- إنضم
- 1 نوفمبر 2005
- المشاركات
- 540
- مستوى التفاعل
- 12
- النقاط
- 0
بسم الله القوى
مقدمة لسفر نشيد الأنشاد
كاتب سفر نشيد الأنشاد هو سليمان (نشيد 1:1). وهو عبارة عن قصة حب جميلة تعبر عن رابطة الزواج الطاهرة المقدسة التي رسمها الخالق - ليكن الزواج مكرما عند كل واحد والمضجع غير نجس، وأما العاهرون والزناة فسيدينهم الله (عبرانيين 4:13).
ينظر معلمو اليهود إلى هذا السفر على أنه صورة للعلاقة بين الله وبين إسرائيل. ويعتقد العديد من القادة المسيحيين أنه يعبر عن المحبة الكائنة بين المسيح وكنيسته. فهو يعبر عن الأشواق التي في النفس المسيحية للوجود في محضر العريس السماوي، والاتحاد الثمين بين العروس والعريس - ملك الملوك ورب الأرباب. فهو يصور حقا الحب الروحي - أو العلاقة الروحية المقدسة بين الله وبين الذين يحبونه.
ويحكي سفر نشيد الأنشاد قصة حلم جميل حلمت به زوجة شابة عندما تأخر عريسها. فإن الحب الثمين بين الزوج وزوجته يعلي من شأن صفاتهما كليهما.
والقصة بأكملها تأخذ شكل الحلم. فإن الظروف مبهمة ولا تشبه ما يحدث في الحياة العادية. فالشوق والحيرة والبحث تمثل صور الأحلام. لقد كانت الزوجة نائمة في فراشها، ولكن أفكارها كانت ممتلئة من الزوج الغائب. طلبت من تحبه نفسي، طلبته فما وجدته (نشيد 1:3).
توجد صعوبات عديدة في التفسير الروحي لبعض هذه الأقوال، ولكن في الواقع توجد أيضا صعوبات في تفسير علاقة الكنيسة بالمسيح عريسها. فأحيانا يكون لدينا إحساس عميق بحضوره ولكن هذا الإحساس قد يزول بلا سبب. ومع ذلك فإن محبتنا له تتزايد إذ نستمر ننتظره مترقبين تلك اللحظة التي فيها ستقع عيوننا عليه: فإننا ننظر الآن في مرآة في لغز لكن حينئذ وجها لوجه، الآن أعرف بعض المعرفة ولكن حينئذ سأعرف كما عرفت (1 كورنثوس 12:13). إن أهمية هذا النشيد تتضح بطريقتين. أولا، أن الخالق الذي يتحكم في قلوب الملوك قاد جامعي الكتاب المقدس أن يضموا إليه هذا النشيد؛ وثانيا أن الرب نفسه قال إن كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم (2 تيموثاوس 16:3).
الشخصيات الرئيسية في هذا السفر: سليمان الملك، شولميث.
نتعلم من هذا السفر: أن الحب بين الرجل والمرأة هو عطية من الله طالما في الإطار الذي رسمه الله
وقد ثبت أن كتاب نشيد الأنشاد من الكتب الموحى بها، وأنه وحي لسليمان الحكيم، الذي تكلم بثلاثة آلاف مَثَل، وكانت نشائده ألفا وخمساً (1ملوك 4: 32),
واستدل العلماء المتقدمون على أنه وحي لسليمان بأدلة كثيرة منها:
(1) أنه ذكر في الآية الأولى من هذا السفر نشيد الأنشاد الذي لسليمان ,
(2) أُشير فيه إلى زخرفة قصره (1: 5) وإلى الخيل والمركبات التي اشتراها من فرعون ملك مصر (1: 9) فإن هذا يطابق ما ذُكر عنه في سفر (1ملوك 10: 28 و29), وأُشير فيه إلى أبيناداب الذي اقترن بإحدى بنات سليمان (6: 12 و 1ملوك 4: 11) وأُشير فيه إلى الهيكل فإنه كُني عنه بكلمة تخت (3: 9 و10),
(3) فإذا قيل إنه وردت ألفاظ غير عبرية فيه وهي تدل على أنه ليس بقديم عهد، قلنا إن بني إسرائيل كانوا مختلطين مع الأمم المجاورة لهم بالمعاملات والتجارة، فكان من المتوقع أن توجد في هذا السفر ألفاظ قليلة من لغة تلك الأمم, وقال كنيكوت إن هذا السفر كُتب بعد سليمان، لورود حرف يود في اسم داود، فإنهم كانوا يكتبون اسم داود بهذا الحرف بعد سليمان, وهو برهان واهٍ، ولا سيما أنه لم يرد اسم داود في هذا السفر سوى مرة واحدة (4: 4) فهل يجوز أن مجرد خلاف واحد يهدم الأدلة القوية المتينة, ولكن لماذا لا يقال إن النُسَّاخ الذين أتوا بعد سليمان كتبوا اسم داود حسب المصطلح عليه في عصرهم؟ وعلى كل حال فهذا يدل على أن تدقيق أهل الكتاب بلغ مبلغاً زائداً، فلم يقتصروا على التدقيق في اللغة، بل نظروا في ذات الأحرف، واستنتجوا منها نتائج وبنوا عليها أحكاماً, قارن هذا بأن علماء الإسلام أوصلوا الاختلاف في كلمات القرآن وحروفه وحركاته وسكناته إلى 12 ألف اختلاف,
(4) أدرج النبي عزرا هذا السفر ضمن الكتب المقدسة، ولم يفعل ذلك إلا بوحي إلهي, وكان موجوداً في الترجمة السبعينية قبل المسيح بمائتي سنة، وترجمه إلى اللغة اليونانية أكيلا وسيماخوس وثيودوسيوس في القرن الثاني المسيحي، وفي القرن الثالث شرحه أوريجانوس، وأجمع علماء اليهود على أنه وحي إلهي, وأدرجه يوسيفوس المؤرخ اليهودي ضمن الكتب الإلهية، وتسلّمه العلماء المسيحيون من أئمة اليهود كما هو، وأدرجه أسقف ساردس مليتو مع الكتب المقدسة سنة 170م بعد أن زار فلسطين ليستطلع من اليهود عدد كتبهم الموحى بها, وذكر هذا السفر إغناطيوس الذي كان تلميذ الرسول يوحنا في أوائل القرن الثاني، واستشهد به أثناسيوس في القرن الثالث، وذكره جيروم وروفينوس في القرن الرابع بعد المسيح,
(5) استعمل الله في هذا السفر وفي غيره استعارات وتشبيهات للإعراب عن النسبة بينه وبين شعبه، فشبّه محبته لشعبه بمحبة العريس لعروسه، وفي مكان آخر شبّه الاتحاد بينه وبين شعبه بالاتحاد الموجود بين الزوج وزوجته، وبين جذع الشجرة وأغصانها، وبين الرأس والأعضاء، وغير ذلك, فإن الله تنازل وقرّب لعقولنا الحقائق السامية بالصور المحسوسة، فنسب إلى ذاته العواطف البشرية، كالحب والرضا، بل نسب إلى ذاته الانفعالات النفسانية كالغم والغضب وغير ذلك, وقد ورد في القرآن قوله: يحبهم ويحبونه فاتبعوني يحببكم الله (آل عمران 3: 31), ونسب إليه صفة الغضب، كقوله: غضب الله عليها وصفة الرضا في قوله: رضي الله عنهم وصفة العجب بل عجبتُ وقوله وإن تعجب فعجب قولهم , وصفة الرحمة في آيات كثيرة,
وقال العلماء: كل صفة تستحيل نسبتها إلى الله تعالى تُفسّر بلازمها ,
فإذا وردت في سفر النشيد بعض تشبيهات أو استعارات، وجب أن تُحمل على غايتها لا على أوائلها, وسبب قول المعترض إنه عشق فسقي هو استعمال هذه الاستعارات فيه, ولو ادّعى أحد الغربيين هذه الدعوى لعذرناه لجهله باصطلاحات أصحاب السلوك، بخلاف الشرقي الذي تواترت عنده قصائد محيي الدين بن العربي، وقصائد ابن الفارض وغيرهما، فإن قصائدهم في العشق الإلهي أشهر من أن تُذكر, وقالوا في ابن الفارض:
جُزْ بالقرافة تحت ذيل العارض وقلِ السلامُ عليك يا ابنَ الفارض
أبرزتَ في نظم السلوك عجائباً وكشفتَ عن سرٍّ مصونٍ غامض
وشربتَ من بحر المحبة والولا فرُويتَ من بحرٍ محيطٍ فائض
مقدمة أخرى
الواقع إن الاقتراب من سفر نشيد الأناشيد، يشبه الاقتراب من الشجرة المشتعلة، بالنار المقدسة، التي رآها موسى النبي، حيث قال له الرب: "يا موسى! اخلع نعل رجليك لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة" (أع7: 37) .
وهذا ما ذُكِر في القرآن أيضا: "أن ياموسى اخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى" (سورة طه20: 12) .
والواقع أن الإنسان يلبس نعلا في قدميه للحماية من شوك الأرض الملعونة، التي قال الرب عنها لآدم "ملعونةٌ الأرضُ بسببك ... وشوكا وحسكا تنبت لك" (تك3: 17و18) .
ولكن إذا ما ترك الإنسان الأرض الملعونة بشوكها، وبدأ يقف على الأرض المقدسة بطهرها، وجب عليه أن يخلع ذلك النعل، من جهة، من أجل قداسة المكان، تماما مثلما يحدث في الدخول إلى أماكن العبادة. ومن جهة أخرى، ليترك لحواسه أن تستشعر قداسة هذه الأرض المباركة، دون ما عائق. فخلع النعلين يشير إلى التحرر من العوامل المادية التي تقيد انطلاقة الروح في هذا الطريق الروحي. ومن هنا نستطيع أن نفهم ما قصده السيد المسيح بقوله: "الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة" (يوحنا 6 : 63)، وكذلك ما قاله بولس الرسول: "الانسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة، أما الروحي فيحكم في كل شيء .." (1كورنثوس 2: 14) ولعل هذا هو ما دعى السيد المسيح أن يحذر قائلا: "لا ترموا درركم قدام الخنازير لئلا تدوسها بأقدامها، وتلتفت فتمزقكم" (متى7: 6) .
لهذا فعندما نقترب من سفر نشيد الأناشيد، بسمو معانيه ورموزه، علينا أن نخلع نعل المادية، والأفكار الشهوانية، ونتقدم في قداسة الفكر ونقاوة القلب، لأن: "كلَّ شيء طاهر للطاهرين، أما للنجسين وغير المؤمنين، فليس شيء طاهر، بل قد تنجس ذهنهم أيضا وضميرهم" (تيطس1: 15) .
وأحب أن أطمئن إخوانَنا المسلمين أن علماء الكتاب المقدس سواء في اليهودية أو في المسيحية منذ أقدم العصور، لم تكن تنقصهم الفطنة التي يدَّعيها المتطرفون من المسلمين، بخصوص ما يقولونه عن سفر نشيد الأناشيد، فلو كانوا قد وجدوا أن في هذا السفر شُبْهَةَ خزي، كما يدعي المتطرفون، لما كانوا قد وضعوه ضمن الأسفار المقدسة، في مجامع ضمت صفوة العلماء والفهماء والروحانيين!! أم أن علماء الديانتين كانوا أغبياء إلى هذا الحد، فلم ينتبهوا إلى ما اكتشفه متطرفو الدين الإسلامي!!! وكيف يدَّعى هؤلاء المتطرفون ذلك؟ بينما نبي الإسلام ذاته، لم يعترض على هذا السفر أو على غيره من الأسفار المقدسة، بل على العكس شهد للكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد قائلا: "قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه" (القصص28: 49) .
ومهما ادعى المتفلسفون بأكذوبة تحريف الإنجيل والتوراة، فليس من المعقول أن يأتي المحرِّفون بكتاب معيب كما يظن المدعون، بل كان من الأولى بهم أن يغيروا ما يثير الشبهات التي ينتقدها غير الفاهمين. ولكن إصرارَ رجال الديانتين، دون ما اتفاق بينهما، على الاحتفاظ بهذا السفر النفيس ضمن الكتب المقدسة الموحى بها، يجعلنا نقف موقف طالبي العلم والمعرفة، لندرك المعاني السامية المتضمنة فيه. وسوف يشمل حديثنا في هذا الكتاب الأمور التالية:
1ـ سفر النشيد والشعر الصوفي الروحي.
2ـ الألفاظ المعترض عليها في سفر النشيد.
3ـ سفر النشيد وجنة الخلد، مقارنة موضوعية.
من الرب نسأل أن يستخدم هذه الكلمات ليزيل كل التخوفات من قدسية كلماته، وليفتح الطريق أمام القلوب لتقبل نعمته والدخول فى عشرة حقيقية معه.
هل كُتب نشيد الأناشيد بلغة مُبتذلة ؟
الواقع أن أسلوب نشيد الأناشيد ليس هو عشقا فاضحا كما يقول المعترضون، ولكنه عشق مقدس. وربما تندهش من هذا التعبير: (العشق المقدس)! ولكن لكي يزول اندهاشك يا عزيزي دعني أذكرك بشخصية لها مقامها المكرم بين النساء المسلمات وهي رابعة العدوية. هل تعرف لقبها الذي تشتهر به؟ اقرأ ما كتبه عنها الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بدوي أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة عين شمس، وقد دَعَى كتابه عنها بإسم "شهيدة العشق الإلهي" وعندها ستفهم لقب عروس النشيد المتيمة بالعشق الإلهي.
كاتب سفر نشيد الأنشاد هو سليمان (نشيد 1:1). وهو عبارة عن قصة حب جميلة تعبر عن رابطة الزواج الطاهرة المقدسة التي رسمها الخالق - ليكن الزواج مكرما عند كل واحد والمضجع غير نجس، وأما العاهرون والزناة فسيدينهم الله (عبرانيين 4:13).
ينظر معلمو اليهود إلى هذا السفر على أنه صورة للعلاقة بين الله وبين إسرائيل. ويعتقد العديد من القادة المسيحيين أنه يعبر عن المحبة الكائنة بين المسيح وكنيسته. فهو يعبر عن الأشواق التي في النفس المسيحية للوجود في محضر العريس السماوي، والاتحاد الثمين بين العروس والعريس - ملك الملوك ورب الأرباب. فهو يصور حقا الحب الروحي - أو العلاقة الروحية المقدسة بين الله وبين الذين يحبونه.
ويحكي سفر نشيد الأنشاد قصة حلم جميل حلمت به زوجة شابة عندما تأخر عريسها. فإن الحب الثمين بين الزوج وزوجته يعلي من شأن صفاتهما كليهما.
والقصة بأكملها تأخذ شكل الحلم. فإن الظروف مبهمة ولا تشبه ما يحدث في الحياة العادية. فالشوق والحيرة والبحث تمثل صور الأحلام. لقد كانت الزوجة نائمة في فراشها، ولكن أفكارها كانت ممتلئة من الزوج الغائب. طلبت من تحبه نفسي، طلبته فما وجدته (نشيد 1:3).
توجد صعوبات عديدة في التفسير الروحي لبعض هذه الأقوال، ولكن في الواقع توجد أيضا صعوبات في تفسير علاقة الكنيسة بالمسيح عريسها. فأحيانا يكون لدينا إحساس عميق بحضوره ولكن هذا الإحساس قد يزول بلا سبب. ومع ذلك فإن محبتنا له تتزايد إذ نستمر ننتظره مترقبين تلك اللحظة التي فيها ستقع عيوننا عليه: فإننا ننظر الآن في مرآة في لغز لكن حينئذ وجها لوجه، الآن أعرف بعض المعرفة ولكن حينئذ سأعرف كما عرفت (1 كورنثوس 12:13). إن أهمية هذا النشيد تتضح بطريقتين. أولا، أن الخالق الذي يتحكم في قلوب الملوك قاد جامعي الكتاب المقدس أن يضموا إليه هذا النشيد؛ وثانيا أن الرب نفسه قال إن كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم (2 تيموثاوس 16:3).
الشخصيات الرئيسية في هذا السفر: سليمان الملك، شولميث.
نتعلم من هذا السفر: أن الحب بين الرجل والمرأة هو عطية من الله طالما في الإطار الذي رسمه الله
وقد ثبت أن كتاب نشيد الأنشاد من الكتب الموحى بها، وأنه وحي لسليمان الحكيم، الذي تكلم بثلاثة آلاف مَثَل، وكانت نشائده ألفا وخمساً (1ملوك 4: 32),
واستدل العلماء المتقدمون على أنه وحي لسليمان بأدلة كثيرة منها:
(1) أنه ذكر في الآية الأولى من هذا السفر نشيد الأنشاد الذي لسليمان ,
(2) أُشير فيه إلى زخرفة قصره (1: 5) وإلى الخيل والمركبات التي اشتراها من فرعون ملك مصر (1: 9) فإن هذا يطابق ما ذُكر عنه في سفر (1ملوك 10: 28 و29), وأُشير فيه إلى أبيناداب الذي اقترن بإحدى بنات سليمان (6: 12 و 1ملوك 4: 11) وأُشير فيه إلى الهيكل فإنه كُني عنه بكلمة تخت (3: 9 و10),
(3) فإذا قيل إنه وردت ألفاظ غير عبرية فيه وهي تدل على أنه ليس بقديم عهد، قلنا إن بني إسرائيل كانوا مختلطين مع الأمم المجاورة لهم بالمعاملات والتجارة، فكان من المتوقع أن توجد في هذا السفر ألفاظ قليلة من لغة تلك الأمم, وقال كنيكوت إن هذا السفر كُتب بعد سليمان، لورود حرف يود في اسم داود، فإنهم كانوا يكتبون اسم داود بهذا الحرف بعد سليمان, وهو برهان واهٍ، ولا سيما أنه لم يرد اسم داود في هذا السفر سوى مرة واحدة (4: 4) فهل يجوز أن مجرد خلاف واحد يهدم الأدلة القوية المتينة, ولكن لماذا لا يقال إن النُسَّاخ الذين أتوا بعد سليمان كتبوا اسم داود حسب المصطلح عليه في عصرهم؟ وعلى كل حال فهذا يدل على أن تدقيق أهل الكتاب بلغ مبلغاً زائداً، فلم يقتصروا على التدقيق في اللغة، بل نظروا في ذات الأحرف، واستنتجوا منها نتائج وبنوا عليها أحكاماً, قارن هذا بأن علماء الإسلام أوصلوا الاختلاف في كلمات القرآن وحروفه وحركاته وسكناته إلى 12 ألف اختلاف,
(4) أدرج النبي عزرا هذا السفر ضمن الكتب المقدسة، ولم يفعل ذلك إلا بوحي إلهي, وكان موجوداً في الترجمة السبعينية قبل المسيح بمائتي سنة، وترجمه إلى اللغة اليونانية أكيلا وسيماخوس وثيودوسيوس في القرن الثاني المسيحي، وفي القرن الثالث شرحه أوريجانوس، وأجمع علماء اليهود على أنه وحي إلهي, وأدرجه يوسيفوس المؤرخ اليهودي ضمن الكتب الإلهية، وتسلّمه العلماء المسيحيون من أئمة اليهود كما هو، وأدرجه أسقف ساردس مليتو مع الكتب المقدسة سنة 170م بعد أن زار فلسطين ليستطلع من اليهود عدد كتبهم الموحى بها, وذكر هذا السفر إغناطيوس الذي كان تلميذ الرسول يوحنا في أوائل القرن الثاني، واستشهد به أثناسيوس في القرن الثالث، وذكره جيروم وروفينوس في القرن الرابع بعد المسيح,
(5) استعمل الله في هذا السفر وفي غيره استعارات وتشبيهات للإعراب عن النسبة بينه وبين شعبه، فشبّه محبته لشعبه بمحبة العريس لعروسه، وفي مكان آخر شبّه الاتحاد بينه وبين شعبه بالاتحاد الموجود بين الزوج وزوجته، وبين جذع الشجرة وأغصانها، وبين الرأس والأعضاء، وغير ذلك, فإن الله تنازل وقرّب لعقولنا الحقائق السامية بالصور المحسوسة، فنسب إلى ذاته العواطف البشرية، كالحب والرضا، بل نسب إلى ذاته الانفعالات النفسانية كالغم والغضب وغير ذلك, وقد ورد في القرآن قوله: يحبهم ويحبونه فاتبعوني يحببكم الله (آل عمران 3: 31), ونسب إليه صفة الغضب، كقوله: غضب الله عليها وصفة الرضا في قوله: رضي الله عنهم وصفة العجب بل عجبتُ وقوله وإن تعجب فعجب قولهم , وصفة الرحمة في آيات كثيرة,
وقال العلماء: كل صفة تستحيل نسبتها إلى الله تعالى تُفسّر بلازمها ,
فإذا وردت في سفر النشيد بعض تشبيهات أو استعارات، وجب أن تُحمل على غايتها لا على أوائلها, وسبب قول المعترض إنه عشق فسقي هو استعمال هذه الاستعارات فيه, ولو ادّعى أحد الغربيين هذه الدعوى لعذرناه لجهله باصطلاحات أصحاب السلوك، بخلاف الشرقي الذي تواترت عنده قصائد محيي الدين بن العربي، وقصائد ابن الفارض وغيرهما، فإن قصائدهم في العشق الإلهي أشهر من أن تُذكر, وقالوا في ابن الفارض:
جُزْ بالقرافة تحت ذيل العارض وقلِ السلامُ عليك يا ابنَ الفارض
أبرزتَ في نظم السلوك عجائباً وكشفتَ عن سرٍّ مصونٍ غامض
وشربتَ من بحر المحبة والولا فرُويتَ من بحرٍ محيطٍ فائض
مقدمة أخرى
الواقع إن الاقتراب من سفر نشيد الأناشيد، يشبه الاقتراب من الشجرة المشتعلة، بالنار المقدسة، التي رآها موسى النبي، حيث قال له الرب: "يا موسى! اخلع نعل رجليك لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة" (أع7: 37) .
وهذا ما ذُكِر في القرآن أيضا: "أن ياموسى اخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى" (سورة طه20: 12) .
والواقع أن الإنسان يلبس نعلا في قدميه للحماية من شوك الأرض الملعونة، التي قال الرب عنها لآدم "ملعونةٌ الأرضُ بسببك ... وشوكا وحسكا تنبت لك" (تك3: 17و18) .
ولكن إذا ما ترك الإنسان الأرض الملعونة بشوكها، وبدأ يقف على الأرض المقدسة بطهرها، وجب عليه أن يخلع ذلك النعل، من جهة، من أجل قداسة المكان، تماما مثلما يحدث في الدخول إلى أماكن العبادة. ومن جهة أخرى، ليترك لحواسه أن تستشعر قداسة هذه الأرض المباركة، دون ما عائق. فخلع النعلين يشير إلى التحرر من العوامل المادية التي تقيد انطلاقة الروح في هذا الطريق الروحي. ومن هنا نستطيع أن نفهم ما قصده السيد المسيح بقوله: "الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة" (يوحنا 6 : 63)، وكذلك ما قاله بولس الرسول: "الانسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة، أما الروحي فيحكم في كل شيء .." (1كورنثوس 2: 14) ولعل هذا هو ما دعى السيد المسيح أن يحذر قائلا: "لا ترموا درركم قدام الخنازير لئلا تدوسها بأقدامها، وتلتفت فتمزقكم" (متى7: 6) .
لهذا فعندما نقترب من سفر نشيد الأناشيد، بسمو معانيه ورموزه، علينا أن نخلع نعل المادية، والأفكار الشهوانية، ونتقدم في قداسة الفكر ونقاوة القلب، لأن: "كلَّ شيء طاهر للطاهرين، أما للنجسين وغير المؤمنين، فليس شيء طاهر، بل قد تنجس ذهنهم أيضا وضميرهم" (تيطس1: 15) .
وأحب أن أطمئن إخوانَنا المسلمين أن علماء الكتاب المقدس سواء في اليهودية أو في المسيحية منذ أقدم العصور، لم تكن تنقصهم الفطنة التي يدَّعيها المتطرفون من المسلمين، بخصوص ما يقولونه عن سفر نشيد الأناشيد، فلو كانوا قد وجدوا أن في هذا السفر شُبْهَةَ خزي، كما يدعي المتطرفون، لما كانوا قد وضعوه ضمن الأسفار المقدسة، في مجامع ضمت صفوة العلماء والفهماء والروحانيين!! أم أن علماء الديانتين كانوا أغبياء إلى هذا الحد، فلم ينتبهوا إلى ما اكتشفه متطرفو الدين الإسلامي!!! وكيف يدَّعى هؤلاء المتطرفون ذلك؟ بينما نبي الإسلام ذاته، لم يعترض على هذا السفر أو على غيره من الأسفار المقدسة، بل على العكس شهد للكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد قائلا: "قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه" (القصص28: 49) .
ومهما ادعى المتفلسفون بأكذوبة تحريف الإنجيل والتوراة، فليس من المعقول أن يأتي المحرِّفون بكتاب معيب كما يظن المدعون، بل كان من الأولى بهم أن يغيروا ما يثير الشبهات التي ينتقدها غير الفاهمين. ولكن إصرارَ رجال الديانتين، دون ما اتفاق بينهما، على الاحتفاظ بهذا السفر النفيس ضمن الكتب المقدسة الموحى بها، يجعلنا نقف موقف طالبي العلم والمعرفة، لندرك المعاني السامية المتضمنة فيه. وسوف يشمل حديثنا في هذا الكتاب الأمور التالية:
1ـ سفر النشيد والشعر الصوفي الروحي.
2ـ الألفاظ المعترض عليها في سفر النشيد.
3ـ سفر النشيد وجنة الخلد، مقارنة موضوعية.
من الرب نسأل أن يستخدم هذه الكلمات ليزيل كل التخوفات من قدسية كلماته، وليفتح الطريق أمام القلوب لتقبل نعمته والدخول فى عشرة حقيقية معه.
هل كُتب نشيد الأناشيد بلغة مُبتذلة ؟
الواقع أن أسلوب نشيد الأناشيد ليس هو عشقا فاضحا كما يقول المعترضون، ولكنه عشق مقدس. وربما تندهش من هذا التعبير: (العشق المقدس)! ولكن لكي يزول اندهاشك يا عزيزي دعني أذكرك بشخصية لها مقامها المكرم بين النساء المسلمات وهي رابعة العدوية. هل تعرف لقبها الذي تشتهر به؟ اقرأ ما كتبه عنها الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بدوي أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة عين شمس، وقد دَعَى كتابه عنها بإسم "شهيدة العشق الإلهي" وعندها ستفهم لقب عروس النشيد المتيمة بالعشق الإلهي.