أشكرك على أدبك الراقي في الخطابة الشيء الذي يَسُرُّ القلب، و هذا ما عهدتك به منذ تسجيلك و أول موضوع لك في المنتدى.
يسعدني أن أكون في خدمتك و الرد على أسئلتك بقدر ما يلهمني الروح القدس .
الكلام عن الموت يدعونا الى الكلام عن الخَلق بسبب الرباط الوثيق بينهما. و لكن قبل ذلك أرى من الضرورة أن ابسط لك ما هو الكتاب المقدس، لأن الكثيرين من المسلمين لا يعرفون الفرق و يخلطون بين الإثنين خلطا يؤدي الى أخطاء كبيرة و فهم مغلوط.
في الكتاب المقدس جزئين، لو صح التعبير، الأول يُسمى العهد القديم، و الثاني العهد الجديد.
العهد القديم الذي فيه أسفار (يعني كُتب، والمفرد سِفر) عديدة لعدة أنبياء كلهم قبل المسيح. هو الكتاب الذي يؤمن به اليهود .و الذي يبدأ بسفر التكوين لموسى الذي كتبها 1400 سنة قبل المسيح مع أربعة أسفار اخرى (كلها تدعى التوراة) و كتب أخرى لأنبياء آخرين تمت كتابة آخر كتاب 400 سنة قبل المسيح. بين دفتي العهد القديم نجد قصة الخلق في سفر التكوين، و الشريعة و النبؤات و من أهمها النبؤات عن مجيئ المسيح التي كتب عنها أكثر من نبي عاشوا في أزمنة مختلفة. كذلك يحكي الكتاب قصص عن تاريخ شعب الله (اليهود) و كل ما مروا به من فترات ترضي الله و أخرى لا ترضيه و ما حصل لهم في كلا الحالتين. هو كتاب تشريعي و تاريحي و تأديبي تحضيرا للعهد الجديد الذي تم بمجيئ المسيح المخلص الذي وعد الله به و كتب عنه كتب الأنبياء في العهد القديم بوحي من الله.
العهد الجديد هو الإنجيل، الكلمة اليونانية التي تعني الخبر السار أو البشرى السارة. وهو ليس كتابا أنزل على المسيح كما يُقال عنه خطأً بل هو عن المسيح و عمله الخلاصي، فالمسيح نفسه هو الخبر السار أو البشرى السارة.
نأتي الى قصة الخلق التي ستأخذنا الى سبب الموت.
نفهم من قراء الكتاب المقدس بعهدية أن الله خلق الإنسان حبا بالإنسان و ليس لأنه بحاجة للإنسان و لعبادة الإنسان. حاشا أن يكون الله في حاجة الى مخلوق ليعبده. هذه الجزئية عن محبة الله للإنسان مهمة لتؤكد أن الله لم يشاء الموت للإنسان.
سفر التكوين الاصحاح الأول يحكي عن الخلق، و نقرأ فيه أن الله
خلق أولاً الأرض و السموات و كل ما فيها
من أجل الإنسان. و قد خلقها كلها في خمسة أيام بكلمته "
ليكُن". و في اليوم السادس خلق الإنسان، و لكن الله ميز الإنسان و طريقة خلقه عن حميع المخلوقات فخلقه على صورته و كشبهه و سلطه على بقية المخلوقات، قائلا:
«نَعْمَلُ الانْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ وَعَلَى كُلِّ الارْضِ وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الارْضِ». هذا السلطة المعطاة للإنسان هي تشبيهه بخالقه و محبة و كرامة من خالقه.
سفر التكوين الأصحاح الثاني يوضح كيف كانت عملية خلق آدم. الله لم يقل "ليكن" بل جبل آدم و نفخ فيه من روحه كما يقول السفر:
جَبَلَ الرَّبُّ الالَهُ ادَمَ تُرَابا مِنَ الارْضِ وَنَفَخَ فِي انْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ ادَمُ نَفْسا حَيَّةً. يا لها من كرامة تفوق كل كرامة. و الكرامة دائما من المُحب االى المحبوب.
الله بمحبته التي تفوق العقل البشري، لم يقيد حرية آدم بل بل أعطاه مطلق الحرية أن يفعل مشيئته أولا يفعلها، و كلنا نعلم أن في استعمال الحرية في الطريق الصحيح فائدة، و في الطريق الغلط الهلاك. و هنا تبدأ قصة الموت.
تقول الشبهات أن آدم لم يمت فوراُ بعد أن أكل من ثمرة شجرة معرفة الخير و الشر، و ذلك إما لعدم فهمهم لمعنى الموت أو طعنا في الكتاب المقدس و إصراراً منهم على رفض المعرفة.
ماذا حصل لأدم و حواء فور أكلهما من الشجرة؟
سفر التكوين الثالث يخبرنا بذلك:
لقد تغيرت طبيعتهما بعد أن أكلا من الشجرة. سقطا من حالة النعمة التي كانا يعيشانها بمعية الرب. هما كانا عريانا من قبل و لم يريا عريهما لأن النعمة حفظتهما من خزي عري الجسد. انفتحت أعينهما لا لينظرا، فإنهما كانا ينظران من قبل، إنما نظرهما كان ليميزا الخير ، أما ألآن فقد فَقَدا الخير و سقطا في الشر و عرفا أنهما عريانان. ليس هذا فحسب بل هما أختبأا من وجه الرب و هما اللذان كانا معه دائما. لماذا؟ لأن اختباءهما هو هروب من القدوس.... الهروب هو ثمر طبيعي للعصيان\الخطية و بالهروب انفصال عن الرب، إذ لا تطيق ظلمة الخطية معاينة النور - نور الله، هذا يوضح قول آدم: "سمعت صوتك في الجنة فخشيت، لأني عريان فاختبأت". في انفصالهما عن الله كان موتهما الروحي الذي تلاه الموت الجسدي.
اذن، الموت حصل فورا بعد أن أكل آدم و حواء من الشجرة و لكنه الموت الروحي. لقد طرد الله آدم و حواء من العيش معه:
سيكون للرد تتمة. الوقت تأخر عندي ليللهاً و لا استطيع الأستمرار.
أطلب من الرب أن أكون قادرة على التكملة غدا، لأني ساتغيب الاسبوع القادم بسبب السفر.
الى اللقاء.