلك الذي سيسلّمه المسيح، لأنه قد أخذ قوة من الله تمكّنه من القيام بعمل الفداء الكامل, فلما كمل هذا العمل الخاص لم تعُد هناك حاجة للسلطان الخاص اللازم للقيام به, فيليق إذاً أن يسلّمه لله الآب,
وهذا يعني أنه بعد إتمام عمل الفداء لا يبقى عمل خاص لكل أقنوم من أقانيم الثالوث الأقدس، فيكون السلطان كله كما كان قبل الشروع في عمل الفداء لله الواحد الأزلي مثلث الأقانيم أب الجميع,
أما قوله: فحينئذ الابن نفسه أيضاً سيخضع للذي أخضع له الكل فمعناه تسليم الابن السلطان الذي وُكِّل إليه وقتياً, وقوله: كي يكون الله الكل في الكل أي أن الواحد الأحد الأزلي الأبدي المثلث الأقانيم سيملك على الكل خلافاً لما كان منذ قيامة المسيح إلى الآن وما سيكون إلى يوم الدين، لأن الله في تلك المدة يسوس العالمين بواسطة المسيح,
قال المعترض الغير مؤمن: المزمور 149 نبوة عن محمد، فالترنيمة الجديدة (عدد 1) هي القرآن، والسيف ذو الحدين (عدد 6) سيف محمد وسيف علي بن أبي طالب الذي جرّده لخدمة الإسلام، والملك (عدد 2) هو محمد ,
وللرد نقول بنعمة الله : لا يمكن أن يكون القرآن الترنيمة الجديدة، لأن الترنيم غير مستعمل في العبادة الإسلامية،وكذلك السيف ذو الحدين ليس سيف محمد ولا علي، بدليل أن الآية تقول إنه ليس في يدي الملك الذي يزعمون أنه محمد، بل في يد الإسرائيليين ينتقمون به من أعدائهم, و الملك في (عدد 2) قيل عنه في صدر الآية إنه الخالق، ودُعي في (عدد 4) الرب , وعدا ذلك لا يمكن أن يُقال عن محمد إنه ملك إسرائيل، ولا فرح إسرائيل بمحمد، لأن سوء معاملته لهم مشهورة كما نرى من معاملته لبني النضير وبني قريظة وغيرهما,