الجلجثة

صائد الذباب

عضو مبار
عضو مبارك
إنضم
7 فبراير 2006
المشاركات
354
مستوى التفاعل
10
النقاط
0




الجلجثة
*******


أقترب وحيد من باب كنيستة التى كانت فى تلك الليلة تحتفل بليلة عيد القيامة

أقترب وهو يتذكر رحلة الطفولة والصبا فى ذلك البناء الكنسى

تلك الكنيسة التى كانت تعرف هذا الوحيد عز المعرفة

منذ سنوات طوال عندما تعمد على يد القس المنتقل للفردوس الاب ميخائيل وكيف أنة تربى بين حوائطها يلعب فى ساحتها

وكيف كان لة من الاصدقاء فى فرقة كشافة الكنيسة الكثير

تذكر التحضيرات التى كانوا يقومون بها للدورات الكشفية

وبعدها الخدمة فى ليالى الاعياد

تذكر مراحل عمرة السابقة

ولكنة الان بعدما ناهز على العقد الثالث من العمر لم يستطيع بعد كل تلك السنوات أن يدخل كما كان فى الماضى

أحس أن أضحى غريب عن المكان فبرغم عشقة وحبة وذكرياتة

لم تطاوعة أقدامة على بلوغ عتبات المكان

أحس أنة أصبح غريب عن المكان

أعترف بموت ذلك النور الذى كان يسكن فى قلبة وروحة

حاول جاهداً أن يدخل كما وعد أمة أن يحضر قداس ليلة العيد فى كنيستة

كما وعدها أن يقترب من الرب أكثر

أن يسجد أمام أيقونتة المحبوبة لنفسة

تلك الايقونة التى عشق النظر اليها كلما دخل عندها

أيقونة الصلب

لم يستطع أن يرغم ذاتة على الدخول

بل عندما أقترب من الباب حتى وجد نفسة ينسحب ويرجع للوراء مندفعاً فى الشارع وهو يهرول

وكأنة يهرب من ذكرياتة الجميلة

الشىء الوحيد الباقى لة من هذة الحياة

الشىء الوحيد الذى يقتات منة حتى يكمل ذلك المشوار

مشوارالفشل مع الدنيا

أبتعد عن كنيستة

متلفتاً حولة لا يجد أحد فى ذلك الشارع المظلم

مشى كثيراً حتى تعبت أقدامة

مشى لا يعرف الى أين أخذتة أقدامة

فهذا الشارع لاول مرة يراة أو هكذا صور لة خيالة

تأكد أنة فعلاً لم يأتى لهذا المكان من قبل

شارع طويل جداً لا نهاية لة

بيوتة ومنازلة عتيقة ....قديمة..... متهالكة كأنة ضربت بقنابل

لا... ليس بقنابل قد ضربت بل بيد الزمن وتداول العصور عليها

لاصوت هناك غير صوت أقدامة ودقات قلبة التى أرتفعت بشدة من مشهد ذلك المكان

بحث عن مخرج لهذا الشارع فلم يجد

تلفت حولة

يحاول أن يجد أى أنسان يسئلة عن هذا الشارع

وفى أى منطقة هو موجود الان ؟ ولكن لا أحد

أحس أن المكان هذا ليس فى منطقتة بل ليس فى القاهرة كلها

أشتم رائحة عبق غريب

عبق كأنة لنبات السوسن لم يتنسمها من قبل

بدء يكمل سيرة فحتماً سيجد أحد

أو أى مخرج يدلة على طريق العودة

أنتبة أخيراً أن هذا الشارع يرتفع شيئاً فشىء كلما أكمل مسيرتة

لماذا أحس بالحزن من هذا المكان

حزن

ولكنة حزن ليس كأحزان العالم ومشاكلها المزمنة

حزن نقى

فليس كل الاحزان شريرة وموجعة

مشى أكثر

وكلما مشى كلما أصبحت المنازل على الجانبين أقل وأصغر حجماً

حتى وصل لمكان مرتفع

هائل الارتفاع

التفت للخلف فهالة ما شاهد

وجد تحتة أنوار منازل كثيرة وكأنها مدينة صغيرة وهو فوق ربوة عالية

أندهش جداً وأحس أن كل هذا ليس أكثر من حلم

حلم وسيفيق منة حتماً بين لحظة وأخرى

نظر أمامة فوجد تلك الربوة التى صعد لها تحمل أخر شيىء فى الدنيا

أخر شىء من الممكن أن يتخيلة

__________________



 

صائد الذباب

عضو مبار
عضو مبارك
إنضم
7 فبراير 2006
المشاركات
354
مستوى التفاعل
10
النقاط
0
نعم

وجد صليب مرفوع على تلك الربوة

ليس واحد فقط

بل ثلاث صلبان مرتفعة

وشعاع من النور يحيط بأوسطهم

أقترب فى حذر ودهشة

أقترب أكثر

أقترب بشدة

أقترب حتى أصبح يقف أمام ذلك الصليب وجهاً لوجة

رفع عيناة بصعوبة وهو ينهج بشدة

وكأنة قد مشى سنوات وسنوات

وكأنة جرى العمر كلة

نظر للمرفوع فوق الصليب

نظر للمصلوب

فوجدة جميل الوجة مستديرة

كقرص الشمس

كامل البهاء

هادىء القسمات

عيناة كأنهما قمر يلمع فى ليل حالك

خصلات شعرة كأنها أمواج بحار هادئة

نظر المصلوب لوحيد وأبتسم

أبتسم فى وداعة

لم يعرف الشاب أبتسامة بها كل تلك الوداعة من قبل

أقترب وحيد أكثر بعدما شعر بالراحة الفريدة

تلك الراحة التى كان يبحث عنها طيلة حياتة

حتى تخيلها شىء أسطورى لا وجود لة الا فى مخيلة الشعراء والادباء

شعر بأمان هائل

أمان لم يشعر بة حتى وهو فى أحشاء أمة مرتبط بها بذلك الحبل

السرى

أحس بأن الدنيا كلها ترتل لة

لة فقط

أحس بأن العالم كلة لم يعد شاغلة الاول مثلما كان فى الماضى القريب

أحس بأن نفسة المثقلة بأحزان الكون كلة قد غسلت

فتح وحيد فاة قائلاً :

ربى والهى هل أنا فعلاً أشاهدك !!

هل أنا فعلاً فى حضرتك ؟ومعك !!

تكلم المصلوب فى صوت كأنة لحن تعزفة السماء

كصوت الناى عندما يشدو

كصوت الف قيثارة ترتل فى قوة

تكلم يسوع قائلاً :

أبنى وحيد أنت هنا فى موضع الجلجثة

تشاهد ما أدفعة لاجلك

لاجلك ولاجل كثيرين

أدفع عنكم موت الخطية الاولى

أرفع عنكم عذاب أبدى منتظر

تحيا أنت فى

وأحيا أنا فيك


صمت يسوع المصلوب

فشاهد وحيد تلك الدماء التى كانت تسيل فوق جبين الفادى

شاهد وحيد قطرات العرق التى كانت تتفصد من جبينة

ممتزجة بدمة الطاهر فى مشهد لاتستطيع ريشة أعظم فنانى الدنيا

على أخراجها

دمعت عينا وحيد كما لم تدمع من قبل

أقترب أكثر

أقترب ومد أطراف أصابعة لاقدام الفادى

التى كانت مسمرة على خشبة الصليب

أحس برعشة قوية تجتاح جسدة

كأجتياح نور النهار لظلمة ليل حالك رهيب

أحس برعدة ورعشة

رعشة شديدة فى كامل جسدة الضعيف

شعر بتيار قوى يسرى فى نفسة وجسدة

يسرى ليزرع قوة الهية

ويهدم ضعف الانسان المائت

رجع وحيد رافعاً رأسة للرب قائلاً لة فى دهشة ممزوجة بالحزن :

آهل هذا لاجلى ؟َ!

لاجلى أنا الانسان الضعيف

دودة الارض

هباء الريح

كيف ربى أستحق هذا ؟؟

كيف أستطيع أن تتحمل نفسى صنيعك معى ؟

آهل تكفى كلمات الشكر ؟؟؟

آهل توجد فى قواميس الدنيا كلها كلمة شكر أرفعها ؟؟

آهل توجد فى كل لغات العالم والسنتها صلاة تشفع لى ؟

تشفع لى بجوار دمك المسفوك لاجلى ؟؟

أنا الخاطىء

أناالانسان

قاسى القلب

ضعيف النفس

صريع الايمان ؟؟

كيف أستطيع أن أدفع ثمن فدائك عنى ؟؟

أرتسمت أبتسامة حلوة فوق وجة يسوع

أبتسامة هزت كل مشاعر وحيد

حركت كل خلجة من خلجات نفسة المتعبة

أبتسم الرب وهو يجيب الشاب :

ولدى

الثمن قد دفع

والشفاعة قد وجدت

والكفارة قد صنعت

يكفى أنك ولدى

فلذة كبدى

أسمك منقوش على كفى

وأنا الان أقف على باب قلبك وأقرع

أنا الان أقف على أسوار مدينك رافعاً صوتى لك

أنا الان أبحث عن خروفى الذى أبتعد عنى

ووجدتة

عندما وجدتك

هل تفتح بابك لادخل ؟

هل تسمع صوتى مجيباً لة ؟


هل تأتى الى

وعلى أكتافى تجلس لترجع لحظيرتى ؟

فى هذة اللحظة أنهار وحيد وبكى بشدة

بكى بدموع حلوة المذاق

بكى

كما تبكى الانهار شلالات مياة قوية

أحس بأنة ولد من جديد

أحس بأنة تعمد من جديد

أحس بأنة أصبح أنسان جديد

رفع وحيد رأسة للمصلوب وهو يقول فى صوت ضعيف :

ولكننى ياأبتى أنا لست مستحق حتى أن أدعى عبدك وليس أبناً

لست مستحق أن يسفك عنى هذا الدم الطاهر

لست مستحق

لست مستحق

أجاب الرب فى حنان وقوة عجيبة :

لا

هذا هو جسدى أضحى ذبيح لاجل

هذا هو دمى أصبح مسفوك عنك

وهذا هو فدائى قد أكمل عن ذاتك

فالعهد القديم قد أنتهى وأغلق سفرة

والعهد الجديد ها هو قد بدء نهارة يظهر

أنت مستحق أن تدعى من اليوم أبنى

أنت مستحق أن تكون وكيل لى على الخلائق

أنت مستحق أن تكون ملك على المسكونة كلها

فأنا أبيك

وأبيك هو

ملك الملوك

هذا هو دمى وجسدى وفدائى

هما للعهد الجديد ياولدى

أحمل صليبك لكى تستحق

أحمل صليبك وأتبعنى لكى تستحق

فأنا نيرى هين

وحملى خفيف

وصليبى صليب مجد وقوة

لا صليب عار وضعف

صليبى صليب نجاح وفرح

لا صليب فشل وحزن

أنا هو

الطريق

والحق

والحياة

أحمل صليبك

أحمل صليبك وأتبعنى كل أيام حياتك

لطريق الجلجثة

لطريق الخلاص



سقط وحيد على ركبتية

سقط منحنياً على أقدام المصلوب

وهنا سمع صوت يسوع يصرخ بكل قوة

صرخة هزت كيان الشاب

قائلاً :

قد أكمل

وبعدها تنامت الى مسامعة رنات أجراس تأتى من بعيد

فرفع رأسة ليجد نفسة منحنياً على صخرة

صخرة محفور عليها تلك الكلمات


{أنا هو أمس واليوم والى الابد}

أنا صخرة الدهور

تمت
 

My Rock

خدام الكل
مدير المنتدى
إنضم
16 مارس 2005
المشاركات
27,311
مستوى التفاعل
3,159
النقاط
113
الإقامة
منقوش على كفيه
اشتقنالك و لكتاباتك اخي العزيز
مبدع كعادتك.. بصراحة يحلو لي قرائتها عدة مرت... ربنا يبارك موهبتك
 

صائد الذباب

عضو مبار
عضو مبارك
إنضم
7 فبراير 2006
المشاركات
354
مستوى التفاعل
10
النقاط
0
:66:

كلماتك أخى الغالى

هى وسام على صدرى

فشكراً لك تلك الكلمات المشجعة التى لا أستحقها

 

maged tharwat

New member
عضو
إنضم
18 أبريل 2006
المشاركات
26
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
اخى فى الرب قصة اجمل من رائعة الرب يعينك
 

blackguitar

غريبا عشت فالدنيا
عضو مبارك
إنضم
30 ديسمبر 2005
المشاركات
3,082
مستوى التفاعل
38
النقاط
0
صراحه لا اجد تعليقا على هذه القصه الرائعه وفوق الرائعه التى لمستنى داخليا

اخى صائد الذباب انت موهوب بالفطرة وتنمى موهبتك ونحن نتمتع بابدعاتك الرائعه

..................... الرب يباركك وينجح طريقك دائما وابدا لمجد اسمه القدوس .................
 
أعلى