الفصل الثالث
شبهات شيطانية حول الأسفار التاريخية
شبهات شيطانية ضد سفر يشوع
قال المعترض الغير مؤمن: قال البعض إن سفر يشوع هو وحي الله ليشوع، وقال آخرون إنه كان وحياً لفينحاس، وقال آخرون إنه لألعازر، أو صموئيل النبي، أو إرميا، مع أن بين يشوع وإرميا 850 سنة ,
وللرد نقول بنعمة الله : يؤكد اليهود حفظة الكتب الإلهية أن هذا السفر أُوحي به ليشوع بن نون، ويعتبرونه كاعتبارهم لتوراة موسى، لأن الله أجرى على يديه معجزات باهرة كالتي أجراها على يد موسى، ففلق نهر الأردن، ومنحه النصر على أعدائه، فكان كلامه وحياً إلهياً مؤيَّداً بالمعجزات، فتعبَّدوا بتلاوته في معابدهم تذكاراً للمراحم الإلهية,
وإليك السند المتصل لهذا الكتاب:
1 - سُلِّم هذا السفر لسبط لاوي حَفَظة الكتب المقدسة بهذا العنوان ولباقي الأسباط، وهم سلموه للخلف من جيل إلى آخر,
2 - تدل لغته على قِدَم عهده، فلغته عبرية محضة لم يشُبْها شيء من اللغة الكلدية، وهي تشبه لغة كتب موسى، مما يدل على كتابته بعد موسى بقليل، وبالنتيجة يكون كاتبه يشوع بن نون,
3 - تصدِّق الكتب المقدسة على ما ورد فيه من الحوادث، فذكر في مزمور 78: 53_56 و44: 2_4 افتتاح كنعان وتقسيمها، وهو مثل ما ورد في سفر يشوع, وفي مزمور 114: 1_5 وحبقوق 3: 8 انفلاق نهر الأردن، وهو مثل ما ورد في سفر يشوع, وفي حبقوق 3: 11 و12 قتل الكنعانيين، كالوارد في سفر يشوع 10: 9_11, وفي سفر القضاة 18: 31 إقامة التابوت في شيلوه، وكذلك في 1صموئيل 1: 3 و9 و14 و3: 21, فكتب الأنبياء الصادقين مؤيدة لحوادثه,
4 - يشتمل كتاب يشوع على ما أظهره الله من المراحم العظمى لبني إسرائيل مدة ثلاثين سنة تحت حكم يشوع، وإتيانه لهم النصر على أعدائهم، فيشتمل على فتح أرض كنعان وتقسيمها على الأسباط الاثني عشر، وإظهار لطف الله وكرمه، وإنجاز مواعيده الصادقة التي وعد بها إبراهيم (تكوين 13: 15) وإسحق (26: 4) ويعقوب (35: 12) ويوسف (50: 24) وموسى (خروج 3: 8) من أنه سيعطي بني إسرائيل أرض كنعان، ويتضمن حماية الله لشعبه ووقايته لهم من أعدائهم وإظهار قوته وقدرته وعظمته، وأن الحرب هي بيده, وقد جاء في البقرة وغيرها (2: 122) بأن الله فضَّل بني إسرائيل على العالمين، وخصّهم بنعم جمة كإنقاذه لهم من فرعون، وفلق البحر لهم، وإغراق جيوش فرعون، وتسخير السحاب لهم، وأعطائهم التوراة,
5 - سبب اختلاف العلماء الذي ذكره المعترض هو ما ورد في يشوع 15: 63 وأما اليبوسيون الساكنون في أورشليم فلم يقدر بنو يهوذا على طردهم، فسكن اليبوسيون مع بني يهوذا في أورشليم إلى هذا اليوم , مع أن بني إسرائيل لم يستولوا على أورشليم إلا بعد وفاة يشوع، فإن اليبوسيين استمروا يمتلكون حصن يهوذا إلى أن طردهم داود (2صموئيل 5: 6_8), فاختلف العلماء لأنهم لا يقبلون قضية كلية ولا جزئية إلا بعد البحث والتدقيق، حتى تأكدوا أن نبياً وضع هذه الآية للشرح والبيان، وهي كالمدرج في القرآن، وكذا وضع في آخر هذا السفر خبر وفاة يشوع، والأنبياء طبقة واحدة لا نفرّق بين أقوالهم الإلهية، ما دامت مؤيَّدة بالمعجزات الباهرة,
والمعترض يعرف أن محمداً كان يأخذ أقوال الناس ويدونها في كتابه، فقد أخرج مسلم عن عمر قال: وافقت ربي في ثلاث، في الحجاب، وفي أسرى بدر، وفي مقام إبراهيم , وقال عمر أيضاً: وافقت ربي أو وافقني ربي في أربع نزلت هذه الآية ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين فلما نزلت قلتُ أنا: فتبارك الله أحسن الخالقين، فنزلت: فتبارك الله أحسن الخالقين ,
ورووا أنه لما حمل مصعب بني عمير اللواء يوم أُحُد قُطعت يده اليمنى، فأخذ اللواء بيده اليسرى وهو يقول: وما محمدٌ إلا رسول قد خلَتْ من قبله الرسل، أفإن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم ثم قُطعت يده اليسرى فحنى اللواء وضمَّه بعضديه إلى صدره وهو يقول: وما محمدٌ إلا رسول فقال محمد إنها نزلت بعد ذلك,
6 - انظر تعليقنا على تثنية 1: 1_5
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في يشوع 1: 5 قول الله ليشوع أكون معك, لا أهملك ولا أتركك , ولكن نقرأ في يشوع 9: 3 و4 أن أهل جبعون خدعوا يشوع, وهذا تناقض، يحمل معنى أن الله لم يحفظ وعده ليشوع ,
وللرد نقول بنعمة الله : عندما جاء أهل جبعون ليشوع طالبين حمايته، وحلفوا له كاذبين، لم يستشر الله، واعتمد على حكمته, ووجود الله مع عبده يستلزم وجود العبد مع ربه, فالرب معنا ما دمنا معه، وإن تركناه يتركنا, فلم يكن خداع أهل جبعون ليشوع تناقضاً مع وعد الله له، بل عدم ثبوت من يشوع في عهده مع الله,
وفي هذا درس أخلاقي لنا: أن نكون مع الله نطلب إرشاده دائماً,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في يشوع 2: 1 فأرسل يشوع بن نون من شطّيم جاسوسين سراً , فهل العمل السري المخادع مقبول عند الله؟ ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) التعليم المسيحي الواضح هو: ليكن كلامكم نعم نعم ولا لا, وما زاد على ذلك فهو من الشرير (متى 5: 37),
(2) هناك قضايا عامة يضطرنا الدفاع عنها إلى الحرب, ومتى كان غرض الحرب صالحاً يجوز استخدام الجواسيس والكمائن,
(3) عندما أرسل يشوع الجاسوسين فعل ذلك كقائد حربي، ولا تقول التوراة إنه قام بذلك بإرشاد إلهي خاص, ولا غبار على استعمال الحكمة البشرية مع الاعتماد التام على عناية الله, فلم يكن من الحكمةأن يتورط يشوع بالدخول إلى بلاد غريبة عنه، معادية له، لا يعرف عنها شيئاً بدون أن يفهم أحوال سكانها,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في يشوع 2: 4 و5 فأخذت المرأة الرجلين وخبأتهما وقالت: نعم، جاء إليَّ الرجلان، ولا أعلم من أين هما, ولست أعلم أين ذهب الرجلان, اسعوا سريعاً وراءهما حتى تدركوهما , فهل تمدح التوراة راحاب على كذبها وخداعها؟ ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) لا تقول التوراة إن الله رضي عما فعلته راحاب, لقد كان في ذلك خيانة لبلدها أريحا، وكذباً على شعبها,
(2) كان ما فعلته راحاب خطأ في الشكل ولكنه كان صواباً في الموضوع والنيَّة، فمدح كاتب رسالة العبرانيين (11: 31) إيمانها لأن عملها برهن ثقتها في أن النصرة النهائية هي لشعب الله, لقد غيَّرت ولاءها من ملك أريحا إلى ملك إسرائيل الذي هو الله، ورأت أن قضية بني إسرائيل هي قضية الإله الحقيقي، وكل من يقاومها يرتكب أعظم الجرائم,
(3) لا يستر الكتاب المقدس عيوب أبطاله، فكل البشر خطاة يحتاجون إلى غفران الله, واحد وحيد بلا عيب هو المسيح، الذي قدم نفسه فداءً عن البشر الخطاة,
(4) قانون الله في الخطية والقداسة لا يتغيَّر مطلقاً، فالله كامل يطلب الكمال، ولكن ناموس الضمير الإنساني قد يتغيَّر بتغيُّر أقوال الناس, وكانت أحوال مجتمع راحاب محتاجة إلى إصلاح ورفعة,
قال المعترض الغير مؤمن: ينتهي يشوع 4: 9 بالقول: إلى هذا اليوم وهي إلحاقية، وقعت في أكثر كتب العهد القديم، وعليه كل ما كان مثلها يكون إلحاقياً (مثل يشوع 5: 9 و8: 28 و29 و 10: 27 و13: 13 و14: 14 و15: 63 و16: 10) ,
وللرد نقول بنعمة الله : قال يشوع إن الاثني عشر حجراً التي نُصبت في وسط الأردن هي باقية إلى يوم تدوين هذا السفر، أي أنه صار لها نحو عشرين سنة أقل ما يكون، فكيف تكون إلحاقية؟ وما هو الدليل على إضافتها؟ إن الإضافة تحدث إن أراد الإنسان أن يغيّر مبدأً من المبادئ، أو معنى من المعاني، أو يؤيد مذهباً خصوصياً من المذاهب, وإذا زاد أحدٌ هذه اللفظة فلا تغيّر مبدأ ولا تؤيد مذهباً, ولماذا زيدت كلمة إلى هذا اليوم في الحوادث المذكورة التي ذكرها، ولم تُزَد في باقي الحوادث الأخرى المذكورة في التوراة؟ إن الكتاب جاء بهذهاللفظة كما هي، فالقول إنها زيدت لا أصل له, وقد تميَّز أسلوب يشوع بن نون باستعمال هذه اللفظة في سفره، كما يؤخذ من الثمانية مواضع التي ذكرها، فإن يشوع يذكر الحادثة ويستشهد بها أهل عصره، مستلفتاً أنظارهم إليها,
انظر تعليقنا على تثنية 1: 1_5
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في يشوع 7: 1 وخان بنو إسرائيل خيانة في الحرام فأخذ عخان بن كرمي بن زبدي بن زارح ولكن تأثير شر عخان امتدَّ إلى غيره (آية 15), وجاء في خروج 20: 5 أن الله يفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضيه, وهذا يناقض ما جاء في حزقيال 18: 20 النفس التي تخطىء هي تموت, الابن لا يحمل من إثم الأب، والأب لا يحمل من إثم الابن, برّ البار عليه يكون, وشرّ الشرير عليه يكون ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) راجع تعليقنا على خروج 20: 5,
(2) لا يوجد على الإطلاق إنسان طاهر وبريء إلى التمام, فإن كل شر الشرير يجلب الضرر على نفسه وعلى شخص آخر معه، فالثاني لا يمكنه أن يدَّعي أنه مظلوم، لأنه هو أيضاً خاطئ ويستوجب قصاص الله, ومع أنه ربما لم يرتكب نفس الشر الذي استوجب القصاص، إلا أنه مسؤول عن خطايا أخرى قد صدرت منه، يستوجب عليها القصاص عينه,
(3) كل ما نفعله لا بد له من نتيجة على من حولنا, فالأعمال الصالحة التي نفعلها تأتي بالبركة ليس على أنفسنا فقط بل على سوانا أيضاً, كما أن أعمالنا السيئة لها هذا التأثير عينه, فخطية السكير مثلًا تصيبه في شخصه، وفي الوقت نفسه تجلب الشقاء على زوجته وأولاده, إننا نعيش في عالم تقع فيه علينا مسؤولية كبيرة من نحو الآخرين, فالرقيب المهمل في ميدان الحرب مثلًا يسبّب هزيمة الجيش بجملته, وهكذا جلب عخان غضب الله على بني إسرائيل,
(4) بامتداد تأثير شر الشرير إلى سواه يقاصُّ الله الخطية, فالآباء المسرفون مثلًا يقاسون آلام الفاقة نتيجة إسرافهم، ويتألم معهم أولادهم فيزيدهم هذا توجّعاً وتحسُّراً,
كان يجب على عخان أن لا يمد يده إلى ما حرَّمه الرب، ليس مراعاة لصالحه الشخصي فقط، بل لصالح المجموع أيضاً, هذه الحقيقة الخطيرة يجب أن تمنعنا عن ارتكاب الشر,
(5) حزقيال 18: 20 حقيقة واقعة فالله لا يدين البريء بشر الشرير، والابن لا يحمل من إثم الأب، فالله يميّز بين البار والأثيم ولو عاشا جنباً إلى جنب تحت سقف واحد, ولا تزال هذه الحقيقة صادقة وثابتة، وهي أن النفس التي تخطىء هي تموت, والمقصود بالموت هنا الموت الروحي بالانفصال عن الله، أو الموت الأبدي, (راجع تعليقنا على التكوين 2: 17), هذا ولا ننكر أن الأطفال كثيراً ما يحل بهم البؤس والشقاء نتيجة لشر والديهم, ولكن في حالة كهذه يجب أن لا يفوتنا أن هذا ليس معناه أن الله قد تخلّى عن الأطفال الأبرياء وسكب عليهم سخطه، إذ قد تكون الآلام الوقتية هذه خيراً مستتراً لهم,
(6) يشوع 7: 1 وخروج 20: 5 ومواضع أخرى في الكتاب تصوّر لنا ما للخطية من النتائج الوخيمة المريعة البعيدة المدى, غير أن نتائج الخطية هذه قد يستخدمها الله لخير أولاده، تأييداً للعبرانيين 12: 6 الذي يحبه الرب يؤدبه , على أن حزقيال 18: 20 يتكلم عن الإثم الصادر من العناد، وعن الموت الأبدي الذي يقع على الأثمة غير التائبين, فالآيتان المشار إليهما أعلاه لهما وجهتان مختلفتان, ومتى حفظنا هذا في أذهاننا ظهر لنا اتفاقهما التام,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد اسم عخان في يشوع 7: 18 عكن بالنون، والصحيح عكر بالراء ,
وللرد نقول بنعمة الله : ورد عخان بالنون ولم يرد بالراء في الأصل العبري للتوراة, لو سلَّمنا بأنه ورد عكر، فإنه عندما يُنقل الاسم العَلم من لغة إلى أخرى يحدث فيه تغيير, وقد وردت ألفاظ في العربية بالراء والنون, وقد جاء في تهذيب التبريزي: يقال لموضع فراخ الطير الوكور و الوكون , الواحد وكر و وكن ,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في يشوع 8: 3_9 أن يشوع جنَّد 30 ألفاًً، ولكنه يقول في آية 12 إنه أخذ نحو خمسة آلاف رجل ,
وللرد نقول بنعمة الله : الفرق في العدد يرجع إلى اختلاف كل كمين عن الآخر, لقد جنَّد ثلاثين ألفاً، ثم أعدَّ خمسة آلاف رجل آخر يكمنون غربي عاي,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في يشوع 8: 28 وأحرق يشوع عاي وجعلها تلًا أبدياً، وخراباً إلى هذا اليوم , فهل يوافق الله على الشدّة المتناهية التي تعارض قوانين الرحمة؟ ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) نعلّق على تخريب عاي بالنار في نور العادات القديمة في معاملة الأمم المغلوبة، فقد كانت قسوتهم بربرية مخيفة في معاملة المغلوبين, ولو ذكرنا ما فعله يشوع لاعتبرناه من عمل الرحمة!
(2) كان أهل عاي أشراراً جداً، فكان لا بد من وقوعهم تحت القصاص الإلهي, لقد حذر الله أهل عاي الكنعانيين قبل هذا الحادث بأربع مئة سنة من أجرة الخطية عندما أحرق سدوم وعمورة، ولكنهم لم يتوبوا,
(3) كان قصد الله أن يطهّر البلاد من عُبَّاد الوثن قبل إقامة شعبه فيها، حتى لا يضلّلوهم بعبادة الأوثان, صحيح أن بني إسرائيل فشلوا في اتِّباع شريعة الله الصالحة، لكن الله جهَّز لهم كل ما يساعدهم على طاعة شريعته,
قال المعترض الغير مؤمن: يؤخذ من يشوع 10: 1_11 أن بني إسرائيل لما قتلوا ملك أورشليم استولوا على مملكته، ويُفهم من 15: 63 أنهم لم يستولوا على أورشليم ,
وللرد نقول بنعمة الله : مع أن بني إسرائيل هزموا ملوك تلك الجهات واستولوا على معظم ممالكهم، إلا أنهم عجزوا عن الاستيلاء على بعض حصون أورشليم، إلى أن مَلك داود النبي وأخذ تلك الحصون,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في يشوع 10: 13 فدامت الشمس ووقف القمر حتى انتقم الشعب من أعدائه, أليس هذا مكتوباً في سفر ياشر؟ , وهذه الآية لا تكون من كلام يشوع، لأن هذا الأمر منقول من السفر المذكور، ولم يُعلم متى كُتب, إلا أنه يظهر من 2صموئيل 1: 18 أنه يكون معاصراً لداود, وقال هنري واسكوت على يشوع 15: 63 إن كتاب يشوع كُتب قبل بضع سنين من حُكم داود، مع أن داود وُلد بعد موت يشوع بنحو 358 سنة، وإن الآية 10: 15 زائدة ,
وللرد نقول بنعمة الله : استشهاد يشوع بكتاب ياشر لا يدل على أن هذا الأصحاح ليس من كلامه، وكتاب ياشر هذا الذي استشهد به يشوع، هو كما قال يوسيفوس المؤرخ الشهير، يشتمل على تواريخ الحوادث التي حصلت للأمة اليهودية من سنة إلى أخرى، ولا سيما وقوف الشمس, ويشتمل أيضاً على قواعد حربية بكيفية الكر والفر (كما يُعلم من 2صموئيل 1: 18), فلم يكن من الكتب الموحى بها، بل هو تاريخٌ كتبه أحد المؤرخين الذي شاهد حوادث عصره بالدقة الضبط، فلذا استحق أن يُسمى ياشر أو المستقيم، لأن ما كتبه كان مطابقاً للواقع، وحافظ عليه اليهود ووضعوه في الهيكل,
أما قوله إنه يظهر من 2صموئيل 1: 18 أن مؤلف كتاب ياشر (يشوع 10: 13)كان معاصراً لداود، فنورد النصّ وقال أن يتعلم بنو يهوذا نشيد القوس، هوذا ذلك مكتوب في سفر ياشر , فهذا لا يدل على أن مؤلفه كان معاصراً لداود، بل على أن هذا الكتاب كان موجوداً في عصر داود، وأن مؤلفه من القدماء المتقدمين الذين يُستشهد بأقوالهم,
أما عبارة هنري واسكوت فقد اقتبسها المعترض مبتورة وترك المهم منها، فإنهما قالا إن يشوع استولى على أغلب مدن اليبوسيين، غير أن اليبوسيين استمروا مستَوْلين على حصن أورشليم, ويوجد فرق بين انهزام ملك في وقعة حربية وبين سقوط عاصمته، فبنو إسرائيل استولوا على بلاد اليبوسيين ثم استرجعها اليبوسيون ثانية، ثم طردهم بنو إسرائيل بعد موت يشوع (القضاة 1: 8), فكان حصن صهيون في أيديهم إلى حكم داود، حتى أخذه منهم (2صموئيل 5: 6_8),
وقال هنري واسكوت: ومن 2صموئيل 5: 6-8 يتضح أن كتاب يشوع كُتب قبل حكم داود بسبع سنين فالمقصود هو أن هذا الكتاب كتب قبل أن يقوم ملك على إسرائيل كما قال كلارك، بدليل أن اليبوسيين كانوا ساكنين مع بني يهوذا, والأدلة على أن كاتب هذا السفر هو يشوع إجماع اليهود على ذلك,
1 - ورد في يشوع 24: 26 وكتب يشوع هذا الكلام في سفر شريعة الله ,
2 - في الآيات 1: 1 و3: 7 و4: 1 و5: 2 و9 و6: 2 و7: 10 و8: 1 و10: 8 و11: 6 و13: 1 و20: 1 و24: 2 يذكر يشوع الأقوال التي كلمه بها الرب,
3 - في أصحاحي 23 و24 خطاب يشوع قبل موته، فإنه جمع أئمة بني إسرائيل وشيوخهم ورؤساءهم وقضاتهم وعرفاءهم، ثم خطب فيهم,
4 - كان يشوع الرجل اللائق لتدوين الحوادث المذكورة في هذا السفر، لأنها حصلت على يده,
5 - نهج يشوع على منوال أستاذه موسى في تدوين الحوادث,
6 - أشار في أصحاح 5: 1 أنه كان أحد الذين عبروا إلى كنعان,
7 - نَفَس هذا الكتاب هو مثل نَفَس شريعة موسى، وقد كان يشوع خادماً خصوصياً لموسى، فأخذ من نَفَسه وروحه,
8 - مما يدل على قِدَم هذا السفر عدم وجود عبارات كلدية فيه، مما يدل أن الكاتب هو يشوع,
أما قوله إن 10: 15 هي زائدة فنقول إنها بقية الاستشهاد بسفر ياشر، فأول الاستشهاد هو من آية 12 وآخره آية 15 ، فإن بني إسرائيل رجعوا أولًا إلى مقِّيدة (آية 21) ثم رجعوا إلى الجلجال,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في يشوع 10: 15 و43 أن بني إسرائيل رجعوا إلى الجلجال بعد وقوف الشمس وهزيمة الأموريين, ولكن جاء في ذات الأصحاح والآية 21 أنهم رجعوا إلى مقِّيدة ,
وللرد نقول بنعمة الله : ما جاء في آية 15 جزء من الاقتباس المأخوذ من سفر ياشر، والذي يبدأ من آية 12_15, وكان الرجوع إلى المعسكر المؤقت في مقِّيدة سابقاً للرجوع إلى الجلجال,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في يشوع 10: 42 أن بلاد الكنعانيين خضعت لبني إسرائيل دفعة واحدة، بينما يقول في يشوع 11: 18 إن ذلك استغرق أياماً كثيرة ,
وللرد نقول بنعمة الله : الحديث في 10: 42 خاص بغزو الجزء الجنوبي من فلسطين، والذي تم في معركة واحدة، أما ما جاء في 11: 18 فيختص بالجزء الشمالي الذي استغرق غزوه وقتاً طويلًا,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في يشوع 11: 19أن الحويين هم سكان جبعون، فهم جبعونيون, ولكن جاء في 2صموئيل 21: 2 أنهم بقايا الأموريين ,
وللرد نقول بنعمة الله : يُستخدم اسم الأموريين بصفة عامة على الكنعانيين، وخصوصاً على الكنعانيين سكان المنطقة الجبلية، أرض الحويين (قارن تكوين 15: 16 والعدد 13: 29 وتثنية 1: 20 و21), ولما كان الكنعانيون يجب أن يُبادوا من الأرض (بخلاف الجبعونيين) فيمكن تسمية الجبعونيين بقايا الأموريين أو الكنعانيين ,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في يشوع 12: 10_23 أن يشوع ضرب ملوك بلاد كثيرة, ولكن في أماكن أخرى نجد أن هذه البلاد لا تزال في قبضة أصحابها الأصليين, راجع مثلًا يشوع 15: 63 و17: 12 وقضاة 1: 22 و29 ,
وللرد نقول بنعمة الله : هناك فرق بين ضرب ملك وقتله وبين الاستمرار في احتلال بلده, فانتصار بني إسرائيل في محاربة بلد يتلوه الذهاب لمحاربة بلد أخرى، فيعود أهل البلد الأولى يقوّون حصونهم ويهاجمون بني إسرائيل من الخلف, هي حرب كرّ وفرّ إذاً! ولهذا نقرأ أن نفس المدينة هوجمت عدة مرّات بقيادة يشوع أو كالب أو غيرهما, إنها عداوة بلا نهاية بين غازٍ ومهزوم,
ثم أن عدم درج اليهود لكتاب ياشر في كتبهم المقدسة هو من أقوى الأدلة والبراهين على حرصهم في الأمور الدينية، وتدقيقهم، فلا يخلطون الجوهر بالعرض,
قال المعترض الغير مؤمن: يقول المفسر هارسلي إن ما جاء في يشوع 13: 7 و8 خطأ ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) المعترض غير أمين في نقله، وكثيراً ما يفتري على الله وعلى العلماء الأكاذيب, ونورد الآيتين ليحكم المنصف: اقسِمْ هذه الأرض مُلكاً للتسعة الأسباط ونصف سبط منسى , معهم أخذ الرأوبينيون والجاديون مُلكهم الذي أعطاهم موسى في عبر الأردن نحو الشروق، كما أعطاهم موسى عبد الرب ,
(2) لا نرى ما هو الخطأ، فهل تقسيم الأرض بالقرعة خطأ؟ إنه يمنع أسباب النزاع ويقطع موجبات التذمر والشكوى والتظلم، ويخفف أتعاب الرؤساء فلا يتهمهم أحد بالميل والانحراف والاستبداد,
(3) أمر النبي موسى بالاستعانة بالقرعة لتعليم الأمة اليهودية أن مالك الأرض الحقيقي هو الرب، وأن له الحق أن يتصرف بملكه كيف يشاء (عدد 33: 54) والاستعانة بالقرعة تفويضٌ لله ليحكم كيف يشاء, ومما يدل على أنه لا يحصل حركة ولا سكون إلا بإرادته هو أن كل سبط أخذ ما تنبأ عنه يعقوب في تكوين 49 ، وما تنبأ عنه موسى تثنية 33, فهل تحقيق النبوات هو الخطأ، أو هل التصرف بالحق والحكمة هو الخطأ؟
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في يشوع 13: 24 و25 أعطى موسى لسبط جاد حسب عشائرهم، فكان تخمهم يعزير وكل مدن جلعاد ونصف أرض بني عمون إلى عروعير، التي هي أمام ربَّة , وهذا يناقض ما ورد في التثنية 2: 19 وهو: فمتى قرِبْتَ إلى تجاه بني عمون لا تعادِهِمْ ولا تهجموا عليهم، لأني لا أعطيك من أرض بني عمون ميراثاً، لأني لبني لوط قد أعطيتها ميراثاً ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) راجع تعليقنا على تثنية 2: 19
(2) لم يمسّ بنو إسرائيل أرض بني عمون في عهد موسى، لأن هذه الأرض كانت في يدهم، وهم المستولون عليها بأنفسهم, ولكن لما أخذ الأموريون جانباً عظيماً منها، حارب بنو إسرائيل الأموريين وأخذوا منهم أرض بني عمون, وأشار إلى هذه الأرض بعد أن أخذها منهم الأموريون, وعبارة موسى تشير إلى ما كانت عليه قبل أخذها، والدليل على ذلك ما ورد في القضاة 11: 12_28 من أن بني إسرائيل حاربوا الأموريين وأخذوا منهم أرض بني عمون, فلم يتعدَّ بنو إسرائيل على بني عمون ولا على أرضهم، بل أخذوا بلادهم من الأموريين لعجزهم عن المحافظة عليها, فلا يوجد أدنى تناقض بين القولين، فبنو إسرائيل أطاعوا أمر موسى، ولكنهم أخذوا تلك الأراضي من الأموريين، أما يشوع فتكلم على الحالة التي كانت موجودة في عصره,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في يشوع 14: 6 أن اسم والد كالب كان يفنَّة، ولكننا نقرأ في 1أخبار 2: 18 أن اسم والده حصرون، وفي 1 أخبار 2: 50 أن اسم والده حور ,
وللرد نقول بنعمة الله : كان هناك أكثر من شخص يحمل اسم كالب, كما أن المؤرخ المقدس أحياناً ينسب الابن لجدّه أو لجدّه الأكبر,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في يشوع 15: 1 أن نصيب سبط يهوذا من الأرض كان في الجنوب, يناقضه ما جاء في يشوع 19: 34 أن نصيب سبط يهوذا كان إلى الشرق ,
وللرد نقول بنعمة الله : كان لسبط يهوذا مدن واقعة شرق الأردن، عددها 60 مدينة هي حوّوث يائير , وقد آلت لسبط يهوذا لأن يائير مالكها كان من سبط يهوذا (راجع 1أخبار 2: 4_22), هذه المدن الستون زيادة على نصيب سبط يهوذا الذي كان في الجنوب,
قال المعترض الغير مؤمن: نقرأ في يشوع 15: 8 أن أورشليم تقع في أرض سبط يهوذا, ولكن جاء في يشوع 18: 28 أنها تقع في أرض سبط بنيامين ,
وللرد نقول بنعمة الله : كانت أورشليم حصناً منيعاً تقع في ملتقى أرض سبطي يهوذا وبنيامين، ويمكن اعتبارها تابعة لأيٍٍّ منهما,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في يشوع 15: 33 أن مدينتي صرعة وأشتأول من نصيب سبط يهوذا، ولكننا نقرأ في يشوع 19: 40 و41 وقضاة 18: 2 و8 أنهما من نصيب سبط دان ,
وللرد نقول بنعمة الله : رأى يشوع أن البلاد الممنوحة لسبط دان أقل من حاجة سبط دان (يشوع 19: 47) فأعطاه سبط يهوذا بعض بلاده الشمالية، كما أعطى سبط أفرايم لسبط دان بعض بلاده الجنوبية, فيمكن اعتبار صرعة وأشتأول من نصيب يهوذا أولًا ومن نصيب دان أخيراً,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في يشوع 17: 15_18 أن أرض سبط أفرايم تقع غرب الأردن، ولكن جاء في 2صموئيل 18: 6 أنها تقع شرقه ,
وللرد نقول بنعمة الله : وعر أفرايم المذكور في 2صموئيل 18: 6 لا يقع داخل حدود أرض سبط أفرايم، لكن على جانب الأردن الشرقي, وأغلب الظن أن هذا الوعر (الغابة) أخذ اسمه من قتل الأفرايميين فيه قبل ذلك (قضاة 12: 1_6),
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في يشوع 18: 14 وامتدَّ التخم ودار إلى جهة الغرب جنوباً من الجبل الذي مقابل بيت حورون جنوباً , فقوله من قبال البحر خطأ، لأنه ما كان في حد ساحل البحر ,
وللرد نقول بنعمة الله : من راجع الأصل العبري المأخوذة عنه الترجمة العربية لا يجد أثراً لقوله البحر ولا ساحل البحر، بل وجد كلمة الغرب كما في التراجم العربية التي بُذلت العناية التامة في ترجمتها بالتدقيق، وكان الواجب على المعترض أن يراجع الأصول,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في يشوع 19: 34 فبعد أن حدد حدود نفتالي ووصل إلى أشير غرباً، وإلى يهوذا الأردن نحو شروق الشمس وهذا خطأ لأن حد يهوذا كان بعيداً في جانب الجنوب ,
وللرد نقول بنعمة الله : دخل في حدود سبط يهوذا بعض مدن لم تكن مندرجة في حدوده، لأن الستين مدينة المسماة حووث يائير التي كانت واقعة على الجانب الشرقي من نهر الأردن مقابل نفتالي كانت معدودة من المدن التابعة ليهوذا، لأن يائير مالكها كان من ذرية يهوذا (1أخبار 2: 4_22)، ولذا قال في حدود نفتالي: وإلى يهوذا الأردن نحو شروق الشمس ,
راجع تعليقنا على يشوع 15: 1
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في يشوع 24: 32 أن الذي اشترى حقلًا من حمور أبي شكيم هو يعقوب, ولكن يتضح من أعمال 7: 15 و16 أن الذي اشترى الحقل هو إبراهيم ,
وللرد نقول بنعمة الله : كانت شكيم أول مكان ظهر الله فيه لإبراهيم لما ذهب إلى أرض كنعان، وفيها بنى لله مذبحاً (تكوين 12: 6 و7), ولابد أن إبراهيم اشترى الحقل ليقيم فيه مذبحه, ومضت 185 سنة حتى جاء يعقوب, والأغلب أن أهل شكيم استردّوا أرضهم، فعاد يعقوب يشتريها منهم, وخصَّص يعقوب جانباً من الحقل كمدفنةٍ,
راجع تعليقنا على تكوين 50: 13
قال المعترض الغير مؤمن: الآيات الخمس الأخيرة من سفر يشوع 24: 29-32 ليست من كلام يشوع، بل ألحقها فينحاس أو صموئيل النبي ,
وللرد نقول بنعمة الله : كتب صموئيل النبي قصة وفاة يشوع لإتمام التاريخ حتى يكون مستوفياً، فإنه لو ترك الأمر بدون تدوين وفاته، لجاءت سيرة حياة يشوع ناقصة,
وقد ذكرنا أن يشوع بن نون دوّن خبر وفاة موسى في آخر التثنية، فكذلك دوّن صموئيل النبي وفاة يشوع، وأضافه في آخر سفره ليكون الكتاب مستوفياً وكاملًا, (راجع تعليقنا على تثنية 34),