الكشفيّة ... في تاريخها ونشأتها الفصل الاول (2 )

dr.sheko

God Bless U
عضو مبارك
إنضم
13 يوليو 2007
المشاركات
646
مستوى التفاعل
13
النقاط
0
الكشفيّة
بقلم: الأب عماد طوال
الكشفيّة

المقدمة

منذ أن أسس اللورد بادن باول الكشفية عام 1907, حدّد رسالتها في توضيح القيم التربوية لدى الشباب من خلال إنعاش وإحياء الحدس الداخلي لديهم.
لقد اقتربت ساعة 100عام لهذا التأسيس حيث سنحتفل باليوبيل المئوي عام 2007. لقد انتشرت الكشفية في العالم أجمع, وطُبعت الكتب ووزعت النشرات وكثرت المؤتمرات واللقاءات والمخيمات تحت عنوان "كشاف اليوم... كشاف للأبد". إذ يقارب عدد المنتسبين إلى الكشفية اليوم حوالي 20 مليون كشاف من 155 دولة حيث يعيشون أخوة واحدة، "دون تمييز ولا تفرقة وإنما محبة وسلام".
إذا نظرنا إلى واقعنا المعاصر لرأينا بأن شباب هذا العصر هم مثاليون ولكن دون مُثل عليا , لا يؤمنون بأن الأفكار تغيّر العالم ... لا يفكرون كيف أنهم عماد الحياة , ولا يدركون بأن مستقبل العالم يعتمد عليهم . لا يفهمون بأن العالم سيكون بصورة أفضل عندما يصارعون من أجل عالم جديد . ولا يسألون ما معنى الحياة, فيعيشون على هامشها .
من هنا تأتي الروحانية الكشفية التي تسعى إلى تربية الشاب للبحث عن الحقيقة من خلال البحث والاكتشاف الشخصي . قال يوماً بادن باول : "يريد الشاب أن يصنع أمورا كثيرة, شجعوه وادعموا نشاطه حتى وإن أخطأ, سيروا به على الطريق السليم , فمن خلال الأخطاء يكتشف الصواب " . وقال أيضا: "إن كبح الأنانية ونمو الحب وخدمة الآخرين ( التي هي دليل حضور الله فينا ) تحمل للإنسان تغييراً كاملاً فيصبح سؤاله ( ماذا بإمكاني أن أعمل؟ ) بدلاً من (ماذا بإمكاني أن آخذ؟)" .
الفصل الأول
الروحانية الكشفية
أ‌- تعريف المصطلحات:
تسعى الكشفية دائما إلى تحقيق ملكوت الله على الأرض , وذلك بأن تنمّي بين الشباب الروح في الإرادة الصالحة والتعاون مع الآخرين في الحياة اليومية.
لقد أعلن المؤتمر العالمي للكشاف في تسالونيكي 2001 استراتيجية واضحة للرسالة "دور الكشاف هو الإسهام في تربية الشباب من خلال زرع القيم المبنيّة على الوعد والمنهاج الكشفي في سبيل بناء عالم أفضل وتطوير مجتمع أرقى..."... بهذه القيم في الكشفية نستطيع أن نتكلم عن روحانية كشفية مسيحية . روحانية: أي صورة مسيحية للسير على خطى المسيح ... في الكشفية هنالك الكثير من الطرق للسير مجهزين بجميع اللوازم الضرورية ( الخيمة , الشنطة , العصا, الماء, الخبز...) .
الروحانية هي نفس الطريق, أي السير بالشاب تجاه الطريق, السير هو الحركة, والحركة هي نشاط وحيوية وفاعلية, هي الكنيسة التي تسير نحو الملكوت. بالكشفية نسير معاً ونبني علاقة, وبها نجدد محبتنا للكشفية في كنيستنا ونكتشف السيد المسيح في كشفيتنا ونبني جماعتنا من أجل بناء ملكوت الله .
فالإنسان مخلوق على صورة الله ومثاله , ولا قيمه له , إلاّ بمقدار ما تنمو هذه الصورة فيه وتتكامل . وما يُؤسف له أننا نرى بعض الكشافة , لا يدركون هذا البعد الروحي , ولا يدخلونه في حساباتهم , بل يمارسون كشفية على مستوى التسلية والمظاهر والاحتفالات الخارجية والعرض الموسيقي....
فالكشفية هي مجموعة أشخاص يعيشون بعداً روحياً من خلال تكتيك وتقنية كشفية لبلوغ حقيقة إنسان مسيحي ملتزم وناضج وواعٍ. بهذا الاتجاه تبني خبرة روحية عميقة وذلك من خلال توضيح الرؤية للآخر, للإنسان , للعمل , للفضائل المختلفة , للجماعة, التي تتحول في العمق الداخلي إلى كنيسة , كنيسة أولى " قلباً واحداً ونفساً واحدة " مبنية على المحبة والخدمة... قال بادن باول : " يهدف الكشاف إلى إعداد رجال ونساء يتمتعون بالصحة والسعادة والجاهزية للخدمة المجانية ... الاستعداد الدائم للعمل حتى في اللحظات الحرجة...".
العمل مع الشباب في رسالتنا بألفة ومحبة رسالة الإيمان, وهذا ما أكده بادن باول بقوله: " يسعى الكشاف إلى التربية على المحبة لا على الخوف..." نحو مغامرة الكشفية الروحية . إعلان كلمة الله من خلال شهادة الحياة والعمل بها, فالقائد الروحي يتكلم باسم الله , فهو صورته الحقيقية والمرئية . ومن هنا تأتي الثقة بالذي يعلن كلمة الله والمسؤولية في ترجمتها وتحويلها إلى حياة ... قال الأب سيفان " الكشفية هي العمل في أن يبلغ كل شاب الدرجة القصوى من القدرة البشرية في المعرفة والحياة حسب الإنجيل".

ب- الجذور الدينية في العمل الكشفي لدى بادن باول:
 الكشفية:معرفة الحس الديني لدى بادن باول الموجود في "جذور" المنهاج الكشفي.
 الكشفية المسيحية: كيفية استغلال الأب جاك سيفان للمنهاج الكشفي لبادن باول ووضع البعد الروحي في العمل الكشفي بصورة مثمرة وفعاّله.
 الجذور المسيحية والعمل الكشفي: كيفية اكتشاف الجذور المسيحية واللاهوتية - الكتابية في ديناميكية العمل الكشفي والتربوي من خلال: الوعد, حياة الفرقة, الخدمة, الطريق, المخيم... الخ.
إن العلاقة بين الكشفية والدين هي من المواضيع الأكثر طرحاً في الكشفية المعاصرة. نحن نعلم أن بادن باول هو ابن لقس انجليكاني, ونشأ في أسرة مسيحية محافظة ومنها وضع المنهاج الكشفي. وأكد أنه لا يوجد كشفية بدون دين. وكتب "إن الإنسان بدون دين لا قيمه له ولا معنى"... إن الدين أمر سهل: أحبب الله واخدم القريب.
عندما صدرت أول وثيقة كشفية عام 1908 "كشفية للأولاد" "Scouting for boys" (Eclaireurs) في 400 صفحة. لم نجد سوى فقرتين مخصصتين حول الدين, فطُرح السؤال على بادن باول أين نجد التنشئة الدينية في البرنامج الكشفي؟ فأجاب: لايوجد برنامج, لأنه في جوهر وعمق العمل الكشفي. وهكذا عندما نُفعّل الكشفية عملياً فإننا نضع الإنجيل في عمقه... هذا يعني أننا نطبّق الإنجيل على أرض الواقع. ويضيف بادن باول أنه يوجد طريقان لمعرفة الله: التأمل في الكتاب المقدس, وقراءة كتاب رائع هو كتاب الطبيعة, من خلال رؤية عظمة الله في الطبيعة والجمال والتأمل بها.

نستطيع تلخيص فكر بادن باول الديني من خلال النقاط التالية:
1. لم يرد بادن باول تأسيس دين جديد وإنما وضع صورة جديدة لعيش وتطبيق الدين: لقد وجد الكشفية لتطبيق الدين واقعياً وليس الاقتصار على الفكر اللاهوتي التقليدي. لا ينفصل الدين عن الحياة الكشفية وإنما هما عنصران لإنسان متدين ومؤمن.
2. إن الدين ليس مكوّناً للمنهاج الكشفي الذي يمنح للآخرين: يدعو بادن باول إلى الاستمرارية بين العمل والدين, بين الحياة والإيمان. يعتقد بادن باول أن الله والدين في الكشفية يزرعان الانسجام الطبيعي في العمل الكشفي, ويكوّنان البعد الداخلي في الكشفية المعاشة خارجياً. ويقول: "تريد المدرسة تربية الإيمان لدى الطفل من خلال الغرفة الصفية, أما الكشفية فتقوم بتربية الإيمان من خلال كسر الحواجز والخروج إلى الطبيعة وتحت أشعة الشمس والسجود لعظمة الخالق بخليقته".
إنها الكشفية التي تبني ملكوت الله , بهذا الواقع كتب بادن باول: "إنه جيداً أن تكون صالحاً, ولكن الأفضل أن تعمل الشيء الصالح" "يمكنكم أن تجعلوا من المستحيل ممكناً". وهذه الحقيقة المتجذرة بالكشفية من خلال خدمة القريب هي مفتاح الكشفية. إن الكشفية ليست فقط لعبة وإنما هي منهاج حقيقي للتربية المسيحية.

ج- الكشفية المسيحية عند الأب جاك سيفان
لقد ولدت الكشفية خارج الكاثوليكية, في حضن الكنيسة الإنجيلية حيث كان بادن باول إنجيلياً. ولكنه أقام علاقة وطيدة مع الكاثوليكية, حيث أكد أمام الكاردينال Villeneuve في كندا: "فقط الكنيسة الكاثوليكية التي فهمت سمّو الكشفية التي أحلم بها".
إنه الأب جاك سيفان الذي طبّق وتبنى المنهاج الكشفي الانجليزي في الكشفية في فرنسا, وأضاف عليها النكهة التربوية الإيمانية, وجعل الإيمان عطراً للكشفية, وحقق فكر بادن باول في الإيمان والتطبيق. ولكن كيف تمّ ذلك فعلياً؟
1. على التربية الدينية أن تتحد وتتواصل مع التنشئة التقنية: كتب الأب سيفان في كتابه "Scoutisme" (الكشفية): إن الدين هو جوهر الكشفية , لأن الكشفية تهدف إلى تنشئة الإنسان الكامل... نحن أمام حضور كامل في التربية والتقوى, والكشفية هي تطبيق فعلي يجذب الشاب من خلال زرع الروحانية الكشفية مع الاحتفالات الكنسية... فكونّ رهبنة الصليب المقدس, ووضع الصلاة الكشفية الموحاة من كتابات القديس اغناطيوس دة ليولا. الكشفية هي تجسيد اللاهوت في عمق التربية الكشفية.
2. الكشفية هي التطبيق العملي Praxis للرسالة الإنجيلية: من هنا تدعو الكشفية المسيحية إلى استخدام الألفاظ الإيمانية والإنجيلية من خلال المجموعات والطلائع "أن نعمل الأفضل", "أن أكون جاهزاً دائماً", "الخدمة", "أن أكون عاملاً في حقل الرب". عرض الأب سيفان على الكشاف قاعدة ذهبية وهي: "أن الكشاف فخور بإيمانه ويخضع له كل حياته". وقد كتب في إحدى قصائده "إن قانونك الكشفي, قانون مقدس وعبيره عطر الإنجيل". "إن قانونك الكشفي هو شريعة يسوع".
3. دخول الكشفية المسيحية في الحركة الديناميكية الكتابية لتاريخ الخلاص: كتب الأب سيفان يوماً "ان الكشفية هي الدخول في فهم جديد للعالم من خلال تمجيد الله في خلقه...". وهكذا بدأت الرغبة لمعرفة الكتاب المقدس الذي يعتبر جوهر وحي الله... على الكشفية إظهار عمل الله وتعميق الإيمان من خلال نشاطاتها وبرنامجها.
إن الكشفية هي مكان الوحي للخبر السار. والخبرة المعاشة هي مكان الوحي. ليس المهم هو قراءة فقرات من الكتاب المقدس أو فقرات من العهد القديم, وإنما تفعيل كلمة الله وحضوره من خلال المحبة الأخوية في النشاطات مع المجموعات. إن التربية على الإيمان في الكشفية تعمق البعد الروحي الذي يمنحه الله في الكتاب المقدس.
لدينا لاهوت التجسد وعلم الكنيسة لشعب الله, والكشفية تقارن بشعب الله الذي يخيّم في الصحراء ويحاول اكتشاف طريق الله. فالكشفية هي مسيرة عهد مع الله من خلال خدمة الآخرين.
4. تسعى الكشفية من خلال الصلاة والتقشف لوضع كلمة الله حيّز التطبيق.الكشفية هي طريق روحي من خلال حياة الخلاء والمخيم. إنها تقشف بالخدمة, وخبرة المسير في الكشفية هي أسلوب مثابرة وحياة سير على خطى الإيمان.
إن الكشفية التي تتبنى روح المبادرة, وتذوّق الطبيعة والبحث عن تنمية الجسد, هي فعلاً تبرير لاهوتي وحضور حقيقي في سرّ التجسد. كتب يوماً الأب سيفان "إن حياة المخيم هي شهادة حقة للبقاء في خيمة الرب للنمو الروحي للكشاف الحقيقي".
 
أعلى