نيـــــــــــــــــــــــاحتــــــــــــــة
يقول القديس مار أسحق الذى عشق البابا كيرلس كتاباته وكان يحفظها : أزهد فى الدنيا يحبك الرب وأزهد فيما بين أيدى الناس يحبك الناس , من عدا وراء الكرامة هربت منه ومن هرب منها بمعرفة جرت وراءه وأرشدت عليه الناس "
وعن هذا قال نيافة الحبر الجليل الأنبا غرغوريوس أسقف الدراسات العليا والبحث العلمى : " أنكم إذا عدتم إلى أيام نياحة البابا كيرلس وقرأتم نعى الدولة ورجالها الرسميين لقداسته يبدو لكم جلياً , أنهم لم ينعوه نعياً رسمياً ولكن نعى الصديق والحبيب "كتاب الخدمة والإتضاع فى حياة البابا كيرلس السادس إصدار - أبناء البابا كيرلس السادس ص 25
هل كان البابا كيرلس السادس يعرف يوم وفاته ؟
تصرفات البابا غير المعتادة فى آخر زيارة له لدير مار مينا
فى مايو عام 1970 ذهب البابا إلى ميناء الخلاص وهو دير مار مينا بمريوط , والشئ الغريب أن أن تصرفاته كانت غير معتادة !!! وقد ذكر القس رافائيل أقا مينا تلميذ قداسة البابا وأحد رهبان الدير : " إعتاد قداسة البابا قبل أن يغادر ادير مار مينا أن يجلس مع كل راهب من رهبان الدير , ويتحدث معه ويمنحه البركة ويعطيه هدية تذكارية شيئاً من ملابسة الخاصة , ثم يتوجه إلى الكنيسة الكبيرة حيث يصلى صلاة الشكر ويغادر الدير مبتسماً فرحاً .
ولكن فى مايو 1970 م ودع البابا الدير بطريقة مخالفة تماماً , فقد أستدعى القمص مينا افامينا (أصبح فيما بعد نيافة الأنبا مينا أفامينا رئيس الدير ) أمين الدير وتحدث معه حديثاً قصيراً وهو يحاول أن يغلب دموعه , ولكنها هى التى غلبته , ثم سلمه عدد من القلنسوات بعدد رهبان الدير , ثم توجه إلى الكنيستين الموجودتين بالدير , وعمل تمجيداً للشهيد مار مرقس الرسول والشهيد مار مينا , وكان ممسكاً بصورة القديس مار مرقس كانت معه منذ توحدة بالجبل , وقد حاول قداسته أن يبتسم أمامنا , ولكنه لم يقدر وإنسابت دموعه بغزارة , ولم يجلس مع أحد منا , بل ركب قداسته سيارته ودموعه لم ينقطع سيلها .. لقد رأينا ذلك وتسائلنا : أين إبتسامة البابا ؟ وأين جلسته الطويلة معنا ؟ ولم أهدى لكل راهب منا قلنسوة ؟ .. وأيضاً ما سر دموعه؟ ولم كان يمسك صورة القديس مرقس بيده " القس رفائيل افامينا / حنا يوسف عطا : مذكراتى عن حياة البابا كيرلس السادس
فى يونيو 1970 أختار البابا كيرلس القمص تيموثاؤس المحرقى وكيل بطريركية الإسكتدرية ليكون أسقفاً على كرسى البلينا بإسم نيافة الأنبا يوساب فى 14 من يونيو
فى صباح يوم الثلاثاء 29 سبتمبر رأس صلاة القداس الإلهى وعمل ترحيم لروح الزعيم عبد الناصر وكان غاية فى التأثر والحزن لفقد هذا الصديق .
فى 13 اكتوبر 1970 م تلقى البابا خبر من اثيوبيا بإنتقال الأنبا باسيليوس بطريرك جاثليق أثيوبيا إلى السماء , فأرسل قداسة البابا وفداً قبطيا فى نفس اليوم مكون من : نيافة الأنبا أسطفانوس مطران أم درمان وعطبرة والنوبة , نيافة الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمى , القس مكارى عبدالله كاهن كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بطوسون شبرا .. وذلك لتقديم العزاء للإمبراطور هيلاسيلاسى وللآباء مطارنة وأساقفة الكنيسة الأثيوبية والمشاركة فى الصلاة عليه ..
فى 24 أكتوبر 1970 حينما أصيب قداسة البابا فى جلطة فى الشريان التاجى فى القلب - وأشرف على علاجة فريق من الأطباء برئاسة الفريق رفاعى كامل , كما خصص د / عبده سلام وزير الصحة ثلاثة من الأطباء للعناية بقداسة البابا والتواجد معه ليلاً ونهاراً .. وبعد ثلاثة أسابيع تحسنت صحة البابا ومرت مرحلة الخطر ولكن صدرت ألوامر بمنع الزيارات لحين يستعيد قداسته صحته تماماً , تم تركيب سماعات فى قلاية البابا بالمقر الباباوى لكى يستمع إلى القداس وهو راقد فى فراش المرض .
فى ديسمبر 1970 كانت آخر أفكاره بإنشاء لجنة باباوية لرعاية أسر الكهنة الذين توفوا , وقد منحها قداستة 600 جنيهاً من مخصصاته أعانه لها , كما تبرع بمبلغ 50 جنيهاً لرابطة مرتلى الكنيسة القبطية بالقاهرة .
فى ليلة عيد الميلاد المجيد 1971 م قام قداسة البابا كيرلس السادس بصلاة القداس الإلهى وإستقبلة الشعب بالفرح والزغاريد .
فى الأسبوع الأول من مارس 1971 م أصيب البابا بالإنفلونزا وكان يستقبل أولاده ومباشرة كل مهام الكنيسة وحل مشاكلها وكان مل ما كان يقوله جملتين هما .. " الرب يرعاكم " .. و.. " الرب يدبر أموركم "
يوم الحد 7 مارس 1971 م اقام صلاة القداس الإلهى رغم طلب الأطباء بعدم الحركة حتى يتم الشفاء كاملاً وقد استقبل أولاده وباركهم .
فى يوم الأثنين 8 مارس 1971 م قام قداسة البابا كيرلس بالأتصال تلفونياً بالسيد صلاح الشاهد الأمين الأول برئاسة الجمهورية لتحديد موعد مع الرئيس السادات لتأكيد تأييد الكنيسة القبطية له فى موقف الرئيس تجاه العدوان الإسرائيلى ولكن شكر السادات البابا لمشاعره وترجاه إرجاء الزيارة حتى تتحسن صحته , ولما لم يكن له قوه فى المشاركة أرسل برقية للسادات قال فيها : " سيخلد التاريخ لسيادتكم فى أنصع صفحاته دوركم العظيم فى الحفاظ على السلام فى الشرق الأوسط , ولكن غصرار العدو على التوسع , أغلق الأبواب فى وجه محاولات السلام , ولم يكن أمامكم إلا الطريق المشروع "
وفى صباح يوم الأثنين 8 مارس دخل إليه القمص بنيامين كامل فقال له البابا : " خلاص يا أبونا " فقال له القمص : " يعنى ايه يا سيدنا " قال البابا : " خلاص كل شئ أنتهى " قال القمص : " متقلش كده يا سيدنا .. ربنا يعطيك الصحة وطول العمر " قال البابا : " الصحة .. ! ما خلاص .. العمر .. ما أنتهى .. خلى بالكم من الكنيسة إهتموا بيها وربنا معكم ويدبر أموركم " ثم سلم قداسة البابا للقمص بنيامين سكرتيره بعض الدفاتر الهامة التى لم يتركها لأحد وقال له : " ربنا معاكم يا ابونا " وأعطاه البركة والصليب ليقبله القس رفائيل افامينا /
اليوم الأخير الذى تنيح فيه البابا كيرلس السادس
9 مارس سنة 1971 م
صلى البابا كيرلس صلاة نصف الليل , وفى الساعة 5 صباحاً إستيقظ قداسته فى قلايته صلاة باكر وصلواته الخاصة , وأستمع إلى القداس الإلهى الذى يقام فى الكاتدرائية عن طريق السماعات .
وفى الساعة الثامنة صباحاً كشف د/ ميشيل جريس الطبيب المقيم بالبطريركية على البابا وقرر أن حالته الصحية مستقرة .
وفى الساعة 10 خرج من قلايته إلى صالون الإستقبال وتقابل مع الزوار وصل عددهم 50 زائر منهم بعض الآباء الكهنة , وكان القمص حنا عبد المسيح كاهن كنيسة العذراء بروض الفرج هو آخر من قابلة وقال له : " ربنا يدبركم "
وبعد نصف ساعة توجه قداسة البابا إلى قلايته وأثناء سيره سعر بدوار شديد وكاد يسقط على الأرض بين باب القلاية والسرير , فجرى تلميذه الأستاذ فهمى شوقى ( الأب متياس البراموسى حالياً ) وسند البابا حتى أصعده على السرير , ثم صرخ منادياً د/ ميشيل الذى دخل إليه مسرعاً وحاول تدليك القلب إذ أصيب بهبوط حاد , وفى ذات الوقت تم الإتصال بالأطباء الذين الذين توالى حضورهم , وتم إبلاغ وزير الصحة الذى كان بالإسكندرية فأمر بنقل الأجهزة اللازمة الموجودة بعهد القلب , كما طلب إبلاغه تطورات حالة قداسة البابا الصحية أولاً بأول .
أما آخر كلمات البابا كيرلس السادس كانت : " الرب يدبر أمـــــــــــوركم " وأسلم روحه الطاهرة لتصعد حاملة أعماله الحسنة ليقدمها للرب وكان ذلك فى تمام الساعة العاشرة وأربعين دقيقة من صباح 9 مارس 1971م .
وقد توقفت ساعة البابا كيرلس الخاصة عند لحظة أنتقاله إلى السماء , وهى معروضه فى مزاره الخاص بدير مار مينا بمريوط .
الشعب القبطــــــــــــــــــى يودع راعيـــــــــــــــة
قام بتحنيط جسد البابا الأنبا كيرلس السادس ودهنه بالطيب الأطباء الأقباط شفيق عبد الملك , ومشيل أسعد , ويوسف يواقيم , وميشيل جرس .. ثم البسوه الملابس الكهنوتية وأضيئت الشموع حول الجسد المسجى .. ووقف المطارنة والأساقفة يتلون المزامير , ثم حملوه بدموع تنهمر من عيونهم وأجلسوه على كرسى مار مرقس رسول المسيح إلى أرض مصر بالكنيسة المرقسية الكبرى لكى يلقى شعبه القبطى نظرة الوداع الأخيرة , ويقدر عدد الذين ألقوا نظرة الوداع 75 ألفاً وكنت أنا الضعيف راكبا الأتوبيس ولم أعرف موضوع ألقاء نظرة الوداع وإذا بسيدة رأت الصليب مرسوم على يدى فقالت تسألنى : هل هذه محطة كلوت بك فقلت نعم فقالت : " أنا رايحة اشوف البابا كيرلس لأنه تنيح , ثم مالت على أذنى وقالت لقد قال لى ستحملين وستلدين ولداً وتسميه مينا " وكانت المرأة حامل , ونزلت بدافع الفضول لأرى انا كمان البابا كيرلس ووجدت الطابور أمام باب الكنيسة المرقسية يمتد لأميال ووجدت أبنى عمى يقف فى الطابور فوقفت معه أتكلم وقلت اروح لأن الطابور طويل وإذا بعربية نقل من البلدية تقف أمام باب الكنيسة ويطلبون مساعدة الناس فى نقل قصارى ورد أحضرت خصيصاً لتجميل المكان لحضور بعض الشخصيات الهامة والسفارات .. ألخ فحمل أبن عمى واحده وحملت واحدة ودخلنا ووضعنا قصارى الورد حيث يضعها العمال فى اماكن ظاهرة ودخلنا فى الطابور الداخلى الداخل إلى الكنيسة ورأيت جسد البابا مسجى وعينه مفتوحه فلم اهتم ولكن عند قرائتى لأحدى المعجزات وجدت ان إحدى النساء شافت عينه مفتو
الصلاة على جثمان البابا كيرلس الراحل
ووضع جثمان البابا فى صندوق فاخر من خشب الساج الذى لا يسوس مبطن من الداخل بقماش أبيض ثمين وفتحته العلوية من البلور المتحرك , وكان إشتراه أحد المحال الكبرى لدفن الموتى من لبنان ووصل مصر يوم 8 مارس وكان شيئاً غريباً أن يتواجد مثل هذا الصتدوق فى مثل هذا الوقت - فى الصورة المقابلة الصندوق يحمله الكهنة فى طريقهم للكاتدرائية الكبرى بأرض الأنبا رويس بالعباسية
وفى الساعة الخامسة صباحاً فى يوم 11 مارس 1971 م نقل الصندوق وبه جثمان قداسة البابا كيرلس السادس إلى الكاتدرائية الكبرى بأرض الأنبا رويس وأستقبله الآباء المطارنة والأساقفة والكهنة والشمامسة بالألحان المناسبة , ووضع أمام الهيكل الرئيسى على منضدة خاصة .. وهنا ألتف حول الصندوق رهبان دير مار مينا وهم يتلون الصلوات والمزامير والدموع لا تتوقف من عيونهم .
وتوافد الألوف من الشعب القبطى للكاتدرائية بأرض الأنبا رويس وأمتلأت الكاتدرائية التى تسع الألاف وأمتلأ المقدمة أمام الكاتدرائية وحولها الكاتدرائية بألاف أخرى ولم يكن هناك موضع لقدم .
وفى الساعة الثالثة بعد الظهر بدأت صلوات طقس تجنيز الآباء البطاركة , وبدأ كبار رجال الدولة والسفراء الحضور لمشاركة الأقباط حزنهم لفراق راعيهم الصالح .
وألقى نيافة الأنبا أنطونيوس مطران سوهاج وقائمقام بطريرك كلمة عن البابا الراحل بالدموع والبكاء: " قال الوحى الإلهى : " عزيز فى عينى الرب موت أتقيائة " أعنى أن الرجال الأتقياء أو الذين يتقون الرب غال جداً فى عينى الرب موتهم , ولكن هذه هى إرادة الرب التى نخضع لها , لأن الرب فعل ..
لقد كان البابا كيرلس السادس له الشخصية الشيعى بالنعمة والبركة المملوءة رحمة وطهارة وأثماراً صالحة.
فعسير هلينا أن نقف لنرثيه .. عسير علينا أن نلقى نظرة الوداع على جثمانه الطاهر المسجى بيننا فى هذه الكاتدرائية العظيمة التى شيدها والتى يبذل الجهد عزيزاً ليتم بناؤها ويدوى بين ربوعها رنين أجراسها كما ترتفع الأصوات الملائكية من الشعب بالصلاة .
كانت ساحة البابا كيرلس السادس متسعاً للجميع , وكان بابه مفتوحاً على مصراعية , للفقير قبل الغنى والصغير قبل الكبير , كان يقابل الجميع بترحاب ويصغى إليهم فى أناة وحب , لا تفارق الإبتسامة شفتيه ..
وكثيراً ما كان ينصحة أطباؤه بألا يرهق نفسه بتلك المقابلات التى لا تنقطع , وكان رجلاً والرجال قليل .
كان البابا الراحل محباً للسلام : " طوبى لصانعى السلام لأنهم يدعون أبناء الرب " .
وكان نشيطاً يعمل دائماً من أجل الكنيسة , وتسامعت الكنائس بنشاطه وبره فسعت إلى تعزيز صلاتها بكنيستنا ودعته لزيارة كنائسها وبلادها , ولكن عمله كان يشده دائما إلى حقله , يتعده بالغرس والصقل حتى يمن الرب عليه بالنمو الصالح .
ولم تقتصر زياراته على القاهرة والأسكندرية أو الأقاليم فى مصر , بل خرجت وأمتدت إلى الكرازة المرقسية , فزار أثيوبيا أكثر من مرة , ورحب به جلالة الإمبراطور هيلاسيلاسى الأول , ترحيباً كبيراً , وفرح وهلل بزيارته مطوب الذكر البطريرك الجاثليق فى أثيوبيا ورجال الأكليروس والشعب , وأحسو فى قربه الأبوة الروحية الغامرة , وشعروا انهم أمام أب يعطف على ابنائة جميعاً , ولا يضن عليهم بثمرة حبه
وأقام فى عهده كنائس كثيرة فى ربوع الكرازة المرقسية وفى أمريكا وأستراليا وغيرها , وعمرت أديرة بما لا يتسع المجال لذكره الآن .
وأقام فى عهده كنائس كثيرة فى ربوع الكرازة المرقسية وفى أمريكا وأستراليا وغيرها , وعمرت الأديرة بما لا يتسع المجال لذكرة الآن .
وتوج الأعمال بتشييد هذه الكاتدرائية القبطية بتعزيز رئيسنا الراحل الخالد جمال عبد الناصر , وقد آزره صاحب الجلاله الإمبراطور هيلاسيلاسى , والشعب القبطى
والآن .. نحن نودع ابنا وحبيبنا وسيدنا البابا المعظم الأنبا كيرلس السادس .. لقد غادر هذه الديار وأنتقل إلى الأمجاد السماوية حيث ينعم بجوار السيد المسيح وأعماله العظيمة تتبعه .
فإن فارقنا بروحه , وإن الجسد يرجع إلى معدنه الذى أخذ منه , إلا أنه خالد لا ينسى , ولن ننساه , ولن ينسى الوطن , ولن ينساه أحباؤه .
راقد على رجاء القيامة . فنم ياسيدى مستريحاً تتبعك أعمالك , ونحن ندعو الرب بشفاعتك وبصلواتك التى نرفعها أمام العرش الإلهى , إذكرنا ولا تنسانا , أذكر كنيستك لكى يرعاها الرب ويسوسها وبخدمها ويفلحها , ويقيم الراعى الصالح الذى يتبع خطواتك .
إلى المثوى الأخير
وحمل الأباء المطارنة والأساقفة والكهنة والشمامسة بحمل الصندوق الذى يحوى جثمان راعى الرعاة ورئيس الكهنة البابا كيرلس السادس ودخلوا به إلى الهيكل وطاروا حوله طورة ثلاثية يرددون الألحان الجائزية الحزينة ثم خرج الموكب إلى صحن الكنيسة وعلا صراخ الشعب وبكائة وخرجوا من باب الكاتدرائية الجانبى وهبطوا السلم إلى البهو السفلى حيث توجد المقبرة التى أعدت بسرعة ودفن بها والكلى يصلى فى بكاء على باباه الراحل .
فى ذكرى الأربعين
فى يوم 17 أبريل 1971 م وافق مرور أربعين يوماً على نياحته ووافق سبت الفرح ايضاً وليلة عيد القيامة .. وحيث أنه طبقاً لطقوس الكنيسة لا يجوز عمل جنازات فى أسبوع الألام وحتى عيد القيامة لأنه يخصص للسيد المسيح فقرر ألاباء أن يكون ألإحتفال يوم الجمعة 23 أبريل 1971 م بالكاتدرائية المرقسية الكبرى , وفى مساء الساعة الرابعة من مساء الذى قرره ألاباء بدأ صلوات الأربعين للبابا كيرلس السادس بحضور الآباء المطارنة والأساقفة , وقد حضر الأستاذ صلاح الشاهد كبير أمناء رئاسة الجمهورية ذكرى الأربعين نائباً عن الرئيس أنور السادات وحضر عدد كبير من رجال الدولة والسفراء .
وكما هو معروف فى ذكرى الربعين وضعت صورة كبيرة لقداسة البابا كيرلس السادس أمام الهيكل.
وبعد الإنتهاء من الصلوات القى نيافة الأنبا انطونيوس مطران سوهاج وقائمقام بطريرك كلمة تعزية قال فيها : " يا حضرات الآباء جميعاً .. يعز على اليوم أن اقف متحدثاً عن اب كريم تمتعنا جميعاً بحبه وبركاته وشاء أمر الرب إلا أن يأخذه منا .
وما يسندنى فى وقفتى هذه سوى أننا لسنا نشيعه بجسده العزيز فى الثرى راقداً بقدر ما نودعه بروحه السامى إلى مدارج العلا صاعداً , وليس كمن إنتفى وجوده بيننا , بل كمن إختفى عن أعيننا وهو موجود معنا دائماً , ذلك لأننا نؤمن أن الذين يرقدون فى الرب ينضمون إلى كنيسة ألأبرار التى هى كنيسة من هم بلا جسد الذين نشترك معهم بالروح والعقل مرتفعين فوق مادية هذا الجسد مثلما قال الكتاب المقدس " لأنكم لم تأتوا إلى جبل ملموس مضطرم بالنار وإلى ضباب وظلام وزوبعة , بل أتيتم , إلى مدينة الإله الحى أورشليم الماوية وإلى ربوات هم محفل ملائكة وكنيسة أبكار مكتوبين فى السموات وإلى اللإله ديان الجميع وإلى أرواح أبرار مكملين "
ذلك هو صاحب هذا الرسم , أبونا القديس جزيل الطوبى مثلث الرحمات البابا كيرلس السادس فقيد الكنيسة المحبوب والوطن المفدى .
لست أعلم من أين أبدأ الكلام عن مناجاتك , أبدأ منذ زهدت فى الدنيا وأيقنت ان ملازمة الرب خير ملازمة العالم , بإخلاص تام وبقوة ويقين أدرت ظهرك للعالم ووليت وجهك نحو الصحراء , ففتح الدير أبوابه لك على مصراعية , ولكنك سرعان ما خلوت إلى شق فى صخر الجبل حاذياً حذو السلف من المتوحدين , ولم تكن خلوتك إلى فترة أرضيت فيها نزوة عابرة بل كنت بداية للطريق الذى رسخت فيه إلى نهايته , أم أذكر ذهابك إلى سوهاج إلى دير القديس العظيم الأنبا شنودة رئيس المتوحدين , سلام الرب عليه , ومكثت فى مغارة فى الجبل الغربى بسوهاج .
أم أذكر كيف كنت فى صومعة بجبل المقطم بمصر القديمة نائباً عن العالم , وما كان سيدنا القدوس العلى فى كل هذا إلا راعياً محباً لك وما كان القديسون العليون إلا رفاقاً وحماة لك , فكان الرب القدوس فى تعبدك الحار يعمق أساسك ليأتى بك يوماً إلى الخدمة , وكان الناس فى إبتعادك عنهم يزدادون إقتراباً منك وقصداً إليك طالبين البركة باثين الشكوى , ملتمسين البرء " لأن صلاة البار مقتدرة فى فعلها"
أم أذكر وقد أختارك لرعاية كنيسته فإزدحموا حولك , ولم تضق بهم ولم تنهرهم , بل كنت ترد من أراد أن يردهم عنك وبوجه ملؤه الحب والإبتسام , وقلب ملؤه العطف والحنان , وروح كلها صلة وإيمان , صليت وخدمت , جاهدت وثابرت فى الليل والنهار , فى الإنفراد ومع الجماعة بأقصى جهد إلى آخر لحظة من حياتك الغالية , حتى إذا جاءت اللحظة المعلومة عند الرب أسترقت روحك الطاهرة إلى العلا وأنت واقف فى الميدان والناس من حولك لا يدركون ما حدث .
زاره كثير من رؤساء الكنائس الأجنبية وأختم بالحركة المسكونية , كان على مؤتمر الكنائس الشرقية بأديس ابابا , بعث ممثلين إلى المحافل الكنائسية العالمية وكان فى كل هذا عاملاً من أجل الإيمان بالرب ومن أجل الإيمان بالمثل الهليا ومن أجل الإيمان بالخدمة الأمينه للوطن الغالى ..
إلا سلاماً وإجلالاً له أمام الرب عابداً خاشعاً .
إلا سلاماً وإجلالاً له بين الناس راعياً حانياً .
إلا سلاماً وإجلالاً له خادماً وطنياً أميناً
كان اه أثره فى تعاطف الكنائس مع مصر والعروبة , وكانت له جولاته فى الدفاع عن الوطن العربى وإعلان كلمة الحق أمام الظلم والإعتداء .
إلا سلاماً له فى كلماته وإعلاناته ونداءاته ورسائله التى عممت إلى كبار القادة العالميين فى أقطارهم البعيدة الذين كان يخاطبهم فى شتى المناسبات إلى ابنائنا الجنود البواسل حاملى السلاح الذين كان يراسلهم بإنتظام , وآخر رسائلة لهم العدد الضخم من الأناجيل الصغيرة التى أرسلها لهم بمناسبة عيد الميلاد المجيد الماضى
جنودنا فى قلبه وصلاته .. وهنا لى وقفه .
صدقونى لقد كان مريضاً محتاجاً للراحة ولكنه ابى إلا أن يوقع بيده الكريمة على كل أنجيل من هذه الألاف المرسلة غلى ابناءه .
كم كان محباً لأبناء الوطن , كم كان رائداً للوحدة الوطنية , كم كانت علاقته وثيقة طيبه بالهيئات والأفراد , كم أحب الرب والناس , وكم أحبه الرب والناس .
جاء لتوديعه الوداع الأخير الألوف من أبناء مصر والعالم , وكانت تلك لحظات لامعة من الزوايا الروحية التقوية والأخوية والوطنية والإنسانية العالمية .
أيها الأعــــــــــزاء .. كم أقص عن أن أتكلم عنه ولكننا لم نفتده بل كسبته السماء وكسبناه شفيعاً جديداً لنا امام عرش النعمة , ورائداً لنا فى السماء , ذكره يبقى إلى الأبد ويبقى معنا للبركة .
إلا فإسمحوا لى أيها السادة أن اتقدم عن نفسى وعن أعضاء المجمع المقدس وعن الإكليروس والشعب القبطى بأخلص الشكر على تكرمكم بالإشتراك معنا فى الإحتفال بذكرى فقيدنا العظيم لكم جميعاً مثوبة مجاملتكم داعياً لجميعكم بالبركة والصحة والسعادة وأن يلهمنا الرب نعمة العزاء .
أبقى الرب حياتكم هانئة سعيدة , ولإلهنا كل مجد وإكرام وسجود من ألآن وإلى البد آمين .
ثم ألقى بطريرك الأقباط الكاثوليك أسطفانوس الأول كلمته وبعده القس لبيب مشرقى رئيس الطوائف الإنجيلية ثم المهندس إبراهيم نجيب رئيس لجنة الأوقاف , ثم كلمة نيافة الأنبا أثناسيوس أسقف بنى سويف والبهنسا وسكرتير المجمع المقدس بإلقاء كلمة شكر لكل المشاركين فى هذه الصلوات وإلقاء الكلمات عن البابا الراحل كيرلس السادس .
تنفيذ وصية البابا كيرلس السادس
هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك
فى عام 1964 م كتب وصيته بخط يده ولما كان يحب مار مينا فقد إشتاق لأن يدفن فى ديرة العامر بمريوط بالرغم من أنه اسس أكبر كاتدرائية فى الشرق الأوسط ولكنه لم يغير وصيته ليدفن بها
وصية البابا كيرلس السادس
بإسم الآب والإبن والروح القدس إله واحد آمين
وصيـــــة
أنا الموقع أدناه بإمضائى وختمى وخطى المدعو بنعمة الرب كيرلس السادس أوصى بما هو آت :-
1 - مساحة الـ 50 (خمسون) فدان بصحراء مريوط وما عليها هو ملك لدير مار مينا العجائبى .
2 - قطعة الأرض التى بتفتيش السيوف الإسكندرية .
3 - قطعة الأرض الكائنة بكينج مريوط .
4 - العقار الكائن بمحرم بك بالإسكندرية .
5 - جميع العقارات والأرض والكنيسة بمصر القديمة .
جميع هذه ملك لدير مار مينا العجائبى بصحراء مريوط .
كما أوصى أنه بعد إنتقالى ووفاتى , يدفن جسدى بالمدفن الذى تحت الكنيسة بدير مار مينا بصحراء مريوط , يدفن بالملابس التى تكون على جسدى ولا لزوم لغيرها .
كل من أطلع على هذه الوصية ولا يعمل بها يكون محروماً من فم الثالوث الأقدس الآب والإبن والروح القدس وفم الرسل والقديسين وفم حقارتى ويكون على شمال المسيح , وعلى أبن الطاعة تحل البركة
الإمضاء
كيرلس السادس
وقرر البابا شنودة الثالث وفاءً للبابا الراحل تنفيذ وصيته أن ينقل جسده الطاهر إلى المكان الذى أحب أن يدفن فيه فى ليلة عيد القديس مار مينا .
وفى ظهر الأربعاء 22 نوفمبر 1972 م أخرج الصندوق الذى به جسد البابا كيرلس السادس من مدفنه المؤقت تحت الكاتدرائية المرقسية بأرض الأنبا رويس ووضع أمام الهيكل للمرة الثانية .
وقام برفع صلاة بخور العشية قداسة البابا شنودة الثالث وكثير من الآباء المطارنة والأساقفة والكهنة والشعب , وألقى البابا شنودة الثالث عظة قال فيها : " .. البابا كيرلس يرتبط تاريخة , بحدث هام ينسب إليه , وهو إنشاء دير القديس العظيم مار مينا العجايبى , وفى الحقيقة إن البابا كيرلس إغتبط قلبه بهذا الدير إغتباطاً فاق الوصف , وهى النقطة التى أريد أن أتكلم عنها اليوم .
ففى رهبنته كان أسمه مينا المتوحد , وأحب هذا القديس الذى أخذ إسمه , محبة كبيرة , ورغم أنه كان من دير البراموس , إلا أن قلبه إلى دير مار مينا , وعندما أضطر إلى ترك مغارته فى الجبل بنى ديراً بإسم مار مينا لمحبتة لهذا القديس , وأصبح كل من يذهب إلي المنطقة يزور دير مار مينا , ويأخذ بركة القمص مينا المتوحد , وعندما كان فى كنيسة مار مينا بمصر القديمة التى عاش فيها زمناً طويلاقبل الزمن الذى قضاة فى الباباوية كان فى نفس الوقت يسعى فى السكنى فى منطقة مار مينا بمريوط , وإتصل بجمعية مار مينا بالإسكندرية , وبالأخص د/ منير شكرى لعمل الإجراءات ليعيش فى مار مينا .
وعندما بدأت الصلاة بمنطقة دير مار مينا تهلل قلبه جداً , وكان قد بدأ بهذه الصلاة الأنبا ثاؤفيلس قبل أن يكون هناك دير , وكانوا يصلون فى العراء فىالمنطقة الأثرية .
ولما جلس البابا كيرلس السادس على كرسى مار مرقس , أهتم بدير مار مينا إهتماماً كبيراً , وبدأ ينشئ هذا الدير
وفى الواقع إن العمل الذى قام به هذا الدير هو عمل عجيب جداً , يدل على إقتناع عجيب بالفكرة , وإصرار , وتصميم على إنشاء الدير , إذ لم يكن بالأمر الهين إحضار مواد بناء والماء , فكانوا يحضرون الماء من قرية بهيج
نذكر بالشكر فى هذه المناسبة المقدس شاروبيم أقلاديوس , وأخاه المقدس فرج أقلاديوس على تعبهما .
البابا كيرلس بنى أستراحة له فيها مسكن , وحجرات وضيافة , وكنيسة صغيرة ثم كنيسة أكبر بثلاث مذابح , ثم بنى سوراً ضخماً يضم حوالى 15 فدانا فى داخلة , وهى مسألة ليست بالعمل الهين , وسمح له ببعض الأحجار من المنطقة الأثرية , ثم بنى بيتاً للخلوة للآباء الكهنة بمساعدة نيافة الأنبا صموئيل , وبنى بعض غرف لإستعمالات العامة .
وبدأ يزرع تلك المنطقة , وهو فى الواقع يعتبر المؤسس الحقيقى الكبير لدير مار مينا فى عصرنا الحاضر , كل ذلك لمحبته فى دير مار مينا , ووضع أساس كاتدرائية كبيرة فى تلك المنطقة , مساحتها تقريباً حسبما أذكر ثلاثة أمثال الكنيسة الكبيرة الموجودة فى الدير , وفى هذه الكنيسة أراد أن يدفن .
لا حظوا هذا الإهتمام الكبير فى قلب الصحراء , ليس للإنشاء فقط و ولكن من حيث الرهبان , فكان يستعير بعض الرهبان من دير السريان , ثم رسم به رهباناً جدداً , واخذ موافقة المجمع المقدس بهذا الدير , وكان فرحاً بهذا العمل .
وكلكم تعلمون أنه كان يقضى شهوراً طويلة بهذا الدير , فهو مكان خلوته والمكان الذى يذكره بأسمه القديم (مينا المتوحد) أحب هذا المكان جداً , وكشخص متوحد , كلما إزدادت عليه الضغوط الخارجية , كان يلوذ بهذا المكان .
كان يريد أن يجعل مار مينا يحظى بإهتمام الكل , فأنشأ على أسمه مذابح كثيرة بالكنائس , بل أن احد المطارنة الأوائل الذين رسمهم فى أول رسامته بطريركاً كان بإسم "مينا" مطران جرجا .
وجعل صناديق التبرعات لهذا الدير بكنائسة بالإسكندرية , وكان يشغله هذا الأمر جداً , وأتذكر أننا فى كل مرة نطلب أذنا لزيارة مارمينا كان يتهلل , ويظهر ذلك فى ملامحة , وربما كنا نطلب أشياء أخرى ويرفض , ولكن زيارة مارمينا كان يتهلل لها ويفرح ز
وهذه المحبة الكبيرة بينه وبين هذا القديس جعلته يكتب فى وصيته أن يدفن فى دير مارمينا , ووضع حروماً شديدة لمن يخالف هذه الوصية , وتظهر هذه الوصية أهتمامه بدير مار مينا , فذكر الخمسين فداناً .. وأشياء كثيرة لدير مارمينا , وهذه محبة كبيرة لهذا الدير , وتعلق قلبه به وأن يدفن بالمدفن الذى تحت الكنيسة بدير مارمينا .
وعلى الرغم من أنه بعد هذه الوصية أسست الكاتدرائية الجديدة بالأنبا رويس , ورغم حضور جسد مار مرقس , ولكنه إستبقى الوصية كما هى , بل أسس مقبرة له تحت هيكل الكنيسة الجديدة بالدير , وذلك قبل وفاته بشهور , وظل على إصرارة , لم تكن القاهرة كلها تملئ قلبه مثلما تملأ قلبه صحراء مريوط , وهدوؤها .
وعندما رقد فى الرب فى 9 مارس سنة 1971 م - لم نتمكن من تنفيذ وصيته , لأن المقبرة لم تكن تمت , ولم يكن ممكناً أن نأخذ الألوف من أحبائة الذين يريدون أن يودعوه يوم وفاته أن نأخذهم إلى مريوط , ولذا دفن مؤقتاً فى القاهرة , وفعلاً جهزنا المقبرة تجهيزاً جميلاً , وهى مكسوة بالرخام , وفى منتهى الفخامة , وجعلنا فيها متحفاً توضع فيه الأشياء التى تذكرنا بالبابا كيرلس , وكان علينا أن ننتظر سنة من الناحية الطبية , وإنتظرنا عشرين شهراً حتى تم إعداد المقبرة , وترتفع الكنيسة الآن حوالى 4 أمتار , وأيضاً بنيت الهياكل , وقد صلينا فى هذه الهياكل فى عيد مارمينا السابق 22/ 6/ 1972 م .
ونظراً لأن الكنيسة تحتاج لسنوات لكى تتم وربما أنه أراد أن يزداد عمار دير مارمينا , لأن الألاف سوف تذهب إلى ذلك الدير لوجود جسد البابا فيه , أن منمحبته فى مرا مينا أراه أن يرقد فى مار مينا , وفى رقادة سبباً فى عمار دير مار مينا .
وكثير من باباواتنا دفنوا فى الديرة , دير القديس مكاريوس , توجد به مجموعة كبيرة من اجساد البطاركة .
ودير النبا رويس به أربعة من البطاركة عن يمين جسد الأنبا رويس .
ولا شك أن دير مارمينا هو أحق مكان ليدفن فيه جسد البابا , فهو منشئ الدير وكؤسس الدير , فهو الذى بنته , وجمع رهبانه , وبنى أسواره .
لا شك أن هذا الدير يرتبط بالبابا كيرلس , ولولا محبة البابا كيرلس للشهيد مارمينا لأسميناه دير البابا كيرلس , وشعب الأسكندرية لا يفرق بين تسميته دير مارمينا ودير البابا كيرلس , وكان إذا إعترضهم أحد يقولون أنهم فى دير البابا .
وفاء منا نفذنا هذه الوصية , ونحن نعلم أن كثيراً من القديسين كانوا يوصون أن تدفن أجسادهم فى أماكن معينه مثل : أبينا إبراهيم أب الآباء , وأعد المكان الذى يدفن فيه قبل أن يموت , ويوسف الصديق أحد الأثنى عشر الآباء البطاركة , أوصى من جهة عظامة أن تدفن فى الموضع الذى أراده .
ونرى فى قصة النبا بيشوى , والأنبا بولا الطموهى أنهما أصرا أن يدفنا معاً فى نفس المكان , ولما افترقا وقفت السفينة , ونعلم عن هذا القديس آخر برك الجمل عندما أرادوا يدفنوه فى غير المكان الذى يريده .
فليستريح بابانا العزيز فى مكانه الذى احبه لنفسه , والذى وجد فيه راحته وهدوء , وسلامه القلبى , ووجد فى رحابه حياة الرهبنة والوحدة التى كانت تجرى فى دماءة المقدسة .
باكر سينقل الجسد إلى دير مار مينا , ونصلى القداس بعد الظهر وسأسبق سفرة لكى أكون فى إستقباله هناك , وسيطاف به الدير بالتهليل , والتسبيح كما يليق بالآباء البطاركة .
نجو لقداسته نياحاً فى فردوس النعيم فى الموضع الذى هرب منه الحزن والكآبة والتنهد , ونرجو أن يذكرنا فى صلواته , وبركاته , وقداسته التى عاش بها .
جسد المتنيح البابا كيرلس السادس فى دير مارمينا
وفى يوم 23 نوفمبر 1972 م تحركت الكثير من العربيات والأتوبيسات ترافق جسد البابا كيرلس من الكادرائية المرقسية بالأنبا رويس ومنه إلى كلوت بك مقر البطريركية القديمة ثم واصلت رحلتها فى الطريق إلى دسر مارمينا
وعند وصول الجسد حمل الآباء رهبان الدير جسد أبيهم الطاهر إلى داخل كاتدرائية مارمينا حيث وضعوه أمام الهيكل , وصلى قداسة البابا شنودة الثالث والآباء المطارنة والأساقفة صلاة عشية , ثم نزلوا بالجسد إلى مزارة والمكان الذى أعد خصيصاً له أسفل الهيكل حيث وضعوه فى المقبرة وسط صلوات وتسابيح الآباء الحاضرين طوال الليل , وأقيمت القداسات الإلهية ثم ألقيت الكلمات عن هذا البطريرك الطوباوى .
وتبارك جميع الحاضرين من جسد البابا كيرلس السادس , وتم تغطية المدفن بالغظاء الرخامى الذى كان معداً من قبل ..
وقد سجلت الكنيسة يوم 23 نوفمبر هو العيد السنوى لنقل جسد البابا كيرلس السادس
كلمة نيافة الأنبا شنودة - أسقف التعليم فى الإجتماع الإسبوعى بالكاتدرائية الجديدة بالأنبا رويس - الجمعة 12 مارس 1971 م
فى الواقع لم أحضر هذا اليوم لألقى عليكم عظة إنما لأعزيكم فى نياحة أبينا الطوباوى المكرم الأنبا كيرلس السادس
ليس أمراً هيناً على الكنيسة أن تفقد الأب الأكبر لها الذى تسميه الكنيسة بألقاب عديدة فنقول فيها أنه أب الاباء .. وراعى الرعاة .. ورئيس الالكهنة .. ورئيس الأساقفة ,, ورئيس المجمع المقدس .. وخليفة الرب ونائبة على الأرض .. وثالث عشر الرسل .. وليس هيناً أن تودع الكنيسة شخصاً كبيراً من هذاالنوع فى صمت وهدوء البابا فى الكنيسة هو أكبر شخصية تذكرة فى صلواتها فى رفع بخور عشية وباكر والقداس والألحان الكنسية والتسابيح بل حتى أثناء تقديس الأسرار الإلهية عند تقديم الحمل , فى كل وقت البابا يشغل الكنيسة وتنشغل به طالبة من الرب له حياة مديدة وأزمنة سالمة هادئة وأن يحفظة لنا , هذا من ناحية الشعب وتذكار الكنيسة له .
أما من ناحية البابا كيرلس بالذات فقد كانت له فى الكنيسة مكانة خاصة , بدأ حياته الرهبانية كراهب صادق الرهبنة ترهب وهو صغير ثم عكف على الوحدة , ثم سكن فى مغارة قرب دير البراموس وأنا زرتها بنفسى , ثم أنتقل إلى طاحونة قرب مصر القديمة وتعبد فيها سنوات طويلة ثم توحد فى كنيسة خاصة به بناها بنفسه وأشرف على الفعلة بنفسه وعاش فيها متوحداً حتى أن السنوات الطويلة من سنة 1944 م إلى 1959 م لا أذكر أنه خرج من ذلك المكان إلا لكى يعمل عملية جراحية فى وقت ما حتى لقب بالقمص مينا المتوحد , وفى وحدته كان رجل صلاة ربما حوالى 35 عاماً من الزمان كان يقيم قداساً كل يوم , لم ينقطع يوما ما عن القداسات طول هذه المدة , وكانت صلواته تخجل الناس , رجل كبير فى السن فوق الستين أو قارب السبعين يصحو كل يوم حوالى الساعة الرابعة صباحاً ليصلى , كانت الكنيسة جزء من حياته , وكانت القداسات تجرى فى عروقة مثل دمه تماما وكانت التسابيح والصلوات شيئاً طبيعياً بالنسبة له ولم يكن يجد غضاضة فى أن يقف مع احد المرتلين يرابعة التسبحة , وكان يتعجب إذا وجد كاهناً يصلى من الخولاجى حتى أن جميع صلوات القسمة وهى عديدة كان يحفظها تماماً .
لعله درس كبير لنا فى المواظبة على القداسات والتبكير للكنيسة والإلتصاق بها وحفظ الصلوات والتسابيح والألحان والمدائح , وله فى الرهبنة صلات ودروس وتجارب كثيرة , له صلة بدير البراموس العامر حيث ترهب هناك , وله صلة بدير السريان العامر حيث أرسل كثير من ابناءه ليتعبدوا به , له صلة بدير مار مينا الذى عمره وترهب بأسمه ولقد ترك فى نفسه أثراً كبيراً يعطينا فكرة عن كيف أننا أسمينا أولادنا بأسماء القديسين تتعلق نفوسهم به وبأعمالهم , وقد أهتم بدير مار مينا كثيراً قبل أن يصير خليفة لمار مرقس الرسول , وكان يريد من مصلحة الآثار أن تترك له هذا المكان ألثرى ليبنى فيه ولو قلاية بسيطة , وأشترى خمسين فداناً وبنى كنيسة ومغارة وقلالى للرهبان وسوراً كبيراً يحيط بها وبيتاً للضيافة أو الخلوة , وكان يحب دير مار مينا ويسافر إليه ويقضى فيه شهوراً طويلة وكان يود لو أنه أيضاً دفن فيه , كان يحب الهدوء والبعد عن الضوضاء , ومشاكل القاهرة ومن حبه لهذا الدير كان يود لو بنيت مذابح فى كل كنيسة بإسم مار مينا , ورسم أحد المطارنة بأسم مار مينا وتلميذه الخاص باسم الراهب مينا وعمر ذلك الدير , ولأول مرة نجد راهباً يحمل إسم مار مينا , وكان يعيد فى كل سنة فى عيده , ويفرح بالذين يشتركون فيه , وإستطاع أن يجعل إسمه محفوراً فى قلوب أبناء هذا الجيل .
لا أدرى عندما تصعد روحه ليلتقى به فى ألبدية كيف سيكون لقاؤهما ؟ لهذا اقول لكم أنكم سميتم أبناءكم باسماء القديسين لتركت فى نفوسهم آثار كبيرة مثلما أحب البابا كيرلس إسمه القديم " الراهب مينا" وإلتصق به كثيراً.
كان البابا محباً للتعمير والبناء فقد بنيت فى عصره فى القاهرة أكثر من 31 كنيسة وفى الإسكندرية 9 كنائس إن كنيسة المستشفى القبطى بالقاهرة وبالإسكندرية تعتبر مبدأ عظيماً , لا يوجد أحوج إلى التناول والصلوات من المرضى وذويهم , وليت هذا المبدأ يعمم فى بلادنا المريض يكون قريباً جداً إلى الرب ومستعداً للتوبة أكثر من أى إنسان آخر , لذلك عندما أتكلم عن هذا الأمر إنما تعجبنى الفكرة فى حد ذاتها حتى لو كانت هذه الكنيسة غرفة أو قاعة صغيرة , يكفى المذبح والكاهن داخل المستشفى , وأعجبنى وجود كنيسة فى كلية البنات القبطية , شئ جميل أن توجد كنيسة فى مدرسة لكى يبدأ الطلبة اليوم الدراسى بالصلاة , ويشعرون بأنهم فى رحاب الكنيسة والواقع أنها إمتداد لأفكار آبائنا القدامى , فالكنيسة والمدرسة يغذيان الروح والعقل معاً , وأعجبنى أيضاً أن توجد كنيسة فى قاعة مثل قاعة إبراهيم لوقا بمصر الجديدة لماذا لا توجد كنيسة فى كل مستشفى ومدرسة وقاعة ؟
وأيضاً جميل أن توجد فى بيت مدارس الأحد وفى جمعية الإخلاص , كل هذه الأمور تظهر أن الكنائس ليست مجرد أبنية إنما لها أهداف روحية , وجميل أيضاً أن توجد فى اماكن مهجورة مثل حى القصيرين أو الزاوية الحمراء , ناس مجهولين لا يجدون أحداً يزورهم , وكان كثيرون من طلبة الإكليريكية يذهبون إليها للخدمة والوعظ وكنيسة الساحل وأرض الشركة .
هذه المحبة للتعمير لم تشمل الكنائس فقط إنما الآثار فقد كون لجنة للبحث عن كنيسة أتريب ولها وضع كبير فى تاريخ الكنيسة والنبوات المقبلة , وهذا الموضوع طويل , وقد تعاونت هذه اللجنة مع البعثة الهولندية هناك , ولا ننسى أنه تمت فى عهده أبنية الكلية الإكليريكية مثل مبنى كلية اللاهوت سنة 62 م ومبنى الداخلية للطلبة المجاور لها , وأيضاً معهد ديدموس للعرفاء , وإن كان ازيل حالياً لبناء الكاتدرائية , وكان محباً للتعمير حتى نياحته , ففى نفس اليوم الذى تنيح فيه بدأ تعمير مقبرة البطاركة التى تحت المذبح مباشرة وكان أول بطرك يدفن فيها .
ومحبته للتعمير لم تكن فقط للأبنية المادية إنما للبناء الروحى أيضاً ففى عهده وصل نشاط الكنيسة لأماكن بعيدة ما كنا نظن أنه يصل إليها , فأصبح لنا كاهناً فى كندا القس ماركوس إلياس فى تورنتو , والقس رفائيل يونان بمنتريال وكلاهما من أساتذة الكلية ألإكليريكية ثم رسم القس مينا لبيب لسدنى وآخر لملبورن بأستراليا , ثم رسم القس غبريال أمين للولايات المتحدة وأرسل إليها القسيسين بيشوى كامل وتادرس يعقوب وكان يشرع فى رسامة آخرين لإنجلترا وأوربا , وإهتم أيضاً بالكرازة فى أفريقيا , وأرسل لها مقدمات كثيرة من قبل وأرسل أولاً القس مكاريوس (الأنبا اثناسيوس حالياً) والقمص شنودة السريانى والقمص باخوم المحرقى (الأنبا أغريغوريوس حالياً) وكاهن كنيسة الزمالك , وأنطونيوس السريانى , وأرسل بعثات من العلمانيين .. الدكتور زاهر رياض وغيره من أساتذة الكلية للإتفاق على إقامة معهد كرازى بالقاهرة فى كرتسا واخرج هذا المركز مجموعة من الكارزين يكرزون حالياً بالسودان ويعمدون كثيرين بإسم المسيح إلى يومنا هذا , كان إهتمامه كبيراً بأفريقيا والكويت أيضاً حيث أرسل إليها القمص ميخائيل المحرقى (أنبا مكسيموس حاليا) والقمص تيموثاوس المقارى الذى ما زال هناك.
وإهتم أيضاً بالكنيسة فى أثيوبيا وصدقونى إن العلاقات مع الكنيسة فى أثيوبيا كانت تتركز كثيراً على المحبة ألكبيرة القائمة بين قداسته وجلالة الإمبراطور هيلاسيلاسى وكانت هذه المحبة هى السور الكبير الذى يحفظ العلاقة بين الكنيستين , ومن أول سيامته وهو يهتم بها , ففى يوليو عام 1962 م رسم جاثليق أثيوبيا أبونا باسيليوس (ولقب أبونا بأنب عندنا يطلق على رؤسائهم) , وزار بنفسه أثيوبيا وكان الإمبراطور قد زاره أثناء سيامة الجاثليق وقلده وشاح سليمان الأكبر , وقلد كثيراً من الآباء قلائد وأوسمة , وبمجرد وصول قداسته أثيوبيا عام 1965 م وكان مريضاً طلب البدء بإقامة القداس بكاتدرائية الثالوث الأقدس , وسنة 1962 م زار كثير من مقاطعات , وزار دير القديس تكلا هيمانوت رئيس الرهبنة الحبشية وغيره من ألماكن , وإشترك فى الإحتفال الثلاثينى بتنصيب الإمبراطور , وسنة 1965 م رأس مجلس الكنائس الأرثوذكسية الشرقية هناك , وإستقبل بحفاوة كبيرة وتنازل له الإمبراطور عن قصره ليقيم به أثناء الزيارة وكانا أسداه طليقين , وعندى فى قلايتى الخاصة صورة لقداسة البابا وهو يداعب أحد هذه الأسود , وكان جلالة الإمبراطور يقول لقداسته أننى أننى مستعد أن ابنى لك هنا قصراً لتزورنى كل عام , وعندما كان يقدم الهدايا للآباء المجتمعين بالمجلس كان ينسبها إلى قداسته لا إلى شخصه بإعتباره صاحب المكان , وكان يستقبله إستقبال الملوك وتطلق له المدافع 21 طلقة , وألأثيوبيين يحبون خليفة مار مرقس ويسمون كنيستهم الكنيسة القبطية , وكانت لفتة جميلة أن يزور أثيوبيا مرتين , وكان جلالة الإمبراطور بمجرد وصوله إلى القاهرة يزروه ويأخذ بركته .
ولم يقتصر ألمر على هذه العلاقات بأفريقيا وأمريكا وأستراليا وآسيا وإنما أيضاً كان له إتجاه فى العلاقات المسكونية العامة , وقد زاره فى مصر كثير من رؤساء الكنائس العالمية مع انه لم يزر أحد منهم , زاره البطريرك اثيناغورس رئيس الكنيسة اليونانية , وبطريرك موسكو ألكسيس , ومكاريوس أسقف قبرص , وبطريرك بلغاريا ورومانيا وفنلندا , ومن الكنائس الشقيقة بطريرك الأرمن , ومار أغنوطيوس يعقوب بطريرك السريان ورؤساء البروتستانت والمسئولين فى مجلس الكنائس العالمى وكثيراً من كرادلة الكاثوليك منهم رئيس أساقفة فينا , ولقد وجدنا هذا افرتباط الكبير مع كنائس العالم ظاهراً فى حفل مار مرقس الرسول وحفل بناء هذه الكاتدرائية حيث تبرعت كثير من الكنائس بمستلزماتها , ولا ننسى من كان يوفدهم فى بعثات لحضور المؤتمرات الكنسية العالمية ومن أوفدهم لحضور إجتماعات مجمع الفاتيكان الثانى لسنوات طويلة .
ولا ننسى الجهود الجبارة التى قام بها من الناحية الوطنية مما جعله موضع ثقة وثناء الرؤساء , كان الرئيس جمال عبد الناصر يحبه محبة خاصة ويكرمه إكراماً كبيراً ويثق به وبوطنيته , والرئيس أنور السادات تكلم عنه كلاماً فى منتهى الجمال وأشاد بمثاليته فى الوطنية وقال عنه : كنت أعز هذا الرجل إعزازاً خاصاً وقال إنه : "بلدياتى" وقال إنه كان رجلاً محباً واعياً بكل ما يحيط بالبلد من احداث ولا يفتأ أن يوجه الأقباط فى نصرة وطنهم , وتحركت الدولة كلها أثناء مرضه .. رءيس الدولة والمسئولون فى الإتحاد الإشتراكى (الحزب الحاكم) والوزراء جميعهم .
وكان لقداسته إلى جوار هذا كله صفاته الفاضلة فى حياته الخاصة , وكان رجلاً يتميز إلى جوار الحزم وقوة الشخصية بالبساطة وكان رجلاً لطيفاً , وكانت له أبتسامة رقيقة جميلة تؤثر فى كل من يزوره وكان يتبسط كثيراً مع الناس , ولعله أول بابا فى جيله يفتح بابه على مصراعيه لكل صغير وكبير رجلاً كان أو أمرأة .
أتذكر منظراً مؤثراً فى سنة 1959 م , وكنت فى ذلك الحين سكرتيراً له , وكان يصلى صلاة عشية وبينما كان يصرف الشعب وجدت رجلاً بسيطاًَ أمسك يده بقوة وشدها بعنف ووضعها على صدره وقال بإيمان عجيب : " أنا عيان إرشمنى هنا "
كان كل صاحب مشكلة يذهب إليه ويدعو لكل واحد ويتكلم مع كل واحد وفى أيام الإمتحانات كان الطلبة بالألاف يأتون إليه يطلبون صلواته وهو يدعو ويصلى للكل , وكان مجهوداً جباراً لا يستطيع من فى سنه أن يحتمل مثله .
ولعله بسببه كان هذا المرض الأخير .. رحمه الرب , وكان رجلاً صامتاً يسمع كثيراً أكثر مما يتكلم وكان فى صلواته كثير البكاء , كثير من الناس الذين لهم قوة شخصية تكون دموعهم عزيزة أما هو فكان البكاء قريباً منه , وكانت له ذاكرة فى منتهى القوة يحفظ الأحداث القديمة ويحفظ أسماء لا حصر لها ويكلم الناس بروح مرحة , وكان رجلاً كنسياً وطقسياً وشعبياً وملازماً للكنيسة , كانت فيه صفات عديدة رحمة الرب رحمة واسعة .
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
كلمة قداسة البابا شنودة الثالث
فى الذكرى الأولى لنياحة البابا كيرلس السادس
لقد مضى عام على نياحة البابا كيرلس السادس , وليست ادرى كيف أمضى هذا العام على ألألاف والملايين من محبيه , الذين لم يكن فى استطاعتهم أن ينسوا بركاته كل يوم , والذين كان صعباً عليهم أن يحرموا من شخصيته ومحبته وصلواته وقداساته .
ونحن بعد هذا العام نقف لنلقى كلمة وفاء بسيطة , ومهما كانت هذه الكلمة , فلا يمكن أن تفى أو ترتفع إلى المقام العظيم الذى يجلس فيه البابا كيرلس السادس .
إن البابا كيرلس , نيح الرب نفسه فى فردوس النعيم , أمضى حوالى 40 عاماً فى خدمة الكهنوت , وفى خلال تلك الفترة , حرص فى كل يوم أن يقيم القداس الإلهى .
لقد كان يحلو له أن يصلى جميع الصلوات , ويترنم بألحان التسبحة , ويصلى المزامير , ولا يوجد فى تاريخ الكنيسة كله إنسان مثل البابا كيرلس السادس , إستطاع أن يقيم مثل هذه القداسات , لقد حاولت ان احصى عدد القداسات التى أقامها فى حياته , فوجدت أنه صلى ما يزيد عن 12000 قداس ( بإستثناء الخمس سنين الخيرة التى مرض فيها ) وهذا أمر لم يحدث فى تاريخ أى بابا من باباوات الإسكندرية أو العالم أو الرهبان .
وكان يجد تعزية فى صلوات القداس , ولذة روحية فى صلوات التسبحة , وكل الذين يعرفونه شاهدوه ينزل من المقر الباباوى فى الثالثة صباحاً , ويصلى صلاة نصف الليل , ويرتل التسبحة بنفسه مع المرتلين فى الكنيسة , ثم يصلى القداس , ويخرج فى السادسة صباحاً قبل أن يصحو الناس .. كان عجيباً فى صلواته , وكانت الصلوات تتبعه فى كل مكان .
ومن محبته فى الصلاة إختار حياة الوحدة , فعاش متوحداً مدة طويلة , وتتلمذ على أكبر أستاذ كتب فى الوحدة فى تاريخ الرهبنة وهو القديس مار أسحق - لقد قرأت مئات الكتب النسكية , فلم أجد أعظم من كتابات مار أسحق عن حياة الوحدة والسكون .
ولقد كان البابا كيرلس يحب مار أسحق , ويقرأ كلماته ويحفظ الكثير منها , ونسخ بنفسه كتاب مار أسحق على ضوء شمعة فى مغارته وعلى لمبة من الغاز .
عاش فى وحدة فى مغارة قرب دير البراموس , يسهر الليالى فى قراءة أقوال الاباء , ويصلى فى الفجر ويقيم القداسات , وعاش فى طاحونة قرب مصر القديمة , ثم فى الكنيسة التى بناها بنفسه فى مصر القديمة , ولم يخرج من بابها إلا للضرورة القصوى , و‘ندما اعتلى كرسى مار مرقس , لم تتركه حياة الوحدة , بل كثيراً ما كان يذهب إلى دير مار مينا بصحراء مريوط .. وكان يريد أن يمتلئ من ثمار الوحدة لنفسه .
الوحدة كما تعلمها البابا كيرلس من مار أسحق , هى الإنسلاخ من الكل للإرتباط بالواحد .. لذلك كان كثير الصلوات , حتى فى اثناء وجوده وكلامه مع الناس .. كان صموتاً لا يتكلم كثيراً , لكى يعطى نفسه فرصة التأمل والصلاة , وكان أيضاً يعهد إلى الرب بمشاكلة , ويرى أن القداسات والصلوات هى التى تحل له المشاكل وليست المجهودات البشرية , وكلما كانت تحيط به الضيقات , يلجأ للوحدة والصلوات والقداسات , شاعراً أن معونة الرب هى أكبر من كل معونة بشرية , لقد اعطانا مثلاً كبيراً فى حياة التأمل والخدمة , مع أن جميعها ليس بالأمر الهين السهل , فقد كان يخدم الكنيسة بأقصى ما يستطيع , ومن جهة أخرى , يختلى بنفسه , ويأخذ من التأمل والوحدة على قدر ما تعطيه إمكانياته .
عاش كمرشد روحى للكثيرين فترة طويلة , وقبل أن يصير بابا الكرازة المرقسية كان ابا فى الإعتراف لمئات من طالبى إرشاده الروحى , وقد عرفت قداسته فى سنة 1948 م حينما كنت أتردد على كنيسته فى مصر القديمة , وإنتهى بى الأمر إلى أن سكنت هناك أتمتع بقداسته وصلواته ورعايته وإرشاده بقداساته وصلواته ورعايته وإرشاده فى ذلك الجو الجميل فى كنيسة مار مينا بمصر القديمة , كان كل زائر للكنيسة يذهب إلى القمص مينا المتوحد لكى يأخذ منه بركة وقوة وإيمان , وكنت فى زياراتى للدير فى وادى النطرون أرجع مباشرة إليه , فيسألنى عن الرهبان واحداً واحداً , لأنه يعرفهم باسمائهم , ويطمئن على كل واحد منهم , وكنا فى دير السريان نعتبر أنفسنا أبناء له , وكنا نذهب إليه فى أوقات متفرقة ونسترشد برأيه , وعندما ترك دير البراموس وذهب إلى دير النبا صموئيل , حيث عين رئيساً له , عمره وبنى القلالى المتهدمة فيه , كان محباً للأديرة , فرعى دير السريان , ودير البراموس , ودير الأنبا صموئيل , وبنى دير مار مينا , وبسط محبته على باقى الديرة .
كان البابا كيرلس رجلاً تتمثل فيه فضائل عديدة , فقد كان إنسانا بسيطاً هادئاً , وكان حكيماً عميقاً فى التفكير , كان يتميز أيضاً بالبكاء فى صلاته وفى قداساته , بل أننى أذكر أنه عندما وقعت القرعة الهيكلية على قداسته ليكون بطريركاً , جاء لزيارة وادى النطرون , وعندما اتى إلى دير السريان , طلب منى إلقاء كلمة للأب المختار للباباوية , فتكلمت قليلاً , وإذا به يمسك منديله ويمسح عينيه من الدموع , وتأثرت كثيراً ببكائة أمام جميع الناس .
كان طيب القلب , وإذا غضب أو تضايق , وظن الناس أنه فى ثورة كبيرة تجده للوقت يبتسم , أقل كلمة ترضيه وترجع الإبتسامة إلى وجهه ز
كان الناس يعجبون من صفحة وهدوئه وطيبة قلبه , وكانت له ايتسامة رقيقة يشرق معها وجهه كله , ويشعر الناظر إلى عينية أنه امام أنسان بسيط وليس أمام شيخ فى حوالى العقد السابع من عمره , لذلك كان محبوباً من الكل وله شعبية كبيرة .. حتى أن ألاف الطلبة كانوا يأتون فى ايام الإمتحانات يلتمسون بركته وصلواته , إستطاع فى فترة بسيطة أن تكون له شعبية فوق العادة , فعندما تذهب إلى البطريركية تجدها مزدحمة بالناس .. الكل يأتون إليه طالبين الصلوات أو البركات أو حل المشكلات , كثيرون لم يأتوا إليه لكى يعطيهم آراء عميقة أو صلاة طويلة , وإنما يكفيهم أن يقول لهم كلمة : " إن شاء الهنا يحلها " وهذا يقنعهم أكثر من ألاف الآراء المقنعة .
لذلك عنما تنيح البابا , تعطلت الشوارع المحيطة بالبطريركية من كثرة الناس الذين اتو لألقاء النظرة الأخيرة عليه , عشرات الألوف سدوا كل الطرق حتى أن رجال البوليس يذلو مجهوداً كبيراً يشكرون عليه من السادسة صباحاً حتى الحادية عشرة مساءاً والوفود لا تنقطع , الكل يريد أن يأخذ بركة البابا الراحل , وكان يوم الصلاة على جثمانه الطاهر يوماً عجيباً فى إزدحام الناس .
كان أول بابا فى جيلنا الحاضر فتح بابه لكل إنسان , كل فرد كان يستطيع أن يجلس معه ويكلمه بلا مانع ولا عائق , وهكذا إستطاع بشعبيته وبمقابلته لكل واحد أن يقضى على فكرة حاشية البطريرك , لأن كل أنسان يستطيع أن يعطيه المعلومات اللازمة فى أذنه مباشرة , فيعرف حقائق الأمور بطريق مباشر وليس عن طريق آخر , ولذلك كان يعرف تفاصيل التفاصيل فى كنيستنا المقدسة .
لقد تميز بذاكرة قوية يندر أن يتمتع بها غيرة , ذاكرة تستطيع أن تلم بأشياء يعسر على عقل بشرى عادى أن يلم بها , فكان يعرف كل الخدام ومشاكلهم فى دقة عجيبة , ويذكر كل الذين يقابلونه بأسمائهم , ويسلم على الشخص فيسأله عن حاله بطريقه وثيقة ويشعره بأبوته وإهتمامه بشخصة وبأن له مركزاً خاصاً فى عقل الرجل وقلبه , وكان عجيباً فى هذه الذاكرة , وإهتمامه بكل واحد جعله لا يعطى راحة لجسدة وفكرة , ولذلك ما أن مرت عليه 8 سنوات فى البطريركية , إلا وتكاثرت عليه ألمراض , ولم يعد الجسد قوياً كما كان فى أول عهدة , فالنير الشديد الذى تحمله البابا كان عظيماً وسط تجارب متنوعة وضيقات كثيرة .. أمراض كان يحتملها فى صمت عجيب دون أن يشكو لأحد .. كان المرض يهزة هزات قد تقلق راحة الأطباء المعالجين لقداستة , ومع ذلك لم يتكلم .. وإذا سأله أحد عن صحته قال وهو يبتسم : " الحمد لربنا .. كويس " وكان يؤمن بأن الرب يستطيع ان يتدخل أكثر من الأطباء ويشفى أكثر من الدواء , فى فترات مرضه , كان يحرص أن يسمع القداس الإلهى , لذلك أمر أن توضع سماعة فى حجرته الهاصة تنقل إليه صلوات الكنيسة يومياً .
لم يكن يستخدم كتاباً فى قداساته وصلواته فى كافة المناسبات , لذلك كان يصلى من قلبه , وأعترف أنه يعتبر أستاذاً فى الطقوس الكنسية فى جيلنا الحاضر , وأنتم تعلمون أن طقوس الكنيسة تؤخذ بالتسليم , وكان خبيراً بالكنيسة وطقوسها خبرة عجيبة , وكان قوى الشخصية , وله هيبة عند كثيرين .. وكان وقاره يطغى على الذين يقابلونه كما تطغى عليهم محبته , كان قوى الإرادة عنيفاً متمسكاً فيما أعتنقه ولا يمكن أن يتزعزع , بل راسخا ثابتاً كأنه جبل من الجبال , لا تؤثر فيه ألحداث ولا المقاومات , وإنما يكفى أن يكون مقتنعاً بفكرته , وإستطاع أن ينجح فى كل الأمور التى أمسكتها يداه , وكل الذين وقفوا ضده فى طريقة لم ينجح منهم أحد , كان إنساناً جمع بين الوداعة والقوة , والبساطة والحكمة , والبكاء والحزم , جمع بين امور كثيرة قد يظن الناس أن بين بعضها والبعض الآخر شيئاً من التناقض .
كان البابا كيرلس رجل تعمير فى كل مكان حل فيه , ففى طاحونة الهواء فى مصر القديمة , بنى فيها حاجزاً ومذبحاً , ومهد المكان ليعد فيه , ففى الطاحونة الهواء فى مصر القديمة , بنى فيها حاجزاً ومذبحاً , ومهد المكان ليعد فيه كنيسة صغيرة لحياته الخاصة , وكان يقيم القداس يومياً , ويأتى إليه أحد الشمامسة فى الرابعة صباحاً فى ذلك المكان النائى لكى يشترك معه فى خدمة القداس , وهذا دليل على محبة الناس له .
وعندما ذهب إلى مصر القديمة , بنى هناك كنيسة وبيوتاً وعمر المكان , وأوجد هذه الفكرة الجميلة لرعاية الطلبة الجامعيين فى حضن الكنيسة , فالطالب يحضر القداس اليومى يكون تحت إشراف الراهب ورعايته ويأخذ أعترافه ويوجهه إلى طريق الرب , وتعميره لهذا المكان سبب تعمير المنطقة كلها فإننى أتذكر , عندما كنت ساكناً هناك كانت المنطقة كلها مزارع , وبإنشاء هذه الكنيسة , تشجع كل واحد وأشترى قطعة أرض وبناها سكناً لنفسه وعمر المكان , وصار هذا المكان يشع بالروحانية وله طابع خاص .
وعندما رسم بطريركا إهتم أيضاً بالتعمير , فبنى هذه الكاتدرائية الضخمة التى نقف فيها ألان , بنى الكلية الإكليريكية ومنزل الطلبة الملحق بها , وبنى المطبعة , ورمم الكنيسة المرقسية الكبرى , وبنى فى عهدة عشرات الكنائس الجديدة وبنى دير مار مينا فى صحراء مريوط , وإنتهى من بناء كنيسة متوسطة الحجم وقلالى للرهبان وإستراحة للضيوف , ووضع أساسا لكاتدرائية ضخمة , وكنت أراه بنفسى فى كنيسة مار مينا يقف وسط العمال ويشرف على البناء بنفسه , ويكاد يكون كل مكان من تخطيطه ومن رسمه وإرشاده كشخص خبير فى البناء , كان شعلة من النشاط لا يهدأ , ولا يعطى راحة لنفسه , وكان كثيرون ينصحونه بأن يستريح أو أن يخفف من العمل , ولكنه فى عمق مرضه كان يسأل عن الكنيسة وعن أخبارها , وهكذا قضى الفترة التى تصل إلى حوالى 12 سنة وكأنها جيل كبير مملوء بصالح الأعمال , وبالمفاهيم الصالحة .
ونشر الكرازة فى خارج القطر , سيكتب فى تاريخ الكنيسة القبطية أن أول كنيسة بنيت فى أستراليا وفى كندا وفى الولايات المتحدة والكويت ولبنان وغيرها كانت فى عهده .
كان رجلاً يشجع كل خادم يريد أن يخدم , ومحباً للعلم , وعندما كان راهباً فى دير البراموس , أصدر مجلة أسمها "ميناء الخلاص" , وفى عهد باباويته أنشأ فكرة المطبعة , وعندما يبنى لها مكان خاص وتؤدى رسالتها فى خدمة الكنيسة , سيذكر الجميع فضل البابا كيرلس فى إنشائها , ومهما تحدثنا عن حياة البابا كيرلس , لا نستطيع أن نحصر الأعمال التى قام بها .
لقد إستطاع أن يقيم أسسا راسخة لبعض المعانى والمفاهيم الكنسية , إنه أول بابا إهتم برسامة أساقفة لا مطارنة , مؤكداً هذه الوظيفة المعروفة من القوانين الكنسية والكتاب المقدس , فى عهد من سبقوه , كانت رتبة ألأسقفية قليلة , والكل مطارنة , أما البابا كيرلس , فقد قدم مفهوماً جديداً لكلمة أسقف .
كما قدم مفهوماً جديداً لتلميذ البابا , فإختار شباباً يتميز بالروحانية , والعلم , والخدمة , ليكونوا تلاميذ له , وكل الذين كانوا له تلاميذ له أصبحوا رهباناً .
ووضع نظاماً جديداً للرعاية فى الكنيسة وهو الأسقفيات المحددة , من قبل , كان يصعب على مطارنة الإيبارشيات الواسعة الإلمام بكل أطرافها , فجاء البابا كيرلس ووزع الأسقفيات على مناطق محددة حتى يتوفر لكل منطقة نصيب من الرعاية .
ومهما تحدثناً , فهناك نقطة أخرى لا ننساها , وهى الأعمال التى قام بها بعد نياحته , وهذا التعبير قد يبدوا غريباً , لقد أعد كل شئ لمشروعات عديدة , وربما تتاح لى الفرصة , بصلواته , أن أقوم بهذه المشروعات , ولكننى أشعر أنه هو الذى قام بها , يذكرنى هذا بقصة داود النبى الذى كان يعرف ان ابنه سليماتن غصن صغير , فأعد كل شئ لبناء الهيكل , وأكمل سليمان بناء الهيكل , وسمى هيكل سليمان , والفضل لداود , هكذا فعل البابا كيرلس الذى أعد كل شئ لمشروعاته العديدة تتم بمشيئة الرب بعد نياحته بمجهوده الخاص , وبإعداده , ويرجع الفضل إليه وحده أولاً وأخيراً , ولعل من بينها دير مار مينا الذى أحبه , وملك عليه عواطفه .
وكان يحب القديس مينا محبة ملأت عليه عواطفه , كان يجد لذه فى ذكر أسم مار مينا , كان بينه وبين مار مينا علاقة شخصية , يشعر أنه يتكلم عن شخص له به علاقة قوية ومحبة , فكثير من الكنائس صار فيها مذابح على أسم مار مينا وكنائس بنيت على أسم مار مينا , كان يتخذه شفيعاً له , ولذلك كان يود فى حياته أن يعيش فى هذا الدير طول عمره , لقد قرأت خطابات منه عندما كان القمص مينا المتوحد يطلب إعداد هذا الدير ليعيش فيه بقية أيام حياته .. وكان البابا كيرلس يحب القديسين والملائكة , وله بالقديسين عموما صلة صداقة , ونحن جميعاً من أبنائه الصغار , نشعر بمقدار الفراغ الكبير الذى تركه فى كنيستنا , ونرجو أن يذكرنا فى صلواته وشفاعته , فهو يستطيع أن يخدم الكنيسة فى مستقرة الحالى أكثر مما كان يخدمها فى الجسد .
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
كلمة قداسة البابا شنودة الثالث لنياحة البابا كيرلس السادس
مرت سنوات منذ أن رحل من عالمنا الفان أبونا وسيدنا وراعينا قداسة البابا كيرلس السادس , ونحن نحتفل اليوم بذكراه وبالأعمال الطيبة التى عملها فى الكنيسة وبكل ما خلفه من عمل صالح سواء فى حياته الولى وهو راهب أو فى حياته الكهنوتية عموماً أو فى حبريته المقدسة كرئيس للكهنة جلس على كرسى مار مرقس حوالى 12 عاماً
لعل الرب يعطينى فرصة أن أكمل هذا الأحتفال بكلمة وفاء منا وحباً لهذا الب الكبير الذى تربينا فى كنفه زمناً , وقد قال الكتاب نكرم آباءنا على الأرض , ونذكر مرشدينا الذين أرشدونا فى طريق الرب .
فى الحقيقة حياة ابينا قداسة البابا كيرلس السادس حياة مملوءة بالعمل والبركة من كل ناحية , ومهما تكلمنا عنها لا نشبع .
وعلاقتى بقداسة البابا كيرلس ترجع إلى سنوات قبل رهبنتى , حينما سكنت عنده فى دير مار مينا بمصر القديمة سنتى 1950 - 1951 م قبل أن أترهبن , وما زلت أذكر غرفتى الخاصة فى هذا المبنى وأود أن أزورها فى وقت من الأوقات .
كان الذاهب لزيارة البابا كيرلس نه لا بد أن يحصل على ألاتى : لابد أن يرفع قداسته يده على رأسه ويصلى له صلاة , وأحياناً يقرأ له التحليل , فكنت فى كل مرة أزوره أشعر أنى لازم آخذ صلاة ولازم أخذ تحليل , كما أن كل واحد بيزوره لازم يأخذ قربانة , وأحياناً يصر أن يقدم له الطعام , فكان كريماً جداً فى مقابلة ضيوفه فى ذلك المكان
كنا نشعر بطيبة الرجل وقلبه المحب , وكانت له ايضاً إبتسامة رقيقة جداً وعذبة تجبر كل أنسان على محبته أمام هذه الإبتسامة الحلوة .
وكانت هذه هى الصلة الأولى والمحبة الأولى التى إستمرت فترة طويلة وإلى الان .
ثم حدث أنى ترهبت فى دير السريان , وحينما صار ابونا مينا المتوحد بطريركاً عينت سكرتيراً له مع أخوتى الباقيين , وكان قداسته إختار اربعة منا عملهم سكرتاريين : الأول هو نيافة الأنبا صموئيل , والثانى نيافة الأنبا دوماديوس , والثالث نيافة الأنبا يوأنس وأخيراً أنا .
وكان أول عمل عهد إلى به قداسة البابا هو وضع طقس الجاثليق - جاثليق أثيوبيا .. وقد أستفدت فى وضع هذا الطقس من المعلومات التى قدمت إلى من نيافة الأنبا غريغوريوس ,من الشماس د / يوسف منصور ووضعنا أيضاً صيغة التعهد الخاص بهذه الرسامة .
وفى فترة وجودى سكرتيراً للبابا كيرلس عيننى أيضاً مندوباً له فى كل اللجان التى شكلها لصالح الكنيسة ,, لجنة للرهبنة حوالى 14 من ألاباء الأساقفة , ولجنة شئون الكنيسة ضمت أيضاً العديد من الآباء الأساقفة , ولجنة القوانين الكنيسة فيها كثير من الآباء الاساقفة وكثير من رجال القانون , كان قداسته يعمل كل ما يستطيع من أجل أن يوفر جواً جديداً للكنيسة .
ولعل من النقط البارزة التى رأيناها فيه كبطريرك مسألة الحاشية , فهو أول بطريرك يهتم بأن تكون له حاشية على مستوى قوى ونظيف من أشخاص مباركين , فكان تلميذه الخاص هو الأخ سليمان الذى أصبح فيما بعد ابونا مينا أمين دير مار مينا وحالياً نيافة الأنبا مينا افامينا أسقف الدير .
وكان البابا كيرلس يحب جداً القديس مار مينا فتسمى فى رهبنته يأسم ابونا مينا المتوحد البراموسى , وبنى كنيسة فى مصر القديمة بأسم القديس مار مينا , وحرص على ان يأتى بعظام أو رفات مار مينا , جزء منها فى كنيسته فى مصر القديمة وجزء منها فى الدير .
ثم حرص أيضاً أن يزور الدير الأثرى القديم , وأن يبنى دير مار مينا فى صحراء مريوط , وإشترى لهذا الدير مائة فدان , وبنى الـ 5 أفدنة الأولى دير مار مينا الحالى .
وكان قداستة يحب هذا الدير كثيراً ويذهب إليه , ويقضى هناك شهوراً فى بعض الأوقات , وكان القديس مار مينا العجائبى شفيعة الأول , وإذا حلت به ضيقة من الضيقات يكون اسم مار مينا هو أول إسم امامه للأستشفاع به .
وأيضاً كتب فى وصيته أن يدفن فى دير مار مينا , ولعله أراد بهذا شيئين : أولاً محبته لهذا القديس العظيم .. وثانياً إحياء هذا الدير وتقويته لأن الألاف من أبنائه الذين يزورون الدير فى زيارات متتابعة لابد يهتمون بمكان يحفظ فيه جثمانه الطاهر .
البابا كيرلس بدأ أولاً حياته كراهب محب للوحدة وظل أسم المتوحد يلصق بإسمه إلى أن رسم بطريركاً .
رسم راهباً فى دير البراموس العامر . ثم أنتقل إلى مغارة قرب دير البراموس , ثم جاء إلى القاهرة بعد متاعب لآقاها مع الرهبان , وسكن فى طاحونة فى الجبل , وكان الناس يقصدونه هناك ويحبون هذا الإنسان المتوحد الذى يعيش فى الطاحونة .
وكان البابا كيرلس رجل صلاة يقيم القداس والعشية كل يوم حتى وهو فى الطاحونة فى الجبل .
يعنى جايز لما بقت له كنيسة وبيت فى مصر القديمة بقت ألمور سهلة , ولكن وهو فى الجبل فى الطاحونة كان المر صعباً , ومع ذلك كان الرب يرسل إليه الشمامسة الذين يخدمون معه فى ذلك المكان القصى وينتفعون ببركته .
وقد أعتدى عليه فى إحدى المرات وهو فى الطاحونة , بعض الناس أفتكروا الراجل المتوحد ده ناس كتير بتزورة ويمكن بيتركوا هدايا وعطايا , وحتى بعد هذا الإعتداء إستمر كما هو فى نفس المكان , وإستمر فى نفس القداسات
فى الحقيقة إذا ما أردنا أن نضع صورة رمزية للبابا كيرلس فأحسن صورة إما صورته تحيط به سحابة من البخور أو صورته وهو إلى جوار المذبح , لأن البخور كان دائماً فى حياته , كل يوم عشية بالليل وقداس بالصبح , رفع بخور عشية ورفع بخور باكر , وقداس فى كل يوم .
فهو لم يبتعد عن المذابح والبخور طوال أيام حياته إلا فى فترة مرضه الأخيرة حينما صحتة لم تعد تساعدة .
وحينما كان تحيط به مشكلة كان يلجأ إلى المذبح وإلى القداس , وهكذا كانت حياته فى المشاكل لا يتكلم كثيراً مع الناس وإنما يكلم الرب فى القداس .
وكان بسيطاً .. صفة البساطة صفة جميلة تعطيه كثيراً من نقاوة القلب .. عاش راهباً .. عاش متوحداً .. عاش رئيساً لدير الأنبا صموئيل , عاش أيضاً فى حياة الخدمة وهو راهب , فقد خدم فى أنواع الخدمات التى كانت تقدم من كنيسة مار مينا فى مصر القديمة .
وكان صحفياً أيضاً .. أول صحيفة عملها هو نشرة ميناء الخلاص , وقبل إنتقاله كان فى سبيل إصدار جريدة الضياء , وإن لم تصدر .
وكان رجل ألحان وتسبحة فكان يحفظ القداس عن ظهر قلب , ولم يكن يحب أن يوضع خلاجى على المذبح .
طبعاً قداسة البابا كيرلس لو أحصينا عدد القداسات التى اقامها فى حياته ستكون رقماً خيالياً , ففى كل سنة يصلى حوالى 360 قداساً , يعنى من أول ما أترسم قسيس وطول مدة وجوده كبطريرك صلى ألآف مؤلفة من القداسات , وبالطبع لم يكن محتاجاً لخولاجى أو إبصلمودية أو لأى كتاب من هذه الكتب .
فى حياته كبطريرك نذكر له عدة اشياء عديدة جداً , لعل أول شئ نذكره فى هذا المكان أنه بنى لنا هذه الكاتدرائية التى نجتمع فيها ألان , فى كل مرة ندخل الكاتدرائية نذكر هذا البابا الذى بناها , والحقيقة بناء الكاتدرائية كان شيئاً عجيباً , فكيف يتصور الإنسان أن تتم هذه الأساسات والهيكل الخرسانى فى حوالى 10 شهور , طبعاً رقم خيالى .
القداس الأول الذى أقيم بالكاتدرائية فى شهر يونية سنة 1968 م والذى صلى فيه كثير من ممثلى الكنائس الأرثوذكسية كل واحد بلغته كان مظهراً عجيباً بهذا المجمع المسكونى .
أرض الأنبا رويس قبل عهد البابا كيرلس كانت خلاء لا يوجد فيها سوى المبنى الكبير , أما فى عهده فقد بنيت الكاتدرائية الكبرى ومبنى الإكليريكية , كما بنى أيضاً مبنى الداخلية الخاص بمبيت طلبة الإكليريكية , وحالياً يبيت فيه كثير من ألاباء الأساقفة , وفى أيامنا بنى المقر الباباوى الجديد والميانى المحيطة بالمنارة , لقد تحول هذا المكان الذى كان خلاء ويسكنه عربان فى عشش إلى قلب الكنيسة النابض بأنواع متعددة من الأنشطة , البابا كيرلس كانت له موهبة التعمير , فكما بنى الكاتدرائية ينى أيضاً كنيسة مار مينا فى مصر القديمة , وبنى حولها بيتاً للطلبة المغتربين .
كان المغتربون يجدون عنده المكان المريح والأبوة الحانية والكرم والمعاملة الطيبة والقداسات اليومية والصلوات الليلية , ويعيشون كأنهم فى دير , أو قل كان اول بيت للمغتربين فى دير تحت رعاية أب روحى بهذا الشكل .
عهد البابا كيرلس السادس يتميز ايضاً بمعجزة ظهور العذراء فى الزيتون وما صاحبها من نهضة روحية عجيبة رن صداها فى الخارج , وألفت كتب بالإنجليزية والفرنسية فى كثير من البلاد الغربية , كما تابعت الحدث الجرائد الشرقية والعربية والأجنبية , وكانت مثار حديث عجيب فى كل مكان , وكان الظهور بركة لهذا الجيل .
البركة الأخرى رجوع رفات مار مرقس نتيجة التقارب فى العلاقات المسكونية بيننا وبين كنيسة روما , ولولا هذه المحبة ما كان فى الإمكان أن يعود جزء من رفات مار مرقس لكى يوجد هنا .
كما عاد رفات القديس أثناسيوس الرسولى , وأصبحت هذه الكاتدرائية تضم هاذين الكنزين .
من مميزات عصر البابا كيرلس السادس أيضاً علاقته بأثيوبيا حيث كانت تربطه بالإمبراطور هيلاسيلاسى محبة كبيرة .
أتذكر أننى حينما زرت الإمبراطور هيلاسيلاسى حدثنى فى أحاديثة الخاصة عن محبته الكبيرة للبابا كيرلس , وقال بالحرف الواحد : " أنا كنت معاه أشعر أننى طفل صغير مع اب كبير"
والإمبراطور فى محبته للبابا كيرلس زار مصر فى حبريته خمس مرات , وكان يزور الكاتدرائية ويحضر القداس ويتناول , وكانت العلاقات بين الدولتين تتوطد نتيجة لهذه العلاقات الطيبة .
أول زيارة للإمبراطور هيلاسيلاسى فى عهد البابا كيرلس كانت فى 28 يونيو سنة 1959 م حينما رسم أول جاثليق لأثيوبيا , وكان إحتفالاً دينياً مهيباً رقى فيه المطران باسيليوس لرتبه البطريرك جاثليق , ثم دعى البابا لزيارة أثيوبيا , وزارها زيارتين :
الزيارة الأولى : كانت فى 26 10/ 1960 م وأنتهز البابا هذه الزيارة فإحتفل إحتفالاً كنسياً بالعيد الثلاثينى لتنصيب الإمبراطور هيلاسيلاسى على عرش أثيوبيا , وكان ذلك فى 2 نوفمبر حيث أقام قداساً خاصاً تناول فيه الإمبراطور , ورجع البابا من هذه الرحلة فى 7 نوفمبر .
وكانت فرصة زار فيها جميع أديرة اثيوبيا التى أستطاع أن يزورها , طبعاًُ مش الكل لأن اثيوبيا فيها مئات ألديرة , وقد ذكرتهم فى الزيارة السابقة للبابا يؤأنس والتى مسح فيها ولى العهد أمبراطوراً , وذلك أن الكنيسة كانت تمسح الملك بالزيت المقدس فيصبح الإمبراطور ممسوحاً بالزيت المقدس بواسطة بابا الإسكندرية تماماً كما مسح صموئيل ملكاً فى العهد القديم , وكانت تجرى هذه العادة لأن الإمبراطور هيلاسيلاسى ينتسب إلى نسل داود وتوطدت العلاقة جداً , وكان ذلك تمهيداً لأنعقاد مؤتمر أديس أبابا سنة 1965 م , وسافر البابا كيرلس لأثيوبيا وأستقبل هناك كرئيس دولة , وضربت له المدفعية 21 طلقة , والجيش أستقبله بالتحية , والإمبراطور أسكنه فى مسكنه الخاص .
وفى مؤتمر أديس أبابا أعطى افمبراطور أوسمة لجميع رؤساء الكنائس ما عدا البابا كيرلس لأنه كان قد تلقى من قبل أكبر وسام فى اثيوبيا , ولا يوجد وسام اكبر منه يمكن ان يعطيه الإمبراطور إليه .. ويومها قال الإمبراطور لرؤساء الكنائس : " أعتبروا انكم أخذتم هذه الأوسمة من يد قداسة البابا كيرلس السادس " .. وعاش فى تلك الزيارة فى محبة إخوتنا الأثيوبيين وفى حراسة الأسود فى مقر الأسد الخارج من سبط يهوذا حسب لقب الإمبراطور .
بدأت هذه الزيارة فى 13 يناير سنة 1965 م وأنتهز فيها البابا كيرلس فرصة عيد الغطاس فى 19 يناير فرأس صلاة هذا العيد فى اثيوبيا وعاد فى 27 يناير من هذه السنة فى محبة كبيرة بينه وبين دولة أثيوبيا وإمبراطور أثيوبيا وإكليروس أثيوبيا .
ومن النقط الجميلة التى أحب أن اشير إليها فى هذا المجال أن البابا كيرلس لما زار أثيوبيا أول ما هبط من الطائرة إفتكر أنهم هايودوه القصر ليستريح , لذلك بعدما تمت مراسم الإستقبال قال لهم : " ودونى كنيسة اعمل فيها قداس " .. كان جايب معاه كل حاجه ومستعد للقداس وصايم , حتى القربان كان معاه .
وبدأت العناية الإلهية بأولادنا فى الخارج بزيارات من الآباء الذين كانوا يسافرون لتمثيل الكنيسة فى مؤتمرات فكانوا يفتقدون أبناء الكنيسة المغتربين والمهاجرين ويقيمون لهم القداسات , ثم بدأت الكنيسة فى إقامة كنائس فى المهجر بصفة رسمية أذكر من بينها الكنائس الآتية :
كنيسة فى الكويت وكنيسة لندن وكنيستان فى كندا واحدة فى تورنتو تأسست سنة 1964 م وأخرى فى مونتريال سنة 1968 م .. ثم أسس البابا كنيستين فى استراليا , كنيسة فى سيدنى وكنيسة فى ملبورن - كنيسة فى جرسى سيتى سنة 1969 م وكنيسة فى لوس أنجيلوس , فكان قداسته أول بابا يهتم بأولادنا فى الخارج على مستوى القارات آسيا وأوربا وأمريكا الشمالية وأستراليا .
وفى عهده أيضاً تعمقت العلاقة المسكونية مع الكنائس فى الخارج على مستوى كبير جداً .
وفى الداخل نذكر شيئاً إهتم به البابا فحل مشكلة إستمرت حوالى مائة سنة ألا وهى مشكلة الأوقاف القبطية والنزاع بين الإكليروس والعلمانيين أعضاء المجلس الملى .
ففى عهده وبمفاوضات مع الدوله صدر قرار بقانون سنة 1960 م بإنشاء هيئة الأوقاف القبطية برئاسة البابا وعضوية ستة من الأراخنة وستة من أراخنة الشعب , وبذلك إنتهى النزاع حول الإشراف على الأوقاف .
وإهتم البابا أيضاً بالآثار القبطية وشكل لجنة كان من أشهر إنجازاتها حفريات تل أتريب .
البابا كيرلس السادس أيضاً قام برسامة عشرين من ألاباء الأساقفة والمطارنة , وكان أول من رسم أساقفة عموميين حيث كان يرسم أساقفة بدون إيبارشيات , فرسم ثلاثة من ألاباء الأساقفة العموميين هم : الأنبا صموئيل أسقف عام الخدمات والأنبا شنودة أسقف عام التعليم والأنبا غريغوريوس أسقف عام البحث العلمى والثقافة القبطية , وكان من الإصلاحات التى اجراها قداسته فى الرسامات أنه كسر مبدأ وراثة الأديرة مالإيبارشيات حتى تعطى للصالحين للرسامة بغض النظر عن الأديرة , كما بدأ أيضاً بتقسيم الإيبارشيات الكبيرة مثل إيبارشية الجيزة والقليوبية والدقهلية ودمياط , وعاش قداسة البابا يبحث عن كل شئ يحتاج لرعاية فيقيم له اللجان المتخصصة , فشكل لجنة لرعاية الكنائس وإفتقادها , ولجنة للإحتياجات الكنسية لإستيراد الشموع والبخور والأجراس وغيرها , ولجنة للآثار ولجان علمية أخرى .
وهكذا ظل فى نشاطه الذى يحبه إلى أن مرض مرضه ألخير , وكان يقاوم المرض ويداوم على الصلاة إلى أن منعه الأطباء , نذكر حياته الطاهرة ونذكر علاقته بشعبه ونذكر أيضاً شعبيته , فأول بابا إختلط مع الناس هذا الإختلاط الكامل هو البابا كيرلس , كل يوم بيعمل قداس والناس بيقابلوه فى القداس , يعنى على ألقل اللى مش عارف يقابل البابا كان بيقدر يقابله فى القداس , واللى مش فاضى وقت القداس كان بيروح عشية وبيقابله , فكان من الممكن لأى انسان يقابل البابا ويسلم عليه إما بالليل أو بالنهار , ودى حاجه كانت معروفه , وإن كان هناك شخص يريد أن يتحدث كثيراً مع البابا كان يحضر فى منتصف الليل أثناء التسبحة .
وإلى ألآن لا تزال شعبية البابا كيرلس مستمرة حتى يعد رقاده فى الرب , وما زلت أذكر ذلك الموكب الحزين للناس ممن كانوا يأخذون بركته من جثمانه الطاهر بعد أنتقاله فى بكاء مر وفى عاطفة قوية بأعداد لا تحصى .
نطلب بركة لأنفسنا وللكنيسة ونطلب صلواته عنا ونطلب أن يديم الرب علينا هذه البداية الطيبة التى بداها البابا كيرلس لكى تتابعها أجيال من بعده , ولنفسه الطاهرة كل إحترام وتوقير كأب وراع وإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين .
يقول القديس مار أسحق الذى عشق البابا كيرلس كتاباته وكان يحفظها : أزهد فى الدنيا يحبك الرب وأزهد فيما بين أيدى الناس يحبك الناس , من عدا وراء الكرامة هربت منه ومن هرب منها بمعرفة جرت وراءه وأرشدت عليه الناس "
وعن هذا قال نيافة الحبر الجليل الأنبا غرغوريوس أسقف الدراسات العليا والبحث العلمى : " أنكم إذا عدتم إلى أيام نياحة البابا كيرلس وقرأتم نعى الدولة ورجالها الرسميين لقداسته يبدو لكم جلياً , أنهم لم ينعوه نعياً رسمياً ولكن نعى الصديق والحبيب "كتاب الخدمة والإتضاع فى حياة البابا كيرلس السادس إصدار - أبناء البابا كيرلس السادس ص 25
هل كان البابا كيرلس السادس يعرف يوم وفاته ؟
تصرفات البابا غير المعتادة فى آخر زيارة له لدير مار مينا
فى مايو عام 1970 ذهب البابا إلى ميناء الخلاص وهو دير مار مينا بمريوط , والشئ الغريب أن أن تصرفاته كانت غير معتادة !!! وقد ذكر القس رافائيل أقا مينا تلميذ قداسة البابا وأحد رهبان الدير : " إعتاد قداسة البابا قبل أن يغادر ادير مار مينا أن يجلس مع كل راهب من رهبان الدير , ويتحدث معه ويمنحه البركة ويعطيه هدية تذكارية شيئاً من ملابسة الخاصة , ثم يتوجه إلى الكنيسة الكبيرة حيث يصلى صلاة الشكر ويغادر الدير مبتسماً فرحاً .
ولكن فى مايو 1970 م ودع البابا الدير بطريقة مخالفة تماماً , فقد أستدعى القمص مينا افامينا (أصبح فيما بعد نيافة الأنبا مينا أفامينا رئيس الدير ) أمين الدير وتحدث معه حديثاً قصيراً وهو يحاول أن يغلب دموعه , ولكنها هى التى غلبته , ثم سلمه عدد من القلنسوات بعدد رهبان الدير , ثم توجه إلى الكنيستين الموجودتين بالدير , وعمل تمجيداً للشهيد مار مرقس الرسول والشهيد مار مينا , وكان ممسكاً بصورة القديس مار مرقس كانت معه منذ توحدة بالجبل , وقد حاول قداسته أن يبتسم أمامنا , ولكنه لم يقدر وإنسابت دموعه بغزارة , ولم يجلس مع أحد منا , بل ركب قداسته سيارته ودموعه لم ينقطع سيلها .. لقد رأينا ذلك وتسائلنا : أين إبتسامة البابا ؟ وأين جلسته الطويلة معنا ؟ ولم أهدى لكل راهب منا قلنسوة ؟ .. وأيضاً ما سر دموعه؟ ولم كان يمسك صورة القديس مرقس بيده " القس رفائيل افامينا / حنا يوسف عطا : مذكراتى عن حياة البابا كيرلس السادس
فى يونيو 1970 أختار البابا كيرلس القمص تيموثاؤس المحرقى وكيل بطريركية الإسكتدرية ليكون أسقفاً على كرسى البلينا بإسم نيافة الأنبا يوساب فى 14 من يونيو
فى صباح يوم الثلاثاء 29 سبتمبر رأس صلاة القداس الإلهى وعمل ترحيم لروح الزعيم عبد الناصر وكان غاية فى التأثر والحزن لفقد هذا الصديق .
فى 13 اكتوبر 1970 م تلقى البابا خبر من اثيوبيا بإنتقال الأنبا باسيليوس بطريرك جاثليق أثيوبيا إلى السماء , فأرسل قداسة البابا وفداً قبطيا فى نفس اليوم مكون من : نيافة الأنبا أسطفانوس مطران أم درمان وعطبرة والنوبة , نيافة الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمى , القس مكارى عبدالله كاهن كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بطوسون شبرا .. وذلك لتقديم العزاء للإمبراطور هيلاسيلاسى وللآباء مطارنة وأساقفة الكنيسة الأثيوبية والمشاركة فى الصلاة عليه ..
فى 24 أكتوبر 1970 حينما أصيب قداسة البابا فى جلطة فى الشريان التاجى فى القلب - وأشرف على علاجة فريق من الأطباء برئاسة الفريق رفاعى كامل , كما خصص د / عبده سلام وزير الصحة ثلاثة من الأطباء للعناية بقداسة البابا والتواجد معه ليلاً ونهاراً .. وبعد ثلاثة أسابيع تحسنت صحة البابا ومرت مرحلة الخطر ولكن صدرت ألوامر بمنع الزيارات لحين يستعيد قداسته صحته تماماً , تم تركيب سماعات فى قلاية البابا بالمقر الباباوى لكى يستمع إلى القداس وهو راقد فى فراش المرض .
فى ديسمبر 1970 كانت آخر أفكاره بإنشاء لجنة باباوية لرعاية أسر الكهنة الذين توفوا , وقد منحها قداستة 600 جنيهاً من مخصصاته أعانه لها , كما تبرع بمبلغ 50 جنيهاً لرابطة مرتلى الكنيسة القبطية بالقاهرة .
فى ليلة عيد الميلاد المجيد 1971 م قام قداسة البابا كيرلس السادس بصلاة القداس الإلهى وإستقبلة الشعب بالفرح والزغاريد .
فى الأسبوع الأول من مارس 1971 م أصيب البابا بالإنفلونزا وكان يستقبل أولاده ومباشرة كل مهام الكنيسة وحل مشاكلها وكان مل ما كان يقوله جملتين هما .. " الرب يرعاكم " .. و.. " الرب يدبر أموركم "
يوم الحد 7 مارس 1971 م اقام صلاة القداس الإلهى رغم طلب الأطباء بعدم الحركة حتى يتم الشفاء كاملاً وقد استقبل أولاده وباركهم .
فى يوم الأثنين 8 مارس 1971 م قام قداسة البابا كيرلس بالأتصال تلفونياً بالسيد صلاح الشاهد الأمين الأول برئاسة الجمهورية لتحديد موعد مع الرئيس السادات لتأكيد تأييد الكنيسة القبطية له فى موقف الرئيس تجاه العدوان الإسرائيلى ولكن شكر السادات البابا لمشاعره وترجاه إرجاء الزيارة حتى تتحسن صحته , ولما لم يكن له قوه فى المشاركة أرسل برقية للسادات قال فيها : " سيخلد التاريخ لسيادتكم فى أنصع صفحاته دوركم العظيم فى الحفاظ على السلام فى الشرق الأوسط , ولكن غصرار العدو على التوسع , أغلق الأبواب فى وجه محاولات السلام , ولم يكن أمامكم إلا الطريق المشروع "
وفى صباح يوم الأثنين 8 مارس دخل إليه القمص بنيامين كامل فقال له البابا : " خلاص يا أبونا " فقال له القمص : " يعنى ايه يا سيدنا " قال البابا : " خلاص كل شئ أنتهى " قال القمص : " متقلش كده يا سيدنا .. ربنا يعطيك الصحة وطول العمر " قال البابا : " الصحة .. ! ما خلاص .. العمر .. ما أنتهى .. خلى بالكم من الكنيسة إهتموا بيها وربنا معكم ويدبر أموركم " ثم سلم قداسة البابا للقمص بنيامين سكرتيره بعض الدفاتر الهامة التى لم يتركها لأحد وقال له : " ربنا معاكم يا ابونا " وأعطاه البركة والصليب ليقبله القس رفائيل افامينا /
اليوم الأخير الذى تنيح فيه البابا كيرلس السادس
9 مارس سنة 1971 م
صلى البابا كيرلس صلاة نصف الليل , وفى الساعة 5 صباحاً إستيقظ قداسته فى قلايته صلاة باكر وصلواته الخاصة , وأستمع إلى القداس الإلهى الذى يقام فى الكاتدرائية عن طريق السماعات .
وفى الساعة الثامنة صباحاً كشف د/ ميشيل جريس الطبيب المقيم بالبطريركية على البابا وقرر أن حالته الصحية مستقرة .
وفى الساعة 10 خرج من قلايته إلى صالون الإستقبال وتقابل مع الزوار وصل عددهم 50 زائر منهم بعض الآباء الكهنة , وكان القمص حنا عبد المسيح كاهن كنيسة العذراء بروض الفرج هو آخر من قابلة وقال له : " ربنا يدبركم "
وبعد نصف ساعة توجه قداسة البابا إلى قلايته وأثناء سيره سعر بدوار شديد وكاد يسقط على الأرض بين باب القلاية والسرير , فجرى تلميذه الأستاذ فهمى شوقى ( الأب متياس البراموسى حالياً ) وسند البابا حتى أصعده على السرير , ثم صرخ منادياً د/ ميشيل الذى دخل إليه مسرعاً وحاول تدليك القلب إذ أصيب بهبوط حاد , وفى ذات الوقت تم الإتصال بالأطباء الذين الذين توالى حضورهم , وتم إبلاغ وزير الصحة الذى كان بالإسكندرية فأمر بنقل الأجهزة اللازمة الموجودة بعهد القلب , كما طلب إبلاغه تطورات حالة قداسة البابا الصحية أولاً بأول .
أما آخر كلمات البابا كيرلس السادس كانت : " الرب يدبر أمـــــــــــوركم " وأسلم روحه الطاهرة لتصعد حاملة أعماله الحسنة ليقدمها للرب وكان ذلك فى تمام الساعة العاشرة وأربعين دقيقة من صباح 9 مارس 1971م .
وقد توقفت ساعة البابا كيرلس الخاصة عند لحظة أنتقاله إلى السماء , وهى معروضه فى مزاره الخاص بدير مار مينا بمريوط .
الشعب القبطــــــــــــــــــى يودع راعيـــــــــــــــة
قام بتحنيط جسد البابا الأنبا كيرلس السادس ودهنه بالطيب الأطباء الأقباط شفيق عبد الملك , ومشيل أسعد , ويوسف يواقيم , وميشيل جرس .. ثم البسوه الملابس الكهنوتية وأضيئت الشموع حول الجسد المسجى .. ووقف المطارنة والأساقفة يتلون المزامير , ثم حملوه بدموع تنهمر من عيونهم وأجلسوه على كرسى مار مرقس رسول المسيح إلى أرض مصر بالكنيسة المرقسية الكبرى لكى يلقى شعبه القبطى نظرة الوداع الأخيرة , ويقدر عدد الذين ألقوا نظرة الوداع 75 ألفاً وكنت أنا الضعيف راكبا الأتوبيس ولم أعرف موضوع ألقاء نظرة الوداع وإذا بسيدة رأت الصليب مرسوم على يدى فقالت تسألنى : هل هذه محطة كلوت بك فقلت نعم فقالت : " أنا رايحة اشوف البابا كيرلس لأنه تنيح , ثم مالت على أذنى وقالت لقد قال لى ستحملين وستلدين ولداً وتسميه مينا " وكانت المرأة حامل , ونزلت بدافع الفضول لأرى انا كمان البابا كيرلس ووجدت الطابور أمام باب الكنيسة المرقسية يمتد لأميال ووجدت أبنى عمى يقف فى الطابور فوقفت معه أتكلم وقلت اروح لأن الطابور طويل وإذا بعربية نقل من البلدية تقف أمام باب الكنيسة ويطلبون مساعدة الناس فى نقل قصارى ورد أحضرت خصيصاً لتجميل المكان لحضور بعض الشخصيات الهامة والسفارات .. ألخ فحمل أبن عمى واحده وحملت واحدة ودخلنا ووضعنا قصارى الورد حيث يضعها العمال فى اماكن ظاهرة ودخلنا فى الطابور الداخلى الداخل إلى الكنيسة ورأيت جسد البابا مسجى وعينه مفتوحه فلم اهتم ولكن عند قرائتى لأحدى المعجزات وجدت ان إحدى النساء شافت عينه مفتو
الصلاة على جثمان البابا كيرلس الراحل
ووضع جثمان البابا فى صندوق فاخر من خشب الساج الذى لا يسوس مبطن من الداخل بقماش أبيض ثمين وفتحته العلوية من البلور المتحرك , وكان إشتراه أحد المحال الكبرى لدفن الموتى من لبنان ووصل مصر يوم 8 مارس وكان شيئاً غريباً أن يتواجد مثل هذا الصتدوق فى مثل هذا الوقت - فى الصورة المقابلة الصندوق يحمله الكهنة فى طريقهم للكاتدرائية الكبرى بأرض الأنبا رويس بالعباسية
وفى الساعة الخامسة صباحاً فى يوم 11 مارس 1971 م نقل الصندوق وبه جثمان قداسة البابا كيرلس السادس إلى الكاتدرائية الكبرى بأرض الأنبا رويس وأستقبله الآباء المطارنة والأساقفة والكهنة والشمامسة بالألحان المناسبة , ووضع أمام الهيكل الرئيسى على منضدة خاصة .. وهنا ألتف حول الصندوق رهبان دير مار مينا وهم يتلون الصلوات والمزامير والدموع لا تتوقف من عيونهم .
وتوافد الألوف من الشعب القبطى للكاتدرائية بأرض الأنبا رويس وأمتلأت الكاتدرائية التى تسع الألاف وأمتلأ المقدمة أمام الكاتدرائية وحولها الكاتدرائية بألاف أخرى ولم يكن هناك موضع لقدم .
وفى الساعة الثالثة بعد الظهر بدأت صلوات طقس تجنيز الآباء البطاركة , وبدأ كبار رجال الدولة والسفراء الحضور لمشاركة الأقباط حزنهم لفراق راعيهم الصالح .
وألقى نيافة الأنبا أنطونيوس مطران سوهاج وقائمقام بطريرك كلمة عن البابا الراحل بالدموع والبكاء: " قال الوحى الإلهى : " عزيز فى عينى الرب موت أتقيائة " أعنى أن الرجال الأتقياء أو الذين يتقون الرب غال جداً فى عينى الرب موتهم , ولكن هذه هى إرادة الرب التى نخضع لها , لأن الرب فعل ..
لقد كان البابا كيرلس السادس له الشخصية الشيعى بالنعمة والبركة المملوءة رحمة وطهارة وأثماراً صالحة.
فعسير هلينا أن نقف لنرثيه .. عسير علينا أن نلقى نظرة الوداع على جثمانه الطاهر المسجى بيننا فى هذه الكاتدرائية العظيمة التى شيدها والتى يبذل الجهد عزيزاً ليتم بناؤها ويدوى بين ربوعها رنين أجراسها كما ترتفع الأصوات الملائكية من الشعب بالصلاة .
كانت ساحة البابا كيرلس السادس متسعاً للجميع , وكان بابه مفتوحاً على مصراعية , للفقير قبل الغنى والصغير قبل الكبير , كان يقابل الجميع بترحاب ويصغى إليهم فى أناة وحب , لا تفارق الإبتسامة شفتيه ..
وكثيراً ما كان ينصحة أطباؤه بألا يرهق نفسه بتلك المقابلات التى لا تنقطع , وكان رجلاً والرجال قليل .
كان البابا الراحل محباً للسلام : " طوبى لصانعى السلام لأنهم يدعون أبناء الرب " .
وكان نشيطاً يعمل دائماً من أجل الكنيسة , وتسامعت الكنائس بنشاطه وبره فسعت إلى تعزيز صلاتها بكنيستنا ودعته لزيارة كنائسها وبلادها , ولكن عمله كان يشده دائما إلى حقله , يتعده بالغرس والصقل حتى يمن الرب عليه بالنمو الصالح .
ولم تقتصر زياراته على القاهرة والأسكندرية أو الأقاليم فى مصر , بل خرجت وأمتدت إلى الكرازة المرقسية , فزار أثيوبيا أكثر من مرة , ورحب به جلالة الإمبراطور هيلاسيلاسى الأول , ترحيباً كبيراً , وفرح وهلل بزيارته مطوب الذكر البطريرك الجاثليق فى أثيوبيا ورجال الأكليروس والشعب , وأحسو فى قربه الأبوة الروحية الغامرة , وشعروا انهم أمام أب يعطف على ابنائة جميعاً , ولا يضن عليهم بثمرة حبه
وأقام فى عهده كنائس كثيرة فى ربوع الكرازة المرقسية وفى أمريكا وأستراليا وغيرها , وعمرت أديرة بما لا يتسع المجال لذكره الآن .
وأقام فى عهده كنائس كثيرة فى ربوع الكرازة المرقسية وفى أمريكا وأستراليا وغيرها , وعمرت الأديرة بما لا يتسع المجال لذكرة الآن .
وتوج الأعمال بتشييد هذه الكاتدرائية القبطية بتعزيز رئيسنا الراحل الخالد جمال عبد الناصر , وقد آزره صاحب الجلاله الإمبراطور هيلاسيلاسى , والشعب القبطى
والآن .. نحن نودع ابنا وحبيبنا وسيدنا البابا المعظم الأنبا كيرلس السادس .. لقد غادر هذه الديار وأنتقل إلى الأمجاد السماوية حيث ينعم بجوار السيد المسيح وأعماله العظيمة تتبعه .
فإن فارقنا بروحه , وإن الجسد يرجع إلى معدنه الذى أخذ منه , إلا أنه خالد لا ينسى , ولن ننساه , ولن ينسى الوطن , ولن ينساه أحباؤه .
راقد على رجاء القيامة . فنم ياسيدى مستريحاً تتبعك أعمالك , ونحن ندعو الرب بشفاعتك وبصلواتك التى نرفعها أمام العرش الإلهى , إذكرنا ولا تنسانا , أذكر كنيستك لكى يرعاها الرب ويسوسها وبخدمها ويفلحها , ويقيم الراعى الصالح الذى يتبع خطواتك .
إلى المثوى الأخير
وحمل الأباء المطارنة والأساقفة والكهنة والشمامسة بحمل الصندوق الذى يحوى جثمان راعى الرعاة ورئيس الكهنة البابا كيرلس السادس ودخلوا به إلى الهيكل وطاروا حوله طورة ثلاثية يرددون الألحان الجائزية الحزينة ثم خرج الموكب إلى صحن الكنيسة وعلا صراخ الشعب وبكائة وخرجوا من باب الكاتدرائية الجانبى وهبطوا السلم إلى البهو السفلى حيث توجد المقبرة التى أعدت بسرعة ودفن بها والكلى يصلى فى بكاء على باباه الراحل .
فى ذكرى الأربعين
فى يوم 17 أبريل 1971 م وافق مرور أربعين يوماً على نياحته ووافق سبت الفرح ايضاً وليلة عيد القيامة .. وحيث أنه طبقاً لطقوس الكنيسة لا يجوز عمل جنازات فى أسبوع الألام وحتى عيد القيامة لأنه يخصص للسيد المسيح فقرر ألاباء أن يكون ألإحتفال يوم الجمعة 23 أبريل 1971 م بالكاتدرائية المرقسية الكبرى , وفى مساء الساعة الرابعة من مساء الذى قرره ألاباء بدأ صلوات الأربعين للبابا كيرلس السادس بحضور الآباء المطارنة والأساقفة , وقد حضر الأستاذ صلاح الشاهد كبير أمناء رئاسة الجمهورية ذكرى الأربعين نائباً عن الرئيس أنور السادات وحضر عدد كبير من رجال الدولة والسفراء .
وكما هو معروف فى ذكرى الربعين وضعت صورة كبيرة لقداسة البابا كيرلس السادس أمام الهيكل.
وبعد الإنتهاء من الصلوات القى نيافة الأنبا انطونيوس مطران سوهاج وقائمقام بطريرك كلمة تعزية قال فيها : " يا حضرات الآباء جميعاً .. يعز على اليوم أن اقف متحدثاً عن اب كريم تمتعنا جميعاً بحبه وبركاته وشاء أمر الرب إلا أن يأخذه منا .
وما يسندنى فى وقفتى هذه سوى أننا لسنا نشيعه بجسده العزيز فى الثرى راقداً بقدر ما نودعه بروحه السامى إلى مدارج العلا صاعداً , وليس كمن إنتفى وجوده بيننا , بل كمن إختفى عن أعيننا وهو موجود معنا دائماً , ذلك لأننا نؤمن أن الذين يرقدون فى الرب ينضمون إلى كنيسة ألأبرار التى هى كنيسة من هم بلا جسد الذين نشترك معهم بالروح والعقل مرتفعين فوق مادية هذا الجسد مثلما قال الكتاب المقدس " لأنكم لم تأتوا إلى جبل ملموس مضطرم بالنار وإلى ضباب وظلام وزوبعة , بل أتيتم , إلى مدينة الإله الحى أورشليم الماوية وإلى ربوات هم محفل ملائكة وكنيسة أبكار مكتوبين فى السموات وإلى اللإله ديان الجميع وإلى أرواح أبرار مكملين "
ذلك هو صاحب هذا الرسم , أبونا القديس جزيل الطوبى مثلث الرحمات البابا كيرلس السادس فقيد الكنيسة المحبوب والوطن المفدى .
لست أعلم من أين أبدأ الكلام عن مناجاتك , أبدأ منذ زهدت فى الدنيا وأيقنت ان ملازمة الرب خير ملازمة العالم , بإخلاص تام وبقوة ويقين أدرت ظهرك للعالم ووليت وجهك نحو الصحراء , ففتح الدير أبوابه لك على مصراعية , ولكنك سرعان ما خلوت إلى شق فى صخر الجبل حاذياً حذو السلف من المتوحدين , ولم تكن خلوتك إلى فترة أرضيت فيها نزوة عابرة بل كنت بداية للطريق الذى رسخت فيه إلى نهايته , أم أذكر ذهابك إلى سوهاج إلى دير القديس العظيم الأنبا شنودة رئيس المتوحدين , سلام الرب عليه , ومكثت فى مغارة فى الجبل الغربى بسوهاج .
أم أذكر كيف كنت فى صومعة بجبل المقطم بمصر القديمة نائباً عن العالم , وما كان سيدنا القدوس العلى فى كل هذا إلا راعياً محباً لك وما كان القديسون العليون إلا رفاقاً وحماة لك , فكان الرب القدوس فى تعبدك الحار يعمق أساسك ليأتى بك يوماً إلى الخدمة , وكان الناس فى إبتعادك عنهم يزدادون إقتراباً منك وقصداً إليك طالبين البركة باثين الشكوى , ملتمسين البرء " لأن صلاة البار مقتدرة فى فعلها"
أم أذكر وقد أختارك لرعاية كنيسته فإزدحموا حولك , ولم تضق بهم ولم تنهرهم , بل كنت ترد من أراد أن يردهم عنك وبوجه ملؤه الحب والإبتسام , وقلب ملؤه العطف والحنان , وروح كلها صلة وإيمان , صليت وخدمت , جاهدت وثابرت فى الليل والنهار , فى الإنفراد ومع الجماعة بأقصى جهد إلى آخر لحظة من حياتك الغالية , حتى إذا جاءت اللحظة المعلومة عند الرب أسترقت روحك الطاهرة إلى العلا وأنت واقف فى الميدان والناس من حولك لا يدركون ما حدث .
زاره كثير من رؤساء الكنائس الأجنبية وأختم بالحركة المسكونية , كان على مؤتمر الكنائس الشرقية بأديس ابابا , بعث ممثلين إلى المحافل الكنائسية العالمية وكان فى كل هذا عاملاً من أجل الإيمان بالرب ومن أجل الإيمان بالمثل الهليا ومن أجل الإيمان بالخدمة الأمينه للوطن الغالى ..
إلا سلاماً وإجلالاً له أمام الرب عابداً خاشعاً .
إلا سلاماً وإجلالاً له بين الناس راعياً حانياً .
إلا سلاماً وإجلالاً له خادماً وطنياً أميناً
كان اه أثره فى تعاطف الكنائس مع مصر والعروبة , وكانت له جولاته فى الدفاع عن الوطن العربى وإعلان كلمة الحق أمام الظلم والإعتداء .
إلا سلاماً له فى كلماته وإعلاناته ونداءاته ورسائله التى عممت إلى كبار القادة العالميين فى أقطارهم البعيدة الذين كان يخاطبهم فى شتى المناسبات إلى ابنائنا الجنود البواسل حاملى السلاح الذين كان يراسلهم بإنتظام , وآخر رسائلة لهم العدد الضخم من الأناجيل الصغيرة التى أرسلها لهم بمناسبة عيد الميلاد المجيد الماضى
جنودنا فى قلبه وصلاته .. وهنا لى وقفه .
صدقونى لقد كان مريضاً محتاجاً للراحة ولكنه ابى إلا أن يوقع بيده الكريمة على كل أنجيل من هذه الألاف المرسلة غلى ابناءه .
كم كان محباً لأبناء الوطن , كم كان رائداً للوحدة الوطنية , كم كانت علاقته وثيقة طيبه بالهيئات والأفراد , كم أحب الرب والناس , وكم أحبه الرب والناس .
جاء لتوديعه الوداع الأخير الألوف من أبناء مصر والعالم , وكانت تلك لحظات لامعة من الزوايا الروحية التقوية والأخوية والوطنية والإنسانية العالمية .
أيها الأعــــــــــزاء .. كم أقص عن أن أتكلم عنه ولكننا لم نفتده بل كسبته السماء وكسبناه شفيعاً جديداً لنا امام عرش النعمة , ورائداً لنا فى السماء , ذكره يبقى إلى الأبد ويبقى معنا للبركة .
إلا فإسمحوا لى أيها السادة أن اتقدم عن نفسى وعن أعضاء المجمع المقدس وعن الإكليروس والشعب القبطى بأخلص الشكر على تكرمكم بالإشتراك معنا فى الإحتفال بذكرى فقيدنا العظيم لكم جميعاً مثوبة مجاملتكم داعياً لجميعكم بالبركة والصحة والسعادة وأن يلهمنا الرب نعمة العزاء .
أبقى الرب حياتكم هانئة سعيدة , ولإلهنا كل مجد وإكرام وسجود من ألآن وإلى البد آمين .
ثم ألقى بطريرك الأقباط الكاثوليك أسطفانوس الأول كلمته وبعده القس لبيب مشرقى رئيس الطوائف الإنجيلية ثم المهندس إبراهيم نجيب رئيس لجنة الأوقاف , ثم كلمة نيافة الأنبا أثناسيوس أسقف بنى سويف والبهنسا وسكرتير المجمع المقدس بإلقاء كلمة شكر لكل المشاركين فى هذه الصلوات وإلقاء الكلمات عن البابا الراحل كيرلس السادس .
تنفيذ وصية البابا كيرلس السادس
هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك
فى عام 1964 م كتب وصيته بخط يده ولما كان يحب مار مينا فقد إشتاق لأن يدفن فى ديرة العامر بمريوط بالرغم من أنه اسس أكبر كاتدرائية فى الشرق الأوسط ولكنه لم يغير وصيته ليدفن بها
وصية البابا كيرلس السادس
بإسم الآب والإبن والروح القدس إله واحد آمين
وصيـــــة
أنا الموقع أدناه بإمضائى وختمى وخطى المدعو بنعمة الرب كيرلس السادس أوصى بما هو آت :-
1 - مساحة الـ 50 (خمسون) فدان بصحراء مريوط وما عليها هو ملك لدير مار مينا العجائبى .
2 - قطعة الأرض التى بتفتيش السيوف الإسكندرية .
3 - قطعة الأرض الكائنة بكينج مريوط .
4 - العقار الكائن بمحرم بك بالإسكندرية .
5 - جميع العقارات والأرض والكنيسة بمصر القديمة .
جميع هذه ملك لدير مار مينا العجائبى بصحراء مريوط .
كما أوصى أنه بعد إنتقالى ووفاتى , يدفن جسدى بالمدفن الذى تحت الكنيسة بدير مار مينا بصحراء مريوط , يدفن بالملابس التى تكون على جسدى ولا لزوم لغيرها .
كل من أطلع على هذه الوصية ولا يعمل بها يكون محروماً من فم الثالوث الأقدس الآب والإبن والروح القدس وفم الرسل والقديسين وفم حقارتى ويكون على شمال المسيح , وعلى أبن الطاعة تحل البركة
الإمضاء
كيرلس السادس
وقرر البابا شنودة الثالث وفاءً للبابا الراحل تنفيذ وصيته أن ينقل جسده الطاهر إلى المكان الذى أحب أن يدفن فيه فى ليلة عيد القديس مار مينا .
وفى ظهر الأربعاء 22 نوفمبر 1972 م أخرج الصندوق الذى به جسد البابا كيرلس السادس من مدفنه المؤقت تحت الكاتدرائية المرقسية بأرض الأنبا رويس ووضع أمام الهيكل للمرة الثانية .
وقام برفع صلاة بخور العشية قداسة البابا شنودة الثالث وكثير من الآباء المطارنة والأساقفة والكهنة والشعب , وألقى البابا شنودة الثالث عظة قال فيها : " .. البابا كيرلس يرتبط تاريخة , بحدث هام ينسب إليه , وهو إنشاء دير القديس العظيم مار مينا العجايبى , وفى الحقيقة إن البابا كيرلس إغتبط قلبه بهذا الدير إغتباطاً فاق الوصف , وهى النقطة التى أريد أن أتكلم عنها اليوم .
ففى رهبنته كان أسمه مينا المتوحد , وأحب هذا القديس الذى أخذ إسمه , محبة كبيرة , ورغم أنه كان من دير البراموس , إلا أن قلبه إلى دير مار مينا , وعندما أضطر إلى ترك مغارته فى الجبل بنى ديراً بإسم مار مينا لمحبتة لهذا القديس , وأصبح كل من يذهب إلي المنطقة يزور دير مار مينا , ويأخذ بركة القمص مينا المتوحد , وعندما كان فى كنيسة مار مينا بمصر القديمة التى عاش فيها زمناً طويلاقبل الزمن الذى قضاة فى الباباوية كان فى نفس الوقت يسعى فى السكنى فى منطقة مار مينا بمريوط , وإتصل بجمعية مار مينا بالإسكندرية , وبالأخص د/ منير شكرى لعمل الإجراءات ليعيش فى مار مينا .
وعندما بدأت الصلاة بمنطقة دير مار مينا تهلل قلبه جداً , وكان قد بدأ بهذه الصلاة الأنبا ثاؤفيلس قبل أن يكون هناك دير , وكانوا يصلون فى العراء فىالمنطقة الأثرية .
ولما جلس البابا كيرلس السادس على كرسى مار مرقس , أهتم بدير مار مينا إهتماماً كبيراً , وبدأ ينشئ هذا الدير
وفى الواقع إن العمل الذى قام به هذا الدير هو عمل عجيب جداً , يدل على إقتناع عجيب بالفكرة , وإصرار , وتصميم على إنشاء الدير , إذ لم يكن بالأمر الهين إحضار مواد بناء والماء , فكانوا يحضرون الماء من قرية بهيج
نذكر بالشكر فى هذه المناسبة المقدس شاروبيم أقلاديوس , وأخاه المقدس فرج أقلاديوس على تعبهما .
البابا كيرلس بنى أستراحة له فيها مسكن , وحجرات وضيافة , وكنيسة صغيرة ثم كنيسة أكبر بثلاث مذابح , ثم بنى سوراً ضخماً يضم حوالى 15 فدانا فى داخلة , وهى مسألة ليست بالعمل الهين , وسمح له ببعض الأحجار من المنطقة الأثرية , ثم بنى بيتاً للخلوة للآباء الكهنة بمساعدة نيافة الأنبا صموئيل , وبنى بعض غرف لإستعمالات العامة .
وبدأ يزرع تلك المنطقة , وهو فى الواقع يعتبر المؤسس الحقيقى الكبير لدير مار مينا فى عصرنا الحاضر , كل ذلك لمحبته فى دير مار مينا , ووضع أساس كاتدرائية كبيرة فى تلك المنطقة , مساحتها تقريباً حسبما أذكر ثلاثة أمثال الكنيسة الكبيرة الموجودة فى الدير , وفى هذه الكنيسة أراد أن يدفن .
لا حظوا هذا الإهتمام الكبير فى قلب الصحراء , ليس للإنشاء فقط و ولكن من حيث الرهبان , فكان يستعير بعض الرهبان من دير السريان , ثم رسم به رهباناً جدداً , واخذ موافقة المجمع المقدس بهذا الدير , وكان فرحاً بهذا العمل .
وكلكم تعلمون أنه كان يقضى شهوراً طويلة بهذا الدير , فهو مكان خلوته والمكان الذى يذكره بأسمه القديم (مينا المتوحد) أحب هذا المكان جداً , وكشخص متوحد , كلما إزدادت عليه الضغوط الخارجية , كان يلوذ بهذا المكان .
كان يريد أن يجعل مار مينا يحظى بإهتمام الكل , فأنشأ على أسمه مذابح كثيرة بالكنائس , بل أن احد المطارنة الأوائل الذين رسمهم فى أول رسامته بطريركاً كان بإسم "مينا" مطران جرجا .
وجعل صناديق التبرعات لهذا الدير بكنائسة بالإسكندرية , وكان يشغله هذا الأمر جداً , وأتذكر أننا فى كل مرة نطلب أذنا لزيارة مارمينا كان يتهلل , ويظهر ذلك فى ملامحة , وربما كنا نطلب أشياء أخرى ويرفض , ولكن زيارة مارمينا كان يتهلل لها ويفرح ز
وهذه المحبة الكبيرة بينه وبين هذا القديس جعلته يكتب فى وصيته أن يدفن فى دير مارمينا , ووضع حروماً شديدة لمن يخالف هذه الوصية , وتظهر هذه الوصية أهتمامه بدير مار مينا , فذكر الخمسين فداناً .. وأشياء كثيرة لدير مارمينا , وهذه محبة كبيرة لهذا الدير , وتعلق قلبه به وأن يدفن بالمدفن الذى تحت الكنيسة بدير مارمينا .
وعلى الرغم من أنه بعد هذه الوصية أسست الكاتدرائية الجديدة بالأنبا رويس , ورغم حضور جسد مار مرقس , ولكنه إستبقى الوصية كما هى , بل أسس مقبرة له تحت هيكل الكنيسة الجديدة بالدير , وذلك قبل وفاته بشهور , وظل على إصرارة , لم تكن القاهرة كلها تملئ قلبه مثلما تملأ قلبه صحراء مريوط , وهدوؤها .
وعندما رقد فى الرب فى 9 مارس سنة 1971 م - لم نتمكن من تنفيذ وصيته , لأن المقبرة لم تكن تمت , ولم يكن ممكناً أن نأخذ الألوف من أحبائة الذين يريدون أن يودعوه يوم وفاته أن نأخذهم إلى مريوط , ولذا دفن مؤقتاً فى القاهرة , وفعلاً جهزنا المقبرة تجهيزاً جميلاً , وهى مكسوة بالرخام , وفى منتهى الفخامة , وجعلنا فيها متحفاً توضع فيه الأشياء التى تذكرنا بالبابا كيرلس , وكان علينا أن ننتظر سنة من الناحية الطبية , وإنتظرنا عشرين شهراً حتى تم إعداد المقبرة , وترتفع الكنيسة الآن حوالى 4 أمتار , وأيضاً بنيت الهياكل , وقد صلينا فى هذه الهياكل فى عيد مارمينا السابق 22/ 6/ 1972 م .
ونظراً لأن الكنيسة تحتاج لسنوات لكى تتم وربما أنه أراد أن يزداد عمار دير مارمينا , لأن الألاف سوف تذهب إلى ذلك الدير لوجود جسد البابا فيه , أن منمحبته فى مرا مينا أراه أن يرقد فى مار مينا , وفى رقادة سبباً فى عمار دير مار مينا .
وكثير من باباواتنا دفنوا فى الديرة , دير القديس مكاريوس , توجد به مجموعة كبيرة من اجساد البطاركة .
ودير النبا رويس به أربعة من البطاركة عن يمين جسد الأنبا رويس .
ولا شك أن دير مارمينا هو أحق مكان ليدفن فيه جسد البابا , فهو منشئ الدير وكؤسس الدير , فهو الذى بنته , وجمع رهبانه , وبنى أسواره .
لا شك أن هذا الدير يرتبط بالبابا كيرلس , ولولا محبة البابا كيرلس للشهيد مارمينا لأسميناه دير البابا كيرلس , وشعب الأسكندرية لا يفرق بين تسميته دير مارمينا ودير البابا كيرلس , وكان إذا إعترضهم أحد يقولون أنهم فى دير البابا .
وفاء منا نفذنا هذه الوصية , ونحن نعلم أن كثيراً من القديسين كانوا يوصون أن تدفن أجسادهم فى أماكن معينه مثل : أبينا إبراهيم أب الآباء , وأعد المكان الذى يدفن فيه قبل أن يموت , ويوسف الصديق أحد الأثنى عشر الآباء البطاركة , أوصى من جهة عظامة أن تدفن فى الموضع الذى أراده .
ونرى فى قصة النبا بيشوى , والأنبا بولا الطموهى أنهما أصرا أن يدفنا معاً فى نفس المكان , ولما افترقا وقفت السفينة , ونعلم عن هذا القديس آخر برك الجمل عندما أرادوا يدفنوه فى غير المكان الذى يريده .
فليستريح بابانا العزيز فى مكانه الذى احبه لنفسه , والذى وجد فيه راحته وهدوء , وسلامه القلبى , ووجد فى رحابه حياة الرهبنة والوحدة التى كانت تجرى فى دماءة المقدسة .
باكر سينقل الجسد إلى دير مار مينا , ونصلى القداس بعد الظهر وسأسبق سفرة لكى أكون فى إستقباله هناك , وسيطاف به الدير بالتهليل , والتسبيح كما يليق بالآباء البطاركة .
نجو لقداسته نياحاً فى فردوس النعيم فى الموضع الذى هرب منه الحزن والكآبة والتنهد , ونرجو أن يذكرنا فى صلواته , وبركاته , وقداسته التى عاش بها .
جسد المتنيح البابا كيرلس السادس فى دير مارمينا
وفى يوم 23 نوفمبر 1972 م تحركت الكثير من العربيات والأتوبيسات ترافق جسد البابا كيرلس من الكادرائية المرقسية بالأنبا رويس ومنه إلى كلوت بك مقر البطريركية القديمة ثم واصلت رحلتها فى الطريق إلى دسر مارمينا
وعند وصول الجسد حمل الآباء رهبان الدير جسد أبيهم الطاهر إلى داخل كاتدرائية مارمينا حيث وضعوه أمام الهيكل , وصلى قداسة البابا شنودة الثالث والآباء المطارنة والأساقفة صلاة عشية , ثم نزلوا بالجسد إلى مزارة والمكان الذى أعد خصيصاً له أسفل الهيكل حيث وضعوه فى المقبرة وسط صلوات وتسابيح الآباء الحاضرين طوال الليل , وأقيمت القداسات الإلهية ثم ألقيت الكلمات عن هذا البطريرك الطوباوى .
وتبارك جميع الحاضرين من جسد البابا كيرلس السادس , وتم تغطية المدفن بالغظاء الرخامى الذى كان معداً من قبل ..
وقد سجلت الكنيسة يوم 23 نوفمبر هو العيد السنوى لنقل جسد البابا كيرلس السادس
كلمة نيافة الأنبا شنودة - أسقف التعليم فى الإجتماع الإسبوعى بالكاتدرائية الجديدة بالأنبا رويس - الجمعة 12 مارس 1971 م
فى الواقع لم أحضر هذا اليوم لألقى عليكم عظة إنما لأعزيكم فى نياحة أبينا الطوباوى المكرم الأنبا كيرلس السادس
ليس أمراً هيناً على الكنيسة أن تفقد الأب الأكبر لها الذى تسميه الكنيسة بألقاب عديدة فنقول فيها أنه أب الاباء .. وراعى الرعاة .. ورئيس الالكهنة .. ورئيس الأساقفة ,, ورئيس المجمع المقدس .. وخليفة الرب ونائبة على الأرض .. وثالث عشر الرسل .. وليس هيناً أن تودع الكنيسة شخصاً كبيراً من هذاالنوع فى صمت وهدوء البابا فى الكنيسة هو أكبر شخصية تذكرة فى صلواتها فى رفع بخور عشية وباكر والقداس والألحان الكنسية والتسابيح بل حتى أثناء تقديس الأسرار الإلهية عند تقديم الحمل , فى كل وقت البابا يشغل الكنيسة وتنشغل به طالبة من الرب له حياة مديدة وأزمنة سالمة هادئة وأن يحفظة لنا , هذا من ناحية الشعب وتذكار الكنيسة له .
أما من ناحية البابا كيرلس بالذات فقد كانت له فى الكنيسة مكانة خاصة , بدأ حياته الرهبانية كراهب صادق الرهبنة ترهب وهو صغير ثم عكف على الوحدة , ثم سكن فى مغارة قرب دير البراموس وأنا زرتها بنفسى , ثم أنتقل إلى طاحونة قرب مصر القديمة وتعبد فيها سنوات طويلة ثم توحد فى كنيسة خاصة به بناها بنفسه وأشرف على الفعلة بنفسه وعاش فيها متوحداً حتى أن السنوات الطويلة من سنة 1944 م إلى 1959 م لا أذكر أنه خرج من ذلك المكان إلا لكى يعمل عملية جراحية فى وقت ما حتى لقب بالقمص مينا المتوحد , وفى وحدته كان رجل صلاة ربما حوالى 35 عاماً من الزمان كان يقيم قداساً كل يوم , لم ينقطع يوما ما عن القداسات طول هذه المدة , وكانت صلواته تخجل الناس , رجل كبير فى السن فوق الستين أو قارب السبعين يصحو كل يوم حوالى الساعة الرابعة صباحاً ليصلى , كانت الكنيسة جزء من حياته , وكانت القداسات تجرى فى عروقة مثل دمه تماما وكانت التسابيح والصلوات شيئاً طبيعياً بالنسبة له ولم يكن يجد غضاضة فى أن يقف مع احد المرتلين يرابعة التسبحة , وكان يتعجب إذا وجد كاهناً يصلى من الخولاجى حتى أن جميع صلوات القسمة وهى عديدة كان يحفظها تماماً .
لعله درس كبير لنا فى المواظبة على القداسات والتبكير للكنيسة والإلتصاق بها وحفظ الصلوات والتسابيح والألحان والمدائح , وله فى الرهبنة صلات ودروس وتجارب كثيرة , له صلة بدير البراموس العامر حيث ترهب هناك , وله صلة بدير السريان العامر حيث أرسل كثير من ابناءه ليتعبدوا به , له صلة بدير مار مينا الذى عمره وترهب بأسمه ولقد ترك فى نفسه أثراً كبيراً يعطينا فكرة عن كيف أننا أسمينا أولادنا بأسماء القديسين تتعلق نفوسهم به وبأعمالهم , وقد أهتم بدير مار مينا كثيراً قبل أن يصير خليفة لمار مرقس الرسول , وكان يريد من مصلحة الآثار أن تترك له هذا المكان ألثرى ليبنى فيه ولو قلاية بسيطة , وأشترى خمسين فداناً وبنى كنيسة ومغارة وقلالى للرهبان وسوراً كبيراً يحيط بها وبيتاً للضيافة أو الخلوة , وكان يحب دير مار مينا ويسافر إليه ويقضى فيه شهوراً طويلة وكان يود لو أنه أيضاً دفن فيه , كان يحب الهدوء والبعد عن الضوضاء , ومشاكل القاهرة ومن حبه لهذا الدير كان يود لو بنيت مذابح فى كل كنيسة بإسم مار مينا , ورسم أحد المطارنة بأسم مار مينا وتلميذه الخاص باسم الراهب مينا وعمر ذلك الدير , ولأول مرة نجد راهباً يحمل إسم مار مينا , وكان يعيد فى كل سنة فى عيده , ويفرح بالذين يشتركون فيه , وإستطاع أن يجعل إسمه محفوراً فى قلوب أبناء هذا الجيل .
لا أدرى عندما تصعد روحه ليلتقى به فى ألبدية كيف سيكون لقاؤهما ؟ لهذا اقول لكم أنكم سميتم أبناءكم باسماء القديسين لتركت فى نفوسهم آثار كبيرة مثلما أحب البابا كيرلس إسمه القديم " الراهب مينا" وإلتصق به كثيراً.
كان البابا محباً للتعمير والبناء فقد بنيت فى عصره فى القاهرة أكثر من 31 كنيسة وفى الإسكندرية 9 كنائس إن كنيسة المستشفى القبطى بالقاهرة وبالإسكندرية تعتبر مبدأ عظيماً , لا يوجد أحوج إلى التناول والصلوات من المرضى وذويهم , وليت هذا المبدأ يعمم فى بلادنا المريض يكون قريباً جداً إلى الرب ومستعداً للتوبة أكثر من أى إنسان آخر , لذلك عندما أتكلم عن هذا الأمر إنما تعجبنى الفكرة فى حد ذاتها حتى لو كانت هذه الكنيسة غرفة أو قاعة صغيرة , يكفى المذبح والكاهن داخل المستشفى , وأعجبنى وجود كنيسة فى كلية البنات القبطية , شئ جميل أن توجد كنيسة فى مدرسة لكى يبدأ الطلبة اليوم الدراسى بالصلاة , ويشعرون بأنهم فى رحاب الكنيسة والواقع أنها إمتداد لأفكار آبائنا القدامى , فالكنيسة والمدرسة يغذيان الروح والعقل معاً , وأعجبنى أيضاً أن توجد كنيسة فى قاعة مثل قاعة إبراهيم لوقا بمصر الجديدة لماذا لا توجد كنيسة فى كل مستشفى ومدرسة وقاعة ؟
وأيضاً جميل أن توجد فى بيت مدارس الأحد وفى جمعية الإخلاص , كل هذه الأمور تظهر أن الكنائس ليست مجرد أبنية إنما لها أهداف روحية , وجميل أيضاً أن توجد فى اماكن مهجورة مثل حى القصيرين أو الزاوية الحمراء , ناس مجهولين لا يجدون أحداً يزورهم , وكان كثيرون من طلبة الإكليريكية يذهبون إليها للخدمة والوعظ وكنيسة الساحل وأرض الشركة .
هذه المحبة للتعمير لم تشمل الكنائس فقط إنما الآثار فقد كون لجنة للبحث عن كنيسة أتريب ولها وضع كبير فى تاريخ الكنيسة والنبوات المقبلة , وهذا الموضوع طويل , وقد تعاونت هذه اللجنة مع البعثة الهولندية هناك , ولا ننسى أنه تمت فى عهده أبنية الكلية الإكليريكية مثل مبنى كلية اللاهوت سنة 62 م ومبنى الداخلية للطلبة المجاور لها , وأيضاً معهد ديدموس للعرفاء , وإن كان ازيل حالياً لبناء الكاتدرائية , وكان محباً للتعمير حتى نياحته , ففى نفس اليوم الذى تنيح فيه بدأ تعمير مقبرة البطاركة التى تحت المذبح مباشرة وكان أول بطرك يدفن فيها .
ومحبته للتعمير لم تكن فقط للأبنية المادية إنما للبناء الروحى أيضاً ففى عهده وصل نشاط الكنيسة لأماكن بعيدة ما كنا نظن أنه يصل إليها , فأصبح لنا كاهناً فى كندا القس ماركوس إلياس فى تورنتو , والقس رفائيل يونان بمنتريال وكلاهما من أساتذة الكلية ألإكليريكية ثم رسم القس مينا لبيب لسدنى وآخر لملبورن بأستراليا , ثم رسم القس غبريال أمين للولايات المتحدة وأرسل إليها القسيسين بيشوى كامل وتادرس يعقوب وكان يشرع فى رسامة آخرين لإنجلترا وأوربا , وإهتم أيضاً بالكرازة فى أفريقيا , وأرسل لها مقدمات كثيرة من قبل وأرسل أولاً القس مكاريوس (الأنبا اثناسيوس حالياً) والقمص شنودة السريانى والقمص باخوم المحرقى (الأنبا أغريغوريوس حالياً) وكاهن كنيسة الزمالك , وأنطونيوس السريانى , وأرسل بعثات من العلمانيين .. الدكتور زاهر رياض وغيره من أساتذة الكلية للإتفاق على إقامة معهد كرازى بالقاهرة فى كرتسا واخرج هذا المركز مجموعة من الكارزين يكرزون حالياً بالسودان ويعمدون كثيرين بإسم المسيح إلى يومنا هذا , كان إهتمامه كبيراً بأفريقيا والكويت أيضاً حيث أرسل إليها القمص ميخائيل المحرقى (أنبا مكسيموس حاليا) والقمص تيموثاوس المقارى الذى ما زال هناك.
وإهتم أيضاً بالكنيسة فى أثيوبيا وصدقونى إن العلاقات مع الكنيسة فى أثيوبيا كانت تتركز كثيراً على المحبة ألكبيرة القائمة بين قداسته وجلالة الإمبراطور هيلاسيلاسى وكانت هذه المحبة هى السور الكبير الذى يحفظ العلاقة بين الكنيستين , ومن أول سيامته وهو يهتم بها , ففى يوليو عام 1962 م رسم جاثليق أثيوبيا أبونا باسيليوس (ولقب أبونا بأنب عندنا يطلق على رؤسائهم) , وزار بنفسه أثيوبيا وكان الإمبراطور قد زاره أثناء سيامة الجاثليق وقلده وشاح سليمان الأكبر , وقلد كثيراً من الآباء قلائد وأوسمة , وبمجرد وصول قداسته أثيوبيا عام 1965 م وكان مريضاً طلب البدء بإقامة القداس بكاتدرائية الثالوث الأقدس , وسنة 1962 م زار كثير من مقاطعات , وزار دير القديس تكلا هيمانوت رئيس الرهبنة الحبشية وغيره من ألماكن , وإشترك فى الإحتفال الثلاثينى بتنصيب الإمبراطور , وسنة 1965 م رأس مجلس الكنائس الأرثوذكسية الشرقية هناك , وإستقبل بحفاوة كبيرة وتنازل له الإمبراطور عن قصره ليقيم به أثناء الزيارة وكانا أسداه طليقين , وعندى فى قلايتى الخاصة صورة لقداسة البابا وهو يداعب أحد هذه الأسود , وكان جلالة الإمبراطور يقول لقداسته أننى أننى مستعد أن ابنى لك هنا قصراً لتزورنى كل عام , وعندما كان يقدم الهدايا للآباء المجتمعين بالمجلس كان ينسبها إلى قداسته لا إلى شخصه بإعتباره صاحب المكان , وكان يستقبله إستقبال الملوك وتطلق له المدافع 21 طلقة , وألأثيوبيين يحبون خليفة مار مرقس ويسمون كنيستهم الكنيسة القبطية , وكانت لفتة جميلة أن يزور أثيوبيا مرتين , وكان جلالة الإمبراطور بمجرد وصوله إلى القاهرة يزروه ويأخذ بركته .
ولم يقتصر ألمر على هذه العلاقات بأفريقيا وأمريكا وأستراليا وآسيا وإنما أيضاً كان له إتجاه فى العلاقات المسكونية العامة , وقد زاره فى مصر كثير من رؤساء الكنائس العالمية مع انه لم يزر أحد منهم , زاره البطريرك اثيناغورس رئيس الكنيسة اليونانية , وبطريرك موسكو ألكسيس , ومكاريوس أسقف قبرص , وبطريرك بلغاريا ورومانيا وفنلندا , ومن الكنائس الشقيقة بطريرك الأرمن , ومار أغنوطيوس يعقوب بطريرك السريان ورؤساء البروتستانت والمسئولين فى مجلس الكنائس العالمى وكثيراً من كرادلة الكاثوليك منهم رئيس أساقفة فينا , ولقد وجدنا هذا افرتباط الكبير مع كنائس العالم ظاهراً فى حفل مار مرقس الرسول وحفل بناء هذه الكاتدرائية حيث تبرعت كثير من الكنائس بمستلزماتها , ولا ننسى من كان يوفدهم فى بعثات لحضور المؤتمرات الكنسية العالمية ومن أوفدهم لحضور إجتماعات مجمع الفاتيكان الثانى لسنوات طويلة .
ولا ننسى الجهود الجبارة التى قام بها من الناحية الوطنية مما جعله موضع ثقة وثناء الرؤساء , كان الرئيس جمال عبد الناصر يحبه محبة خاصة ويكرمه إكراماً كبيراً ويثق به وبوطنيته , والرئيس أنور السادات تكلم عنه كلاماً فى منتهى الجمال وأشاد بمثاليته فى الوطنية وقال عنه : كنت أعز هذا الرجل إعزازاً خاصاً وقال إنه : "بلدياتى" وقال إنه كان رجلاً محباً واعياً بكل ما يحيط بالبلد من احداث ولا يفتأ أن يوجه الأقباط فى نصرة وطنهم , وتحركت الدولة كلها أثناء مرضه .. رءيس الدولة والمسئولون فى الإتحاد الإشتراكى (الحزب الحاكم) والوزراء جميعهم .
وكان لقداسته إلى جوار هذا كله صفاته الفاضلة فى حياته الخاصة , وكان رجلاً يتميز إلى جوار الحزم وقوة الشخصية بالبساطة وكان رجلاً لطيفاً , وكانت له أبتسامة رقيقة جميلة تؤثر فى كل من يزوره وكان يتبسط كثيراً مع الناس , ولعله أول بابا فى جيله يفتح بابه على مصراعيه لكل صغير وكبير رجلاً كان أو أمرأة .
أتذكر منظراً مؤثراً فى سنة 1959 م , وكنت فى ذلك الحين سكرتيراً له , وكان يصلى صلاة عشية وبينما كان يصرف الشعب وجدت رجلاً بسيطاًَ أمسك يده بقوة وشدها بعنف ووضعها على صدره وقال بإيمان عجيب : " أنا عيان إرشمنى هنا "
كان كل صاحب مشكلة يذهب إليه ويدعو لكل واحد ويتكلم مع كل واحد وفى أيام الإمتحانات كان الطلبة بالألاف يأتون إليه يطلبون صلواته وهو يدعو ويصلى للكل , وكان مجهوداً جباراً لا يستطيع من فى سنه أن يحتمل مثله .
ولعله بسببه كان هذا المرض الأخير .. رحمه الرب , وكان رجلاً صامتاً يسمع كثيراً أكثر مما يتكلم وكان فى صلواته كثير البكاء , كثير من الناس الذين لهم قوة شخصية تكون دموعهم عزيزة أما هو فكان البكاء قريباً منه , وكانت له ذاكرة فى منتهى القوة يحفظ الأحداث القديمة ويحفظ أسماء لا حصر لها ويكلم الناس بروح مرحة , وكان رجلاً كنسياً وطقسياً وشعبياً وملازماً للكنيسة , كانت فيه صفات عديدة رحمة الرب رحمة واسعة .
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
كلمة قداسة البابا شنودة الثالث
فى الذكرى الأولى لنياحة البابا كيرلس السادس
لقد مضى عام على نياحة البابا كيرلس السادس , وليست ادرى كيف أمضى هذا العام على ألألاف والملايين من محبيه , الذين لم يكن فى استطاعتهم أن ينسوا بركاته كل يوم , والذين كان صعباً عليهم أن يحرموا من شخصيته ومحبته وصلواته وقداساته .
ونحن بعد هذا العام نقف لنلقى كلمة وفاء بسيطة , ومهما كانت هذه الكلمة , فلا يمكن أن تفى أو ترتفع إلى المقام العظيم الذى يجلس فيه البابا كيرلس السادس .
إن البابا كيرلس , نيح الرب نفسه فى فردوس النعيم , أمضى حوالى 40 عاماً فى خدمة الكهنوت , وفى خلال تلك الفترة , حرص فى كل يوم أن يقيم القداس الإلهى .
لقد كان يحلو له أن يصلى جميع الصلوات , ويترنم بألحان التسبحة , ويصلى المزامير , ولا يوجد فى تاريخ الكنيسة كله إنسان مثل البابا كيرلس السادس , إستطاع أن يقيم مثل هذه القداسات , لقد حاولت ان احصى عدد القداسات التى أقامها فى حياته , فوجدت أنه صلى ما يزيد عن 12000 قداس ( بإستثناء الخمس سنين الخيرة التى مرض فيها ) وهذا أمر لم يحدث فى تاريخ أى بابا من باباوات الإسكندرية أو العالم أو الرهبان .
وكان يجد تعزية فى صلوات القداس , ولذة روحية فى صلوات التسبحة , وكل الذين يعرفونه شاهدوه ينزل من المقر الباباوى فى الثالثة صباحاً , ويصلى صلاة نصف الليل , ويرتل التسبحة بنفسه مع المرتلين فى الكنيسة , ثم يصلى القداس , ويخرج فى السادسة صباحاً قبل أن يصحو الناس .. كان عجيباً فى صلواته , وكانت الصلوات تتبعه فى كل مكان .
ومن محبته فى الصلاة إختار حياة الوحدة , فعاش متوحداً مدة طويلة , وتتلمذ على أكبر أستاذ كتب فى الوحدة فى تاريخ الرهبنة وهو القديس مار أسحق - لقد قرأت مئات الكتب النسكية , فلم أجد أعظم من كتابات مار أسحق عن حياة الوحدة والسكون .
ولقد كان البابا كيرلس يحب مار أسحق , ويقرأ كلماته ويحفظ الكثير منها , ونسخ بنفسه كتاب مار أسحق على ضوء شمعة فى مغارته وعلى لمبة من الغاز .
عاش فى وحدة فى مغارة قرب دير البراموس , يسهر الليالى فى قراءة أقوال الاباء , ويصلى فى الفجر ويقيم القداسات , وعاش فى طاحونة قرب مصر القديمة , ثم فى الكنيسة التى بناها بنفسه فى مصر القديمة , ولم يخرج من بابها إلا للضرورة القصوى , و‘ندما اعتلى كرسى مار مرقس , لم تتركه حياة الوحدة , بل كثيراً ما كان يذهب إلى دير مار مينا بصحراء مريوط .. وكان يريد أن يمتلئ من ثمار الوحدة لنفسه .
الوحدة كما تعلمها البابا كيرلس من مار أسحق , هى الإنسلاخ من الكل للإرتباط بالواحد .. لذلك كان كثير الصلوات , حتى فى اثناء وجوده وكلامه مع الناس .. كان صموتاً لا يتكلم كثيراً , لكى يعطى نفسه فرصة التأمل والصلاة , وكان أيضاً يعهد إلى الرب بمشاكلة , ويرى أن القداسات والصلوات هى التى تحل له المشاكل وليست المجهودات البشرية , وكلما كانت تحيط به الضيقات , يلجأ للوحدة والصلوات والقداسات , شاعراً أن معونة الرب هى أكبر من كل معونة بشرية , لقد اعطانا مثلاً كبيراً فى حياة التأمل والخدمة , مع أن جميعها ليس بالأمر الهين السهل , فقد كان يخدم الكنيسة بأقصى ما يستطيع , ومن جهة أخرى , يختلى بنفسه , ويأخذ من التأمل والوحدة على قدر ما تعطيه إمكانياته .
عاش كمرشد روحى للكثيرين فترة طويلة , وقبل أن يصير بابا الكرازة المرقسية كان ابا فى الإعتراف لمئات من طالبى إرشاده الروحى , وقد عرفت قداسته فى سنة 1948 م حينما كنت أتردد على كنيسته فى مصر القديمة , وإنتهى بى الأمر إلى أن سكنت هناك أتمتع بقداسته وصلواته ورعايته وإرشاده بقداساته وصلواته ورعايته وإرشاده فى ذلك الجو الجميل فى كنيسة مار مينا بمصر القديمة , كان كل زائر للكنيسة يذهب إلى القمص مينا المتوحد لكى يأخذ منه بركة وقوة وإيمان , وكنت فى زياراتى للدير فى وادى النطرون أرجع مباشرة إليه , فيسألنى عن الرهبان واحداً واحداً , لأنه يعرفهم باسمائهم , ويطمئن على كل واحد منهم , وكنا فى دير السريان نعتبر أنفسنا أبناء له , وكنا نذهب إليه فى أوقات متفرقة ونسترشد برأيه , وعندما ترك دير البراموس وذهب إلى دير النبا صموئيل , حيث عين رئيساً له , عمره وبنى القلالى المتهدمة فيه , كان محباً للأديرة , فرعى دير السريان , ودير البراموس , ودير الأنبا صموئيل , وبنى دير مار مينا , وبسط محبته على باقى الديرة .
كان البابا كيرلس رجلاً تتمثل فيه فضائل عديدة , فقد كان إنسانا بسيطاً هادئاً , وكان حكيماً عميقاً فى التفكير , كان يتميز أيضاً بالبكاء فى صلاته وفى قداساته , بل أننى أذكر أنه عندما وقعت القرعة الهيكلية على قداسته ليكون بطريركاً , جاء لزيارة وادى النطرون , وعندما اتى إلى دير السريان , طلب منى إلقاء كلمة للأب المختار للباباوية , فتكلمت قليلاً , وإذا به يمسك منديله ويمسح عينيه من الدموع , وتأثرت كثيراً ببكائة أمام جميع الناس .
كان طيب القلب , وإذا غضب أو تضايق , وظن الناس أنه فى ثورة كبيرة تجده للوقت يبتسم , أقل كلمة ترضيه وترجع الإبتسامة إلى وجهه ز
كان الناس يعجبون من صفحة وهدوئه وطيبة قلبه , وكانت له ايتسامة رقيقة يشرق معها وجهه كله , ويشعر الناظر إلى عينية أنه امام أنسان بسيط وليس أمام شيخ فى حوالى العقد السابع من عمره , لذلك كان محبوباً من الكل وله شعبية كبيرة .. حتى أن ألاف الطلبة كانوا يأتون فى ايام الإمتحانات يلتمسون بركته وصلواته , إستطاع فى فترة بسيطة أن تكون له شعبية فوق العادة , فعندما تذهب إلى البطريركية تجدها مزدحمة بالناس .. الكل يأتون إليه طالبين الصلوات أو البركات أو حل المشكلات , كثيرون لم يأتوا إليه لكى يعطيهم آراء عميقة أو صلاة طويلة , وإنما يكفيهم أن يقول لهم كلمة : " إن شاء الهنا يحلها " وهذا يقنعهم أكثر من ألاف الآراء المقنعة .
لذلك عنما تنيح البابا , تعطلت الشوارع المحيطة بالبطريركية من كثرة الناس الذين اتو لألقاء النظرة الأخيرة عليه , عشرات الألوف سدوا كل الطرق حتى أن رجال البوليس يذلو مجهوداً كبيراً يشكرون عليه من السادسة صباحاً حتى الحادية عشرة مساءاً والوفود لا تنقطع , الكل يريد أن يأخذ بركة البابا الراحل , وكان يوم الصلاة على جثمانه الطاهر يوماً عجيباً فى إزدحام الناس .
كان أول بابا فى جيلنا الحاضر فتح بابه لكل إنسان , كل فرد كان يستطيع أن يجلس معه ويكلمه بلا مانع ولا عائق , وهكذا إستطاع بشعبيته وبمقابلته لكل واحد أن يقضى على فكرة حاشية البطريرك , لأن كل أنسان يستطيع أن يعطيه المعلومات اللازمة فى أذنه مباشرة , فيعرف حقائق الأمور بطريق مباشر وليس عن طريق آخر , ولذلك كان يعرف تفاصيل التفاصيل فى كنيستنا المقدسة .
لقد تميز بذاكرة قوية يندر أن يتمتع بها غيرة , ذاكرة تستطيع أن تلم بأشياء يعسر على عقل بشرى عادى أن يلم بها , فكان يعرف كل الخدام ومشاكلهم فى دقة عجيبة , ويذكر كل الذين يقابلونه بأسمائهم , ويسلم على الشخص فيسأله عن حاله بطريقه وثيقة ويشعره بأبوته وإهتمامه بشخصة وبأن له مركزاً خاصاً فى عقل الرجل وقلبه , وكان عجيباً فى هذه الذاكرة , وإهتمامه بكل واحد جعله لا يعطى راحة لجسدة وفكرة , ولذلك ما أن مرت عليه 8 سنوات فى البطريركية , إلا وتكاثرت عليه ألمراض , ولم يعد الجسد قوياً كما كان فى أول عهدة , فالنير الشديد الذى تحمله البابا كان عظيماً وسط تجارب متنوعة وضيقات كثيرة .. أمراض كان يحتملها فى صمت عجيب دون أن يشكو لأحد .. كان المرض يهزة هزات قد تقلق راحة الأطباء المعالجين لقداستة , ومع ذلك لم يتكلم .. وإذا سأله أحد عن صحته قال وهو يبتسم : " الحمد لربنا .. كويس " وكان يؤمن بأن الرب يستطيع ان يتدخل أكثر من الأطباء ويشفى أكثر من الدواء , فى فترات مرضه , كان يحرص أن يسمع القداس الإلهى , لذلك أمر أن توضع سماعة فى حجرته الهاصة تنقل إليه صلوات الكنيسة يومياً .
لم يكن يستخدم كتاباً فى قداساته وصلواته فى كافة المناسبات , لذلك كان يصلى من قلبه , وأعترف أنه يعتبر أستاذاً فى الطقوس الكنسية فى جيلنا الحاضر , وأنتم تعلمون أن طقوس الكنيسة تؤخذ بالتسليم , وكان خبيراً بالكنيسة وطقوسها خبرة عجيبة , وكان قوى الشخصية , وله هيبة عند كثيرين .. وكان وقاره يطغى على الذين يقابلونه كما تطغى عليهم محبته , كان قوى الإرادة عنيفاً متمسكاً فيما أعتنقه ولا يمكن أن يتزعزع , بل راسخا ثابتاً كأنه جبل من الجبال , لا تؤثر فيه ألحداث ولا المقاومات , وإنما يكفى أن يكون مقتنعاً بفكرته , وإستطاع أن ينجح فى كل الأمور التى أمسكتها يداه , وكل الذين وقفوا ضده فى طريقة لم ينجح منهم أحد , كان إنساناً جمع بين الوداعة والقوة , والبساطة والحكمة , والبكاء والحزم , جمع بين امور كثيرة قد يظن الناس أن بين بعضها والبعض الآخر شيئاً من التناقض .
كان البابا كيرلس رجل تعمير فى كل مكان حل فيه , ففى طاحونة الهواء فى مصر القديمة , بنى فيها حاجزاً ومذبحاً , ومهد المكان ليعد فيه , ففى الطاحونة الهواء فى مصر القديمة , بنى فيها حاجزاً ومذبحاً , ومهد المكان ليعد فيه كنيسة صغيرة لحياته الخاصة , وكان يقيم القداس يومياً , ويأتى إليه أحد الشمامسة فى الرابعة صباحاً فى ذلك المكان النائى لكى يشترك معه فى خدمة القداس , وهذا دليل على محبة الناس له .
وعندما ذهب إلى مصر القديمة , بنى هناك كنيسة وبيوتاً وعمر المكان , وأوجد هذه الفكرة الجميلة لرعاية الطلبة الجامعيين فى حضن الكنيسة , فالطالب يحضر القداس اليومى يكون تحت إشراف الراهب ورعايته ويأخذ أعترافه ويوجهه إلى طريق الرب , وتعميره لهذا المكان سبب تعمير المنطقة كلها فإننى أتذكر , عندما كنت ساكناً هناك كانت المنطقة كلها مزارع , وبإنشاء هذه الكنيسة , تشجع كل واحد وأشترى قطعة أرض وبناها سكناً لنفسه وعمر المكان , وصار هذا المكان يشع بالروحانية وله طابع خاص .
وعندما رسم بطريركا إهتم أيضاً بالتعمير , فبنى هذه الكاتدرائية الضخمة التى نقف فيها ألان , بنى الكلية الإكليريكية ومنزل الطلبة الملحق بها , وبنى المطبعة , ورمم الكنيسة المرقسية الكبرى , وبنى فى عهدة عشرات الكنائس الجديدة وبنى دير مار مينا فى صحراء مريوط , وإنتهى من بناء كنيسة متوسطة الحجم وقلالى للرهبان وإستراحة للضيوف , ووضع أساسا لكاتدرائية ضخمة , وكنت أراه بنفسى فى كنيسة مار مينا يقف وسط العمال ويشرف على البناء بنفسه , ويكاد يكون كل مكان من تخطيطه ومن رسمه وإرشاده كشخص خبير فى البناء , كان شعلة من النشاط لا يهدأ , ولا يعطى راحة لنفسه , وكان كثيرون ينصحونه بأن يستريح أو أن يخفف من العمل , ولكنه فى عمق مرضه كان يسأل عن الكنيسة وعن أخبارها , وهكذا قضى الفترة التى تصل إلى حوالى 12 سنة وكأنها جيل كبير مملوء بصالح الأعمال , وبالمفاهيم الصالحة .
ونشر الكرازة فى خارج القطر , سيكتب فى تاريخ الكنيسة القبطية أن أول كنيسة بنيت فى أستراليا وفى كندا وفى الولايات المتحدة والكويت ولبنان وغيرها كانت فى عهده .
كان رجلاً يشجع كل خادم يريد أن يخدم , ومحباً للعلم , وعندما كان راهباً فى دير البراموس , أصدر مجلة أسمها "ميناء الخلاص" , وفى عهد باباويته أنشأ فكرة المطبعة , وعندما يبنى لها مكان خاص وتؤدى رسالتها فى خدمة الكنيسة , سيذكر الجميع فضل البابا كيرلس فى إنشائها , ومهما تحدثنا عن حياة البابا كيرلس , لا نستطيع أن نحصر الأعمال التى قام بها .
لقد إستطاع أن يقيم أسسا راسخة لبعض المعانى والمفاهيم الكنسية , إنه أول بابا إهتم برسامة أساقفة لا مطارنة , مؤكداً هذه الوظيفة المعروفة من القوانين الكنسية والكتاب المقدس , فى عهد من سبقوه , كانت رتبة ألأسقفية قليلة , والكل مطارنة , أما البابا كيرلس , فقد قدم مفهوماً جديداً لكلمة أسقف .
كما قدم مفهوماً جديداً لتلميذ البابا , فإختار شباباً يتميز بالروحانية , والعلم , والخدمة , ليكونوا تلاميذ له , وكل الذين كانوا له تلاميذ له أصبحوا رهباناً .
ووضع نظاماً جديداً للرعاية فى الكنيسة وهو الأسقفيات المحددة , من قبل , كان يصعب على مطارنة الإيبارشيات الواسعة الإلمام بكل أطرافها , فجاء البابا كيرلس ووزع الأسقفيات على مناطق محددة حتى يتوفر لكل منطقة نصيب من الرعاية .
ومهما تحدثناً , فهناك نقطة أخرى لا ننساها , وهى الأعمال التى قام بها بعد نياحته , وهذا التعبير قد يبدوا غريباً , لقد أعد كل شئ لمشروعات عديدة , وربما تتاح لى الفرصة , بصلواته , أن أقوم بهذه المشروعات , ولكننى أشعر أنه هو الذى قام بها , يذكرنى هذا بقصة داود النبى الذى كان يعرف ان ابنه سليماتن غصن صغير , فأعد كل شئ لبناء الهيكل , وأكمل سليمان بناء الهيكل , وسمى هيكل سليمان , والفضل لداود , هكذا فعل البابا كيرلس الذى أعد كل شئ لمشروعاته العديدة تتم بمشيئة الرب بعد نياحته بمجهوده الخاص , وبإعداده , ويرجع الفضل إليه وحده أولاً وأخيراً , ولعل من بينها دير مار مينا الذى أحبه , وملك عليه عواطفه .
وكان يحب القديس مينا محبة ملأت عليه عواطفه , كان يجد لذه فى ذكر أسم مار مينا , كان بينه وبين مار مينا علاقة شخصية , يشعر أنه يتكلم عن شخص له به علاقة قوية ومحبة , فكثير من الكنائس صار فيها مذابح على أسم مار مينا وكنائس بنيت على أسم مار مينا , كان يتخذه شفيعاً له , ولذلك كان يود فى حياته أن يعيش فى هذا الدير طول عمره , لقد قرأت خطابات منه عندما كان القمص مينا المتوحد يطلب إعداد هذا الدير ليعيش فيه بقية أيام حياته .. وكان البابا كيرلس يحب القديسين والملائكة , وله بالقديسين عموما صلة صداقة , ونحن جميعاً من أبنائه الصغار , نشعر بمقدار الفراغ الكبير الذى تركه فى كنيستنا , ونرجو أن يذكرنا فى صلواته وشفاعته , فهو يستطيع أن يخدم الكنيسة فى مستقرة الحالى أكثر مما كان يخدمها فى الجسد .
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
كلمة قداسة البابا شنودة الثالث لنياحة البابا كيرلس السادس
مرت سنوات منذ أن رحل من عالمنا الفان أبونا وسيدنا وراعينا قداسة البابا كيرلس السادس , ونحن نحتفل اليوم بذكراه وبالأعمال الطيبة التى عملها فى الكنيسة وبكل ما خلفه من عمل صالح سواء فى حياته الولى وهو راهب أو فى حياته الكهنوتية عموماً أو فى حبريته المقدسة كرئيس للكهنة جلس على كرسى مار مرقس حوالى 12 عاماً
لعل الرب يعطينى فرصة أن أكمل هذا الأحتفال بكلمة وفاء منا وحباً لهذا الب الكبير الذى تربينا فى كنفه زمناً , وقد قال الكتاب نكرم آباءنا على الأرض , ونذكر مرشدينا الذين أرشدونا فى طريق الرب .
فى الحقيقة حياة ابينا قداسة البابا كيرلس السادس حياة مملوءة بالعمل والبركة من كل ناحية , ومهما تكلمنا عنها لا نشبع .
وعلاقتى بقداسة البابا كيرلس ترجع إلى سنوات قبل رهبنتى , حينما سكنت عنده فى دير مار مينا بمصر القديمة سنتى 1950 - 1951 م قبل أن أترهبن , وما زلت أذكر غرفتى الخاصة فى هذا المبنى وأود أن أزورها فى وقت من الأوقات .
كان الذاهب لزيارة البابا كيرلس نه لا بد أن يحصل على ألاتى : لابد أن يرفع قداسته يده على رأسه ويصلى له صلاة , وأحياناً يقرأ له التحليل , فكنت فى كل مرة أزوره أشعر أنى لازم آخذ صلاة ولازم أخذ تحليل , كما أن كل واحد بيزوره لازم يأخذ قربانة , وأحياناً يصر أن يقدم له الطعام , فكان كريماً جداً فى مقابلة ضيوفه فى ذلك المكان
كنا نشعر بطيبة الرجل وقلبه المحب , وكانت له ايضاً إبتسامة رقيقة جداً وعذبة تجبر كل أنسان على محبته أمام هذه الإبتسامة الحلوة .
وكانت هذه هى الصلة الأولى والمحبة الأولى التى إستمرت فترة طويلة وإلى الان .
ثم حدث أنى ترهبت فى دير السريان , وحينما صار ابونا مينا المتوحد بطريركاً عينت سكرتيراً له مع أخوتى الباقيين , وكان قداسته إختار اربعة منا عملهم سكرتاريين : الأول هو نيافة الأنبا صموئيل , والثانى نيافة الأنبا دوماديوس , والثالث نيافة الأنبا يوأنس وأخيراً أنا .
وكان أول عمل عهد إلى به قداسة البابا هو وضع طقس الجاثليق - جاثليق أثيوبيا .. وقد أستفدت فى وضع هذا الطقس من المعلومات التى قدمت إلى من نيافة الأنبا غريغوريوس ,من الشماس د / يوسف منصور ووضعنا أيضاً صيغة التعهد الخاص بهذه الرسامة .
وفى فترة وجودى سكرتيراً للبابا كيرلس عيننى أيضاً مندوباً له فى كل اللجان التى شكلها لصالح الكنيسة ,, لجنة للرهبنة حوالى 14 من ألاباء الأساقفة , ولجنة شئون الكنيسة ضمت أيضاً العديد من الآباء الأساقفة , ولجنة القوانين الكنيسة فيها كثير من الآباء الاساقفة وكثير من رجال القانون , كان قداسته يعمل كل ما يستطيع من أجل أن يوفر جواً جديداً للكنيسة .
ولعل من النقط البارزة التى رأيناها فيه كبطريرك مسألة الحاشية , فهو أول بطريرك يهتم بأن تكون له حاشية على مستوى قوى ونظيف من أشخاص مباركين , فكان تلميذه الخاص هو الأخ سليمان الذى أصبح فيما بعد ابونا مينا أمين دير مار مينا وحالياً نيافة الأنبا مينا افامينا أسقف الدير .
وكان البابا كيرلس يحب جداً القديس مار مينا فتسمى فى رهبنته يأسم ابونا مينا المتوحد البراموسى , وبنى كنيسة فى مصر القديمة بأسم القديس مار مينا , وحرص على ان يأتى بعظام أو رفات مار مينا , جزء منها فى كنيسته فى مصر القديمة وجزء منها فى الدير .
ثم حرص أيضاً أن يزور الدير الأثرى القديم , وأن يبنى دير مار مينا فى صحراء مريوط , وإشترى لهذا الدير مائة فدان , وبنى الـ 5 أفدنة الأولى دير مار مينا الحالى .
وكان قداستة يحب هذا الدير كثيراً ويذهب إليه , ويقضى هناك شهوراً فى بعض الأوقات , وكان القديس مار مينا العجائبى شفيعة الأول , وإذا حلت به ضيقة من الضيقات يكون اسم مار مينا هو أول إسم امامه للأستشفاع به .
وأيضاً كتب فى وصيته أن يدفن فى دير مار مينا , ولعله أراد بهذا شيئين : أولاً محبته لهذا القديس العظيم .. وثانياً إحياء هذا الدير وتقويته لأن الألاف من أبنائه الذين يزورون الدير فى زيارات متتابعة لابد يهتمون بمكان يحفظ فيه جثمانه الطاهر .
البابا كيرلس بدأ أولاً حياته كراهب محب للوحدة وظل أسم المتوحد يلصق بإسمه إلى أن رسم بطريركاً .
رسم راهباً فى دير البراموس العامر . ثم أنتقل إلى مغارة قرب دير البراموس , ثم جاء إلى القاهرة بعد متاعب لآقاها مع الرهبان , وسكن فى طاحونة فى الجبل , وكان الناس يقصدونه هناك ويحبون هذا الإنسان المتوحد الذى يعيش فى الطاحونة .
وكان البابا كيرلس رجل صلاة يقيم القداس والعشية كل يوم حتى وهو فى الطاحونة فى الجبل .
يعنى جايز لما بقت له كنيسة وبيت فى مصر القديمة بقت ألمور سهلة , ولكن وهو فى الجبل فى الطاحونة كان المر صعباً , ومع ذلك كان الرب يرسل إليه الشمامسة الذين يخدمون معه فى ذلك المكان القصى وينتفعون ببركته .
وقد أعتدى عليه فى إحدى المرات وهو فى الطاحونة , بعض الناس أفتكروا الراجل المتوحد ده ناس كتير بتزورة ويمكن بيتركوا هدايا وعطايا , وحتى بعد هذا الإعتداء إستمر كما هو فى نفس المكان , وإستمر فى نفس القداسات
فى الحقيقة إذا ما أردنا أن نضع صورة رمزية للبابا كيرلس فأحسن صورة إما صورته تحيط به سحابة من البخور أو صورته وهو إلى جوار المذبح , لأن البخور كان دائماً فى حياته , كل يوم عشية بالليل وقداس بالصبح , رفع بخور عشية ورفع بخور باكر , وقداس فى كل يوم .
فهو لم يبتعد عن المذابح والبخور طوال أيام حياته إلا فى فترة مرضه الأخيرة حينما صحتة لم تعد تساعدة .
وحينما كان تحيط به مشكلة كان يلجأ إلى المذبح وإلى القداس , وهكذا كانت حياته فى المشاكل لا يتكلم كثيراً مع الناس وإنما يكلم الرب فى القداس .
وكان بسيطاً .. صفة البساطة صفة جميلة تعطيه كثيراً من نقاوة القلب .. عاش راهباً .. عاش متوحداً .. عاش رئيساً لدير الأنبا صموئيل , عاش أيضاً فى حياة الخدمة وهو راهب , فقد خدم فى أنواع الخدمات التى كانت تقدم من كنيسة مار مينا فى مصر القديمة .
وكان صحفياً أيضاً .. أول صحيفة عملها هو نشرة ميناء الخلاص , وقبل إنتقاله كان فى سبيل إصدار جريدة الضياء , وإن لم تصدر .
وكان رجل ألحان وتسبحة فكان يحفظ القداس عن ظهر قلب , ولم يكن يحب أن يوضع خلاجى على المذبح .
طبعاً قداسة البابا كيرلس لو أحصينا عدد القداسات التى اقامها فى حياته ستكون رقماً خيالياً , ففى كل سنة يصلى حوالى 360 قداساً , يعنى من أول ما أترسم قسيس وطول مدة وجوده كبطريرك صلى ألآف مؤلفة من القداسات , وبالطبع لم يكن محتاجاً لخولاجى أو إبصلمودية أو لأى كتاب من هذه الكتب .
فى حياته كبطريرك نذكر له عدة اشياء عديدة جداً , لعل أول شئ نذكره فى هذا المكان أنه بنى لنا هذه الكاتدرائية التى نجتمع فيها ألان , فى كل مرة ندخل الكاتدرائية نذكر هذا البابا الذى بناها , والحقيقة بناء الكاتدرائية كان شيئاً عجيباً , فكيف يتصور الإنسان أن تتم هذه الأساسات والهيكل الخرسانى فى حوالى 10 شهور , طبعاً رقم خيالى .
القداس الأول الذى أقيم بالكاتدرائية فى شهر يونية سنة 1968 م والذى صلى فيه كثير من ممثلى الكنائس الأرثوذكسية كل واحد بلغته كان مظهراً عجيباً بهذا المجمع المسكونى .
أرض الأنبا رويس قبل عهد البابا كيرلس كانت خلاء لا يوجد فيها سوى المبنى الكبير , أما فى عهده فقد بنيت الكاتدرائية الكبرى ومبنى الإكليريكية , كما بنى أيضاً مبنى الداخلية الخاص بمبيت طلبة الإكليريكية , وحالياً يبيت فيه كثير من ألاباء الأساقفة , وفى أيامنا بنى المقر الباباوى الجديد والميانى المحيطة بالمنارة , لقد تحول هذا المكان الذى كان خلاء ويسكنه عربان فى عشش إلى قلب الكنيسة النابض بأنواع متعددة من الأنشطة , البابا كيرلس كانت له موهبة التعمير , فكما بنى الكاتدرائية ينى أيضاً كنيسة مار مينا فى مصر القديمة , وبنى حولها بيتاً للطلبة المغتربين .
كان المغتربون يجدون عنده المكان المريح والأبوة الحانية والكرم والمعاملة الطيبة والقداسات اليومية والصلوات الليلية , ويعيشون كأنهم فى دير , أو قل كان اول بيت للمغتربين فى دير تحت رعاية أب روحى بهذا الشكل .
عهد البابا كيرلس السادس يتميز ايضاً بمعجزة ظهور العذراء فى الزيتون وما صاحبها من نهضة روحية عجيبة رن صداها فى الخارج , وألفت كتب بالإنجليزية والفرنسية فى كثير من البلاد الغربية , كما تابعت الحدث الجرائد الشرقية والعربية والأجنبية , وكانت مثار حديث عجيب فى كل مكان , وكان الظهور بركة لهذا الجيل .
البركة الأخرى رجوع رفات مار مرقس نتيجة التقارب فى العلاقات المسكونية بيننا وبين كنيسة روما , ولولا هذه المحبة ما كان فى الإمكان أن يعود جزء من رفات مار مرقس لكى يوجد هنا .
كما عاد رفات القديس أثناسيوس الرسولى , وأصبحت هذه الكاتدرائية تضم هاذين الكنزين .
من مميزات عصر البابا كيرلس السادس أيضاً علاقته بأثيوبيا حيث كانت تربطه بالإمبراطور هيلاسيلاسى محبة كبيرة .
أتذكر أننى حينما زرت الإمبراطور هيلاسيلاسى حدثنى فى أحاديثة الخاصة عن محبته الكبيرة للبابا كيرلس , وقال بالحرف الواحد : " أنا كنت معاه أشعر أننى طفل صغير مع اب كبير"
والإمبراطور فى محبته للبابا كيرلس زار مصر فى حبريته خمس مرات , وكان يزور الكاتدرائية ويحضر القداس ويتناول , وكانت العلاقات بين الدولتين تتوطد نتيجة لهذه العلاقات الطيبة .
أول زيارة للإمبراطور هيلاسيلاسى فى عهد البابا كيرلس كانت فى 28 يونيو سنة 1959 م حينما رسم أول جاثليق لأثيوبيا , وكان إحتفالاً دينياً مهيباً رقى فيه المطران باسيليوس لرتبه البطريرك جاثليق , ثم دعى البابا لزيارة أثيوبيا , وزارها زيارتين :
الزيارة الأولى : كانت فى 26 10/ 1960 م وأنتهز البابا هذه الزيارة فإحتفل إحتفالاً كنسياً بالعيد الثلاثينى لتنصيب الإمبراطور هيلاسيلاسى على عرش أثيوبيا , وكان ذلك فى 2 نوفمبر حيث أقام قداساً خاصاً تناول فيه الإمبراطور , ورجع البابا من هذه الرحلة فى 7 نوفمبر .
وكانت فرصة زار فيها جميع أديرة اثيوبيا التى أستطاع أن يزورها , طبعاًُ مش الكل لأن اثيوبيا فيها مئات ألديرة , وقد ذكرتهم فى الزيارة السابقة للبابا يؤأنس والتى مسح فيها ولى العهد أمبراطوراً , وذلك أن الكنيسة كانت تمسح الملك بالزيت المقدس فيصبح الإمبراطور ممسوحاً بالزيت المقدس بواسطة بابا الإسكندرية تماماً كما مسح صموئيل ملكاً فى العهد القديم , وكانت تجرى هذه العادة لأن الإمبراطور هيلاسيلاسى ينتسب إلى نسل داود وتوطدت العلاقة جداً , وكان ذلك تمهيداً لأنعقاد مؤتمر أديس أبابا سنة 1965 م , وسافر البابا كيرلس لأثيوبيا وأستقبل هناك كرئيس دولة , وضربت له المدفعية 21 طلقة , والجيش أستقبله بالتحية , والإمبراطور أسكنه فى مسكنه الخاص .
وفى مؤتمر أديس أبابا أعطى افمبراطور أوسمة لجميع رؤساء الكنائس ما عدا البابا كيرلس لأنه كان قد تلقى من قبل أكبر وسام فى اثيوبيا , ولا يوجد وسام اكبر منه يمكن ان يعطيه الإمبراطور إليه .. ويومها قال الإمبراطور لرؤساء الكنائس : " أعتبروا انكم أخذتم هذه الأوسمة من يد قداسة البابا كيرلس السادس " .. وعاش فى تلك الزيارة فى محبة إخوتنا الأثيوبيين وفى حراسة الأسود فى مقر الأسد الخارج من سبط يهوذا حسب لقب الإمبراطور .
بدأت هذه الزيارة فى 13 يناير سنة 1965 م وأنتهز فيها البابا كيرلس فرصة عيد الغطاس فى 19 يناير فرأس صلاة هذا العيد فى اثيوبيا وعاد فى 27 يناير من هذه السنة فى محبة كبيرة بينه وبين دولة أثيوبيا وإمبراطور أثيوبيا وإكليروس أثيوبيا .
ومن النقط الجميلة التى أحب أن اشير إليها فى هذا المجال أن البابا كيرلس لما زار أثيوبيا أول ما هبط من الطائرة إفتكر أنهم هايودوه القصر ليستريح , لذلك بعدما تمت مراسم الإستقبال قال لهم : " ودونى كنيسة اعمل فيها قداس " .. كان جايب معاه كل حاجه ومستعد للقداس وصايم , حتى القربان كان معاه .
وبدأت العناية الإلهية بأولادنا فى الخارج بزيارات من الآباء الذين كانوا يسافرون لتمثيل الكنيسة فى مؤتمرات فكانوا يفتقدون أبناء الكنيسة المغتربين والمهاجرين ويقيمون لهم القداسات , ثم بدأت الكنيسة فى إقامة كنائس فى المهجر بصفة رسمية أذكر من بينها الكنائس الآتية :
كنيسة فى الكويت وكنيسة لندن وكنيستان فى كندا واحدة فى تورنتو تأسست سنة 1964 م وأخرى فى مونتريال سنة 1968 م .. ثم أسس البابا كنيستين فى استراليا , كنيسة فى سيدنى وكنيسة فى ملبورن - كنيسة فى جرسى سيتى سنة 1969 م وكنيسة فى لوس أنجيلوس , فكان قداسته أول بابا يهتم بأولادنا فى الخارج على مستوى القارات آسيا وأوربا وأمريكا الشمالية وأستراليا .
وفى عهده أيضاً تعمقت العلاقة المسكونية مع الكنائس فى الخارج على مستوى كبير جداً .
وفى الداخل نذكر شيئاً إهتم به البابا فحل مشكلة إستمرت حوالى مائة سنة ألا وهى مشكلة الأوقاف القبطية والنزاع بين الإكليروس والعلمانيين أعضاء المجلس الملى .
ففى عهده وبمفاوضات مع الدوله صدر قرار بقانون سنة 1960 م بإنشاء هيئة الأوقاف القبطية برئاسة البابا وعضوية ستة من الأراخنة وستة من أراخنة الشعب , وبذلك إنتهى النزاع حول الإشراف على الأوقاف .
وإهتم البابا أيضاً بالآثار القبطية وشكل لجنة كان من أشهر إنجازاتها حفريات تل أتريب .
البابا كيرلس السادس أيضاً قام برسامة عشرين من ألاباء الأساقفة والمطارنة , وكان أول من رسم أساقفة عموميين حيث كان يرسم أساقفة بدون إيبارشيات , فرسم ثلاثة من ألاباء الأساقفة العموميين هم : الأنبا صموئيل أسقف عام الخدمات والأنبا شنودة أسقف عام التعليم والأنبا غريغوريوس أسقف عام البحث العلمى والثقافة القبطية , وكان من الإصلاحات التى اجراها قداسته فى الرسامات أنه كسر مبدأ وراثة الأديرة مالإيبارشيات حتى تعطى للصالحين للرسامة بغض النظر عن الأديرة , كما بدأ أيضاً بتقسيم الإيبارشيات الكبيرة مثل إيبارشية الجيزة والقليوبية والدقهلية ودمياط , وعاش قداسة البابا يبحث عن كل شئ يحتاج لرعاية فيقيم له اللجان المتخصصة , فشكل لجنة لرعاية الكنائس وإفتقادها , ولجنة للإحتياجات الكنسية لإستيراد الشموع والبخور والأجراس وغيرها , ولجنة للآثار ولجان علمية أخرى .
وهكذا ظل فى نشاطه الذى يحبه إلى أن مرض مرضه ألخير , وكان يقاوم المرض ويداوم على الصلاة إلى أن منعه الأطباء , نذكر حياته الطاهرة ونذكر علاقته بشعبه ونذكر أيضاً شعبيته , فأول بابا إختلط مع الناس هذا الإختلاط الكامل هو البابا كيرلس , كل يوم بيعمل قداس والناس بيقابلوه فى القداس , يعنى على ألقل اللى مش عارف يقابل البابا كان بيقدر يقابله فى القداس , واللى مش فاضى وقت القداس كان بيروح عشية وبيقابله , فكان من الممكن لأى انسان يقابل البابا ويسلم عليه إما بالليل أو بالنهار , ودى حاجه كانت معروفه , وإن كان هناك شخص يريد أن يتحدث كثيراً مع البابا كان يحضر فى منتصف الليل أثناء التسبحة .
وإلى ألآن لا تزال شعبية البابا كيرلس مستمرة حتى يعد رقاده فى الرب , وما زلت أذكر ذلك الموكب الحزين للناس ممن كانوا يأخذون بركته من جثمانه الطاهر بعد أنتقاله فى بكاء مر وفى عاطفة قوية بأعداد لا تحصى .
نطلب بركة لأنفسنا وللكنيسة ونطلب صلواته عنا ونطلب أن يديم الرب علينا هذه البداية الطيبة التى بداها البابا كيرلس لكى تتابعها أجيال من بعده , ولنفسه الطاهرة كل إحترام وتوقير كأب وراع وإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين .
منقول