إخوة المـسيح ...

Messias

غالى عليك
عضو مبارك
إنضم
1 نوفمبر 2005
المشاركات
541
مستوى التفاعل
12
النقاط
0
الإقامة
غريب انا فى الأرض لا تخفى عنى وصياك
بسم الله القوى​



إخوة المسيح



بينما كان يسوع وسط الجموع في حوار مع الكتبة والفريسيين أرسلت أمه وإخوته إليه يدعونه ( مت 12 : 46 - 50 ، مرقس 3 : 31 - 35 ، لو 8 : 19 - 21 ) ، ولكي يبين لهم أن الروابط الجسدية لا يمكن أن تعوق قيامه بواجباته كالمسيا ، مد يده نحو تلاميذه وقال : من يصنع مشيئة أبي الذي في السموات هو أخي وأختي و امي .
وبينما كان يعلم في الناصرة لم يستطع جيرانه الذين راقبوه يعيش وينمو بينهم أن يدركوا سر حكمته وقوته ، فتساءلوا باندهاش قائلين إنهم يعرفون أسرته ، أمه و إخوته وأخواته ( مت 13 : 54 و 55 ، مرقس 6 : 2 و 3 ) .
كما نقرأ أن أمه وإخوته وتلاميذه ذهبوا معه إلى كفر ناحوم بعد عرس قانا الجليل ( يو 2 : 12 ) . ونعلم أن إخوته لم يكونوا يؤمنون به ، بل كانوا يسخرون منه ويتهكمون عليه ( يو 7 : 3 - 5 ) . ولكن هذا الموقف منه قد تبدل تماماًعقب القيامة والصعود ( أع 1 : 14 ) ، فقد كان اخوته وأمه مع الأحد عشر وسائر جماعة المؤمنين ، يواظبون بنفس واحدة على الصلاة منتظرين موعد الروح القدس . كما نرى اشتراكهم في خدمة الكرازة ( 1 كو 9 : 5 ) ألعلنا ليس لنا سلطان أن نجول بأخت زوجة كباقي الرسل وإخوة الرب ؟ . كما يوصف يعقوب الذي كان أسقفاًفي كنيسة أورشليم بأنه أخو الرب ( غل 1 : 19 ) ، وهو ما يتفق مع ( متى 13 : 55 ) حيث تذكر أسماء أخوة الرب : يعقوب ويوسي ( يوسف ) وسمعان ويهوذا . وعندما يقال : يهوذا .. أخو يعقوب ( يهوذا 1 ) فأول ما يخطر على البال هو أن يهوذا هذا هو أخ آخر للرب . والاستنتاج الطبيعي من مثل هذه النصوص ، هو أنهم كانوا أبناء يوسف ومريم ، ولدوا لهما بعد ولادة يسوع ، وكانوا يعيشون مع مريم وبناتها في بيتهم في الناصرة ، وقد رافقوا الأم في رحلاتها ، ويطلق عليهم إخوة الرب بنفس المعنى الذي يقال إن يوسف أبوه ، فقد كانوا إخوته لصلتهم المشتركة بمريم ، ويؤيد هذا المفهوم تلك الحقيقة الواردة في لوقا ( 2 : 7 ) من أن يسوع يدعى ابنها البكر وكذلك ما جاء في متى ( 1 : 25 ) . ومع أن كل عبارة من هذه العبارات - لو أخذت بمفردها - قد يمكن حملها - ولو بصعوبة - على محمل آخر ، لكنها كلها مجتمعة لها قوتها ، ولدحض ذلك يلزم تفسير الكثير من العبارات . وهذا الرأي ليس أقدم الأراء ، وهو يعود إلى ترتليان ، وقد شرحه بأكثر وضوح بلفيديوس أحد كتاب القرن الرابع ، الذي لا نعرف عنه إلا القليل .

هناك رأيان آخران لهما مؤيدون أقوياء : والرأي الأول - الذي يبدو أنه كان شائعاًفي القرون الثلاثة الأولى ، ويؤيده أوريجانوس ويوسيبوس وجريجورى النيسي وأمبروزيوس وأبيفانيوس ( أكبر المؤيدين ) - يعتبر أن هؤلاء الأخوة كانوا أبناء ليوسف من زواج سابق قبل مريم . ويختفي يوسف من المشهد عندما بلغ يسوع الاثنتي عشرة من العمر ، فلا نعرف عنه شيئاًبعد قصة ذهابه مع الصبي يسوع إلى الهيكل ( لو 3 : 41 - 51 ). وحيث أنه لا يذكر عنه شيئ بين أفراد العائلة في مرقس ( 6 : 3) ، فهذا دليل على أن مريم كانت قد أصبحت أرملة قبل أن تقف عند الصليب ، بزمن ، دون أي سند لها من العائلة .

وقد حاولت الأناجيل الأبوكريفية أن تملأ الفجوات التي تركتها الأناجيل القانونية ، فقد جاء فيها أن يوسف كان في الثمانين من العمر عند زواجه من مريم ، كما تذكر تلك الأناجيل أسماء أولاده وبناته من زواجه الأول ، وكما يقول ليتفوت إنها مجرد تلفيقات . ويتمادى ثيوفلاكت في ذلك ، فيقول إنهم كانوا أبناءه من زواجه بأرملة أخية كلوباس . ويقول البعض إنهم كانوا أبناء إخوة يوسف ، ضمهم إليه يوسف بعد موت أخيه كلوباس ، وبذلك صاروا جزءا من الأسرة واعتبروا أبناء ليوسف ومريم . وبناء على هذا الرأي يكون كل أفراد الأسرة في الناصرة - فيما عدا مريم - لا يمتون ليسوع بصلة الدم .

ولكن هذا ليس إلا مفهوما دوسيتيا ( لا يؤمن بأن يسوع جاء في جسد حقيقي ) لتأييد عقيدة دوام بتولية مريم ، وقد نبتت كل هذه التفاصيل ، بما فيها شيخوخة يوسف وضعفه ، من هذا المنطلق .

والرأي الآخر ، الذي كان جيروم - في شبابه - أول من قال به في معارضته لبلفيديوس ، وقد أيده فيما بعد أوغسطينوس وسائر الكتاب الكاثوليك ، وانتقل منهم إلى الكنائس البروتستنتتية في عصر الإصلاح ، فقبله لوثر وكينمتز وبنجل وغيرهم . هذا الرأي يرى أن كلمة أخ تؤدي في المفهوم العام معنى قريب فقد تعني ابن العم أو ابن العمة أو ابن الخال أو ابن الخالة ، وبناء على هذا المفهوم ، يكون هؤلاء الإخوة ممن تربطهم صلة القرابة بيسوع ، ولكن ليس بيوسف ، فهم أبناء حلفي المدعـو كلوبا ( او كلوباس - يو 19 : 25 ) وكانت زوجته أختا لمريم ، وتوصف في متى ( 27 : 56 ) بأنها أم يعقوب ويوسي ، وفي مرقس ( 15 : 40 ) بأنها أم يعقوب الصغير ويوسي وسالومة . وهذه النظرية في أكمل صورها ، تقول إن الأسماء الثلاثة يعقوب ويهوذا وسمعان موجودة في جدول أسماء الرسل وفي جدول أسماء إخوة يسوع ، ويستبعدون أن تحدث مثل هذه المطابقة العجيبة لو أنهم كانوا أشخاصاًمختلفين ، وأن تسمي كل من الأختين - وكل منهما اسمها مريم - أبناءها بنفس أسماءأبناء أختها . كما يقول مؤيدو هذه النظرية إن عبارة يعقوب الصغير تدل على أنه لم يكن هناك إلا شخصان فقط باسم يعقوب في الدائرة الوثيقة الصلة بيسوع . كما يقولون انه بعد موت يوسف ، نزلت مريم في بيـت أختها ،فامتزجت الأسرتان وقام أبناء وبنات أختها على خدمتها ، وبذلك أصبح من السهل أن يقول عنهم أهل الناصرة إنهم إخوته وأخواته . ولكن هذه النظرية المعقدة ، تقوم في وجهها عدة صعاب ، فلا يمكن إثبات أن كلوبا وحلفي هما شخص واحد لمجرد بعض التشابه الغامض بين الاسمين في الأرامية . وأحسن ما يمكن أن يقال عن هذه النظرية إنها مجرد احتمال . كما أن تطابق شخصية مريم زوجة كلوبا مع أخت مريم أم يسوع ، أمر لا يمكن اثباته على وجه اليقين ، فما جاء في يوحنا ( 19 : 25 ) - الذي تستند إليه هذه النظرية - يمكن أن يستدل منه أيضاًعلى أنه كانت هناك أربع نساء واقفات عند الصليب : إحداهن مريم زوجة كلوبا ، وأخت أمه واحدة أخرى ، والأمر يتوقف على ما إذا كانت مريم اسم بدل من أخت ، فإذا قرأنا الآية على أنها تذكر أربع نساء ، فلا يكون ذلك تركيباًفريداًفي العهد الجديد ، بل بذلك نتخلص من مشكلة وجود أختين بنفس الاسم ، وهي مشكلة أصعب من وجود أبناء خالة بنفس الأسماء . كما أن اعتبار يعقوب الصغير حجة على أنه كان هنـاك يعقوبان فقط - كما ذكر آنفاً- لا جدوى منها ، لأنها في الأصل اليوناني ليست يعقوب الأصغر ( كما في الترجمة الانجليزية ) ولكنها يعقوب الصغير بدون أي صيغة من صيغ التفضيل أو المقارنة . والأرجح أنه دعي كذلك لأن قامته كانت أقصر من المعتاد . كما أن المشكلة لا تحل بافتراض أن هؤلاء الإخوة الثلاثة كانوا رسلا بنفس هذه الاسماء ، لانه كثيراًما يذكر إخوة يسوع بجانب الرسل ومتميزين عنهم ، ففي متى ( 12 : 49 ) بينما كان يقف إخوة يسوع خارجاً، كان الرسل يحيطون به . ونقرأ في يوحنا ( 2 : 12 ) عن أمه وإخوته وتلاميذه وفي الأعمال ( 1 : 13 ) كان هناك الأحد عشر بما فيهم يعقوب بن حلفي وسمعان ويهوذا ويعقوب ، ومعهم مريم أم يسوع وإخوته . ولكن أهم اعتراض على نظرية جيروم ، هو ما جاء في يوحنا ( 7 : 3 - 5 ) من أن إخوته أيضاًلم يكونوا يؤمنون به . بل بالحرى كانوا يسخرون منه .
ومن الجانب الآخر فإن الاعتراض على أنهم أبناء مريم ويوسف لا يقوم على أساس متين . وعندما يقال لنا إن محاولتهم التدخل في أمور يسوع ، تدل على أنهم كانوا أرفع منه منزلة لإن هذا لا يتفق مع التقاليد اليهودية بالنسبة للإخوة الأصغر ، فيمكن الرد على هذا الاعتراض بأن من يتصرفون تصرفاًخاطئاًمثلهم ، لا يمكن اعتبارهم نموذجاًيقاس عليه .

أما الاعتراض بأن يسوع على الصليب قد عهد بأمه إلى يوحنا ، مما يدل على أنه لم يكن لها أبناء تستطيع أن تلجأ إليهم في حزنها ووحدتها ، فليس من الضروري أن يكون الرد على ذلك أن ظروفاًعائلية مجهولة يمكن أن تبرر ذلك ، إذ أن التعليل الأقوى هو أنه لأنهم لم يفهموا أخاهم ، لم يستطيعوا أن يفهموا أمهم التي كانت تتجه بكل حياتها واهتماماتها إلى ابنها البكر .

ومن الناحية الأخرى ، لم يفهم أحد من التلاميذ يسوع ويقدر عمله ، مثلما فعل يوحنا ، وهكذا نشأت رابطة شركة بين مريم ويوحنا أقوى وأعمق من رابطة الدم التي كانت بينها وبين أبنائها الذين ظلوا إلى ذلك الحين ، غير راضين عن مسلك يسوع ولا عن خدمته ، ففي بيت يوحنا ستجد العزاء حيث تستعيد ذكريات حياة ابنها العجيبة ، وتتطارح الحديث عنها ، مع من اتكأ على صدر يسوع ، والذي كان يسوع يحبه .

ومع أن أولئك الإخوة قد أصبحوا من تلاميذه الأمناء بعد بضعة أيام ، إلا أن الرب يسوع أراد لها شركة روحية أعمق عن طريق شهادة يوحنا التي كان يختزنها في روحه العميقة المرهفة . لقد كانت هناك أشياء كثيرة مشتركة بين مريم ويوحنا . كما قد يكون لذلك أساس في الرابطة العائلية ، حيث أن الكثيرين يعتقدون أن سالومة أم يوحنا كانت أخت مريم أم يسوع ( انظر يوحنا 19 : 25 ) .

ويكمن خلف النظريتين القائلتين بأنهم لم يكونوا إخوة أشقاء بل إخوة غير أشقاء من يوسف ( أبيفانيوس ) ، أو أنهم كانوا أولاد خالته (جيروم ) ، الاعتقاد ببتولية مريم بتولية دائمة . وقد شاعت هذه النظرية ، التي كان شعارها : مريم دائمة البتولية - دون أي سند كتابي - في عقيدة وعبادة الكنائس في العصور القديمة والوسطى ، وانتقلت في صورة معدلة من الكنيستين اليونانية والكاثوليكية إلى البروتستنتية ، وكانت حجتهم في ذلك أن المشاعر المسيحية تشمئز من مجرد الفكر بأن رحم مريم الذي سكن فيه الكلـمة الذي صار جسداًبطريقة عجيبة ، قد صار مسكناًلأطفال آخرين . وينطوى في ثنايا هذا الرأى فكرة أخرى - برزت بقوة في عقائد العصور الوسطى - هي أن عملية التناسل ذاتها خاطئة وكذلك الميل الغريزي في الإنسان ، الذي تقوم عليه كل الروابط العائلية . ولكن فيما جاء في ( 1 تي 4 : 3 و 4 ، عب 13 : 4 ) الرد الكافي على ذلك . فإن وصمة الخطية لا توجد في الزواج وكل ما يرتبط به ، وقد باركه الله ( انظر أع 10 : 15 ) ، ولكن في إساءة استخدامه والانحراف به عن مقاصده . ومن التناقض الواضح أن يسلم البروتستنت بالنظـرية الكاثوليكية ، بأن الامتناع عن الزواج أقدس من الزواج ، وأن التبتل في الزواج أفضل من الزواج نفسه . كما أن هذه النظرية ترتبط بالسمو بمريم عن دائرة الحياة العادية وواجباتها ، كشيء لا يليق بمن يجب أن تحاط بهالة من القداسة كنصف إله ، حتى تصبح موضوعاًللعبادة .
لكن اعتبارهم إخوة أشقاء للرب ، فيه تكريم وتشريف للحياة العائليـة بكل علاقاتها وواجباتها ، كما أن فيه تقديساًللأمومة بكل عواطفها ومسئولياتها ، فذلك أقدس من الانعزال الأناني عن العالم لتجنب كل ما فيه من مضايقات ومتاعب تلازم الوفاء لدعوتنا العليا في المسيح .

ولقد عرف الرب يسوع وكذلك مريم ، مدى الحزن الذي يخيم على البيت المنقسم بسبب الدين ( مت 10 : 35 الخ ) ، ولكن زال كل عدم الإيمان واللامبالاة أمام الضوء الباهر لقيامة يسوع ، كما يتضح ذلك من وجود هؤلاء الإخوة بين جماعة التلاميذ في أورشليم ( أع 1 : 14 ) . ولعل الإشارة إلى ظهوره ليعقوب بعد القيامة ( 1 كو 15 : 7 ) لها علاقة بهذا التغيير في موقفهم . ونفهم من ( 1 كو 9 : 5 ) أن اثنين - على الأقل منهم - كان لهما نشاطهما في الكرازةلليهود داخل الأراضي المقدسة بناء على الاتفاق المذكور في الأصحاح الثاني من غلاطية الذي دخل فيه يعقوب ، بموقفه المعروف فيما يختص بالأمم . ويرى زاهن أن يعقوب كان رجلاًزاهداًلم يتزوج ، فلا يكون مقصوداًبما جاء عن إخوة الرب ( 1 كو 9 : 5 ) ، بل المقصود بذلك هما يهوذا وسمعان . ويدل زواجهما على عدم وجود فكرة الزهد الكاذب عند العائلة المقدسة ، وهو الأمر الذي سبب الكثير من التشويش بهذا الخصوص ( ألفورد ) .


من دوائر المعرفة
 
أعلى