شبهات شيطانية
على سلسلة نسب المسيح
بين إنجيلي متى ولوقا
متى 1: 1-17
انظر تعليقنا على لوقا 3: 23-38
قبل أن نورد سلسلة اعتراضات المعترضين على سلسلة نسب المسيح، نقدم الملاحظات العامة التالية:
1 - كان اليهود مولعين بسلسلة أنسابهم ولعاً كبيراً، ليثبتوا أنهم من شعب الله المختار، وليكون لهم الحق في الأرض بالميراث، وليتمكن الكاهن من ممارسة عمله الديني باعتباره من سبط لاوي, وبلغ من شدة تدقيقهم أنهم احتفظوا بسلسلة كاملة مكتوبة لأنسابهم، ورذلوا كل من لم يجدوا اسمه مكتوباً فيها (عزرا 2: 62), ومن هذا يتضح أنه لو كان هناك أي خطأ في سلسلة نسب المسيح كما ذكرها متى ولوقا، لهاجمها اليهود منذ القرن المسيحي الأول، لأن المسيحيين لم يكتفوا بأن ينسبوا للمسيح كهنوتاً، ولا منحوه أرضاً، لكنهم قالوا إنه المسيح الآتي المنتظر مخلّص العالم, ولو كان هناك أي خطأ لهبَّ اليهود لكشفه فوراً, وهذه النقطة من أقوى البراهين على أن سلسلة نسب المسيح في متى ولوقا، كما هي عندنا، صحيحة تماماً, فالصَّمت عن المهاجمة دليل الصحّة,
2 - هناك حقيقة تحيّر القارئ اليوم، ولكنها كانت عادية للغاية عند اليهود، وهي أن الشخص الواحد كان يمكن أن يحمل اسم أبوين، وينتمي إلى سبطين، أحدهما بالميلاد الطبيعي، والثاني بالمصاهرة, فقد كان اليهود أحياناً ينسبون الرجل لوالد زوجته, ونجد هذا في أماكن كثيرة في العهد القديم، فيقول: ومن بني الكهنة، بنو حبايا، بنو هقّوص، بنو برزلاي الذي أخذ امرأة من بنات برزلاي الجلعادي، وتسمَّى باسمهم (عزرا 2: 61, قارن نحميا 7: 63), وحدث الأمر نفسه مع يائير بن حصرون الذي تزوج من ابنه ماكير أحد رؤساء منسّى، فسمُّوه يائير بن منسّى (1أخبار 2: 21 و22 و7: 14, قارن العدد 32: 40), وقارئ اليوم يتحيَّر في ذلك، ولكن قارئ التوراة من اليهود لم يكن يجد في ذلك ما يحيّر، لأنه يعرف عادات قومه، وعلى المعترض اليوم أن يدرس ويتروَّى قبل أن يهاجم ويعترض,
3 - رجع البشير متى بتسلسل المسيح إلى يوسف بن يعقوب، وقسم سلسلة النسب إلى ثلاثة أقسام، كل قسم منها يحتوي على 14 اسماً والأقسام الثلاثة هي للآباء، ثم الملوك، ثم نسل الملوك, واعتبر البشير متى أن داود واحد من الآباء، كما اعتبره واحداً من الملوك, ونسب متى المسيح إلى إبراهيم، لأنه كتب إنجيله لليهود,
أما البشير لوقا فقد رجع بتسلسل المسيح إلى العذراء مريم، وقال إن يوسف هو ابن هالي (والد مريم) (لوقا 3: 23), فأطلق على يوسف اسم والد زوجته, ونسب لوقا المسيح إلى آدم، فالله, وقال لوقا إن المسيح على ما كان يُظنّ كان ابن يوسف خطيب مريم العذراء,
4 - لم تكن هناك مشكلة بالمرة للمؤرخ اليهودي أن يُسقط بعض الأسماء من سلسلة النسب، دون أن يمسّ الإغفال تسلسل النسب, لذلك نرى أن متى أسقط أسماء ثلاثة ملوك من سلسلة نسبه، بين يورام وعزيا، هم: أخزيا ويوآش وأمصيا, وهكذا فعل عزرا في سفره (عزرا 7: 1 - 5),
5 - سلسلة النسب كما نراها في متى ولوقا تخدم الهدف الذي لأجله كُتب الإنجيلان، فهي ترينا أن المسيح هو نسل المرأة، الموعود به في تكوين 3: 15 ، فنرى أسماء ثامار الفلسطينية، وراحاب الأمورية، وراعوث الموآبية، ومريم العذراء اليهودية - فالمسيح ابن الإنسان و نسل المرأة ينتمي للبشر جميعاً، هو مخلّص الجميع, ومن جدود المسيح ملوكٌ ورعاة غنم وساكنو خيام، فهو ابن آدم الذي يريد الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يُقبلون,
والآن لندرس اعتراضات المعترضين في نور الملاحظات الخمس السالفة, ونرجو من القارئ الكريم أن يراجع تعليقاتنا على لوقا 3: 23-38,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 1: 11 ويوشيا ولد يكنيا وإخوته عند سبي بابل - في هذه الآيات ثلاث مشاكل: (1) إن يوشيا لم يكن أبا يكنيا، بل كان جدّ هذا الأمير (كما في 1أخبار 3: 15 و) وأولاد يوشيا هم يوحنان ويهوياقيم وصدقيا وشلوم، وابنا يهوياقيم يكنيا وصدقيا, (2) لم يكن ليكنيا إخوة، أو بالحري لم تُذكر له إخوة, (3) مات يوشيا قبل سبي بابل بعشرين سنة، فلا يصح أن يكون يكنيا وإخوته وُلدوا عند سبي بابل ,
وللرد نقول بنعمة الله : تزول كل هذه المشاكل بالقراءة التي وُجدت في نسخ كثيرة بخط اليد، وهي قراءة باللغة اليونانية نورد ترجمتها، وهي: ويوشيا ولد يهوياقيم (أو يواقيم), ويواقيم ولد يكنيا (انظر قراءات كريسباغ) فإن يوشيا كان أبا يهوياقيم (الذي يسمي أيضا ألياقيم ويواقيم), وإخوته يوحانان وصدقيا وشلوم (1أخبار 3: 15), ويواقيم كان أبا يكنيا عند سبي بابل الأول، لأن بني إسرائيل سُبُوا ثلاث مرات إلى بابل، فكان أول سبي في السنة الرابعة من حكم يواقيم بن يوشيا في سنة 598 ق,م, ففي هذه السنة استولى نبوخذنصر على أورشليم وسبى كثيرين وأتى بهم إلى بابل, والسبي الثاني حصل في عهد يكنيا بن يواقيم، فانه بعد أن حكم ثلاثة أشهر سُبي في سنة 597 وحُمل إلى بابل مع كثير من وجهاء الأمة الإسرائيلية, والسبي الثالث حصل في حكم صدقيا في سنة 586 ق,م ولهذا قال كالمت: يجب قراءة (الآية 11) هكذا: يوشيا ولد يواقيم وإخوته، ويواقيم ولد يكنيا عند سبي بابل الأول، ويكنيا ولد شألتئيل بعد سبي بابل , والقرينة الدالة على صحة القراءة المتقدمة المذكورة قول متى 14 جيلاً , فإنه لايصح أن يذكر 41 جيلاً ويقول إنها 42 جيلاً, وهاك جدولاً ببيان الأربعة عشر جيلاً أو الاثنين والأربعين جيلاً:
1 ابراهيم 1 سليمان 1 يكنيا
2 اسحق 2 رحبعام 2 شألتئيل
3 يعقوب 3 أبيا 3 زربابل
4 يهوذا 4 آسا 4 أبيهود
5 فارص 5 يهوشافاط 5 ألياقيم
6 حصرون 6 يورام 6 عازور
7 أرام 7عزيا 7 صادوق
8 عميناداب 8 يوثام 8 أخيم
9 نحشون 9 آحاز 9 ألود
10 سلمون 10 حزقيا 10 اليعازر
11 بوعز 11 منسى 11 متّان
12 عوبيد 12 أمون 12 يعقوب
13 يسى 13 يوشيا 13 يوسف
14 داود 14 يواقيم 14 يسوع
ولعل القارىء الكريم يرى أن استشكال المعنى على المعترض سببه التقديم والتأخير,
ويمكن أن نقول إن البشير متى حذف يهواقيم لأنه كان آلة في يد ملك مصر (كما في 2أخبار 36: 4) ولأنه مثل يوآش لم يُدفَن في قبور الملوك بل طُرح على أسوار أورشليم (إرميا 22: 19 و36: 30), ويجوز أن نقول إن يوشيا ولد يكنيا لأنه جدُّه,
قال المعترض الغير مؤمن: الزمان من يهوذا إلى سلمون قريب من 300 سنة، ومن سلمون إلى داود 400 سنة, وكتب متى في زمان الأول سبعة أجيال، وفي الزمان الثاني خمسة أجيال, وهذا غلط بداهة، لأن أعمار الذين كانوا في الزمان الأول كانت أطول من أعمار الذين كانوا في الزمان الثاني ,
وللرد نقول بنعمة الله : تواريخ الدول والأمم تكذِّب دعوى المعترض، فمدة الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي هي 29 سنة, ولكن عدد رجال دولة بني أميّة 14 ، أولهم معاوية وآخرهم مروان، ومدتهم 89 سنة، وهي ألف شهر تقريباً، وهي أكثر من مدة الخلفاء الراشدين, فكان يلزم حسب القاعدة التي قرّرها أن يكون المتأخّرون أقصر أعماراً وتعميراً في الأرض، لا العكس, والدولة الفاطمية عمرت في الأرض أكثر من الدولة الأموية وغيرها، فكانت مدة حكمها 205 سنة وعدد خلفائها 14 ، فكانت مدتهم ضعف مدة الدولة الأموية تقريباً، مع أن هذه الدولة حديثة عهد بالنسبة إلى الخلفاء الراشدين وبالنسبة إلى الدولة الأموية,
فالمعترض وضع قانوناً مخالفاً للحقيقة والواقع، وعليه أن يعرف أن أعمار الناس بعد الطوفان هي مثل أعمارهم الآن، بل ربما كانت أعمارهم الآن أطول بالنسبة إلى تقدم العلوم الطبية,
قال المعترض الغير مؤمن: الأجيال في القسم الثاني من الأقسام الثلاثة التي ذكرها متى هي 18 لا 14 ، كما يظهر من 1أخبار 3, وورد في متى 1: 8 أن يورام ولد عزيا، وفي هذا خطأين: الأول أنه يُعلم منه أن عزيا ابن يورام، وهو ليس كذلك لأنه ابن أخزيا بن يوآش بن أمصيا، والثلاثة كانوا من الملوك المشهورين وأحوالهم مذكورة في 2ملوك 8 و12 و14 ، 2أخبار 22 و24 و25 ، ولا سبب لإسقاط هذه الأجيال سوى الغلط ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) حذف متى أسماء أخزيا ويوآش وأمصيا، لأن يورام خلف أخزيا من عائلة أخآب الوثنية, وكانت زوجة أخآب (إيزابل), فان حذف أسماء هؤلاء الثلاثة كان عقاباً لبيت يورام المذنب إلى الجيل الرابع، لأن الله قال: أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضيّ , فحذف متى أسماء هؤلاء الثلاثة ملوك يدل أنه كان يكتب بإلهام الحكيم العليم,
(2) يجوز أن نقول إن البشير اختصر في الأنساب لتكون أعلق بالأذهان، وهي طريقة معهودة, واستشهد بعضهم على صحة ذلك بقصيدة سامرية حُذفت فيها جملة جدود, ولما سرد عزرا نسب نفسه ليبرهن على أنه من نسل هارون أسقط ستة أجيال (عزرا 7: 1-5 بالمقارنة بأخبار الأول 6: 3-15) فكانت غايته الاختصار وسرعة الوصول إلى المطلوب, والمسلمون يقولون إن محمد هو ابن هاشم، والحقيقة أنه ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، وورد في الحديث أنه قال عن نفسه: أنا ابن الذبيحَيْن أي أنه ابن عبد الله وإسمعيل بن إبراهيم,
(3) يجوز أن نقول إنه لم يذكرهم لأن يوآش لم يُدفن في قبور الملوك (2أخبار 24: 25)، ومات الاثنان الآخران مقتولين, هذا مع ملاحظة خطية جدّهم يورام لأنه خلفهم من عائلة أخآب الوثنية,
فيتضح من كل ما تقدم أن الله لاحظ في حذف الملوك الثلاثة: قداسته وحكمته الفائقة, فعلينا أن نبحث في الأشياء التي نجهلها بالتواضع، مقرّين بضعفنا وجهلنا وعجزنا، لا أن نتكبر وندّعي الدعاوي الطويلة العريضة، ونكذّب الوحي الإلهي، ونسدّ آذاننا عن سماع الحق,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 1: 12 أن زربابل ابن شألتئيل، وهو غلط، لأنه ابن فدايا، وابن الأخ لشألتئيل كما في 1أخبار 3: 17 و19 ,
وللرد نقول بنعمة الله : ورد في عزرا 3: 2 و5: 2 وفي نحميا 12: 1 وفي حجي 1: 1 أن زربابل هو ابن شألتئيل, و كذلك قال يوسيفوس, واذا قيل إنه ورد في 1أخبار 3: 19 أن زربابل هو ابن فدايا، قلنا: إن اليهود ينسبون ابن الابن إلى جدّه, ورد في تكوين 29: 25 أن لابان هو ابن ناحور وهو في الحقيقة ابن بتوئيل بن ناحور (تكوين 24: 47),
هذا إذا كانت الآيتان 1أخبار 3: 17 و19 تفيدان أن فدايا هو ابن شألتئيل, ولكن إذا فُهم منهما أن شألتئيل وفدايا كانا أخوين، فيكون زربابل حسب الشريعة اللاوية ابن أحدهما الطبيعي، وابن الآخر بالمصاهرة, فإذا نظرنا إلى قول متى إن زربابل هو ابن شألتئيل وجدناه صحيحاً من كل وجه، فهو موافق لباقي الكتب المقدسة، وموافق للتاريخ,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 1: 13 أن أبيهود ابن زربابل - وهو غلط لأن زربابل كان له خمسة بنين كما في 1أخبار 3: 19 ، وليس فيهم أحد يحمل هذا الاسم ,
وللرد نقول بنعمة الله : كانت عادة اليهود أن يسمّوا الشخص بأسماء متنوعة، وهي عادة جارية عند العرب وغيرهم, لكن انتشرت هذه العادة بين اليهود بنوع خصوصي وقت السبي، والدليل على ذلك ما ورد في دانيال 1: 6 و7, (قابل بين 2صموئيل 3: 3 و1أخبار 3: 1), وذكر البشير متى النسب من زربابل إلى المسيح من الجداول المحفوظة عند اليهود,
وقد كان اليهود حريصين على حفظ جداول أنسابهم بالدقة الكبرى لأن مصلحتهم كانت تستلزم ذلك, وكانت السجلات محفوظة في أورشليم, وكان الكهنة بعد كل حرب يجدّدون جداول أنسابهم ليحققوا مَن مِن نساء الكهنة سُبيت ومن منهن لا تليق أن تكون زوجة للكاهن, وقال يوسيفوس: كانت توجد جداول بنسب اليهود مدة 2000 سنة وحُفظت لغاية خراب أورشليم، وكان بعض الأمراء في السبي يذكرون أن نسبهم يتصل إلى داود، وكان البعض يبرهنون على أن نسبهم يتصل بصموئيل النبي, ويرجع حرص اليهود على حفظ أنسابهم لتباهيهم بأصلهم، وحفظاً لحقوقهم في تقسيم الأراضي، وللمحافظة على وظائفهم, قال يوسيفوس في أوائل تاريخه إنه وجد نسبه في السجلات العمومية المحفوظة عند الأمة اليهودية، فكم بالحري يكون حرص اليهود على المحافظة على السجلات العمومية بحفظ أنساب ملوكهم، وقد كان المسيح من نسل الملوك كما يُعلم من جداول نسبه, فلو خالف البشير متى سجلات اليهود عن ملوكهم لتعرَّضوا له بالرد، ولكن لم يعترض أحد عليه لأنه ذكر الحقائق المقررة المقبولة عند الجميع,
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 1: 16 يعقوب ولد يوسف رجل مريم، التي وُلد منها يسوع الذي يُدعى المسيح , ويطلق اسم المسيح على كل حاكم يهودي، صالحاً كان أو فاجراً, ورد في مزمور 18: 50 برج خلاصٍ لملكه، والصانع رحمةً لمسيحه، لداود ونسله إلى الأبد , وأطلق مزمور 132: 10 لفظة المسيح على داود، وهو من الأنبياء والملوك الصالحين, وورد في 1صموئيل 24: 6 قول داود في حق شاول: حاشا لي من قِبَل الرب أن أعمل هذا الأمر بسيدي بمسيح الرب، فأمدّ يدي إليه، لأنه مسيح الرب هو وكذلك ورد في آية 10 لا أمدّ يدي إلى سيدي، لأنه مسيح الرب هو , وكذلك ورد في 1صموئيل 26 وفي 2صموئيل 1: 14, بل أطلقت كلمة مسيح في إشعياء 45: 1 على الملوك والوثنيين هكذا يقول الرب لمسيحه لكورش الذي أطلق اليهود ,
وللرد نقول بنعمة الله : (1) لفظة المسيح هي فعيل بمعنى مفعول، يعني ممسوح, وقد كان الإسرائيليون يمسحون أنبياءهم لتكريسهم وتخصيصهم لعملهم المهم، وهو دعوة الناس إلى الحق (1ملوك 19: 16) وكانوا يُسمُّون مسحاء (1أخبار 16: 22 ومزمور 105: 15),
(2) كانوا يمسحون الكهنة من أولاد هارون، بل هارون ذاته (خروج 40: 15 وعدد 3: 3) ثم اقتصروا على مسح رؤساء الكهنة (خروج 29: 29 ولاويين 16: 32),
(3)كانوا يمسحون الملوك لأنهم أولياء الأمور، والملك هو خليفة الله في أرضه (1صموئيل 9: 16 و10: 1 و1ملوك 1: 34 و39) وقد مسح داود ثلاث مرات، وسُمي كورش مسيح الرب لإطلاقه اليهود من السبي,
(4) كانت الأشياء تُمسح بزيت لتكريسها لخدمة الله، فقد مَسَح يعقوب العمود في بيت إيل (تكوين 31: 13) ومُسحت الخيمة والأواني المقدسة (خروج 30: 26-28),
فمن هنا يتضح جواز إطلاق مسيح الرب على الملك، لأن الكتاب المقدس يعلمنا أن الواجب أن تخضع كل نفس للسلاطين الفائقة، لأنه ليس سلطان إلا من الله، والسلاطين الكائنة هي مرتَّبة من الله، حتى أن من يقاوم الملك يقاوم ترتيب الله، والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة (انظر رومية 13: 1-8),
(5) أما المسيح يسوع فسُمِّي بالمسيح لأنه مُسح بالروح القدس (لوقا 4: 18 ويوحنا 1: 32 و33 وأعمال 4: 27 و10: 38) وشتان بينه وبين غيره, وهو يسمى المسيا الموعود به، وهذا الاسم لا يشاركه فيه أحد من المخلوقات, ونضرب لذلك مثالاً فنقول إن لفظة عظيم وعادل وعالِم تُطلَق على الله، إلا أنه يجوز إطلاقها على من اتّصف بصفة العظمة والعدالة والعلِم من المخلوقات, ولكن متى أُطلقت على الله كان لها معنى آخر, فكذلك لفظة المسيح يجوز إطلاقها على الأنبياء والكهنة والملوك والقضاة، لأنهم مُسحوا بالزيت علامة تكريسهم للخدمة, ولكن متى أُطلقت على المسيح أفادت معنى آخر، هو أنه الكلمة الأزلي الذي تجسد ومُسح بالروح القدس، وعمل المعجزات الباهرة، وتألم وصُلب وقُبر، وقام، وصعد إلى السماء, ولايصح إطلاق المسيح بهذا المعنى على غيره، بل قد صار عَلَماً عليه خاصاً به , ومتى أُطلقت هذه اللفظة انصرف الذهن إلى هذا الشخص العظيم,
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 1: 17 فجميع الأجيال من إبرهيم إلى داود 14 جيلاً, ومن سبي بابل إلى المسيح 14 جيلاً , ويُعلم منها أن بيان نسب المسيح يشتمل على ثلاثة أقسام، كل قسم منها يشتمل على أربعة عشر جيلاً, وهو غلط، لأن القسم الأول ينتهي بداود، وإذا كان داود داخلاً في هذا القسم يكون خارجاً من القسم الثاني، ويبتدىء القسم الثاني لا محالة من سليمان، وينتهي بيكنيا, وإذا دخل يكنيا في القسم الثاني كان خارجاً من القسم الثالث, ويبتدىء القسم الثالث من شألتئيل وينتهي بالمسيح، وفي هذا القسم لا يوجد إلا 13 جيلاً, وحصلت اعتراضات على ذلك، وللعلماء المسيحيين اعتذارات باردة لا يُلتفت اليها ,
وللرد نقول بنعمة الله : نرجو أن يراجع القارىء تعليقنا على متى 1: 12,