أسبوع الصلاة من أجلِ وحدة المسيحيين

لمسة يسوع

Well-known member
إنضم
20 أغسطس 2022
المشاركات
1,840
مستوى التفاعل
564
النقاط
113

البطريركية الكلدانية


أسبوع الصلاة من أجلِ وحدة المسيحيين​


بقلم: الأب د. سالم ساكا

كما في كلِّ عام، تحتفل الكنائس المسيحيَّة بأسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين من 18 إلى 25 كانون الثاني. تمَّ اختيار التاريخ التقليدي هذا في عام 1908 بعد اقتراح قدَّمه الأب الانكليكاني والمنتمي فيما بعد الى الكنيسة الكاثوليكية، بول واتسون (Paul Wattson)، لأنَّه يقع، حسب التقويم اللاتيني، بين عيد كرسي القديس بطرس، الذي يُحتفل به في 18 كانون الثاني، وعيد اهتداء القديس بولس الذي يُحتفل به يوم 25 من نفس الشهر. لقد حظي التوقيت هذا ببركة البابا بيوس العاشر (1903-1914)، والبابا بندكتوس الخامس عشر (1914-1922).
لقد بدأنا العامَ الجديد للتوِّ، فيه تدعو الكنيسة جميع المؤمنين بالمسيح إلى الاتِّحاد في الصلاة، لكي يدركوا مرة أخرى رغبة ربِّنا ومخلِّصنا الحارَّة في العشاء الأخير “لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي” (يوحنا17/21). لكن، كيف يمكننا أنْ نعيشَ وحدتنا كمسيحيين لمواجهةِ شرور عصرنا ومظالمه؟ كيف يمكننا المشاركة في الحوار والنموّ في الوعي المتبادل والتَّفاهم وتبادل الخبرات الحياتية؟ الجواب هو: إنَّ صلاتنا واجتماعاتنا بقلبٍ واحد، وهذا ما يجب أنْ نؤمن به، لديهما القدرة على تغييرنا، كأفرادٍ وكنائس وجماعات كنسية. لننفتحَ إذن، على حضور الله في كلِّ لقاء واجتماع، إذْ نطلب منه نعمة التغيير، والشفاء من خطيئة الانقسام والكبرياء. ولنلتزم معًا بالنضالِ والسعيّ الجادّ من أجلِ وحدتنا كمسيحيين ووحدة كنائسنا ومجتمعاتنا. إذْ كلُّنا ننتمي إلى مسيحٍ واحد مخلِّص الكلّ.
وحدة المسيحيين علامة لإيمان العالم بيسوع المسيح:
إنَّ وحدتنا نحن المسيحيين لها قيمة العلامة الحاسمة ليؤمنَ العالم بيسوع المسيح الـمُرسَل من لدنِ الله الآب، والذي يمنحنا الروح القدس كتعبيرٍ عن الشركةِ العميقة في سرِّ الله الحيّ. ومن هذه الوحدة التي يشترك فيها الآب والابن والروح القدس في نفس الآلوهيَّة، تنشأ شركة الكنيسة الواحدة المقدَّسة الجامعة الرسوليَّة. هذه الحقيقة الأكثر ثراءً في حياتنا كشعبٍ مُعمَّد وأبناء الله بارادةِ المسيح وبفضله، على الرغم من الاختلافات التي لا تزال تفرِّق الكنائس المسيحيَّة وتأتي بالتأكيد من بعيدٍ في التاريخ ونتجت عن أسبابٍ مختلفة، ولأنْ لن نتغلَّب على ذلك من خلال الثقة فقط في قوَّتنا وامكاناتنا. لذلك ينبغي أنْ نحتفلَ بأسبوع الصلاة من أجلِ وحدة المسيحيين، وهي مبادرة عمرها أكثر من قرن وتشترك فيها الغالبية العظمى من الكنائس والجماعات الكنسيَّة، والتي أخذت بُعدَ حدثٍ سنوي يتطلَّب سعينا وإهتمامنا، واهتمامنا يتطلَّب جوابنا وردَّنا .لذلك، من يوم 18 إلى 25 كانون الثاني في كلِّ جماعة كنسيَّة، تُرفع الصلوات والطلبات إلى الله القدير حتى تتحقَّق إرادة الربِّ يسوع: “ليكونوا جميعًا واحدًا”!
اسبوع الصلاة جواب لقرار المجمع الفاتيكاني الثاني:
إنَّ أسبوع الصلاة، الذي يهدف إلى تعميم الصلاة من أجلِ الوحدة، يستجيب للهدف الذي حدَّده القرار المجمعي في الحركة المسكونية “Unitatis Redintegratio” “UR” “استعادة الوحدة الكاملة” الصادر عن المجمع الفاتيكاني الثاني عندما ينصّ على: “إنَّ توبةَ القلبِ وقداسة السيرة إذا ما إشتركنا في التَّضرعات الفرديَّة والجماعيَّة من أجلِ وحدة المسيحيين، يجب أنْ تعتبرا بمثابة الروح للحركة المسكونيَّة بكاملها، وأنْ تُدعيا بحقٍّ الحركة المسكونيَّة الروحيَّة” (الوحدة الكاملة، 8).
تحثُّنا محبَّة المسيح أيضاً على الصلاة، ولكن أيضًا على الذهاب إلى ما هو أبعد من الصلاة من أجل وحدة المسيحيين. فالمجتمعات والكنائس تحتاج إلى عطيَّة المصالحة من اللهِ كمصدرٍ للحياة. ولكن، قبل كلِّ شيء، تحتاج إليها لتكون قادرة على ذلك. ليُقدِّموا شهادتهم المشتركة للعالم: “لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي” (يوحنا17/21). إنَّ عالمنا، مجتمعاتنا، وكنائسنا تحتاج إلى سفراء مصالحة ومُوادَعَة، يهدمون الحواجز، ويبنون الجسور. كما تحتاج أيضاً إلى صانعي السلام وترسيخه في القلوب كما في الضمائر، وأنْ يفتحون البابَ لطرقٍ جديدة للحياة، باسم الذي صالحنا في الله، يسوع المسيح.
في العالم المسيحي، تمَّ الآن بكلِّ سرور تعزيز الإجماع الضمني على اعتبار أسبوع الصلاة هذا وقتًا قويًا للصلاة المسكونيَّة. إنَّه أسبوع بامتياز للصلاة من أجلِ تلك الوحدة التي دعا إليها يسوع في ليلةِ العشاء الأخير قبل وقت قصير من آلامه.
إنَّ الإيمان يُعزّينا إذْ يجعلنا ندرك أنَّ الوحدة تنتمي إلى الإقرار والإعلان: “أؤمن بالكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية”. تأكيداً لحقيقة الإيمان هذه، يُذكِّرنا المجمع الفاتيكاني الثاني أنَّ “الذين يؤمنون بالمسيح ونالوا المعمودية بشكلٍ صحيح، يكوِّنون شركة مُعيَّنة، رغم أنَّها غير كاملة، مع الكنيسة الكاثوليكية” (الوحدة الكاملة، 3).
لا يزال طريق الوحدة طويلاً:
نعم لقد تمَّ اتِّخاذ خطوات مُهمَّة على طريق الوحدة المسيحيَّة المنظورة والمرئية، ولكن يجب علينا أنْ ندركَ أنَّه لا يزال يتعيَّن علينا تحقيق الكثير والكثير من التَّقدُّم. بهذا الصدد يقول البابا بندكتوس السادس عشر: “علينا أنْ نكونَ ممتنّين لأنَّ الحركة المسكونية “بدافع نعمة الروح القدس” (الوحدة الكاملة، 1)، استطاعت في العقود الأخيرة أنْ تقومَ بخطواتٍ مُهمَّة جعلتْ من الممكن الوصول إلى تقاربٍ مُشجِّع حول مختلف النقاط، كما نَــمَّتْ بين الكنائس والجماعات الكنسيّة علاقات احترام وتقديرٍ متبادل وتعاونٍ حقيقي أمام تحدِّيات العالم المعاصر. ونعلمُ جيدًا، مع كلّ ذلك، بأنَّنا لا زلنا بعيدين عن تلك الوحدة التي صلّى لأجلها المسيح والتي عاشتها الجماعة المسيحيَّة الأولى في أورشليم. الوحدة التي يدعو المسيحُ الكنيسةَ إليها، بواسطة الروح القدس، لا تَتَحقَّقُ فقط على مستوى البُنى التَّنظيمية، بل على مستوى أعمق بكثير، كالوحدة “في الاعتراف بإيمانٍ واحد، في الاحتفال الجماعي للعبادة الإلهيَّة وفي الانسجام الأخوي لعائلة الله” (الوحدة الكاملة، 2). لذلك، فإنَّ استعادة الوحدة بين المسيحيين المنقسمين لا يمكن أنْ يُختصرَ في إقرارٍ بالاختلافات المتبادلة والوصول إلى تعايشٍ سلمي، فما نتوقُ إليه هو تلك الوحدة التي صلّى يسوعُ نفسه من أجلِها، والتي تظهرُ بطبيعتها في شِركة الإيمان والأسرار والتعليم. السيرُ نحو هذه الوحدة لابدّ أنْ يُنظر إليه كحتميةٍ أخلاقيَّة وجواب لدعوةٍ مُحدَّدة من الربِّ. ولذلك لابدّ من التغلُّب على تجارب الاستسلام والتشاؤم، والتي تشيرُ إلى نقصِ الثقة في قدرة الروح القدس. ويكمنُ واجبنا في مواصلة المسيرة نحو هذا الهدف باهتمامٍ كبير وبحوارٍ جاد وعازم من خلال تعميق الإرث اللاهوتي والليتورجي والروحي، وتبادل المعرفة، والتنشئة المسكونية للأجيال الجديدة، وخاصةً من خلال إهتداء القلب والصلاة (من خطاب البابا بندكتوس السادس عشر بمناسبة ختام أسبوع الصلاة لأجل وحدة المسيحيين يوم 25 كانون الثاني من عام 2011).
خلال أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين، نحن جميعًا إذن مدعوّون للصلاة من أجلِ تعزيزِ الوحدةِ وبناءِ المصالحة والسلام، وهي مسؤوليّات مُهمَّة يجب على جميع المسيحيين في جميع أنحاء العالم الالتزام بها. والرجاء الذي تقوم عليه هذه الصلاة هو أنْ يصبحَ جميع سكان الأرض شعبَ الله؛ وليكن الله إلههم. وأنْ تحظى البشرية بنعمة معرفة الفرح والازدهار والسلام من خلال التغلُّب على الانقسامات والصراعات. يجب علينا نحن المسيحيين أنْ نصلّي بصبرٍ حتى يتمّ الوصول إلى “سماواتٍ جديدة وأرضٍ جديدة”؛ عندها فقط “نكونَ له شعباً وهو يكون لنا إلهاً” (حزقيال37/23).
صلاة من أجل وحدة المسيحيين:
“أيّها الربّ يسوع، يا مَن في ليلةِ إقبالك على الموتِ من أَجْلِنا، صَلّيتَ لكي يكونَ تلاميذك بأجمعِهم واحداً، كما أنَّ الآبَ فيكَ وأنتَ فيه. إجْعَلْنا أنْ نشعرَ بعدمِ أمانتِنا ونتألّمَ لانقسامِنا. أَعطِنا صدقاً فنعرفَ حقيقتَنا، وشجاعةً فنطرحَ عنّا ما يَكمُنُ فينا من لا مُبالاة ورَيبَة، ومن عداءٍ متبادَل. وإمنحنا يا ربُّ أنْ نجتمعَ كلُّنا فيك، فتصعدُ قلوبُنا وأفواهُنا بلا انقطاعٍ صلاتَكَ من أجلِ وحدة المسيحيّين، كما تُريدُها أنتَ وبالسُبُلِ التي تُريد. ولنجدَ فيكَ، يا أيُّها المحبّةُ الكاملة، الطريقَ الذي يقودُ إلى الوحدةِ، في الطاعةِ لمحبّتك وحقِّكَ، آميـــــــن.

 

لمسة يسوع

Well-known member
إنضم
20 أغسطس 2022
المشاركات
1,840
مستوى التفاعل
564
النقاط
113
ملح الأرض

رابط المقال: https://milhilard.org/uc06

2024


879798798

رابط المقال: https://milhilard.org/uc06
أصدر مجلس كنائس الشرق النسخة العربيّة من كتيّب “أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين” لسنة 2024، حاملًا عنوان “أحِبَّ الرَّبَّ إلٰهَكَ… وَأحِبَّ قَريبَكَ مِثلَمَا تُحِبُّ نَفْسَكَ” (لوقا 10: 27). جاء اختيار هذا العنوان في وقت يعاني فيه العالم والشرق الأوسط من حروب وصراعات وأزمات وانقسامات عدّة في ظلّ موجة من الظلم واللّاعدالة وخطاب الكراهية.
من هنا يدعونا الكتيّب إلى السير سويّة والصلاة والعمل معًا في محبّة متبادَلة خلال هذه الفترة الصعبة الّتي يواجهها العالم، خصوصًا وأنّ محبّة المسيح الّتي توحّد جميع المسيحيّين هي أقوى من كلّ الإنقسامات وهي الّتي ستتغلّب على كلّ أنواع العنف.
كما يرتكز الكتيّب على النصّ البيبلي (لوقا 10: 25-37)، حيث أعاد يسوعُ التأكيدَ على التعاليم اليهوديّة التقليديّة في سفر التثنية 6: 5، «فَأحِبُّوا الرَّبَّ إلٰهَكُم بِكلِّ قُلوبِكُم وَكُلِّ نُفوسِكُم وَكُلِّ قُدْرَتِكُم »؛ وفي سفر اللّاويّين 19: 18ب، «أحِبَّ قَريبَكَ مِثلَمَا تُحِبُّ نَفْسَكَ».

مقدمة الكتيّب

في مقدّمة هذا الكتيّب الّتي كتبها الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط د. ميشال عبس تحت عنوان “تلك التي لا تسقط أبدًا”، يقول “تطرح هذه الآية التحدي الاكبر على الانسان: ان يحب الرب وان يحب قريبه مثل نفسه. هنا تساوي الآية بين محبة الانسان لنفسه ولربه ولقريبه، وهذه ذروة الايثار وذروة العدالة اللتين تتطلبان تهذيبا للذات وترويضا للأنانية الجامحة.
تحمل هذه الآية في معانيها قيمة أساسية من قيم التماسك والانسجام الاجتماعيين، والجدير التذكير به، خصوصًا لكل من ضلوا السبيل ويتنكرون لإيمانهم، ان سلم القيم هذا، الذي وجد ذروته مع السيد المتجسد، هو أساس الحضارة الحديثة التي نشهد هجوما عليها اليوم في بعض الأوساط وفي بعض المجتمعات في العالم”.

موضوع 2024

أمّا المقدّمة إلى موضوع صلاة سنة 2024 فتشدّد على أنّ “المسيحيّين مدعوّون للإقتداء بالمسيح في المحبّة على مِثال السّامري الصالح، وإظهار الرّحمة والشفقة للمحتاجين، بغضِّ النظر عن هوّيتهم الدينيّة أو العرقيّة أو الإجتماعيّة. يجب ألّا يكون الإنتماء المشترك هو الدّافع إلى مساعدة الآخر، بل محبّة «القريب». لكنّ فكرة محبّة القريب الّتي وضعها يسوع أمامنا يُطاح بها في العالم اليوم.
فالحروب في العديد من المناطق، والإختلالات في العلاقات الدوليّة، وعدم المساواة الناتجة عن التسويات الهيكليّة الّتي تفرضها القوى الغربيّة أو غيرها من الوكالات الخارجيّة، كلّها تعوق قدرتنا على المحبّة مثل المسيح. إنّ المسيحيّين، من خلال التمرّس على محبّة بعضهم البعض، بغضِّ النظر عن اختلافاتهم، يمكنهم أن يصبحوا أقرباء مِثل السّامري في الإنجيل”.
علمًا أنّ “أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيّين” هو ثُمانيّة صلاة يحتفل بها المسيحيّون حول العالم بين 18 و25 كانون الثاني. ويقدّم كتيّب السنة مجموعة نصوص قام بصياغتها فريق مسكوني في بوركينا فاسو بالتّعاون مع جماعة «الدرب الجديد» المحلّية حيث أعدّها سويّة ونشرها المجلس الحبري لتعزيز الوحدة المسيحية ولجنة إيمان ونظام في مجلس الكنائس العالمي، وقام بتعريبها مجلس كنائس الشرق الأوسط كما جرت العادة سنويًّا.
صورة الغلاف هي أيقونة السّامري الصالح، إختارها مجلس كنائس الشرق الأوسط للإحتفالات في الشرق الأوسط تأكيدًا على ضرورة محبّةُ الله والقريب رغم كلّ التحدّيات والصّعاب الّتي تحيط بالإنسان اليوم، وتشديدًا على أهميّة الخدمة والعطاء ومساندة الأشخاص الأكثر عوزًا وضعفًا.




 
أعلى