شبهات شيطانية حول سفر التثنية
قال المعترض الغير مؤمن: تدل بعض الفقرات على أن مؤلف سفر التثنية لا يمكن أن يكون موسى الذي كان قبل داود، بل يكون معاصراً لداود أو بعده ,
وللرد نقول بنعمة الله : لا يُعقل أن الله أوحى الشريعة لموسى، ولم تدوَّن إلا بعد وفاته بخمسمائة سنة، وكيف تكلف الأمة الإسرائيلية بحفظ شريعة الله إذا لم تكن مدوّنة، وكيف يأمرهم موسى بأن يكتبوها على قلوبهم ويحفظوها ويقيموا سننها وفرائضها ويعلموها لأولادهم وينقشوها على الحجارة؟
1 - أعلن اليهود من عصر إلى آخر أن موسى سلّمهم الشريعة لإقامة أحكامها, فإذا كان لا يجوز لأحد أن يرمي سكان أثينا الذين ساروا في المعاملات والأحكام حسب قوانين صولون بخطأ في معتقدهم، ولا يجوز أن نرمي سكان إسبرطة الذين سلكوا حسب قوانين ليكارجوس بالخطأ، بدعوى أن هذه القوانين ليست قوانين ذينك الرجلين، فكيف نقدر أن نرمي بني إسرائيل بالخطأ في قولهم إنهم متمسكون بشريعة موسى وسالكون بموجبها؟
2 - أشار داود النبي إلى الشريعة في مزاميره، وهذا يدل على تداولها (انظر مزموري 1 و19) وحضّ في أغلب مزاميره على التمسك بها, وقال سليمان لقومه إن آباءنا حافظوا على الشريعة 500 سنة، فكيف يقول ذلك إذا لم تكن موجودة عندهم؟ وكيف يراعون أوامرها إذا لم تكن مدوّنة عندهم؟
3 - قال موسى قبل وفاته: ها أنا سلّمت لكم الشريعة، فاحفظوها وعلموها لأولادكم, ولما قام يشوع بعد موسى أمره الله: كن متشدداً وتشجع جداً، لتتحفظ للعمل حسب كل الشريعة التي أمرك بها موسى عبدي, لا تمل عنها يميناً ولا شمالًا لتفلح حيثما تذهب, لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك، بل تلهج فيه نهاراً وليلًا، لتتحفظ للعمل حسب كل ما هو مكتوب فيه، لأنك حينئذ تصلح طريقك وحينئذ تفلح (يشوع 1: 7 و8), ويشوع بن نون خليفة موسى حضّ بني إسرائيل في يشوع 23: 6 بأن يحافظوا على شريعة موسى ويقيموا أحكامها، فهل يتصوّر أن يأمرهم بحفظ شريعة ستُكتب وتُدوّن بعد 500 سنة؟
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في التثنية 1: 1 وهذا هو الكلام الذي كلّم به موسى جميع إسرائيل في عبر الأردن في البرية بينما يقول تثنية 34 إن موسى مات قبل أن يعبر بنو إسرائيل نهر الأردن ,
وللرد نقول بنعمة الله : عبر الأردن تعني الضفة الشرقية كما تعني الضفة الغربية لنهر الأردن, وقد ألقى موسى خطابه في الضفة الشرقية,
قال المعترض الغير مؤمن: قال آدم كلارك إن ما ورد في تثنية 1: 1-5 هي مقدمة لباقي الكتاب وليست من كلام موسى ,
وللرد نقول بنعمة الله : جرت العادة أن النبي أو الكاتب أو الشاعر أو الناثر يتكلم عن نفسه بصيغة الغائب، فقال موسى عن نفسه: هذا هو الكلام الذي كلم به موسى جميع إسرائيل في عبر الأردن (وفي آية 3): كلم موسى بني إسرائيل حسب كل ما أوصاه الرب إليهم, بعد ما ضرب سيحون ملك الأموريين وعوج ملك باشان , ثم قال: الرب إلهنا كلّمنا وهو المسمى بالالتفات بأن ينتقل من الغائب إلى المتكلم,
وكثيراً ما جرى بولس الرسول في افتتاح أقواله الإلهية على هذه الطريقة، فقال: بولس عبد يسوع المسيح ,
وحتى لو لم يكن موسى هو كاتب هذه الآيات، فإن الله كلّف نبياً آخر بكتابتها، فإن مصدر الوحي الإلهي هو الله نفسه، وهو يكلف من يشاء بتدوين ذلك الوحي, وقول المعترض لا ينقص من قدر هذه الآيات في شيء,
اعتراض على تثنية 2: 4 و8
انظر تعليقنا على العدد20: 18-20
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في تثنية 2: 12 وفي سعير سكن قبلًا الحوريون، فطردهم بنو عيسو وأبادوهم من قدامهم وسكنوا مكانهم كما فعل إسرائيل بأرض ميراثهم التي أعطاهم الرب , وهذه الآية إلحاقية، بدليل قوله (كما فعل إسرائيل) ,
وللرد نقول بنعمة الله : توهم المعترض أن بني إسرائيل لم يمتلكوا شيئاً في وقت موسى، وأنهم امتلكوا أرض ميراثهم بعد موته, والحقيقة هي أن بني إسرائيل امتلكوا أراضي شرق الأردن وقت موسى، وامتلكوا أراضي غرب الأردن وقت يشوع بن نون، فالقول: كما فعل بنو إسرائيل هو توضيح لما فعله بنو عيسو في الحوريين,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في تثنية 2: 19 أمر إلهي لبني إسرائيل بعدم مهاجمة بني عمون, ولكن في يشوع 13: 24 و25 أخذ بنو إسرائيل أرض بني عمون ,
وللرد نقول بنعمة الله : عندما أخذ بنو إسرائيل هذا الجزء من الأرض كان قد انتقل من يد العمونيين إلى يد الأموريين، فقد حارب الأموريون العمونيين وأخذوا أرضهم (قضاة 11: 12-28), وهكذا يكون أن بني إسرائيل أخذوا أرض الأموريين,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في تثنية 3: 11 أن عوج ملك باشان وحده بقي من بقية الرفائيين, سريره سرير من حديد, أليس هو في رَبَّة بني عمون؟ طوله تسع أذرع وعرضه أربع أذرع بذراع رجل , وهذه الآية وضعها يشوع، لأنها كُتبت بعد موت عوج، ولم يكتبها موسى لأنه مات في خمسة أشهر ,
وللرد نقول بنعمة الله : سواء كتبها موسى أو يشوع، فهي من وحي الله وكتابة نبي مُلهَم, ولكننا نقول إن بني إسرائيل تحت قيادة موسى هزموا عوج وقومه ولاشوهم عن آخرهم (العدد 21: 33 وتثنية 1: 4 و3: 3 و29: 7 ويشوع 2: 10), هذه الآيات ناطقة أن موسى قطعهم عن آخرهم بعد أن هزم سيحون ملك الأموريين وأخذ بلاده, وقال يوسيفوس إن سيحون كان حليفاً لعوج, فاستولى موسى على مدن عوج وحصونها وأسوارها الشامخة, وقال الكتاب المقدس إنه استولى على ستين مدينة من مدنه (انظر تثنية 3: 1-13 ويشوع 9: 10 و13: 12 و30), أما ما ورد في هذه الآية من قوله إن سريره من حديد في ربة بني عمون فنقول: لا ينكر أن بني إسرائيل لم يستولوا على ربة بني عمون إلا في عهد داود (2صموئيل 12: 26) غير أنه كان مشهوراً في عصر موسى أن بني عمون انتصروا على عوج وغنموا هذا الأثر ووضعوه في مدينتهم ربة فموسى كتب شيئاً كان مشهوراً في عصره للدلالة على النصر الكبير الذي وفقه الله لهم على هذا العاتي الذي سريره يبلغ كذا وكذا, فمن هنا يتضح أن بني إسرائيل هزموا عوج وقومه بإرشاد موسى وقطعوا دابرهم واستولوا على بلادهم، وأن موسى ذكر أمراً اشتهر به ذاك الجبار,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في تثنية 3: 14 يائير بنمنسى أخذ كل كورة أرجوب إلى تخم الجشوريين والمعكيين، ودعاها على اسمه باشان حووث يائير إلى هذا اليوم , فقوله: إلى هذا اليوم يدل على أن المتكلم كان متأخراً، وأنه كتب ما كتبه بعد إقامة اليهود في فلسطين, والأغلب أن هذه العبارة كانت في الحاشية فأُلحقت بالمتن ,
وللرد نقول بنعمة الله : القول إلى هذا اليوم من كلام موسى, فإن موسى تكلم على ما خصّ يائير من الأراضي في الزمن الماضي، ثم أردف كلامه بقوله إن هذه الحصة باقية باسمه إلى يوم تدوين التوراة, فيجوز للمؤلف أن يصف شيئاً ثم يردفه بقوله: وصِفَتُهُ هذه باقيةٌ إلى يومنا هذا ,
اعتراض آخر على التثنية 3: 14
انظر تعليقنا على 1أخبار 2: 22
اعتراض على التثنية 4: 10-15
انظر تعليقنا على خروج 19: 11
قال المعترض الغير مؤمن: أمر النبي بني إسرائيل في تثنية 7: 3 بعدم الزواج من أجنبيات, ولكن الملك سليمان تزوج أجنبيات كما جاء في 1ملوك 3: 1 ,
وللرد نقول بنعمة الله : الحكمة في عدم الزواج من أجنبية أنها وثنية قد تجرّ زوجها للعبادة الصنمية, ولكن لما تعبد الوثنية الإله الحق الحقيقي تدخل في جماعة الرب، كما حدث مع راعوث (1: 4 و4: 3), ولعل سليمان ظن أنه سيقدر أن يربح زوجاته الأجنبيات لعبادة يهوه, ولكن ظنه خاب، فقد جعلته زوجاته الغريبات يخطئ وينحرف، فعاقبه الله لأنه خالف شريعة الله, وهذه من خطايا سليمان (نحميا 13: 26),
لا تناقض هنا، بل هنا أمر إلهي لم يطعْهُ سليمان، فنال جزاء من يعصى ربه,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في تثنية 7: 22 ولكن الرب إلهك يطرد هؤلاء الشعوب من أمامك قليلًا قليلًا, لا تستطيع أن تفنيهم سريعاً لئلا تكثر عليك وحوش البرية هذا يعني أن عدد بني إسرائيل لم يكن مليونين ونصف ,
وللرد نقول بنعمة الله : انظر تعليقنا على الخروج 12: 37 و38 ,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في تثنية 8: 2 وتتذكر كل الطريق التي فيها سار بك الرب إلهك هذه الأربعين سنة في القفر لكي يُذلَّك ويجرّبك، ليعرف ما في قلبك: أتحفظ وصاياه أم لا؟ وهذا يعني عدم معرفة الله، وهو مستحيل! كما أنه يناقض ما جاء في أعمال الرسل 1: 24 وصلّوا قائلين: أيها الرب العارف قلوب الجميع ,
وللرد نقول بنعمة الله : لا توجد آية في الكتاب المقدس تنفي علم الله بكل شيء, أما العبارات التي تفيد أنه يمتحن الناس ليعرف قلوبهم فليس معناها أنه يجهل خفايا القلوب, ولكن معناها أن الله يمتحن الناس ليعلّمنا أنه سبحانه يُدخل الإنسان في ظروف مخصوصة ليتضح بالبرهان صدق معرفة الله السابقة لخفايا القلب ونياته, ومعنى هذا أن اكتشاف قلب الإنسان يكون ببرهان عملي يتفق مع حكم الله عليه,
وللإيضاح نقول مثلًا إن أستاذ الكيمياء، يشرح حقيقة علمية لتلاميذه يقول لهم: دعوني أمزج هذا الحامض بهذه المادة لنرى ماذا تكون النتيجة، وهو يعرف مقدماً نتيجة المزج المزمع عمله, هكذا الحال عندما يرسل الله التجارب إلى الإنسان، فهو يقصد بها امتحاناً ليس هو نفسه في حاجة إليه, ولكنه يقصد خير الإنسان نفسه وتبرير طرق معاملاته للناس, لقد ظهرت طاعة إبراهيم لله عندما قبل أن يضحّي بابنه الوحيد حسب أمر الله، وكان هذا برهاناً عملياً على محبة إبراهيم لله, كما أن إيمان إبراهيم في الوقت نفسه قد تشدد, وإذا شك أحد في أمانة إبراهيم وإخلاصه لله، فتكفيه الإشارة إلى عمل طاعته هذه الفائقة, وعندما قال الله لإبراهيم: الآن علمتُ أنك خائف الله (تكوين 22: 12) لم يكن سبحانه يقصد أنه لم يكن يعرف فعرف، بل إنه سبحانه أعلن عظمة إيمان إبراهيم ببرهان ملموس,
وعلاوة على ما تقدم نرى أن انتصار أبطال الإيمان يشجع أولاد الله في كل عصر على السير في خطواتهم, فإبراهيم انتصر في هذه القضية انتصاراً باهراً، وسُطِّر خبر هذه النصرة في الكتاب لأجلنا نحن (انظر رومية 4: 23 و24) فالآيتان المشار إليهما إذاً لا تتناقضان,
قال المعترض الغير مؤمن: نقل آدم كلارك في تفسير التثنية 10 كلام كنيكوت وهو مطول، وخلاصته أن عبارة المتن السامري صحيحة، وعبارة العبري خطأ، وأن تثنية 10: 6-9 دخيلة على النصّ، بحيث لو سقطت هذه الآيات الأربع لارتبط الكلام ارتباطاً حسناً ,
وللرد نقول بنعمة الله : الذي يعنينا دوماً هو النص العبري، فهو القانوني, ومما يدل على صحة النص العبري موافقة الترجمة اليونانية له, ويبدو أن السامرية حاولت الجمع والتوفيق بين ما ورد هنا وما ورد في سفر العدد, أما النص العبري فباق على أصله بالتمام,
ويقول سفر العدد 33: 31-34 : ثم ارتحلوا من مسيروت ونزلوا في بني يعقان، ثم ارتحلوا من بني يعقان ونزلوا في حور الجدجاد، ثم ارتحلوا من حور الجدجاد ونزلوا في يطبات، ثم ارتحلوا من يطبات ونزلوا في عبرونة , وهذا ما ورد في تثنية 10: 6 و7 : وبنو إسرائيل ارتحلوا من آبار بني يعقان إلى موسير, هناك مات هرون وهناك دُفن، فكهن ألعازار ابنه عوضاً عنه, من هناك ارتحلوا إلى الجدجود، من الجدجود إلى يطبات، أرض أنهار ماء , فالرحلة الواردة في سفر التثنية هي غير الرحلة الواردة في سفر العدد، والدليل على ذلك أنهم التزموا بعد وفاة هرون أن يسافروا من جبل هور في طريق بحر سوف، ليدوروا بأرض أدوم حتى سئمت أنفس الشعب في الطريق، لأن الأدوميين لم يسمحوا لهم بالمرور في تخومهم (عدد 21: 4 و20: 21), فالعَوْد إلى تلك الجهات السابقة ضايق بني إسرائيل، فساروا في طريق مختلفة، ولكن تعين عليهم العروج على هذه الأماكن الأربعة بترتيب مخالف للترتيب السابق، ولم يحتاجوا في المرة الثانية إلى النزول في تلك المحطات، فلذا قال في سفر التثنية إنهم سافروا ولكنه قال في سفر العدد إنهم نزلوا ,
فيتضح مما تقدم أن بني إسرائيل عرّجوا في سفرهم حول أرض أدوم على أربعة أماكن كانوا قد نزلوا فيها، منها موسير أو مسيروت، وهي الجهة التي فيها جبل هور الذي مات فيه هرون, وسبب قول بعضهم إن هذه الآيات دخيلة هو أن موسى كان يقصّ على بني إسرائيل ما فعله، ثم انتقل إلى الكلام عن رحلات بني إسرائيل، ثم عاد إلى الوعظ، وهو اصطلاح الشرقيين المعروف بالالتفات,
مكان موت هارون: انظر تعليقنا على العدد 20: 27
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في التثنية 12: 15 أمرٌ يبيح لبني إسرائيل أكل الطاهر والنجس، وهذا يناقض ما جاء في تثنية 14: 3 الذي ينهى عن أكل النجس ,
وللرد نقول بنعمة الله : لا تناقض, فقد انقسمت الحيوانات حسب الشريعة الموسوية إلى الحرام للأكل والذبائح معاً، مثل الأرنب والخنزير, وهناك الحرام للذبائح ولكنه حلال للأكل مثل الإيل والظبي, وهناك الحلال للأكل وللذبائح معاً، كالبقر والضأن والمعز(انطر تعليقنا على لاويين 17: 3 و4),
اعتراض على تثنية 12: 17
انظر تعليقنا على العدد 18: 12
اعتراض على التثنية 12: 24
انظر تعليقنا على لاويين 17: 13
اعتراض على تثنية 14: 22-26
انظر تعليقنا على العدد 18: 17
اعتراض على تثنية 15: 12
انظر تعليقنا على لاويين 25: 39-42
اعتراض على تثنية 16: 1-7
انظر تعليقنا على خروج 12: 7
قال المعترض الغير مؤمن: نقرأ في تثنية 17: 14 و15 موافقة على أن يكون لبني إسرائيل ملك, ولكن لما طلب بنو إسرائيل ملكاً غضب الله عليهم وغضب نبيُّه صموئيل، كما نقرأ في 1صموئيل 8: 5 و7 و12: 17 ,
وللرد نقول بنعمة الله : لا تأمر التثنية بإقامة ملك، لكنها نبوَّة عمّا سيحدث، فيقول: متى أتيت إلى الأرض ,, فأنت تجعل عليك ملكاً ,
ولم يغضب الله من طلب بني إسرائيل ملكاً، بل غضب من أسلوب طلبهم وهدفهم، فقد أرادوا أن يكونوا كسائر الشعوب الوثنيين, كما كان طلبهم بتذمّر من حكم صموئيل وقضائه, فلم يكن اتجاههم الفكري سليماً، لأنهم كانوا يرفضون حكم الله عليهم، وكأنهم يتركونه ليعبدوا آلهة آخرى,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في التثنية 18: 15 و18 ويقيم لك الرب إلهك نبياً من وسطك، من إخوتك، له تسمعون ,,,أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به , هذه نبوة عن نبي الإسلام، فالنبي الموعود به هنا لا يكون من بني إسرائيل، وعبارة من وسطك لم ترد في الترجمة السبعينية ولا في أسفار موسى عند السامريين، ولا هي وردت في أعمال الرسل 3: 22 بل قيل: من إخوتك أي الإسمعيليين (قابل تكوين 25: 9 مع 18), ولم يقم نبي كموسى في إسرائيل بدليل تثنية 34: 10, ونبي الإسلام يشبه موسى في جملة وجوه: كلاهما نشأ في بيوت أعدائهما، وكلاهما تنبأ بين عبدَة الأصنام، وكلاهما رفضه قومه أولًا ثم عادوا فقبلوه، والاثنان هربا من وجه أعدائهما: موسى هرب إلى مديان وهو هاجر إلى المدينة، واسما الموضعين بمعنى واحد، وكلٌّ منهما نزل إلى ساحة القتال وحارب الأعداء وعمل المعجزات، وساعد أتباعه من بعد موته على امتلاك فلسطين ,
وللرد نقول بنعمة الله : جاء في تثنية 34: 10 أنه لم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى إلى الوقت الذي كُتب فيه هذا السفر, وكلمة بعد تفيد أن بني إسرائيل توقعوا أن يكون النبي منهم لا من الخارج, وأما عبارة من وسطك فهي واردة في النسخ العبرية,
ومع ذلك فالمعنى بها وبدونها ظاهر, صحيح أن إسماعيل أخٌ لإسحق من أبيه، لأن بني إسماعيل وبني إسرائيل إخوة، ولكن الأوْلى أن نعتبر أسباط إسرائيل الاثني عشر إخوة بعضهم لبعض, وعدا ذلك فقد كثر في سفر التثنية عينه اعتبار الإسرائيليين إخوة للبعض الآخر (انظر 3: 18 و15: 7 و17: 15 و24: 14), وفي 17: 15 وردت عبارة نظير الآية المطروحة على بساط البحث بخصوص مَن يجب أن يتوّجوه عليهم ملكاً حيث يقول مخاطباً إسرائيل: فإنك تجعل عليك ملكاً, الذي يختاره الرب إلهك من وسط إخوتك تجعل عليك ملكاً, لا يحل لك أن تجعل عليك رجلًا أجنبياً ليس هو أخاك , ولهذا فإن بني إسرائيل من أول تاريخهم إلى نهايته لم يتوّجوا أجنبياً ملكاً عليهم,
ويُقال خلاف ما تقدم أن النبي المنتظَر في آية البحث موعود به أن يُرسَل لبني إسرائيل,يقول العدد 15 يقيم لك الرب الهك نبيا من وسطك من اخوتك مثلي. له تسمعون. ا أما محمد فأعلن رسالته بين العرب الذين منهم وُلد وبينهم نشأ, وأما من جهة وجوه المشابهة المشار إليها في آية البحث بين موسى والنبي المنتظَر أن يقوم من بني إسرائيل، فمشروحة في تثنية 34: 10-12 ، وتنحصر في نقطتين: (1) معرفة الله وجهاً لوجه عند كلٍّ من النبيين, (2) المعجزات العظيمة لكل منهما,
ونقول أخيراً إن الله نفسه فسّر في الإنجيل ما أنبأ به في التوراة،وأظهر أن النبي الموعود به هو المسيح (قابل تثنية 18: 15 و19 له تسمعون مع متى 17: 5 ومرقس 9: 7 ولوقا 9: 35, ثم أن المسيح ذاته طبّق هذه النبوة وغيرها من نبوات التوراة على نفسه (يوحنا 5: 46 انظر تكوين 12: 3 و22: 18 و26: 4 و28: 14), أولًا: لأنه من نسل يهوذا، وبالتالي من بني إسرائيل (متى 1: 1-16 ولوقا 3: 23-38 وعبرانيين 7: 14) وصرف معظم حياته بين اليهود، وإليهم أرسل رسله أولًا، ولم يرسلهم إلى الأمم إلا أخيراً (متى 10: 6 ولوقا 24: 47 ومتى 28: 18-20), وفي الأعمال 3: 25 و26 تصريح بأن آية البحث تشير إلى المسيح,
قال المعترض الغير مؤمن: في تثنية 20: 16-18 وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيباً فلا تستَبْقِ منها نسمةً ما, تحرّمها تحريماً, الحثيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين كما أمرك الرب إلهك، لكي لا يعلّموكم أن تعملوا حسب جميع أرجاسهم التي عملوا لآلهتهم، فتخطئوا إلى الرب إلهكم , وهذه الشريعة منسوخة بقول المسيح في لوقا 6: 35 و36 بل أحبوا أعداءكم، وأحسنوا وأقرضوا وأنتم لا ترجون شيئاً، فيكون أجركم عظيماً، وتكونوا بني العلي، فإنه منعمٌ على غير الشاكرين والأشرار, فكونوا رحماء كما أن أباكم أيضاً رحيم ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) كانت الأمم التي سكنت أرض كنعان قبل دخول بني إسرائيل إليها تحت قيادة يشوع في منتهى الشر والفجور، فلما أعطى الله نواميسه وأحكامه لبني إسرائيل حذّرهم من الرذائل والرجاسات، وكرر لهم القول إنه قد حكم بالقضاء على أولئك الشعوب بسبب شرورهم ورجاساتهم (لاويين 18: 24-30), فإن كانت في تاريخ البشرية شعوب قد استوجبت غضب الله ونقمته فهي هذه الشعوب، لأن شرورهم قد وصلت إلى أقصى حد، حتى أن الأخلاق البشرية تنفر من مجرد تصورها!
(2) لا يمكن أن يُقال إن أولئك الشعوب كانت تنقصهم المعرفة، ولا بد أنّ ضمائرهم قد احتجَّت على شرورهم (رومية 1: 18-32), لقد كان عندهم الحق الذي ظهر نوره في حياة ملكي صادق، وإبراهيم وإسحق ويعقوب، قبل القضاء على تلك الشعوب بنحو أربعة قرون ونصف، وهو يشهد ضدهم, ومن المحتمل أيضاً أن ملكي صادق كاهن الله العلي قد خلَّف بعده قوماً عبدوا الإله الحقيقي، لأن الله لا يترك نفسه في أي جيل بلا شاهد,
(3) يجب أن لا ننسى أيضاً أن الله إله المحبة هو إله العدل أيضاً, فهو يريد أن يغفر ويقبل، ولكن من يتمادى في رفض محبته والعصيان عليه فلا بد أن يقع تحت عدله, وكما أننا على يقين من وجود سماء كذلك لا ريب في وجود جهنم, قد يتعذّر على عقولنا القاصرة ومعرفتنا الناقصة أن نوفّق بين عدل الله ونعمته، ولكن الكتاب يعلّم عن الحقيقتين بكل وضوح,
(4) ولم يكن أمراً خارقاً للعادة أن يأتي قضاء الله على تلك الأمم بلا استثناء كبير أو صغير, ففي حادثة الطوفان هلك الجميع رجالًا ونساء، كباراً وصغاراً، ما عدا نوحاً وعائلته, وعند إحراق سدوم وعمورة لم ينجُ من تلك المنطقة إلا لوط وابنتاه, وكذلك في وقتنا الحاضر إذا وقع وبأ أو جوع على إقليم تعم الضربة كل سكانه ولا يُستثنى الأطفال أيضاً, ولما كانت طرق الله وأحكامه بعيدة عن الفحص وجب علينا التسليم بحكمته وعدم استغراب قضائه في هذه الحوادث وسواها, غير أن العقل البشري قد لا يجد في كل ما تقدم رداً على اعتراضه,
(5) من المحتمل أن الله من رحمته قضى على أولئك الأطفال ونقلهم من العالم الشرير قبل أن يكبروا فيسيروا في رجاسات أسلافهم، مسوقين بإرادتهم الشريرة النجسة, وكما يُستفاد من نور تعليم الكتاب أنه خيرٌ للطفل أن يموت في عهد الطفولة من أن يكبر ويعيش في الشر ثم يموت في حالة عدم الإيمان بعد العصيان والتمرد على الله,
(6) يعترض البعض على عدم إعطاء الكنعانيين فرصة للتوبة، ظانين أنهم كانوا يتوبون لو أمر الله بني إسرائيل بإرشادهم وتعليمهم بدلًا من إهلاكهم, فعلاوة على ما سبقت الإشارة إليه في النقطة الثانية نقول: إن كان الله قد قَصَّر عهد النعمة لتلك الأمم الأثيمة فلا بد أنه قد تصرّف بحكمة، ورأى بعلمه السابق أن الإرشاد ما كان يفيد أولئك الفجار الأثمة!
(7) كان بقاء بني إسرائيل في حالة التعبد الصحيح يستلزم ليس فقط إخضاع أولئك الأثمة وإذلالهم، بل استئصالهم والقضاء عليهم، لأنهم لو بقوا في أرض كنعان لكانوا خطراً دائماً على طهارة عبادة الله، الأمر الذي قد حصل فعلًا (كما نرى أخيراً في تاريخ بني إسرائيل), فخير إسرائيل الروحي قضى بالانتقام من أولئك الشعوب الأثمة, فيمكننا أن نقول في الختام إن الله في معاملته الكنعانيين بالعدل لم يتعدَّ ناموس رحمته، بمعنى أنه بيَّن محبته لإسرائيل باستئصال أولئك الفجار، الذين لو بقوا لجلبوا عليهم الانحطاط الروحي,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في تثنية 21: 18-21 أن الأبوين يشكوان الابن المتمرد لشيوخ المدينة ليرجمه الشعب بالحجارة، مع أن أفسس 6: 4 تطالب الآباء بعدم إغاظة أولادهم ,
وللرد نقول بنعمة الله : 1 - الابن الذي يأخذه أبواه للقضاة لينال مثل هذا الجزاء هو المعاند المارد المسرف السكير,
2 - يتفق الأبوان في تقديم شكوى ضده لشيوخ مدينته,
3 - يكون القضاة هم أصحاب الحكم القضائي بعد التحقيق,
4 - لم نقرأ في كل التاريخ المقدس أن مثل هذا الأمر حدث,
5 - مثل هذا القانون يضمن سلامة الأسرة والمجتمع,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في تثنية 23: 2 ألا يدخل ابن زنى في جماعة الرب , وهذا خطأ، وإلا يلزم أن لا يدخل داود ولا آباؤه إلى فارص بن يهوذا في جماعة الرب، لأن فارص من أولاد الزنا كما في تكوين 38 وداود من الجيل العاشر كما يُعلم من نسب المسيح المذكور من لوقا ,
وللرد نقول بنعمة الله : ما ورد في سفر التثنية هو عن الأمم العمونيين والموآبيين الذين كانوا يستبيحون الزنا كجزءٍ من العبادة، فلا يجوز أن يدخلوا في جماعة الرب إلا بعد مضي مدة مديدة، لينسوا عاداتهم الذميمة، لئلا يُفسدوا شعب الله، لأن العادة طبيعة خامسة, وعليه فلا يصدق هذا الكلام على داود ولا على شعب الله, فلا يجوز أن يقف المُصرّ على خطاياه أمام الله، أما من تاب وندم فتُقبل توبته,
قال المعترض الغير مؤمن: نقرأ في التثنية 23: 3 ونحميا 13: 1 أن موآبياً لا يدخل في جماعة الله إلى الأبد، ولكن سلسلة نسب متىولوقا تقولان إن راعوث الموآبية هي جدّة المسيح من داود، وهذا تناقض ,
وللرد نقول بنعمة الله : لا بد أن اليهود فهموا كتبهم المقدسة جيداً، ولا بد أنهم يعرفون راعوث 4: 21 و22 ، ولكنهم لم يفسّروا آيتي التثنية ونحميا كما فسّرها المعترض! ولو أنهم فهموهما كما فهمهما المعترض لرفضوا كل ملوك يهوذا المولودين من داود الذي جاء من جدته راعوث! وقد فسّر علماء الدين اليهود هاتين الآيتين هكذا: لا يجب أن رجلًا عمونياً أو موآبياً يتزوج امرأة من جماعة الله إلى الأبد، ولا حتى إلى الجيل العاشر (عن الترجوم الفلسطيني), وهكذا لم يدخل رجل موآبي في جماعة بني إسرائيل، إلا إن اعتنق الديانة اليهودية,
وربما انطبق القانون على النسوة، ولكن راعوث اعتنقت اليهودية (راعوث 1: 16), ومن نحميا 13: 3 و23-28 نرى أن نحميا فهم التثنية 23: 3 على أنها تمنع عابدي الوثن الموآبيين من الدخول في جماعة بني إسرائيل,
كما أن التثنية تحدد للجيل العاشر , ولم يكن المسيح موآبياً بل يهودياً بالميلاد، حتى لو أن جدته موآبية منذ أجيال طويلة، عددها أكثر من عشرة أجيال!
قال المعترض الغير مؤمن: يجوز الطلاق في الشريعة الموسوية بكل علة، ويجوز للرجل أن يتزوج المطلقة كما في تثنية 24: 1 مع إنه لا يجوز الطلاق في الشريعة المسيحية إلا بعلة الزنا، ومن تزوج بها فهو يزني متى 5: 32, وورد في متى 19: 3-10 ما معناه: ولما أتى الفريسيون ليجربوه وسألوه: هل يحل للرجل أن يطلق امرأته لكل سبب؟ أجابهم: أَمَا قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وأنثى؟ وما جمعه الله لا يفرقه إنسان , فاستفهموا: لماذا أوصى موسى أن يُعطى كتاب طلاق فتطلَّق؟ قال لهم: إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم، ولكن من البدء لم يكن هكذا وأوضح لهم أن الطلاق لا يجوز إلا لِعلة الزنا, وهذا يعني أن المسيحية نسخت اليهودية ,
وللرد نقول بنعمة الله : الشريعة الموسوية تقول: إذا تزوج رجل بامرأة، فإن لم تجد نعمة في عينيه لأنه وجد فيها عيب شيءٍ ، وطلّقها، لا بأس أن يتخذها غيره, ولكن لا يجوز رجوعها إلى الأول, فقوله عيبُ شيءٍ عبارة عمومية تشمل الزنا, وقال بعض المفسرين اليهود: المراد بها الزنا، فإذا تابت جاز اقترانها برجل آخر، والله دوماً يقبل التائبين, فإذا صحَّ هذا التفسير اليهودي فلا تناقض بين الشريعة الموسوية والشريعة المسيحية, على أن المسيح جاء ليكمل الناموس اليهودي لا لينقضه (متى 5: 17),
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في تثنية 24: 16 لا يُقتل الآباء عن الأولاد، ولا يُقتل الأولاد عن الآباء, كل إنسان بخطيته يُقتل , وهذا يناقض ما جرى لعخان، الذي قُتل أولاده الأبرياء معه، كما جاء في يشوع 7: 24 ,
وللرد نقول بنعمة الله : ما جاء في التثنية أمر للقضاة الذين لا يجب أن يصدروا حكماً على أحد إلا بعد التحقيق وثبوت التهمة, والقاضي لا يحكم على نية المتهم ولا على دوافعه الداخلية, وليس للقاضي أن يتدخل في شئون المتهم العائلية، لأنه ليس قاضياً على العائلات ولا على مدن بأكملها,
وقد أمر الله في التثنية بعدم قتل أحد بجريمة آخر لأن بعض الدول الوثنية الظالمة كانت تفعل ذلك، كما حدث مع هامان (أستير 9: 13) والذين اشتكوا على النبي دانيال (دانيال 6: 24), والله القاضي العادل يريد لقضاة شعبه أن يكونوا عدولًا,
أما ما جرى مع عخان فكان بأمر الله الذي يعرف القلوب، والذي معه أمرنا, وهو يعرف مقدار تورّط عائلة عخان معه في إخفاء ما سرقه، ويرى الجريمة بكل تفاصيلها، فأمر يشوع: قم, لماذا أنت ساقط على وجهك؟ قد أخطأ إسرائيل، بل تعدّوا عهدي الذي أمرتهم به، بل أخذوا من الحرام (يشوع 7: 11),
قال المعترض الغير مؤمن: في تثنية 27: 2 و3 أمر موسى بني إسرائيل: فيوم تعبرون الأردن إلى الأرض التي يُعطيك الرب إلهك، تقيم لنفسك حجارة كبيرة، وتَشِيدها بالشِّيد، وتكتب عليها جميع كلمات هذا الناموس وكتابة التوراة على الحجارة أمر مُستبعَد ,
وللرد نقول بنعمة الله : أراد موسى أن ينقش بنو إسرائيل الأقوال الأخيرة التي أوصاهم بها الرب على الحجارة، لتكون نصب أعينهم، وتبقى ثابتة، لأنها ملخّص الشريعة وخلاصتها, فإذا قلنا إنه طلب نقش جميع التوراة لما كان ذلك بأمر كبير على أمة عزيزة قوية, فموسى أمر بني إسرائيل بكتابة كلمات التوراة على حجارة كبيرة للمحافظة عليها، ولتكون معروفة عند الخاص والعام، فقال في تثنية 32: 46 و47: وجّهوا قلوبكم إلى جميع الكلمات التي أنا أشهد عليكم بها اليوم، لتوصوا بها أولادكم، ليحرصوا أن يعملوا بجميع كلمات هذه التوراة، لأنها ليست أمراً باطلًا عليكم، بل هي حياتكم، وبهذا الأمر تطيلون الأيام على الأرض التي أنتم عابرون الأردن إليها لتمتلكوها , فالتوراة حياتهم وعلى حفظها تتوقف سعادتهم,
كانت الأمم في الأزمنة القديمة ينقشون على الحجارة ما يرغبون تخليده، فكان المصريون يشيدون المعابد ويرسمون عليها طرق عبادتهم وعاداتهم ومعاملاتهم وصنائعهم، وينشئون المسلات وينقشون عليها الحوادث المهمة, وقد مضت عليها ألوف السنين وهي باقية إلى اليوم,
ثم أن أنبياء بني إسرائيل كانوا يقيمون الحجارة تثبيتاً للعهد، فيشوع النبي أوصى بني إسرائيل بحفظ شريعة الرب وقطع عهداً معهم، وأخذ حجراً كبيراً ونصبه هناك تحت البلوطة التي عند مقدس الرب, ثم قال يشوع لجميع الشعب إن هذا الحجر يكون شاهداً علينا، لأنه قد سمع كل كلام الرب الذي كلمنا به، فيكون شاهداً عليكم لئلا تجحدوا إلهكم (يشوع 24: 27), وفي تكوين 31: 45 اتخذ يعقوب حجراً ليكون شاهداً، فكانت العادة إقامة النصب للشهادة وتثبيت العهد، وهو يؤيد ما قلناه من أن الأمة اليهودية كانت أحرص الناس على حفظ التوراة,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في تثنية 31: 2 وقال لهم: أنا اليوم ابن 120 سنة, لا أستطيع الخروج والدخول بعد، والرب قد قال لي: لا تعبر هذا الأردن بينما يقول في تثنية 34: 7 وكان موسى ابن 120سنة حين مات، ولم تكل عينه ولا ذهبت نضارته , وهذان قولان متناقضان ,
وللرد نقول بنعمة الله : الصعوبة القائمة بين هذين الفصلين هي أن أحدهما يظهر كأنه يصف موسى بالضعف والاضمحلال في شيخوخته، بينما الثاني يفيد صريحاً أن عينه لم تكل ولا ذهبت نضارته, ولكن ما يجب ملاحظته هو أن تثنية 31: 2 لا يفيد أن موسى قد ساد عليه الضعف الذي يلازم الشيخوخة عادة، بل فقط يقول عن نفسه إنه لا يستطيع الخروج والدخول بعد , وبلا شك أنه كان قد تحقق قرب نهاية أيامه على الأرض، فبنو إسرائيل في ذلك الوقت كانوا قد وصلوا إلى نهر الأردن، ولم يكن ممكناً لموسى أن يقود الشعب في عبور النهر لأن الله كان قد أمر بهذا, فيُستفاد من قوله هنا إنه يقول للشعب إنه أوشك أن يتركهم, والتعبير دخول وخروج يُقال أحياناً عن قادة الشعب للدلالة على مركزهم وعملهم (قابل عدد 27: 17),
فيُستفاد من هذه العبارة أن موسى لم يكن بعد ممكناً له أن يظل قائداً لإسرائيل, وإذا فسَّرنا كلامه هنا بهذا التفسير نجد الفصلين على تمام الاتفاق,
قال المعترض الغير مؤمن: لو كان سفر التثنية وحي الله لموسى لعبّر عن نفسه بصيغة المتكلم، ولَمَا كان يعبّر عن نفسه بصيغة الغائب كما في تثنية 31: 9 و46 و47 ,
وللرد نقول بنعمة الله : راجع تعليقنا على تثنية 1: 1-5 ,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في تثنية 32: 4 هو الصخر الكامل صنيعه, إن جميع سبله عدل, إله أمانة لا جور فيه, صِدِّيق وعادلٌ هو , وهذا يعني أن الله عادل، ولكن هذا منقوض بقوله في عاموس 3: 6: هل تحدث بليَّة في مدينة والرب لم يصنعها؟ ,
وللرد نقول بنعمة الله : يمكننا التوفيق بين التعليم السامي الجليل عن الله، وبين الآيات التي تُظهر كأنه هو منشئ الشر، مثل عاموس 3: 6 وإشعياء 45: 7 وإرميا 18: 11 و2تسالونيكي 2: 11 و12 وغيرها,
(1) عند درس قرينة النص الوارد في عاموس نجد أن الكلام لا يُقصد به الشرور الأخلاقية بل النكبات الطبيعية كالزلازل والعواصف وغيرها, فهذه المصائب لا يمكن أن تقع على مدينة ما لم يسمح بها الله ضابط الطبيعة ومُسيِّرها, فلا يظن أحد أن سماح الله بوقوع مثل هذه النكبات يتعارض مع قداسته وصلاحه، إذ بهذه الوسيلة يعاقب فاعلي الشر ويؤدب أولاده في الوقت نفسه لخيرهم, فلا بد إذاً أن يتمم مقاصده الصالحة بهذه الطريقة فهي لمجد اسمه ولخير الناس، لأن الضيقات قد تكون باعثاً للناس على التوبة والرجوع إلى الله, فالإنسان يشبه طفلًا يحسب تأديب أبيه له قساوة وخشونة، إلى أن يكبر ويدرك معنى الشر ونتائجه الوخيمة (قابل عبرانيين 12: 5-11),
ويقول بعض الناس غير المفكرين: لو كان الله صالحاً وشفوقاً لما سمح بالجوع والوباء والحروب وسواها مما يؤلم البشر, وهؤلاء يجهلون أن هذا العالم شرير، ولا بد من وقوع القصاص عليه لإصلاحه, وهنا قد زالت الصعوبة الأولى,
(2) ثم أمامنا سؤال عسير وهو: ما هو موقف الله من الشر الأخلاقي؟ إن كان الله لا يمدّ اللص بهواء يستنشقه وطعام وشراب يغذي بهما بدنه لا يستطيع أن يسرق ويسلب! هذه حقيقة لا يمكن إنكارها, ولكن هل هذا يبيّن مصادقة الله على شر الشرير؟ كلا البتة! فهو يشرق شمسه على الأبرار والظالمين، ولكن الشرير يتخذ وسائط الحياة والراحة وسيلة لإتمام مقاصده السيئة, وهذا يعني أن الله يسمح بوقوع الشر لكنه لا يصادق عليه, فهو يعامل الإنسان باعتباره مسئولًا أمامه, ومع أنه قادر على كل شيء، لكنه لا يرغم الإنسان على الرجوع عن طرقه الشريرة إلى أن تنتهي الفرصة المعينة له, ولكنه على الدوام يجاهد بروحه مع الخاطىء للإتيان به إلى التوبة, فلا يوجد إذاً أقل احتجاج على قداسته,
(3) لا يزال أمامنا سؤال آخر: يقول الكتاب إن الله أحياناً ليس فقط يسمح بوقوع الشر بل يسبّب حدوثه, ونقتبس بهذه المناسبة 2تسالونيكي 2: 11 و12 ولأجل هذا سيرسل إليهم الله عمل الضلال حتى يصدّقوا الكذب، لكي يُدان جميع الذين لم يصدقوا الحق، بل سُرُّوا بالإثم ,
فالقول: سيرسل إليهم الله عمل الضلال معناه أن الله يسحب يده المانعة، فيجد الشيطان مجالًا لإتمام مقاصده الشريرة, قد يسمح الله للناس بالوقوع في الشر والخطأ، ولكن كلماسمح بهذا كان قصاصاً منه تعالى على تعمُّد الحيدان عن الحق ورفضه, ومن الطرق الظاهرة الجلية في معاملات الله أنه أحياناً يعاقب على فعل الشر بأن يسمح لصاحبه بالوقوع في شر أردأ, فالله لا يعطي الشرير غير التائب قوة مانعة عندما يقصد التمادي في شره (اقرأ رومية 1: 18-24) حيث ينسب بولس انحطاط الوثنيين الأخلاقي إلى قضاء الله العادل، لأنهم يحجزون الحق بالإثم ويعبدون الأوثان, فلا نجد هنا تناقضاً بين صفات الله المختلفة, فهو صالح وعادل في الوقت نفسه، كما أن القاضي الجالس على كرسي القضاء كثيراً ما يحكم على المجرمين بالإعدام ولو كان ذا قلب عطوف, فالصلاح والعدل صفتان مجتمعتان معاً لكنهما لا تتعارضان,
فلنتذكر إذاً أنه عندما يقول الكتاب إن الله قد أرسل عمل الضلال أو ما يشبه هذا، فهو يقصد تنفيذ قصاصه العادل بأن يكفّ عن محاولة إرجاع الخاطئ بعمل روحه القدوس فيه,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في تثنية 33: 2 جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبل فاران وأتى من ربوات القدس، وعن يمينه نار شريعة لهم , فما هو المقصود بسيناء وسعير وفاران؟ ,
وللرد نقول بنعمة الله : يحتوي تثنية 33 على بركة موسى لبني إسرائيل قبل موته، فقال إن الله جاء لبني إسرائيل في جلال ومجد ليقطع معهم عهداً ويعطيهم شريعته، وذلك من سيناء، من الشرق كما تشرق الشمس, وكان السحاب على جبل سيناء كثيفاً يشبه الدخان، فكان الجبل يرتجف كله (خروج 19: 18), ويقول المرنم في مزمور 68: 8 الأرض ارتعدت, السماوات أيضاً قطرت أمام وجه الله, سينا نفسه من وجه الله إله إسرائيل ,
وأشرق الله لبني إسرائيل من جبل سعير، وهو أرض أدوم الجبلية على الجانب الشرقي من البرية العربية,
وتلألأ الله لبني إسرائيل من جبل فاران، وهي صحراء جنوب يهوذا (1صموئيل: 1-5) شرق برية بئر سبع وشور (تكوين 21: 14 و21), وكانت فيها مدينة قادش (العدد 13: 26) وبطمة فاران، المعروفة اليوم باسم إيلات، غرب العقبة على البحر الأحمر (تكوين 14: 6), وفي هذه البرية تنقّل بنو إسرائيل 40سنة, وقد جاء ذكر فاران في تكوين 14: 6 والعدد 10: 12 12: 16 و13: 3 وتثنية 1: 1 و1ملوك 11: 18 وفي غير ذلك,
وفي تثنية 33 يذكّر موسى بني إسرائيل بفضل الله عليهم، بأن أعطاهم شريعته فضاءت لها القمم العالية لجبال سيناء وسعير وفاران، الجبال الثلاثة المتجاورة الواقعة في شبه جزيرة سيناء, هناك قطع الله عهده معهم، لأنه أحب شعبه، وهم جلسوا عند قدميه يتقبَّلون أقواله (آية 3) فأوصاهم بناموس موسى، ميراثاً لآل يعقوب (آية 4),
قال المعترض الغير مؤمن: قال آدم كلارك إن الأصحاح الأخير من التثنية ليس من أقوال موسى، لأنه لا يمكن أن يذكر الإنسان خبر وفاته ودفنه, فآخِر أقوال موسى هي أصحاح 33 ,
وللرد نقول بنعمة الله : الروح القدس الذي ألهم يشوع أن يكتب الكتاب التالي (وهو سفر يشوع) يلهمه طبعاً تدوين ختام سفر التثنية, ولذلك يكون التثنية 34 هو الأصحاح الأول من سفر يشوع, وقال أحد علماء الدين اليهود: قال أغلب المفسرين إن عزرا هو الذي كتب التثنية 34 ، وقال البعض الآخر إن الذي كتبه هو يشوع، وقال البعض الآخر إن السبعين شيخاً دوّنوا ذلك بعد وفاة موسى، فإن كتاب التثنية ينتهي في الأصل بهذه الآية: طوباك يا إسرائيل، من مثلك يا شعباً منصوراً بالرب ترس عونك , وإن الأصحاح الأخير من سفر التثنية كان في الأصل الأصحاح الأول من سفر يشوع، ولكنه نُقل من سفر يشوع وجُعل في آخر سفر التثنية على سبيل الإتمام, وهذا الرأي هو طبيعي إذا عرفنا أن التقاسيم والفواصل والأصحاحات جاءت بعد تدوين هذه الكتب بمدة طويلة، فإنه في تلك الأزمنة القديمة كانت عدّة كتب تتصل ببعضها في الكتابة بدون فواصل، فكان يمكن نقل أوّل كتاب إلى آخر الكتاب السابق، فيُعتبر مع تمادي الزمن خاتمة له (كما في التثنية), وهذا ما حدث لكاتب سفر التثنية وموته ,
وقال أحد المحققين: لا بد أن يشوع توجَّه مع موسى إلى الجبل، فكما أن إيليا وأليشع كانا يسيران ويتكلمان، وإذا مركبة من نار وخيل من نار فصلت بينهما، فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء (2ملوك 2: ) كذلك كان الحال مع موسى ويشوع، فإن يشوع كان ملازماً لموسى إلى أن أخذه الله منه، فسجّل يشوع قصة موت موسى ,
اعتراض على تثنية 34: 7
انظر تعليقنا على تثنية 31: 2
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في التثنية 34: 10-12 ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى , ولكن أنبياء كثيرين عملوا معجزات مثل موسى وأعظم ,
وللرد نقول بنعمة الله : لا تقول عبارة التثنية إنه لن يقوم نبي كموسى، ولكن إلى وقت كتابة هذا الأصحاح لم يقم نبي كموسى,
ثم أن عظمة موسى كانت في الشريعة التي أعطاها الرب له، أكثر منها في المعجزات التي أجراها, وفي هذا ليس نظير لموسى!